“نِيُوم” مدينة الأحلام الدامية لمحمد بن سلمان!

تتضمّن “نِيوم” المدينة السعودية ذات التقنية العالية المُخطَّط لها والتي تُقدَّر تكلفتها ب500 مليار دولار عمليات إخلاء قسري ووعوداً غامضة بالتعويض. لقد ذكّر مقتل ناشط احتج على إنشاء المدينة العالم كيف تتعامل الرياض مع أيّ معارضة لسياسات  ولي العهد الأمير محمد بن سلمان.

الأمير محمد بن سلمان: لا مجال لمعارضة سياساته!

 

بقلم ساره ليا ويتسون وعبدالله العودة*

بعد أيام قليلة على قيام القوات الخاصة السعودية بقتل عبد الرحيم الحويطي في 13 نيسان (إبريل)، أصدرت الحكومة بياناً وصفت فيه القتيل بأنه “شخصٌ مطلوب”. ونعتته السلطات السعودية ومؤيدوها على الإنترنت بأنه “إرهابي”. قبل ساعات من وفاته، نشر الرجل القَبَلي مقطع فيديو على “يوتيوب” (YouTube) يتنبأ فيه بمثل هذه النهاية لحياته. وأوضح في مقطع الفيديو الخاص أن ذلك سيكون بمثابة معاقبة الإحتجاج على جهود الحكومة لإزاحة وتشريد قبيلة الحويطات بالقوة من أراضيها لإفساح المجال أمام إقامة مدينة “نِيوم” السعودية المُستقبلية.

على مدى مئات السنين، عاشت قبيلة الحويطات في قرى وبلدات، بما فيها العاصمة التاريخية الخريبة، عبر محافظة تبوك الشمالية الغربية. الآن، سيتم تهجير وإزاحة حوالي 20,000 شخص لإفساح المجال لإنشاء “نيوم”.

في العام 2017، أعلن ولي العهد الأمير محمد بن سلمان عن رؤيته لمدينة الأحلام ذات التقنية العالية التي تبلغ تكلفتها 500 مليار دولار، والتي سوف يسكنها مصطافون عالميون وشركات ناشئة تكنولوجية ومستثمرون أغنياء. وتُعدّ المدينة المُخطَّط لها التي تبلغ مساحتها 10,230 ميلاً مربعاً – أكبر من مدينة نيويورك ب33 ضعفاً – حجر الزاوية في خطة رؤية ولي العهد 2030 لتنويع الإقتصاد السعودي بعيداً من الإعتماد على عائدات النفط. وقد وعد المسؤولون بأن المدينة سيكون لديها روبوتات أكثر من البشر، مع القدرة التقنية للتعرف على الوجه والمراقبة الجماعية للقضاء على الجريمة، وسيارات أجرة طائرة التي تعمل بدون سائق ولا تستخدم الطرقات، ومنتجع فاخر على شاطئ البحر، ومجمع ترفيهي. ستكون نيوم دولة مُصغّرة بقوانينها الخاصة. لذا لن تتناسب قبيلة الحويطات أبداً مع هذا المركز العالمي الفاتن. وبالتالي فإن الحكومة ستدفع لهم مقابل أرضهم وتُهجّرهم إلى مكان آخر.

لكن الأمور لم تَسِر كما خُطِّطَ لها. إن قتل الحويطي هذا الشهر، وجهود الحكومة المُتشدّدة لإجبار قبيلة الحويطات على قبول شروط نزوحهم، هما نموذج مُصغّر لكل ما هو خطأ في الحاكم الإستبدادي المُتهوّر والقاسي. في مواجهة احتمال التخلّي عن أراضي الأجداد، حيث عاشت القبيلة لمئات السنين (قبل فترة طويلة من تأسيس المملكة العربية السعودية في العام 1932)، إندلعت الإحتجاجات على مدى الأشهر الثلاثة الماضية. تمّ اعتقال ما لا يقل عن 10 أشخاص، وفرّ البعض من البلاد.

وبدلاً من التشاور مع المجتمع المحلي والسعي إلى دمجه في الخطط الطموحة للمنطقة، تعاملت الحكومة مع مواطنيها مثل الأشياء التي يمكن التخلص منها ليحل محلّها مستوطنون عالميون “برّاقون”. هذا ما يحدث عندما يُعلن حاكمٌ مستبد أنه وحده هو الذي سيُقرر مستقبل بلاده (ينصحه ويساعده مستشارون ومحامون أميركيون بأجر جيد على بعد آلاف الأميال)، في حين أن المواطنين السعوديين الذين يُعبّرون عن آرائهم، المهم منها بشكل خاص، يتم تجاهلهم أو إسكاتهم أو سجنهم أو إبادتهم.

إن الظروف المُحيطة بمقتل الحويطي تحتاج إلى تحقيق، وبيان الحكومة يثير أسئلة أكثر مما يُعطي أجوبة. ما هو واضحٌ هو أن سلطات بلدية تبوك، التي يشرف عليها “البرنامج الوطني للتنمية المجتمعية” الجديد، بدأت في إصدار أوامر مصادرة الممتلكات في أوائل كانون الثاني (يناير) الفائت، وفقاً لسكانٍ محليين. وقد عرضت السلطات على السكان فقط وعوداً غامضة وشفوية بشقق مؤقتة وتعويضات غير مُحدَّدة. وقد أخبرنا السكان أنه لا توجد تحقيقات أو عملية قضائية تتعلّق بمراجعة اعتراضات القبيلة على مشروع التنمية، أو نزوحهم القسري، أو شروط التعويض.

وقالت مصادر محلية إن الغالبية العظمى من أعضاء القبائل رفضت العرض. لكن الحويطي على وجه الخصوص أصبح وجهاً عاماً للسخط. في كانون الثاني (يناير)، كان جزءاً من مجموعة محلية اجتمعت بممثل حكومي لرفض التعويض وتشريد القبيلة. في 12 نيسان (إبريل)، قبل يوم من مقتله، نشر الحويطي فيديو على موقع يوتيوب على قناته الشخصية يُظهر فيه أوراق الملكية للأرض. وفي مقطع فيديو آخر تم نشره في ذلك اليوم ، أصرّ على أنه وآخرين من قبيلته أرادوا البقاء في أراضيهم التاريخية والمشاركة في تطوير نيوم.

لم يُشر بيان الحكومة إلى هذا النزاع، لكنه ادّعى أن الحويطي كان مسلحاً وأطلق النار على قوات الأمن، التي لم يكن أمامها حينها أي خيار سوى الرد عليه وقتله. وكما تنبّأ الحويطي، يزعم البيان أن الجنود عثروا على مخبأ للأسلحة في منزله. لكن الشهود اعترضوا على هذه الرواية وقالوا إنه أعلم الشرطة في 12 نيسان (إبريل) بأنه لن يغادر، والتقط صوراً للشرطة عندما وصلوا لقياس أرضه ومنزله ضد إرادته. عندما وصلت القوات الخاصة في اليوم التالي بالعشرات على متن شاحنات مدرعة، قال السكان المحليون أن العسكريين أحاطوا المنزل وبدأوا إطلاق النار – وعندها فقط رد الحويطي بإطلاق النار. منذ مقتله، أطلقت وسائل التواصل الاجتماعي في الخارج على الحويطي لقب “شهيد نيوم”، مُشبهةً مقتله بقتل المعارض الصحافي جمال خاشقجي. ونظراً إلى عدم مصداقية الحكومة السعودية في أعقاب أكاذيبها المستمرة حول خاشقجي، فمن المرجح أن لا يُصدّق الجمهور في الداخل أو الخارج البيان الأخير للحكومة.

إن مشاريع التنمية الضخمة التي تنطوي على أخذ ممتلكات السكان المحليين ليست عملية سهلة أبداً، لكن القانون الدولي يوفّر معايير أساسية حول كيفية احترام الحكومة لحقوق المجتمعات المحلية في هذه العملية. لقد فشلت الحكومة السعودية في استخدام حتى الحدّ الأدنى من المعايير بشأن متى وكيف يُمكن للدولة مصادرة الممتلكات.

لا يوجد دليل على أن إخلاء قبيلة الحويطات كان الملاذ الأخير كما يقتضي القانون، ولا توجد عملية عادلة لتحديد ما إذا كانت الحكومة قد عرضت عليها تعويضاً مُناسباً عن أراضيها وممتلكاتها الشخصية. لا يوجد في المملكة العربية السعودية قانون للأراضي، كما لا يوجد في قانون نزع ملكية العقارات قواعد ونظماً واضحة بشأن عملية إعادة توطين وتعويض الأشخاص الذين فقدوا الأرض بسبب مشاريع التنمية. من الواضح أن الحكومة فشلت في التشاور مع المجتمع المدني والمجتمعات المتضررة. وبدلاً من ذلك ، ذكر البرنامج الوطني للتنمية المجتمعية بإيجاز أنه سيتم منح السكان تعويضات عادلة وسيحصلون على برامج الدعم الاجتماعي والاقتصادي ويُمكنهم تبادل “الاستفسارات والتعليقات” في المراكز المحلية.

لا يوجد ما يشير أيضاً إلى أن الحكومة درست كيف ستؤثر نيوم في حقوق الإنسان والتأثير البيئي لدى قبيلة الحويطات، ناهيك عن التأثير المناخي لوحش الطاقة المُسرفة الذي تعد به نيوم. والنتيجة، كما هو متوقع، هي الصراع، والآن العنف.

من المشكوك فيه للغاية أن يكون مشروع نيوم قابلاً للتطبيق في وقت قريب نظراً إلى الإنهيار المالي العالمي بسبب الفيروس التاجي وارتفاع الدين السعودي وسط انخفاض أسعار النفط التاريخي. الواقع أن النتيجة الوحيدة التي رأيناها حتى الآن من هذه الرؤية لمدينة مستقبلية هي التدمير الموعود لمجتمع تاريخي وقتل متظاهر سعودي باستخدام وسائل قديمة حيث لا مجال للمفاهيم الحديثة للحقوق والعدالة.

  • ساره ليا ويتسن هي المديرة التنفيذية لقسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في “هيومن رايتس ووتش”. يُمكن متابعتها على تويتر: @ sarahleah1. عبد الله العودة باحث قانوني سعودي وزميل كبير في جامعة جورجتاون. يُمكن متابعته على تويتر: @alalahah
  • نُشر هذا الموضوع بالإنكليزية في “فورين بوليسي” وعرّبه قسم الدراسات والأبحاث في “أسواق العرب”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى