أولَوِيّاتُ “حزب الله” عدم التخلّي عن سلاحه

مايكل يونغ*

في خطابٍ ألقاهُ الأسبوع الفائت في ذكرى حرب 2006 التي وقعت بين “حزب الله” وإسرائيل، كشف الأمين العام للحزب، السيد حسن نصر الله، القناع قليلًا عن نواياه على الصعيد الوطني. في هذه العملية، أظهر بشكلٍ غير مباشر أن “حزب الله” يدخل في طريق مسدود بالنسبة إلى مستقبله، على الرُغم من قوته العسكرية الكبيرة.

في مناقشته لترسيم الحدود اللبنانية-الإسرائيلية، أعلن نصرالله أنه لن تكون هناك مثل هذه العملية. وبدلًا من ذلك، أعلن أن هناك “12 أو 13 نقطة [حدودية]” استمر الخلاف حولها بين الجانبين. إسرائيل لا تزال منتشرة في هذه المناطق وكان عليها الانسحاب منها، لكن “حزب الله” يعتقد أن هذه المسألة هي “مسؤولية دولية”، لذلك لم يقم بعمليات عسكرية لإخراج الإسرائيليين من هذه الأماكن.

كانت هناك رسالتان ضمنيتان في تعليقات نصر الله حول ترسيم الحدود. أوّلًا، كان رفض المشاركة في ترسيم الحدود يهدفُ، من حيث المبدَإِ، إلى التأكيد على أنَّ الحزبَ لن يمنح إسرائيل أيَّ اعترافٍ قانوني بالأرض. وأوضح أنه على عكس الحدود البحرية “تم ترسيم” الحدود البرية بين العامين 1920 و1923، وهذه الحدود “كانت واضحة ولبنان يعرف حدوده”.

والرسالة الثانية هي أن “حزب الله” يسعى ضمنيًا إلى الحفاظ على الغموض في ترسيم الحدود ليتمكن من القول إنَّ إسرائيل تواصل احتلال أراضٍ لبنانية. وأكد نصر الله أن هذا بدوره يسمح للحزب بتبرير استمرار ترسانته من الأسلحة، والتي “لن يسمح “حزب الله” [لأيٍّ كان] مهاجمتها”.

بعبارةٍ أخرى، وضعَ نصر الله فعليًا سلسلةً من الشروطِ التي تجعل من المستحيل على أيِّ شخصٍ الدخول في مفاوضات مع الحزب لتسليم أسلحته ووضع حدٍّ لما يسميه “حزب الله” “المقاومة”. لم يكن هذا مُفاجئًا، إذ أن الحزب قد أمضى أكثر من عقدين، منذ الانسحاب الإسرائيلي في أيار (مايو) 2000، بخلق الذرائع وإيجاد الأسباب لإدامة الشذوذ المتمثّل في احتفاظ جهة فاعلة مُسلّحة من غير الدول (ميليشيا) بأسلحتها لضمان صعودها في دولةٍ ضعيفة.

ومع ذلك، من الناحية المفاهيمية، إلى أينَ من المُحتمَل أن يؤدي هذا؟ في الواقع، يعمل “حزب الله” في سياقٍ طائفي للغاية، لذا من المرجح أن تؤدي جميع الخيارات التي تركها لنفسه إلى توتّراتٍ أكبر داخل لبنان ومشاكل مُحتَملة للحزب.

إذا كان هدف “حزب الله” هو ببساطة ترسيخ الوضع الراهن، كما يبدو، وعدم السماح بأيِّ تغييرٍ قد يُهدّدُ سلطته ونفوذه، فكلُّ ما يفعله حقًا هو الحفاظ على تماسكِ نظامٍ مُختل إلى حد كبير، وحتى فاشل. وسيؤدي ذلك إلى تفاقم الاستياء في البلاد، لأن “حزب الله” يخشى بشدة من كل جهود الإصلاح التي قد تؤدي إلى تحسين الوضع الاجتماعي والاقتصادي للبنانيين، مُعتبرًا ذلك خطوات قد تُضعِفُ النخبة السياسية التي يعتمد عليها الحزب في الحفاظ على النظام الداخلي.

والأسوأ من ذلك، أن هذا الاستياء سيأخذ صبغةً طائفية بشكلٍ متزايد. بالفعل، على سبيل المثال، يُعارضُ العديد من المسيحيين علنًا العقد الاجتماعي الحالي المحطّم والمنهار، ويدعون إلى مزيد من الفصل بين الطوائف الدينية اللبنانية، سواء من خلال النماذج الفيدرالية أو حتى التقسيم. يذهب المنطق إلى أنه إذا كان “حزب الله” الشيعي يريد الدولة، فعندئذ يريد المسيحيون تقييد علاقاتهم بهذه الدولة.

وإدراكًا لهذا الوضع، قد يقرر “حزب الله” تقديم تنازلات انتقائية، لامتصاص السخط الطائفي، مع الاحتفاظ بالسيطرة على مرتفعات قيادة الدولة. سيكون الأمر يتعلق بتغيير كل شيء بحيث يظل كل شيء على حاله، على سبيل الاقتباس من رواية “النمر” لجوزيبي دي لامبيدوزا.

ومع ذلك، من غير المرجح أن يحدث هذا، لأن حتى محاولات التغيير التجميلي يمكن أن تؤدي إلى ديناميكيات قد تقلل من قوة “حزب الله”. وبحسب ما ورد في بعض التقارير، تعتبر القيادة الإيرانية، من خلال مرشدها الأعلى آية الله علي خامنئي، محاولات ميخائيل غورباتشوف في البيريسترويكا والغلاسنوست في الاتحاد السوفياتي قصة تحذيرية. فهو يعتقد أن غورباتشوف، في محاولته إصلاح النظام للحفاظ على السلطة الشيوعية، سارع فقط في سقوطها.

الخيار الثالث، وهو إعادة صياغة النظام الدستوري اللبناني بشكل جذري بطريقة ترسيخ هيمنة “حزب الله”، يمثل إشكالية مماثلة، لا سيما في بيئة طائفية حيث تشعر الطوائف الأخرى بالتهديد من المكاسب الشيعية. وأصرّ نصر الله في خطابه على أن الأحزاب السياسية الشيعية لا تسعى إلى تغيير الدستور لتعزيز حصة المجتمع الشيعي في السلطة. لكنه أضاف بشكلٍ أوضح أن “حزب الله” مستعدٌ لتطوير أو تغيير النظام إذا أراد لبنانيون آخرون ذلك.

في الوقت الحالي، يبدو أن نصر الله يركز على الحفاظ على الوضع الراهن. يمكنه فعل ذلك لأنه يواجه مجتمعًا مسيحيًا منقسمًا ومجتمعًا سنّيًا بلا قيادة إلى حد كبير. والحقيقة أن “حزب الله” بدأ خطوات للمصالحة مع “التيار الوطني الحر” المسيحي حليفه السابق الذي اختلف معه حول دعم “حزب الله” لسليمان فرنجية كمرشح للرئاسة. ويأمل “حزب الله” أن يؤدي هذا مرة أخرى إلى انقسام المسيحيين، الذين اتحدوا بشكل مفاجئ في رفض فرنجية.

أهل السنّة مسألة أخرى. كما يمكن القول، أكبر مجتمع في لبنان، أن السنّة يشكلون التحدّي الرئيس طويل الأمد ل”حزب الله”. في حين أنه من غير المحتمل أن يحدث شيء في المدى القصير، فإن عدم رغبة “حزب الله”، بل وعدم قدرته، على تغيير أي شيء وتحقيق الاستقرار في تفوقه في إطارٍ طائفي مُتقلّب يمثّلُ مخاطرة. بالنسبة إلى معظم المجتمعات، فإن الوضع الحالي في لبنان لا يطاق. مع تآكل النظام بشكل أكبر، من المرجح أن تصبح استراتيجية عدم الحركة للحزب أكثر تكلفة.

  • مايكل يونغ هو رئيس تحرير “ديوان”، مُدوّنة برنامج كارنيغي الشرق الأوسط، بيروت، وكاتب رأي في صحيفة “ذا ناشيونال” الإماراتية. يُمكن متابعته عبر تويتر على:  @BeirutCalling
  • كُتِبَ هذا المقال بالإنكليزية وعرّبه قسم الدراسات والأبحاث في “أسواق العرب”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى