حسان… وفوضى الأديان

بقلم عبد الرازق أحمد الشاعر*

اليوم يتقدّم “الجهاديون” في سوريا خطوة أخرى على رقعة الموت، فيقرّرون – هكذا فجأة – التحوّل من مربع الفساد إلى مربع الفضيلة، وكأن الماء الذي يتعمّدون به في ألمانيا سيكفي لتطهير أرواحهم القذرة من أدران الهمجية وحمامات الموت التي غاصوا فيها من منابت الشعر إلى أعمق أعماق أرواحهم الخربة. في مشهد اليوم، يضع “الجهادي” سيفه خلف الستار، ليخرج على الجماهير المغيبة وفي يده عصا “المسيح” وفي الأخرى كاهن بلغ أرذل العمر لكنه لم يبلغ الرشد بعد.
اليوم يفرغ “المتقاتلون باسم الرب” من دفن موتانا، ومن تقسيم الغنائم، وتوزيع الأسلاب، لكنهم لا يعودون إلى ديارهم، لأنهم يعلمون يقينا أن لا ديار لهم، ولا يذهبون للإله الذي قاتلوا “زعماً” لأجله، لأنهم يعرفون جيداً أن لا إله لهم. اليوم يواصل الممثلون الفاشلون الرقص على حلبة الجهالة ليُقنِعوا أمة طاعنة في الغياب أنهم رسل الزمان الأخير وأنهم القادرون على البعث والنشور وعظائم الأمور.
اليوم يتدفّق “المستغفرون من الإسلام” على معاقل “المخلص” في بلاد المن والسلوى (ألمانيا)، ليدشنوا مرحلة جديدة من الغزو الفكري لعقول البسطاء على الجانبين، ولينقلوا العالم من فوضى المدن إلى فوضى الأديان. من جزّ الرؤوس إلى جزّ العقول، يرحل العابثون من أرض محمد التي عاثوا فيها خراباً بدعوى نصرته، إلى أرض المسيح ليدمروا ما تبقى في صدور الرهبان من رحمة بإسم محبته. وليشعلوا آخر فتيل في جعبتهم الشيطانية ليحرقوا الكرة بما فيها ومن عليها. لكن الغارقين في برك الدماء هنا وفي صحون التعميد هناك لن يستطيعوا خداع حراس الفضيلة على الجانبين، ولن يمنعوا المؤمنين من التصدي لمؤامرتهم الكونية ولو بحراب صدئة.
اليوم يُمارس المارقون من كل الأديان خطتهم الشيطانية ليُطفئوا نور الله، لكن الله حتما سيتم نوره ولو كره الداعشيون. حسّان الذي إدّعى بالأمس زوراً وبهتاناً أنه يدافع عن محمد وهو لا يعرفه، لن يستطيع اليوم أن يتحوّل إلى بولس بمداهنة المسيح وإن تعمّد بالماء والثلج والبرد. ولن يستطيع أن يمحو خطاياه بتقبيل يد كاهن أو مباركة قس، لأن أولياء الدم هنا، والدم الذي أهرقه من شرايين المسلمين فلوّث به دينهم ودنياهم لا يزال رطباً في ميادين العراق والشام التي ضاقت بأهلها. لن ينجو قاضي النصرة من قاضي السماء وإن غاص حتى حقويه في الماء المقدس، لأنه كمن ذهب إلى زوج أمه ليطلب منه الصفح عن قتل أبيه. فلا يخدعنكم أيها الطيبون مروق هذا أو فسوق هذا، ولو لبس هذا عمامة أزهري أو تزيّى في زي قديس، فقد نبأنا من لا ينطق عن الهوى عن حسّان وأمثاله الذين يمرقون من الإسلام مروق السهم من الرمية. وكلما زاد هؤلاء عدداً، زدنا يقيناً في صدق المعصوم عليه وعلى عيسى وكل الأنبياء والمرسلين السلام.
الحرب المقبلة أيها الطيبون ليست حروب مياه، وإنما حروب ضد الله. والمتقاتلون على الجانبين جنود مسيخ لا يقتلون المؤمنين فحسب، بل يرمون بحرابهم القذرة وجه السماء، يراهنون على قتل الرب في عليائه كما قتلوه في صدور المؤمنين بعدما نشروا الرذائل كلها على الشاشات والطرقات وفي النوادي والمخادع. سيواصل المتآمرون على محمد والمسيح حروبهم القذرة، وسيجمعون من كل قبيلة فتى جلداً ليقتلوا الفضائل أو ما تبقى منها وسيسعون في الأرض فساداً، والله لا يحب الفساد. فشمّروا عن سواعدكم أيها المخلصون على الجانبين وإبعثوا الإيمان في قلوب أتباعكم ولا يجرنكم المفسدون إلى حرب لم يخضها المسيح ولم يدعُ إليها محمد، ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألّا تعدلوا.

• أديب، كاتب وصحافي مصري.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى