جائحةُ كورونا تُعمِّقُ وتُفاقِم أزمةَ الجوع

بقلم كابي طبراني

قيل الكثير عن التأثير المُدمّر لوباء “كوفيد-19” في الإقتصاد العالمي وتعطيله للأعمالِ وسُبُلِ العيش. إن التفشّي، وما تلاه من إغلاقٍ وقيودٍ على الحركة، أثّرا بشكل خاص في أضعف شرائح المجتمع، ما زاد من عدم المساواة في الثروة في جميع أنحاء العالم.

هناك مخاوفٌ كبيرة من أن الركود العالمي سيمنع المانحين التقليديين من تقديم المساعدة الإنسانية اللازمة لدرءِ آثارِ جائحة كورونا في الدول النامية.

إن الضحايا الأساسيين لهذه المأساة هم الفقراء. وقد توقّع تقريرٌ للأمم المتحدة أن يدفع الوباء 14 مليون عربي إلى ما دون خط الفقر.

ويُقدّر البنك الدولي أنه بحلول نهاية العام 2020، سترتفع مُعدّلات الفقر “للمرة الأولى منذ العام 1998″، وأنه من المتوقّع حدوث “انخفاضٍ حاد” في الناتج المحلي الإجمالي للفرد. ووفقاً للأمم المتحدة، فإن الفيروس وتأثيره في الحياة اليومية سيؤدي إلى وفاة 10,000 طفل كل شهر. وسوف يموت ما مجموعه 128 ألف طفل إضافي في العام الأول للوباء، بسبب الجوع وسوء التغذية ومحدودية الوصول إلى الغذاء والمساعدات.

في البلدان النامية، عَزَلَ تقييدُ الحركة المجتمعات الريفية عن المدن، ما جعل المزارعين غير قادرين على الوصول إلى أسواق المدينة. وتُشير الأمم المتحدة إلى أن الأشخاص في المناطق الريفية الذين يبحثون عن المساعدة الغذائية والطبّية يزدادون عُزلةً أكثر من السابق.

نتيجة لذلك، ينامُ المزيد من الأطفال مُتضوّرين جوعاً. منذ بداية الوباء، إرتفع عدد الأطفال الذين يُعانون من “الهزال”، وهو شكلٌ حاد من سوء التغذية يتجلّى من خلال بطون مُنتَفخة وأطرافٍ هزيلة، بأكثر من نصف مليون في الشهر. وقد طلبت أربع وكالات تابعة للأمم المتحدة ما لا يقل عن 2.4 ملياري دولار من المساعدات الدولية، وهي ضرورية على الفور من أجل معالجة الجوع العالمي. إذا فشل المجتمع الدولي في العمل والتصرّف في الوقت المناسب، فإن جائحة كورونا ستؤدي إلى مجاعات ذات “أبعادٍ كارثية”، وفقاً لرئيس برنامج الأغذية العالمي، ديفيد بيسلي.

حتى قبل تفشّي المرض، كانت بلدانٌ مثل فنزويلا، حيث جعل التضخم المرتفع الأجور عديمة القيمة، يُعاني ثلث سكانها من الجوع. واضطر الملايين إلى الهجرة بحثاً عن فُرصٍ أفضل. ومن المرجّح والمُتوَقّع أن يجعل الوباء هذه الأرقام أعلى.

في الشرق الأوسط، يلوح سيناريو فنزويلا فوق لبنان وسوريا، حيث تنخفض قيمة العملات المحلية بشكل حاد، ما يؤدي إلى التضخّم وزيادة الفقر وانعدام الأمن الغذائي. بالأمس، خفّضت وكالة موديز للمستثمرين الدرجة الإئتمانية للبنان إلى “C” من “Ca”، وهو التصنيف عينه لفنزويلا.

وقد رسَمت صحيفة “دايلي تليغراف” البريطانية في تقريرٍ، أعدّته مراسلتها في بيروت أبي تشيزمان، سيناريوهات سوداوية عن الوضع الإجتماعي في لبنان، مُتوَقِّعةً أن يموت الناس من الجوع في هذا البلد الصغير جرّاء الأزمات المُتلاحقة التي تعصف به.

وفي هذا التقرير، أكّد الأستاذ المساعد في برنامج الأمن الغذائي في الجامعة الأميركية في بيروت، مارتن كولرتس، أن لبنان يتجه إلى تكرار مجاعة 1915-1918 التي مات فيها نصف سكان البلاد آنذاك. مُضيفاً أنه “بحلول نهاية العام، سنشهد 75% من السكان يحصلون على معونات غذائية، ولكن السؤال هو ما إذا كان سيكون هناك طعامٌ يتم توزيعه”.

وأفادت الأمم المتحدة في حزيران (يونيو) الفائت أن عدد السوريين الذين يفتقرون إلى المواد الغذائية الأساسية زاد بواقع 1.4 مليون شخص منذ مطلع العام الجاري، لتصل نسبة مَن هُم تحت خط الفقر إلى 90 في المئة من إجمالي سكان سوريا الحاليين.

وأدّى الوباء أيضاً إلى تفاقم الأزمات في أفغانستان والصومال واليمن، التي أصبحت الآن على شفا المجاعة. قبل اندلاع الحرب الأهلية في العام 2015، كانت اليمن أصلاً واحدة من أفقر دول العالم العربي. اليوم، بينما يضرب النزاع – بالإضافة إلى فيروس كورونا والأمراض المعدية الأخرى – البلد المُقسَّم، أصبح اليمنيون عرضةً بشكل خاص للجوع والمرض.

في العام 2015، إعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة 17 هدفاً للتنمية المُستدامة حتى العام 2030. وكان أهمها الإلتزام بالقضاء على الفقر والجوع في جميع أنحاء العالم. لكن فيروس كورونا عرقل التقدّم المُحرَز على هاتين الجبهتين. هناك حاجة إلى اتخاذ إجراءات عاجلة لمنع وقوع كارثة في جميع أنحاء العالم وعكس سنوات التقدم، والعمل على حماية ومساعدة أضعف الدول.

  • كابي طبراني هو رئيس تحرير “أسواق العرب”. يُمكن متابعته على تويتر: @GabyTabarani

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى