شدّ الحبل المُعيب حول موعد الانتخابات في لبنان

مايكل يونغ*

في وقت سابق من هذا الشهر، أقرّ مجلس النواب اللبناني تعديلات على قانون الانتخاب الذي سيحكم انتخابات البلاد المُقرَّر إجراؤها في ربيع العام 2022. ومن غير المُستغرَب أن التعديلات كانت في المقام الأول لضمان احتفاظ الكتل الرئيسة في البرلمان بسلطتها التشريعية. ومع ذلك، فإن معارضة الرئيس ميشال عون وصهره جبران باسيل لتعديلات رئيسة قد عقّدت الأمور إلى حدٍّ ما.

كان هناك تعديلان هما الأكثر دلالة. أوّلاً، حدّد مجلس النواب موعد الانتخابات في 27 آذار (مارس) 2022، أي قبل شهر ونصف الشهر من التاريخ المُتوَقَّع في 8 أيار (مايو). ثانياً، سمح تعديل آخر للبنانيين في الشتات بالتصويت كما في 2018، لكنه حدّدَ لهم الاقتراع للبرلمانيين في مناطقهم الأصلية في لبنان بدلاً من كتلة المُرَشَّحين، الذين هم جُزءٌ من محيط الشتات الخاص، المُكَوَّنة من ستة مقاعد.

احتجَّ اعون وباسيل على الفور، ورفض رئيس الجمهورية التوقيع على القانون الجديد. لا يستطيع عون عرقلة التشريع، لكن يمكنه تأخيره من طريق إعادته إلى البرلمان لتعديله.

التعديلان مُرتَبِطان. من خلال تقديم موعد الانتخابات، سعت غالبية الكتل، وعلى رأسها “حزب الله” و”حركة أمل” برئاسة رئيس مجلس النواب نبيه بري، إلى القيام بأمرين. الأوّل هو حرمان الناخبين الشباب الذين كانوا سيبلغون 21 عاماً في أيار (مايو) 2022، وهو سنّ الاقتراع، ما يُقلّل من عدد الناخبين المُعادين إلى حدٍّ كبير للقيادة السياسية. وقدّر عون عددهم بأكثر من 10,000 ناخب.

ثانياً، سعت التعديلات إلى إضعاف أصوات الشتات. غالبية ناخبي الشتات، مثل باسيل، مسيحية، وهو يأمل، ويفترض، أن يفوز بالعديد من أصواتها لأنه المسؤول الذي أخذ زمام المبادرة في منحهم حقوق التصويت. لكن بسبب العقوبات الدولية المفروضة على “حزب الله”، لا يستطيع الحزب القيام بحملاتٍ بحُرِّية في مجتمعات الشتات، ما يزيد من عدم حماسه لأصوات الخارج.

علاوة على ذلك، في منع إنشاء كتلة الشتات المنفصلة المُكَوَّنة من ستة مقاعد، حرص البرلمانيون على تخفيف أصوات الشتات في الدوائر الحالية، لأن الكثيرين من اللبنانيين في الخارج يُندّدون وينتقدون السياسيين بشدّة. كما منع القرار تشكيل كتلة منفصلة جديدة في البرلمان يمكن أن تنضم إلى الكتلة التي يقودها باسيل.

وكانت هناك دوافع أخرى وراء إجراء الإنتخابات في آذار (مارس). أحدها أنه يمنح وقتاً أقل لجماعات المعارضة لتشكيل قوائم مُوَحَّدة، الأمر الذي يكون مفيداً لصالح أحزاب المنظومة الحاكمة. ومن شأن إجراء انتخابات مبكرة أن يَحول دون ترشّح المدير العام لمديرية الأمن العام اللواء عباس إبراهيم. بصفته موظّفاً رسمياً، يجب أن يكون قد تقاعد قبل الانتخابات بستة أشهر حتى يحقّ له الترشّح. وبحسب بعض المعلومات، يريد برّي منع هذا الأمر لأن الكثيرين من الناس يعتبرون أن إبراهيم هو الخليفة المحتمل له.

لكن هناك أمراً واحداً يلوح في الأفق فوق الانتخابات البرلمانية الربيعية قبل كل شيء – الانتخابات الرئاسية في الخريف المقبل. إذا كان هناك سببٌ واحدٌ لعدم رغبة غالبية الكتل في تصويت الشتات، فهو حرمان باسيل من فرصة ليقول إنه يحتفظ بشعبية بين المسيحيين، وبالتالي يحق له أن يخلف عون، والد زوجته، كرئيس للجمهورية. نظراً إلى عدم شعبية باسيل على نطاق واسع محلياً، فهذه ليست قضية ثانوية بالنسبة إليه.

قال باسيل إنه سيستأنف التعديلات أمام المجلس الدستوري، لكنه أجّل قراره في الوقت الحالي. إذا استغرق المجلس بعض الوقت لاتخاذ قرار، فقد يؤخّر ذلك تسجيل ناخبي الشتات، وبالتالي الانتخابات. وهذه النتيجة قد تُرضي الكثيرين من الكتل النيابية التي تتشكّك في فوزها بالمقاعد نفسها في الانتخابات.

قد يعني التأخير في إجراء الانتخابات، على الأرجح، أن البرلمان الحالي سينتخب رئيس الجمهورية المقبل، حتى لو لم يكن ذلك مرجحاً للغاية. لا يتمتع باسيل بأغلبية في هذا المجلس التشريعي. في حين أن عون وباسيل مُتشبّثان بالوضع الراهن، فقد زعزعا استقرار الطبقة السياسية من خلال لعب السياسة الشعبوية لتعزيز ترشيح باسيل. لذلك قد ترى القوى الأخرى في البرلمان فرصة لتقويض طموحاته.

الخلاصة الرئيسة من التعديلات هي أن القادة السياسيين يواصلون منع حدوث أي تغيير في النظام السياسي الذي يترأسّونه. في حين أن قانون الانتخابات يقوم على مبدأ النسبية، حيث يُظهر نوعاً من الشعور بالانفتاح على القوى الجديدة، فإن عتبة الدخول إلى البرلمان تبدو مرتفعة ووازنة ضد القوائم المعارضة للمنظومة.

من جهتها، تعمل قوائم المعارضة منذ شهور لتشكيل ائتلاف وطني، لكن الجهود تعطّلت بسبب الانقسامات حول التكتيكات. لا يزال هناك مخزون كبير من الاستياء على الطبقة السياسية التي نهبت لبنان وفقّرت مجتمعه، لذلك يمكن توقع بعض المفاجآت. ومع ذلك، فإن التبعية الواسعة النطاق أعطت الأحزاب السياسية الطائفية المزيد من النفوذ على الناخبين الضعفاء.

في الوقت الحالي، تشمل الخلافات حول قانون الانتخاب المُعَدَّل إلى حدٍّ كبير الحسابات الصغيرة للقادة السياسيين. الشعب مُفيدٌ فقط كعاملِ في تنظيم تنافسهم. في حين أن هذا كان يجب أن يعطي دفعة للمشاعر العميقة المُعادية للنخبة في البلاد، فمن المرجح أن يتلاعب السياسيون بالانتخابات لإعادة إضفاء الشرعية على أنفسهم، بعد عامين من مواجهة الازدراء العام.

يُخبرنا هذا بالكثير عمّا أصبحت عليه الانتخابات في لبنان. فبدلاً من أن تكون استفتاءً على أداءِ القادة، أصبحت الآن دعامة تسمح للسياسيين بإدامة الثبات السياسي. هذا لا يعني أن الانتخابات لا تخدم أيّ غرض، ولكن عندما تكون مصالح الناس هي الأشياء الأقل تأثّراً بنتيجة التصويت، فمن السهل أن نرى سبب وضع لبنان في مثل هذه الضائقة الأليمة.

  • مايكل يونغ هو رئيس تحرير “ديوان”، مُدوّنة برنامج كارنيغي الشرق الأوسط، بيروت، وكاتب رأي في صحيفة “ذا ناشيونال” الإماراتية. يُمكن متابعته عبر تويتر على:  @BeirutCalling
  • كُتِبَ هذا المقال بالإنكليزية وعرّبه قسم الدراسات والأبحاث في “أسواق العرب”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى