إيلون ماسك اشترى 44 مليار دولار من التَدقيقِ والمُراقَبةِ في أميركا والصين

إشترى الملياردير الأميركي إيلون ماسك أخيرًا شركة ومنصة تويتر بـ44 مليار دولار بعد مفاوضات صعبة مع مجلس إدارتها كادت أن تؤدي إلى المحكمة.

تويتر: هل تبقى حرة أم تتبع مزاج صاحبها الجديد المعروف بتهوّره؟

محمد زين الدين*

قبل أسابيع من إتمام “إيلون ماسك” (Elon Musk) عملية شراء “تويتر” (Twitter) البالغة قيمتها 44 مليار دولار، أثار ضجةً من خلال خوضه في الجَدَلِ الدائر حول مكانة تايوان الدولية وعلاقتها مع الصين. في حديثه إلى صحيفة “فايننشال تايمز” في أوائل تشرين الأول (أكتوبر)، قال ماسك: “توصيتي … هي أن يقومَ الصينيون بتحديدِ منطقةٍ إدارية خاصة لتايوان تكونُ مقبولةً بشكلٍ معقول، وربما لن تجعل الجميع سعداء. ومن الممكن، وأعتقد أنه من المُحتَمَل، في الواقع، أن يكون لديهم ترتيبٌ أكثر تساهُلًا من الترتيب الذي اتّبعوه مع هونغ كونغ”. علمًا أن واشنطن ما زالت تحتفظُ بعلاقاتٍ غير رسمية مع تايوان، وإن كانت تزداد أهمية.

على الفور تقريبًا، لفتت تصريحات ماسك انتباهًا واسع النطاق، وصبّت ردود أفعال الديبلوماسيين التايوانيين والصينيين على طول خطوطٍ مُتَوَقَّعة. شكر تشين غانغ، سفير الصين لدى الولايات المتحدة والذي تمت ترقيته لاحقًا إلى اللجنة المركزية للحزب الشيوعي خلال اجتماعات المؤتمر العشرين الأخيرة للحزب، ماسك في تغريدةٍ على تويتر على “دعوته للسلام عبر مضيق تايوان”، مُضيفًا أن بكين تسعى إلى “التوحيد السلمي ودولة واحدة ونظامَين” كهدفٍ لها. على العكس من ذلك، رفض بي كيم هسياو، مبعوث تايوان إلى الولايات المتحدة، الاقتراح، قائلًا إن “تايوان تبيع العديد من المنتجات، لكن حريتنا وديموقراطيتنا ليستا للبيع”.

اكتسبت العاصفة الديبلوماسية التي أحدثتها ملاحظات ماسك غير المرغوب فيها وغير الرسمية حول وضع تايوان أهمية إضافية في ضوء التغييرات الجذرية التي وعد بإجرائها على “تويتر” وبسبب الحيازات والاستثمارات الهائلة للملياردير الأميركي في الصين. كجُزءٍ من جهودها لتأمين حصة من سوق السيارات الكهربائية الآخذ في التوسّع السريع في الصين، تمتلك شركة ماسك للسيارات الكهربائية “تِيسلا” (Tesla) مصانع وصالات عرض في جميع أنحاء البلاد. ويشمل ذلك مصنعًا جديدًا في شينجيانغ، إلى جانب شبكة واسعة من شبكات المراقبة والسجون في المنطقة. ماسك لم يدين أو ينأى بنفسه عن انتهاكات الصين المزعومة لحقوق الإنسان هناك أو في أي مكان آخر.

أثار العديد من المراقبين تساؤلات حول ما إذا كانت علاقاته التجارية الحميمة مع السياسيين الصينيين ستخلق تضاربًا في المصالح عندما يتعلق الأمر بكيفية تعامل تويتر مع قضايا مثل التحقّق من الحسابات، وخصوصية البيانات وأمنها، وتعديل المحتوى لمنع حملات التحرّش ضد النشطاء والمُعارضين. علاوةً على ذلك، تُجادل فيكي شو، الباحثة الصينية المُقيمة في أوستراليا، بأن المخاوف بشأن هذه القضايا يمكن أن تخلق تأثيرًا مخيفًا بين الجماعات المُنشَقَّة في جميع أنحاء آسيا. على وجه الخصوص، اختارت حركة “#MilkteaAlliance” تويتر كوسيلةٍ مُفَضَّلة للاتصال والدعوة والتعليم.

تشير إحدى المقالات على مُدَوَّنته في آب (أغسطس) إلى أن المخاوف بشأن رغبة ماسك في تجنّب إثارة غضب “المُحسِنين” الصينيين هي على الأقل غير مُبرَّرة. كتب ماسك فيها: “فيما تستمرُّ التكنولوجيا في تغيير الحياة بوتيرةٍ مُتسارعة ويتطوَّرُ العالم، تصبحُ الحياةُ أكثر من مُجرّدِ حَلِّ مشكلةٍ تلوَ الأخرى”. وأضاف: “نريد جميعًا أن نستيقظَ صباحًا مليئين بتوقّعاتِ المُستَقبل ونبتهج بما سيأتي”. في ظل الظروف العادية، كان من المُمكن أن يتمَّ تجاهل المقالة باعتبارها علاقات عامة عادية للشركات. لكن لاحظ المراقبون أن ماسك نشرها في مجلة “China Cyberspace”، وهي مجلة تديرها إدارة الفضاء الإلكتروني في الصين.

والجدير بالذكر أن ماسك أغفل أي إشارة في تلك المقالة إلى نظام “ستارلِينك” (Starlink)، وهو خدمة إنترنت عبر الأقمار الاصطناعية مملوكة لشركة ماسك للأقمار الإصطناعية والمركبات الفضائية “سبايس إكس” (SpaceX). يوفر ستارلينك حاليًا الوصول إلى الإنترنت في 40 دولة، ويمكن استخدامه لتجاوز “جدار الحماية العظيم” الصيني سيئ السمعة. على سبيل المثال، استخدم الأوكرانيون الخدمة متجاوزين انقطاع الإنترنت منذ غزت القوات الروسية بلادهم في شباط (فبراير). في مقابلةٍ مع “فايننشال تايمز” في تشرين الأول (أكتوبر)، قال ماسك إن بكين “طلبت تأكيداتٍ منه” بأنه لن يبيع خدمة الإنترنت في الصين، لكنه لم يؤكّد ما إذا كان سيمتثل لطلب السلطات الصينية.

في الوقت الحالي، ظهر ما يشير إلى أن مصالح ماسك التجارية في الصين وارتباطاته المالية والسياسية بالنُخَب الصينية لم تؤثّر في أيٍّ من قراراته في ما يتعلق بتويتر. ولكن من الجدير بالذكر أن اهتماماته التجارية العالمية تتضمّن أكثر من 7 مليارات دولار في عقودٍ حكومية أميركية مع “سبايس إكس” لمشاريع الفضاء، وهي عقودٌ تم التشكيك فيها بالمثل بسبب ممتلكات “تيسلا” في الصين. لذا، في حين أن ماسك قد يعتبر نفسه مكافئًا تجاريًا للفراشة الاجتماعية العالمية، قد يتخذ بعض المشرّعين الأميركيين وجهة نظر أكثر تشكّكًا وأكثر تشدّدًا. صرح السناتور مارك وارنر، الرئيس المتشدّد للجنة الاستخبارات في مجلس الشيوخ في الشهر الماضي، بقوله: “لا أعتقد أن هناك أميركيًا آخر يعتمد على سخاء الحزب الشيوعي أكثر من إيلون ماسك”.

يتمثل الضعف الرئيس في رواية “تعرّض ماسك للخطر بسبب علاقاته مع الحزب الشيوعي الصيني” في أن نصيب الأسد من أعماله “تيسلا” و”سبايس إكس” والآن تويتر – موجودٌ في الصناعات التي تعتبرها الحكومة الأميركية الآن استراتيجية ولديها سيطرة تنظيمية كبيرة عليها. لذلك إذا قرر المنظّمون الأميركيون أن أنشطة شركات ماسك تُشكّلُ تهديدًا للأمن القومي، بما في ذلك من خلال إفادة بكين، فقد يؤثر ذلك سلبًا في قدرته على تأمين العقود الحكومية، فضلًا عن الموافقة الفيدرالية على اتفاقيات الشركات والمعاملات التجارية الأخرى في المستقبل. على المنوال عينه ولكن على العكس من ذلك، فإن الحبل المشدود الذي يحاول ماسك السير عليه في ما يتعلق بمصالحه التجارية في الصين يمكن أن يفتح طريقًا آخر للمخاطرة بين المنظّمين الصينيين، في وقت أصبحت الإجراءات السياسية والخطابية المتشددة الموجهة إلى بكين شائعة الآن في واشنطن.

لا يزال هناك احتمالٌ أن يُقرّرَ ماسك ببساطة تقليص البصمة والمسؤوليات العالمية لتويتر أثناء قيامه بتقليص حجم الشركة. وبالفعل، شهد فريق منطقة آسيا والمحيط الهادئ في تويتر تخفيضات في قيادته، مع تسريح موظفين تم الإبلاغ عنه في سنغافورة والهند. هناك أيضًا احتمالٌ أن يُقدّمَ ماسك اقتراحات مرتجلة أكثر بشأن قضايا أخرى ذات أهمية لبكين والتي قد لا تروق للقيادة الصينية. بعد كل شيء، هو معروف بتهوره واستعداده لخوض المعارك.

قبل كل شيء، ومع ذلك، فإن شراء ماسك لتويتر يُسلّطُ الضوءَ على حقيقة أن الحرية والديموقراطية قد لا تكون مَعروضَتَين للبيع، لكن المنصات عبر الإنترنت التي لها تأثير كبير في كليهما هي في متناول الأثرياء المتنفذّين للشراء أو البيع أو الإهمال كاللُّعَب.

  • محمد زين الدين هو مراسل “أسواق العرب” في واشنطن.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى