إنعاش الإقتصاد في الخليج يتَطلَّب تعزيز دور المرأة والتنوّع بين الجنسين
مع التغيّر التدريجي الليبرالي الذي تعالج به الحكومات في منطقة دول مجلس التعاون الخليجي موضوع شؤون المرأة، بدأت في الوقت عينه الشركات العاملة هناك تُدرك بشكل متزايد إمكانيات وأهمية القيادات النسائية لتعزيز الفعالية التنظيمية.
إعداد مركز الدراسات والأبحاث في “أسواق العرب”
على الرغم من كونها ممثلة تمثيلاً ناقصاً إلى حد كبير في المناصب التنفيذية ومجالس إدارات الشركات في منطقة الخليج العربي، فإن المرأة هناك، مع ذلك، تحقق خطوات واسعة ومهمة. في الواقع، فقد وجد بحث لمؤسسة “ماكينزي” الإستشارية أن التنوع بين الجنسين يكتسب مكاناً مهماً على جدول أعمال الشركات في جميع أنحاء دول مجلس التعاون الخليجي، فيما تعترف الشركات هناك على نحو متزايد بإمكانيات القيادات النسائية لتعزيز الفعالية التنظيمية. إن إمعان النظر في المواقف الإجتماعية المتغيّرة في المنطقة تجاه المرأة في القيادة والمناصب العليا — والتحديات الكبيرة التي لا تزال قائمة– تؤكّد كيف يمكن لإجراءات الشركات والحكومة أن تساعد على خلق بيئات حيث تستطيع القيادات النسائية المساهَمة بشكل كامل بمعرفتهن ومهاراتهن وخبرتهن. إن مثل هذه النتائج تعود بالنفع ليس فقط على النساء المعنيات ولكن على منظماتهن والإقتصادات الوطنية لبلادهن أيضاً.
النساء على جدول الأعمال
على مدى السنين العشر الماضية أو نحو ذلك، وصلت عشراتٌ عدة من النساء في الملكيات الخليجية إلى مناصب عليا في قيادة الشركات والهيئات الحكومية والمنظمات غير الحكومية في المنطقة. في معظم الحالات، فقد كنَّ من أوَّل النساء اللواتي شغلن هذه الأدوار أو المناصب، كما صار العديد منهن قريباً من أعلى المراتب في منظماتهن. وتنعكس ندرة النساء في القيادة والمراكز العليا في بيانات صادرة من معهد أعضاء مجالس الإدارات في مجلس التعاون الخليجي التي تبيّن أن النساء يشغلن أقل من 1٪ من مناصب اللجان التنفيذية ومجالس الإدارات في دول المجلس – وهو رقم يُعَدّ من بين أدنى المعدلات في العالم.
ومع ذلك، تشير أبحاثنا (والإستطلاع الذي أجريناه) إلى أن هناك زخماً من أجل التغيير. لقد أشار تقريباً ثلثا المشاركين في الإستطلاع إلى أن موضوع المرأة في القيادة والمراكز العليا كان على الأجندات الإستراتيجية لمنظماتهم. ومن بين هذه الشركات، أفاد 41 في المئة من أفراد العيِّنة بأن القضية قد ظهرت على جداول أعمالهم على مدى السنين العشر الماضية. للتأكيد، لا تزال هناك فروقات إقليمية كبيرة: في دولة الإمارات العربية المتحدة، على سبيل المثال، قال أكثر من 85 في المئة من المستطلعين بأن هذا الموضوع على جدول أعمال الشركات، ولكن في المملكة العربية السعودية، أكبر سوق عمل في المنطقة، كان المعدل أقل من النصف. ما هو أكثر من ذلك، كانت نساء المنطقة، موضوع البحث، أكثر تفاؤلاً بشأن وتيرة التغيير بالنسبة إلى النساء في المنطقة: 74 في المئة منهن قلن أن النساء في القيادة سيأخذ “تماماً” أهمية متزايدة في برامج منظماتهن الإستراتيجية على مدى السنوات الخمس المقبلة، مقابل 51 في المئة فقط من الرجال.
قوة التنوّع
كان المشاركون في إستطلاعنا إيجابيين على نطاق واسع في تقييم التصوّرات حول تأثير التنوّع بين الجنسين في الأعمال التجارية: قال نحو 60 في المئة أن وجود عدد أكبر من النساء في المناصب القيادية كان سائقاً وموجّهاً “مهماً جداً” للفعالية التنظيمية، وأفادت نسبة 23 في المئة إضافية كان “مهماً إلى حدّ ما”. ومع ذلك، بدت النساء أكثر قناعة بالإرتباط أو الترابط من الرجال: قال 80 في المئة من النساء اللواتي إستطلعناهن أنه “مهمّ جداً”، مقابل 53 في المئة من الرجال. وهذا ملاحظ، لأن التشجيع من قبل الرجال (على سبيل المثال، في شكل إرشاد) هو عامل مهم يؤثر في قدرة المرأة للوصول إلى الإدارة العليا – وهي ملاحظة حقيقية تنطبق على أي منطقة. في الواقع، لقد لاحظنا تفاوتاً (وإن كان أقل) في العقليات بين الرجال والنساء في الإستطلاع مختلفاً عن مناطق أخرى.
هناك طريقة واحدة تفيد الشركات من التنوع بين الجنسين وتكمن في مزيج أكثر توازناً لقوة القيادة والمسؤوليات العليا. وقد حدّدت دراسات لمؤسسات بحوث أنواعاً عدة من السلوك القيادي التي ترتبط جداً مع الفعالية التنظيمية. إن القيادات النسائية في دول مجلس التعاون الخليجي، أشارت العيِّنة، يتمتعن بهذه الأنواع بقدر نظرائهن من الرجال، وفي بعض الحالات أكثر قليلاً. في الواقع، سجّلت النساء في دول مجلس التعاون الخليجي معدلات أعلى من الرجال بالنسبة إلى ثلاثة من أربعة أنواع من السلوك (الإلهام، وتنمية الناس، والإتصال الفعال). ويفيد إستطلاع سابق أجرته مؤسسة “ماكينزي” للإستشارات تحت عنوان “المرأة تهمّ” أن قادة العالم إختاروا في غالبية الأحيان كما يبدو “فجوة كبيرة بين الإنتشار الحالي والإحتياجات المستقبلية”.
وتستفيد الشركات (في دول مجلس التعاون الخليجي وغيرها) أيضاً من زيادة التنوع بين الجنسين من خلال مزيج من الأفكار التي تجلبها النساء إلى المناقشات في البلاد. وبالإضافة إلى ذلك، وجد بحثنا أن حضور القيادات النسائية في دول مجلس التعاون الخليجي يحثّ بشكل أكبر أن تكون إجتماعات الشركات (أو المؤسسات الرسمية) أكثر جدية – من المرجح أن يعود سبب ذلك إلى عدم وجود مناسبات كثيرة للتفاعلات المختلطة بين الجنسين هناك مما هو الأمر في مناطق أخرى، ويتصرف المشاركون برسمية وجدية أكثر عندما يحدث ذلك. ومن المثير للإهتمام، أن غالبية القادة الذين تحدثنا إليهم – من الرجال والنساء على حد سواء– رأت بأن الإجراءات الرسمية والجدية الإضافية أدّت إلى مناقشات مركّزة مهمة وأكثر فاعلية.
بالإضافة إلى الفوائد الحالية من وجود المزيد من القيادات النسائية، فقد كشفت المقابلات التي أجريناها فوائد مهمة في المستقبل. على سبيل المثال، فإن العديد من القادة الذين قابلناهم سلط الضوء على التأثير المحتمل لإشراك المزيد من النساء في تطوير المنتجات والخدمات حيث تشكّل النساء الديموغرافية الرئيسية. وهذا أمر مهم لا سيما في دول مجلس التعاون الخليجي، إذ أن بحوث قدرات السوق لم يتم تنميتها هناك بإستمرار وبشكل ثابت، والبيئات الإجتماعية للنساء والرجال هي مستقلة نسبياً.
وأخيراً، فإن زيادة عدد النساء في القيادة سوف تحسّن المعدل المنخفض في المنطقة بالنسبة إلى مشاركة المرأة في العمل (32 في المئة في دول مجلس التعاون الخليجي، في مقابل 51 في المئة في الإتحاد الأوروبي في العام 2012، وفقاً للبنك الدولي). ومن شأنها أيضاً تعزيز مشاركة مواطني دول مجلس التعاون في العمل، التي تمثّل هدفاً سياسياً وإستراتيجياً مهماً للبلدان في المنطقة.
لا تزال الحواجز كبيرة
على الرغم من العلامات الواضحة للتقدم الذي حققته المرأة الخليجية، فقد أبرز بحثنا تحديات كبيرة أيضاً. كان أكبر واحد حسبما أفاد المشاركون في الإستطلاع –العبء المزدوج الذي تواجهه المرأة في تحقيق التوازن بين العمل والمسؤوليات المحلية— هو أمر مألوف بالنسبة إلى المرأة المهنية في جميع أنحاء العالم. وبالمثل، فإن العديد من المشاركين في دول مجلس التعاون الخليجي، مثل نظرائهم في أماكن أخرى، شجب نموذج الأداء في “أي زمان، أي مكان” كتحدٍّ خاص بالنسبة إلى النساء.
من ناحية أخرى، تم تصنيف التقاليد غير الملموسة والتحيّز كقيود قوية أيضاً — بما في ذلك التوقعات الأسرية والإجتماعية بأن النساء لا يعملن. الوصول إلى شبكة البيئات هو أيضاً يشكّل مشكلة، ذلك أن المعايير الثقافية والإجتماعية في دول مجلس التعاون الخليجي تجعل من الصعب على الرجال والنساء الإختلاط خارج البيئات المهنية. على سبيل المثال، المرأة لا تحضر أو تشارك في “المجالس” أو “الديوانيات”، وهي تجمعات إجتماعية مهمة ثقافياً، حيث يتبادل الرجال المعلومات بشكل غير رسمي ويوسّعون شبكات علاقاتهم ومعارفهم.
هناك حواجز ملموسة جداً تلعب دوراً في المنطقة أيضاً، على الأخص، النقص في السياسات لصالح الأسرة والبنية التحتية. في المملكة العربية السعودية، على وجه الخصوص، يُطلَب من الشركات المحلية بناء مناطق عمل منفصلة ومساحات دعم للموظفات. وعلى الرغم من أن هناك بعض الغموض حول حقيقة ما يقتضيه القانون، فإن كثيرين من المديرين التنفيذيين المحليين الذين تحدّثنا إليهم يعتقدون أن المتطلبات تمتد حتى إلى البنية التحتية المُكلِفة نسبياً، مثل المداخل والمصاعد المُنفصِلة.
الآثار المترتبة على القادة
لإحراز تقدم بالنسبة إلى التنوع بين الجنسين في الخليج سوف يتطلب الأمر نظاماً إيكولوجياً متكاملاً: تحديد الإتجاه، وبرامج تدريب وإرشاد، وبنية تحتية داعمة، وسياسات. كل هذه يجب أن تُطلَق معاً من طريق إلتزام واضح، ومرئي، وثابت من قبل الإدارة العليا، والتي من دونها سوف يفشل أي جهد.
إن إستهداف جهود قيادة التنمية التي تشمل الإرشاد وفرص التواصل الرسمية هي نقطة يمكن الإنطلاق منها. ونظراً إلى محدودية الفرص المتاحة للقيادات النسائية للتواصل في دول مجلس التعاون الخليجي، فكثيرات يعتمدن حالياً على قنوات بديلة، مثل التغطية الإعلامية، لإيصال أفكارهن. في حين أن هذا هو مصدر قوة يستحق المحافظة عليه، فإن عمل الشركات يجب أن يكمّله. شركة “أرامكو” السعودية، على سبيل المثال، تأخذ نهجاً ذا شقين لتطوير القيادات النسائية: الأول موجّه إلى النساء في برنامج الأعمال التجارية، اللواتي هن من صغار الموظفات وقد بدأن للتو حياتهن المهنية، والثاني إلى النساء في برنامج القيادة، اللواتي هنّ في غالبيتهن من كبار المسؤولات في الشركة.
وتمثّل برامج بناء منظّم للقيادة أمراً حيوياً. وينبغي أن يشمل التدريب عدم التحيّز، نظراً إلى الأهمية الكبيرة التي تلعبها التحيّزات الشخصية والمؤسسية في إحباط فرص القيادة للمرأة. في الواقع، هناك حاجة إلى مثل هذا التدريب للرجال والنساء على حد سواء. واحد من التحيّزات العنيدة الذي لاحظناه في دول مجلس التعاون الخليجي هو سائد تماماً بين النساء: فكرة أن هناك عدد مواقع ثابت (ومحدود) متاح للنساء في المناصب الأعلى أو العليا. إن إعادة تشكيل وتغيير مثل هذه العقليات يُعتبر أمرأ حاسماً.
وأخيراً، يجب على كبار القادة وأصحاب المراكز العليا البدء في بناء أنواع من الآليات التمكينية المؤسسية التي من شأنها دعم النجاح على المدى الطويل. في المملكة العربية السعودية، هذا يمكن أن يعني نماذج عمل بديلة أو إستثمارات في البنية التحتية لتلبية مطالب القوانين المحلية. في أماكن أخرى في المنطقة، هذا يعني تنمية سياسات شفافة شاملة للشركات تنص على تكافؤ الفرص والتعويض للرجال والنساء من ذوي المؤهلات والخبرة المتساوية — وكذلك سياسات واضحة بشأن السلوك المناسب. إن الشركات الرائدة في المنطقة تستكمل هذه السياسات مع برامج حثّ على كيفية التفاعل بشكل مناسب مع أعضاء الجنس الآخر.
من المهم أن نتذكر أن التقدم يولّد التقدم و- خلافاً لبلدان أخرى في جميع أنحاء في العالم – إن نقطة الإنطلاق لدول مجلس التعاون الخليجي هي جيل صغير من “النساء الأوائل” من قادة الأعمال والحكومة. مع ذلك، فإن التطلعات التي عبّر عنها العديد من القيادات النسائية في المنطقة في مقابلاتنا سوف يكون لها بالتأكيد صدى مع نظرائهن في جميع أنحاء العالم. في كلمات لواحدة من المسؤولات التنفيذيات في دول مجلس التعاون الخليجي: “نحن بحاجة إلى الحصول على المزيد من النساء في المراتب العليا كمجموعة، كفريق واحد. نحن بحاجة إلى جعل النساء في القيادة يبدون هادئات من دون عقد وطبيعيات”. تلك هي المشاعر الصحيحة. لندع مثل هذه البيئة تزدهر في دول مجلس التعاون الخليجي وخارجها.