مُفاوضات فيينا ومأزق العرب

عرفان نظام الدين*

يُخطئ أي عربي إذا ظنَّ، ولو للحظة واحدة، أن الولايات المتحدة ستُحارب أي دولة دفاعاً عنه وعن أُمّتِهِ. ويُخطئ أكثر إذا اتّكل على أي رئيس اميركي ووضع بيضه كله في سلّته في أيّ موقفٍ أو قرار. فالتصعيد الذي شهدناه قبل المفاوضات بين إيران والولايات المتحدة ما هو إلّا فقّاعة في الهواء، ومُجرَّد تسخينٍ للحصول على أكبر قدرٍ من المكاسب وفرض الشروط.

الغزلُ قائمٌ بين الطرفين، وهناك ألفُ بابٍ ونافذة للحوار من تحت الطاولة وفوقها، و دخول أطرافٍ عدة للوساطة وحلّ الخلافات القائمة، من بينها اليابان وألمانيا وسويسرا وسلطنة عُمان، جنباً إلي جنب مع مفاوضات فيينا، عدا عن المواقف الروسية التي تُعبّر عن الرغبة بلعب دورٍ ما في هذه الأزمة عبر إطلاق إشاراتٍ عدة لطمأنة المعنيين، والتلويح بإغراءاتٍ وتنازلاتٍ لفتح باب الحوار.
أما العرب، ولا سيما “الدول المعنية بالأزمة”، فهم الذين سيدفعون الثمن في حالَتَي الحرب والحوار وصولاً إلى اتفاقٍ جديد لا يتعلّق بالملف النووي فحسب، بل بملف الصواريخ والتتدخّلات الإيرانية في المنطقة، ومن ثم تحديد الحصة الدسمة التي ستحصل عليها أميركا من المشاريع والنفط وحفظ مصالحها. فالولايات المتحدة ترنو بعينيها إلى إيران كهدفٍ أساس لصَيد المكاسب باعتبارها خزّاناً مُستقبلياً لهيمنتها، والمالكة لأكبر حجم من احتياطات النفط والغاز، إضافةً إلى حاجتها لانفاق المليارات على إعادة البناء وإصلاح الوضع الاقتصادي.

أما العرب فهم آخر مَن يَعلَم وأوّل مَن يدفع الثمن بعد حماستهم لأخذِ مواقف مُتشدّدة، والتصعيد بعد حملة تحريضٍ أميركية ثمنها مليارات الدولارات من الأسلحة والمعدّات، إضافةً إلى تعزيز الوجود العسكري الأميركي في الخليج، ما يعني تضاؤل القدرة على اتخاذِ أي قرار .

فحتى لو وقعت الحرب، فهي ستكون باهظة الثمن يدفع جلّه العرب ودول الخليج والأمّة بكاملها، لأنهم وُضِعوا في المواجهة. وإذا انتقل الغزل إلى حوارٍ جدّي فإنّ الثمن سيكون مُضاعفاً ولهذا لا بدّ من الحذر وتوحيد الجهود لاستعادة زمام المبادرة ورفض فرض الأمر الواقع على العرب. ومن المُستحسَن أيضاً أن يتم فتح حوارٍ إيجابي مع إيران (وهذا ما لجأت إليه السعودية) مُوازياً للحوار الأميركي من أجل ضمان إحلال السلام ووقف تدخّلات إيران في الشؤون العربية، وهو أمرٌ صعب لكنه غير مستحيل .
الفرصة سانحة، ولكن أين هو الشجاع الذي سينتهزها لتجنيب المنطقة أخطاراً لا نهاية لها؟

  • عرفان نظام الدين هو كاتب، صحافي ومُحلِّل سياسي عربي. كان سابقاً رئيس تحرير صحيفة “الشرق الأوسط” السعودية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى