الإكتتابات العامة الأولية تُشعِل السوق المالية في مصر

على الرغم من الهزة التي عصفت بأسهمها في آب (أغسطس) الماضي، فإن إستعادة عنوان الإستقرار والقوائم الجديدة قد ساعدا على تنشيط أسواق رأس المال في مصر في المدى المتوسط، حيث أعطى إقبال المستثمرين على الأصول في جميع أنحاء المنطقة دفعة إضافية.

الرئيس عبد الفتاح السيسي: أصدر قرارات مهمة ولكن..
الرئيس عبد الفتاح السيسي: أصدر قرارات مهمة ولكن..

القاهرة – هدى أحمد

بعدما سجّلت نمواً تجاوز ال30٪ في العام الفائت، واجهت البورصة المصرية بضعة أشهر صعبة، مع إنخفاض في المؤشر. ومع ذلك، فإن موجة الإكتتابات العامة الأولية، وتغيّر مؤشرات سوق الأوراق المالية المصرية، وزيادة إصدارات السندات التي تبدو في الأفق، تشير كلها إلى تجدّد الثقة في البورصة، فيما تحاول الشركات المصرية والحكومة الإستفادة من إهتمام المستثمرين في أصول منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
نمت سوق الأوراق المالية المصرية بنسبة 31.6٪ في العام 2014، وفقاً لبيانات البورصة المصرية، وبقيت ثقة المستهلك مرتفعة، مدعومة بنمو إقتصادي متوقع بحوالي 5-6٪ هذا العام، كما أفاد محمد يونس، رئيس مجلس إدارة مجموعة كونكورد للإستثمارات الدولية. وقال: “هناك المزيد من الإهتمام من المستثمرين الدوليين في السوق المصرية”. مضيفاً بأن “السوق غير مستغَلّة لفترة طويلة، ومُقيَّمة بأقل من قيمتها، لذلك هناك نسب جيدة للسعر إلى العائدات. لقد رأينا أرباحاً خلال العروض بعد الإكتتابات الأخيرة”.
في الواقع، لقد أدّت موجة من الإكتتابات إلى تثبيت سوق الأوراق المالية المصرية كواحدة من الأسواق الإقليمية الأكثر نشاطاً في هذا العام حتى الآن من حيث القوائم الجديدة. في 25 حزيران (يونيو)، شهدت السوق أكبر تعويم منذ العام 2007 عندما أقدمت الشركة العقارية “إعمار مصر”، التابعة لإعمار العقارية في دولة الإمارات العربية المتحدة، على إدراج 90 مليون سهم في البورصة المصرية. وقد عرف عرض الإكتتاب الذي كان بسعر 3.8 جنيهات مصرية للسهم الواحد (0.50 دولار في وقت التعويم)، إقبالاً كبيراً تجاوز العدد المطلوب بنحو 36 مرة، وفقاً لمسؤولين في البورصة. ومع ذلك، تراجع سعر سهمها في الأسابيع التالية، مما دفع الشركة إلى إستخدام مبلغ 342 مليون جنيه مصري (44 مليون دولار) لإعادة شراء الأسهم وإعادة الإستقرار إلى السهم.
وقد وقع حدث آخر في السوق في نهاية آذار (مارس) الفائت، عندما أدرجت “إيديتا للصناعات الغذائية” 16.3 مليون سهم في محاولة لرفع رأس المال لتمويل خطط التوسع، مع وصول عدد المكتتبين في أسهم الشركة 4.5 مرات أكثر مما هو مطلوب، وفقاً للبورصة.
كما أطلقت الشركة الطرح المؤسسي الخاص على البورصة المصرية، مع تعويم مواز لإيصالات إيداع عالمية (شهادات إيداع دولية) في سوق الأوراق المالية في لندن. وهذا يعني أن نحو 30٪ من أسهم “إيديتا” هي الآن في التداول الحر، كما يلي هذا حصة ال30% الأخرى التي حصلت عليها “أكتيس” (Actis)، وهي شركة أسهم خاصة دولية مخصصة بالأسواق الناشئة، بأسعار السوق أعلاه في حزيران (يونيو) 2013، مما ساعد على دفع إهتمام المستثمرين في الإصدار الأخير.
في وقت سابق من العام أصبحت أوراسكوم للإنشاء أول شركة إزدواجية الإدراج على البورصة المصرية وبورصة ناسداك دبي، حيث عرضت حصة 11٪ لقاء 185 مليون دولار في آذار (مارس). وبدا ذلك ساخناً في أعقاب إدراج أوراسكوم للفنادق والتنمية في البورصة في كانون الثاني (يناير)، الأمر الذي جمع مبلغ 70.7 مليون دولار، وفقاً للبورصة. وكانت أوراسكوم متداولة في البورصة المصرية قبل شطبها في العام 2013 بسبب نزاع ضريبي مع الإدارة السابقة.

بناء الإحتياط

ليس كل شيء يسير بسلاسة بطبيعة الحال. في حين هيمنت مصر على نشاط الإكتتابات الإقليمية في الربع الأول، مسجّلة القوائم الوحيدة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، فقد واجهت سوق الأموال المالية المصرية أيضاً تحديات، مع تدني شعور المستثمرين من إنخفاض قيمة الجنيه المصري، والإشتباكات التي وقعت أخيراً في شبه جزيرة سيناء والقيود الجديدة التي وضعت على عائدات بيع شهادات الإيداع العالمية.
وقد هبط مؤشر البورصة القياسي، “إي جي أكس 30” 4.2٪ في 6 تموز (يوليو) الفائت، مع تراجع منذ بداية العام حتى تاريخه حيث إرتفع بعدها إلى 15٪، وفقاً لبلومبورغ. إن تباطؤ النمو الإقتصادي قد أثر سلباً على الأداء أيضاً. أظهرت بيانات رسمية أن توسع الناتج المحلي الإجمالي تراجع إلى 3٪ في الربع الأول، بإنخفاض من 6.8٪ و 4.3٪ في الربعين الثالث والرابع من العام الماضي، على التوالي.

قواعد اللعبة

من ناحية أخرى، أدّى القرار الذي أصدرته البورصة المصرية في أوائل تموز (يوليو)، الذي يفيد بأن العائدات من بيع شهادات إيداع دولية لا يمكن سحبها إلّا بالعملة المحلية، إلى إنخفاض الطلب من المستثمرين، في ظل ضوابط العملة والحملة على التداول في السوق الموازية.
مع ذلك، في المدى المتوسط والمدى الطويل، لا تزال سوق الأوراق المصرية تظهر إمكانات كبيرة للحاق بها. “هناك طلب مكبوت على الإكتتابات … هناك حاجة إلى خصخصة المؤسسات الحكومية الكبيرة مثل المرافق العامة، وشركات الإسكان وهلمّ جراً، والتي من شأنها أن تجلب المزيد من السيولة إلى السوق”، قال يونس. متابعاً: “في الوقت الراهن القيمة السوقية كنسبة مئوية من الناتج المحلي الإجمالي منخفضة جداً بالمقارنة مع بلدان أخرى، لذلك هناك الكثير من الفرص لإدراج المزيد من الشركات”.
أثار الاعلان في أواخر تموز (يوليو) بأن البورصة المصرية سوف تطلق لأول مرة مؤشر وزن متساو للشركات ال50 الأعلى المدرجة من حيث القيمة المتداولة، “إي جي أكس 50” (EGX50)، في 2 آب (أغسطس) إهتمام المستثمرين. ويأتي هذا في أعقاب التغييرات التنظيمية على خفض شرط التداول الحر للإدراج في مؤشر “إي جي أكس 30” (EGX30) من 15٪ إلى 5٪، مع حد أدنى من رأس المال يبلغ 100 مليون جنيه مصري (12.8 مليون دولار)، الأمر الذي قد يفتح الباب لأمثال أوراسكوم للإنشاء. وقد شهد التغيير بالفعل شركات كبرى مثل “إيديتا”، و”جي بي للسيارات”، والقلعة القابضة، تنضم إلى صفوف “إي جي أكس 30″، وفقاً لتقارير صحافية محلية.

هزّة السوق في آب (أغسطس)

وعلى الرغم من الإنتعاش الذي عرفته سوق الأوراق المالية في مصر فقد هوى المؤشر الرئيسي لبورصتها أكثر من 8 في المئة في 4 أيام بين 16 و19 آب (أغسطس) الفائت، وفقدت أسهمه نحو 37.3 مليار جنيه من قيمتها السوقية.
وفيما إمتنع عدد من كبار العاملين في بنوك الإستثمار في مصر من التعليق على موجة الهبوط في السوق، فإن تقريراً لـ”رويترز” أفاد بأن الأداء البيعي قد سيطر على معاملات العرب والأجانب في ذلك الأسبوع مقابل مشتريات من قبل المؤسسات المحلية. ولكن منذ بداية يوليو (تموز) تتجه معاملات الأجانب إلى الشراء، بينما تتجه المؤسسات المحلية والعرب إلى البيع.
وأقدم الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي على أخذ العديد من القرارات الإقتصادية الصعبة، مثل خفض دعم المواد البترولية ورفع أسعار الكهرباء. كما أصدرت مصر العديد من القوانين منذ إنتخاب السيسي رئيساً للبلاد، كان أسرعها قانون مكافحة الإرهاب وتنمية سيناء وقناة السويس.
إلا أن تأخير حكومته، بحسب “رويترز”، في إصدار تعديلات ضريبة الدخل لتكون بحد أقصى 22.5 في المئة بدلاً من 25 و30 في المئة حالياً، وكذلك تأخر صدور قانون ينص على تجميد العمل بضريبة الأرباح الرأسمالية في السوق لمدة عامين، يثيران جواً من الضبابية ويلقيان بظلال قاتمة على مناخ الإستثمار.
وقال هاني حلمي، الذي يعمل في شركة “الشروق” للسمسرة في الأوراق المالية: “ما يحدث في البورصة دليل على ما يحدث في مصر من إحباط للمواطن والمستثمرين بسبب تخبط القرارات. المزاج العام للمتعاملين في السوق سيئ. حتى الآن لا يوجد عندك مجلس نواب في البلاد”.
ومصر بلا برلمان منذ حزيران (يونيو) 2012 عندما حلّت المحكمة الدستورية العليا مجلس الشعب الذي إنتخب بعد الإنتفاضة الشعبية التي أطاحت الرئيس السابق حسني مبارك في العام 2011. والإنتخابات البرلمانية هي الخطوة الأخيرة في خريطة الطريق للتحول الديموقراطي التي أعلنها الجيش عقب عزل الرئيس السابق محمد مرسي في تموز (يوليو) 2013 بعد إحتجاجات حاشدة على حكمه. وأضاف حلمي: “هناك لخبطة سياسية وإقتصادية الآن في مصر”.
ومن القرارات التي تعكس تخبط الحكومة، بحسب “رويترز”، صدور قرار بمنع إستيراد القطن لتعود الحكومة وتلغيه بعد ذلك بأسبوع واحد فقط، بالإضافة إلى تحديد أكثر من توقيت لبدء إستخدام البطاقات الذكية في توزيع المواد البترولية ثم التراجع عن ذلك مع إقتراب موعد التنفيذ.
لكن كريم عبد العزيز، الرئيس التنفيذي لصناديق الأسهم في “الأهلي لإدارة صناديق الإستثمار” التابعة للبنك الأهلي المصري، أكبر بنك حكومي في البلاد، يرى بعض الضوء في الصورة الإقتصادية حيث يقول: “الوضع الإقتصادي في مصر جيد بدليل الطرق الجديدة وإفتتاح قناة السويس الجديدة إلى جانب الإستقرار السياسي والأمني”.
وإفتتحت مصر في الشهر الفائت قناة السويس الجديدة، وتأمل في الإنتهاء من شق ومدّ نحو 3200 كيلومتر من الطرق الجديدة بنهاية هذا العام. وتحتاج البلاد إلى مثل هذه المشروعات منذ فترة طويلة لإنعاش إقتصادها المُثقَل بالمشكلات. وقال عبد العزيز: “المشكلة التي تؤثر في سوق المال والمناخ الإستثماري بشكل عام هي خروج بعض القوانين في 24 ساعة وقوانين أخرى خلال 3 سنوات. نحتاج إلى التريث وعدم السرعة أو التأخير الكبير في القوانين”.
ويرى محمد ماهر، من “برايم للأوراق المالية”، إن ما يصفه “بالإرتباك في السياسة المالية والنقدية” هو السبب الرئيسي في ما يحدث في السوق. وألقى ماهر باللوم على “إرتباك السياسة المالية في ما يخص قوانين ضريبة البورصة وضريبة الدخل سواء للأفراد أو الشركات… والسياسة النقدية من حيث عدم توافر العملة الصعبة للشركات والمتعاملين الأجانب”.
وقام هشام رامز، محافظ البنك المركزي، في شباط (فبراير) الفائت، بفرض حد أقصى على الإيداع النقدي بالدولار في البنوك عند عشرة آلاف دولار يومياً للأفراد والشركات، وبإجمالي 50 ألف دولار شهرياً، وهو ما نجح في القضاء إلى حد كبير على السوق الموازية للعملة، لكنه أثار مصاعب للشركات في الحصول على العملة الصعبة وإستيراد إحتياجاتها من الخارج. كما خفّض رامز أيضاً قيمة العملة المحلية أكثر من مرة خلال الأشهر الماضية، إلا أن المستثمرين ينتظرون تخفيضاً أكبر للجنيه.
وبحسب “رويترز” كان قرار تجميد أموال رجل الأعمال المصري صفوان ثابت، رئيس شركة “جهينة”، دليلاً آخر على تخبط المواقف الحكومية. فقرار تجميد الأموال صدر بعد أسبوع على قرار رفع إسم ثابت من لائحة الممنوعين من السفر إلى الخارج، وبعد شهر من تشجيع ومدح ثلاثة وزراء من الحكومة الحالية للشركة ورئيسها خلال التوقيع على إتفاقية مشروع جديد مع “أرلا” الدانماركية.
وبعدما أصدر جهاز حماية المنافسة بياناً في 18 آب (أغسطس) يعلن فيه إحالة شركة “النساجون الشرقيون” التابعة لرجل الأعمال محمد فريد خميس للنيابة العامة بتهمة القيام “بممارسات إحتكارية”، نفت الشركة في اليوم التالي أنها تلقت من الجهاز ما يفيد بإحالتها للنيابة، كما نفت إرتكاب أي مخالفات. وقال فتحي: “لا نحتاج في البورصة من يأتي لرن (قرع) جرس التداول، بل نحتاج إلى من يساعدنا على عدم تأخير القوانين والعمل على تحفيز المستثمرين والإقتصاد”.

الوضع ممتاز رغم التحديات

ومع كل ذلك، فإن وكالة التصنيف “فيتش” منحت الإقتصاد المصري الأوسع تصويتاً من الثقة في منتصف حزيران (يونيو) على الرغم من تباطؤ النمو، وإعادة تأكيد تصنيفاتها للإقتراض الطويل المدى بالعملة الأجنبية والمحلية عند “B”، مع نظرة مستقبلية مستقرة. وقد إستشهدت “فيتش” بإلتزام البلاد بضبط الأوضاع المالية العامة والإصلاحات الإقتصادية، إلى جانب تخفيض الدين الخارجي مع توقعات إيجابية للنمو وإعتبرتها من الإيجابيات.
كما أشادت الوكالة بإستعادة مصر وصولها إلى أسواق رأس المال العالمية، التي خفضت إعتمادها على القروض من حكومة إلى حكومة والدعم المالي الدولي الآخر، مع إجتثاث قضايا العملة المحلية من قبل البنوك المصرية والإصدار الناجح لسندات اليورو بمبلغ 1.5 مليارات دولار في حزيران (يونيو) الفائت.
وفقاً لتقارير صحافية إقليمية، فإن ثاني أكبر مقرض رسمي مصري، بنك مصر، يتطلع إلى إصدار سندات ب500 مليون دولار، في حين أن البنك الأهلي المصري يعد إصداراً آخر. كل هذا يأتي إلى جانب ترقية في توقعات وكالة “موديز” للنظام المصرفي في مصر في منتصف تموز (يوليو) من سلبي إلى مستقر، بفضل الطلب المتزايد على الإئتمان والسيولة القوية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى