رُغمَ كل خطاباته، “حزبُ الله” لا يستطيع تحمّل تكاليف حربٍ شاملة مع إسرائيل

مايكل يونغ*

وفقًا للصحافي الإسرائيلي باراك رافيد، أبلغت إيران إسرائيل أنها ستضطر إلى التدخّل بشكلٍ غير مباشر إذا استمرّت العملية العسكرية الإسرائيلية في غزة. وقد يعني هذا أنَّ “حزب الله” سوف يُصَعّد هجماته ضد الدولة العبرية في محاولةٍ لمنع انتصار إسرائيل على حركة “حماس”، وهو ما قد يؤدي في ظلِّ ظروفٍ مُعَيَّنة إلى تدمير لبنان.

مع ذلك، هناك العديد من الأشياء المجهولة. إنَّ فَتحَ كافةِ الجبهات ضد إسرائيل ـمن لبنان وسوريا وغزةـ من شأنه أن يجتذبَ الأميركيين على الأرجح. لقد نشرت واشنطن مجموعتيَن قتاليتين من حاملات الطائرات في شرق البحر الأبيض المتوسط لإظهارِ الدعم لإسرائيل، إلى جانب العديد من المدمّرات التي لديها القدرة على إسقاط الصواريخ الآتية. وتنتشر القوات الأميركية أيضًا على طول الحدود السورية-العراقية، ويمكن أن تحاول منع الميليشيات الموالية لإيران في العراق من دخول المعركة، إذا لزم الأمر.

من المؤكد أن هذا السيناريو الكابوس لا يريده أيٌّ من الأطراف الرئيسة ــ الولايات المتحدة، وإيران، وإسرائيل، و”حزب الله”ــ ولكن المواقف التي حبسوا أنفسهم فيها لا تؤدّي إلّا إلى زيادة احتمالات التوصّل إلى مثل هذه النتيجة. من الممكن أن الجميع يلعبون لعبة حافة الهاوية، ولكن من المعقول أيضًا أن تندلعَ حربٌ إقليمية.

ما تمَّ تجاهله إلى حدٍّ كبير في كلِّ التكهنات والتوقّعات هو كيف يمكن أن تؤثر هذه الديناميكيات في لبنان داخليًا. كثيرًا ما أشار المسؤولون الإسرائيليون إلى أنهم في أيِّ صراعٍ جديد مع “حزب الله” سوف يدمّرون البلاد، وهو ما يعني أهدافها الاستراتيجية، مثل المطار والموانئ وغيرهما من البنى التحتية، فضلًا عن القرى والمناطق الحضرية، وخصوصًا المناطق الشيعية. وتقف غزة كشاهدٍ على ما يمكن للإسرائيليين أن يفعلوه.

مع ذلك، هل الصراع الشامل بين “حزب الله” وإسرائيل أمرٌ مفروغ منه؟ بينما لا يوجد أيُّ شيء آخر قد يلفت انتباه إسرائيل بعيدًا من سحق “حماس”، فمن الممكن، لتجنّب وقوع خسائر فادحة ودمار كبير، أن يمتنع “حزب الله” والإسرائيليون عن الذهاب إلى ذلك. والسؤال المركزي إذًا هو: هل سيستهدف “حزب الله” أو إسرائيل المواقع والمدن الاستراتيجية على الجانب الآخر؟

إذا ظلّ الصراع بين “حزب الله” وإسرائيل محصورًا في مناطقهما الحدودية، فسوف ينظر إليه الطرفان على أنه يجري ضمن قواعد اللعبة المقبولة. وهذا ما حدث في الأيام العشرة الماضية عندما استوعب “حزب الله” وإسرائيل الخسائر بدون التصعيد إلى المزيد من القصف المتعمق لبلد كل منهما.

قد يمثل هذا إطارًا لحربٍ واسعة النطاق. والسبب هو أن “حزب الله” يجب أن يُدرِكَ أن ردَّ الفعل العنيف في لبنان على مثل هذا الصراع يمكن أن يكون شديدًا بالنسبة إليه. من الصعب أن نتصوَّرَ أن الطوائف الدينية اللبنانية ستتفق على إعادة بناء الدولة كما كانت بعد حربٍ مدمِّرة. وفي الوقت الذي يشير المسيحيون بالفعل إلى أنهم يفضّلون الطلاق من الأغلبية المسلمة في البلاد، فإن مثل هذا الصراع قد يدفعهم إلى اتخاذ خطوات لتعزيز استقلالهم الذاتي.

ولكن هل سيكون المسيحيون وحدهم في الرد بغضب على الحرب المفروضة؟ السنّة والدروز مُعادون بالقدر نفسه لتصرفات “حزب الله” في هذا الصدد. أما بالنسبة إلى الطائفة الشيعية، فمن المؤكد أنها ستتحمّل العبء الأكبر من الانتقام الإسرائيلي. وخلافًا لما حدث في العام 2006، قد لا يكون هناك أي استعداد من جانب الدول الإقليمية، أو حتى إيران، لتمويل إعادة بناء القرى الشيعية والضواحي الجنوبية لبيروت. إن غضب الشيعة من “حزب الله” يمكن أن يشلَّ إلى أجل غير مسمى قدرة الحزب على إعادة تشكيل نفسه كقوة فعالة.

والأسوأ من ذلك أن لبنان في حالة من الفوضى قد يمهد الطريق لخلافٍ داخلي بين المجتمعات التي يتورّط فيها “حزب الله” لفترة طويلة. ويدرك الحزب ذلك ويعلم أن الصراع المدني اللبناني سيكون الخيار الأفضل بالنسبة إلى إسرائيل، بالطريقة نفسها التي أثبتت بها الحرب الأهلية في البلاد أنها كادت أن تكون قاتلة لمنظمة التحرير الفلسطينية.

منذ اللحظة التي بدأ فيها “حزب الله” بطرح الفكرة المجنونة المتمثلة في “توحيد الساحات” -وهي فكرة أن الهجوم الإسرائيلي على إحدى الجبهات اللبنانية أو السورية أو الفلسطينية، أو الهجمات على الأماكن الدينية مثل المسجد الأقصى، من شأنه أن يثير الرد على الجبهات الأخرى– كان واضحًا أنَّ الحزب، مع راعيته إيران، يريد ربط مصير لبنان بالقضية الفلسطينية.

بالنسبة إلى العديد من اللبنانيين، وبخاصة الشيعة، لا بد أن ذلك قد يعيدهم عقودًا إلى الوراء، عندما جلب الوجود الفلسطيني المسلح نكبات متتالية على لبنان. ابتداءً من الستينيات، أدى القتال بين الفلسطينيين وإسرائيل إلى تدمير القرى الشيعية. وفي وقتٍ لاحق، بعد أن بدأت الحرب الأهلية في العام 1975، غزت إسرائيل لبنان مرتين لمحاربة الفلسطينيين، ودمرت مرة أخرى القرى الشيعية.

كيف سيحافظ “حزب الله” على قوته في لبنان إذا كانت النتيجة استياءً وطنيًا ضد الحزب وسط وضع اقتصادي كارثي؟ فضلًا عن ذلك فإن المؤسسة اللبنانية الوحيدة التي تظل عاملة هي الجيش، ولا يريد “حزب الله” أن يتحوّلَ إلى نقطة تجمع وتركيز للمجتمع اللبناني المذهول والمدمّر ضده.

ولهذا السبب، في ظل اصطفاف إسرائيل والولايات المتحدة ضد إيران وحلفائها، قد يسعى “حزب الله” إلى تجنب حرب شاملة، وإلّا فإن هذا قد يؤدي إلى شرق أوسط جديد حيث ينقلب ميزان القوى ضد إيران. ويبدو أن الوضع الداخلي اللبناني لا يثير اهتمام سوى قِلة من المحللين، ولكنه قد يكون نقطة الضعف الحقيقية التي يواجهها “حزب الله”.

  • مايكل يونغ هو رئيس تحرير “ديوان”، مُدوّنة برنامج كارنيغي الشرق الأوسط، بيروت، وكاتب رأي في صحيفة “ذا ناشيونال” الإماراتية. يُمكن متابعته عبر تويتر على:  @BeirutCalling
  • كُتِبَ هذا المقال بالإنكليزية وعرّبه قسم الدراسات والأبحاث في “أسواق العرب”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى