سَرَقوا أَحلامَنا … سَرَقوا أَعمارَنا؟!

بقلم عرفان نظام الدين*

سألَني صديقٌ مُناضلٌ قديم بنبرةِ أسى وحزن: لماذا وصلنا الى هذا الهوان؟ وكيف نقبل أن يقودَنا صهيوني صغير بالعصا ليحمل دولنا الواحدة تلو الاخرى الى أحضان إسرائيل؟ أينَ نضالنا وصُمودنا ووحدتنا وأمجادنا؟ هل خُدِعنا بهذه القيادات التي خدّرتنا بشعارات حماسية ليسرقوا أعمارَنا … بعدما سرقوا أحلامَنا؟

حاولتُ أن أُخفّف على الصديق، الذي عَملَ عقوداً في الشأن العام العربي، وقلتُ له إننا قُمنا بما فرضه علينا الواجب والإيمان، مُحاوِلين تحقيق إنجازاتٍ في الدفاع عن قضايا أمّتنا وأوّلها قضية فلسطين، لكننا صُدِمنا بحجم التخاذُل والتفريط بالحقوق والتعرّي حتى من ورقة التوتً.

كم كنّا ساذجين عندما صدّقنا الهتافات والشعارات وأوّلها إرفع رأسك يا أخي فقد ولّى عهدُ الإستعمار… لكن الإستعمارَ خَرَجَ من الباب ليتسلّل من النوافذ المُشرَّعة ومعه كل أشكال المُستعمِرين والجنسيات. وانضمّ إليهم جيرانٌ وإخوانٌ مما سُمّي بالدول الإقليمية، ونحن نتساءل عن شعارات الوحدة والتضامن والحرية والنضال، وعن سكوتنا على الظلم والطغيان من أجل القضية ونحن نخجل اليوم من تذكّر شعار لا صوت يعلو على صوت المعركة؟

وكم ردّدنا من أناشيد وطنية حماسية كانت كالمخدر الذي يُبقينا نائمين مخدوعين، ولا نزال نذكرها ومنها:

تقضي الرجولة أن نمدّ جسومَنا جسراً فقُل لرفاقِنا أن يَعبروا.

وأيضاً: لا تَقطَعَنً رأس الأفعى وتتركها … إن كنت شهماً فاتبع رأسها الذنب.

ونذكر ما تَبَيَّنَ أنه كذبةٌ فاضحة: بلادُ العرب أوطاني، من الشام لبغدان …

ولم ننسَ: أُمّةُ العرب لن تموت وإني أتحدّاك باسمها يا فناء.

وبكل أسف فإن الأمّة تعيش حالةَ موتٍ سريري بعدما تَرَكَت الأفاعي تَسرَح وتَمرَح في ديارِنا غير العامرة، وعَمَّ الظلام في أوطانها، ولم يقتصر على السجون، وكأني أرى الصحافي المرحوم نجيب الريس يندم غلى قصيدته التي هتف فيها: يا ظلام السجن خيّم إننا نهوى الظلاما … ليس بعد الليل إلّا فجرَ مجدٍ يتسامى!؟

ورُغمَ خيباتِ الأمل والنكسات والإنتكاسات والهزائم والنكبات، بقيت فينا نفسٌ تتحدى وترفض الواقع بالتأكيد على الوحدة العربية فأنشدنا بخشوعٍ وكأننا في مأتم: وطني حبيبي الوطن الأكبر، يومٌ على يومٍ أمجاده بتكبر. وانتصاراته مالية حياته، وطني بيكبر وبيتحرّر؟! … وطني يا زاحف لانتصاراتك، يَلِلّي حياة المجد حياتك في فلسطين وجنوبنا الثائر…؟!

لكن كل هذه الأناشيد الحماسية انتهت بنا إلى خيباتِ أمل، وإحباطٍ وسخرية من الواقع المُزري، ونقمةٍ على المسؤولين عنه، وغياب المحاسبة … إلى أن قال الشاعر الكبير الراحل عمر ابوريشة في وصف أحد مؤتمرات القمة العربية الفاشلة: خافوا على العارِ أن يُمحى فكان لهم لغَسلِ العارِ مؤتمرُ!

ولم يبقَ لدينا اليوم سوى العارِ والبكاء على الأطلال والترديد مع كوكب الشرق أم كلثوم:

يا فؤادي لا تَسَل أين الهوى، كان صرحاً من خيالٍ فهَوَى،

اسقِني واشرب على أطلاله، واروِ عني طالما الدمع روى.

وبكل حزن ورجاء هتفنا مع الشاعر الراحل طلال ناجي : أعطني حريتي أطلق يديَّ، إنني أعطيتُ ما استبقيتُ شيَّ.

وتحوّل هذا البيت من الشعر إلى نداءٍ وطني إنساني صارخ أرعب الطغاة.

ولمّا لم يبقَ لنا إلّا الحلم وسيلة للتعبير والأمل، أنشدنا رُغم الأوضاع المُزرية نشيدَ الحُلمِ العربي، لعلّه يُنعِشنا قليلاً ونَخدع أنفسنا بكلماته الرنانة:

أجيال ورا أجيال            هتعيش على حلمنا

واللي نقوله اليوم            محسوب على عمرنا

جايز ظلام الليل             يبعدنا يوم إنما

يقدر شعاع النور            يوصل لأبعد سما

ده حلمنا… طول عمرنا    حضن يضمنا.. كلنا كلنا

نعم وبكلِّ أسف، لقد سرقوا أحلامَنا … وسرقوا أعمارنا؟!

  • عرفان نظام الدين هو كاتب، صحافي ومُحلّل سياسي عربي. كان رئيساً لتحرير صحيفة “الشرق الأوسط” السعودية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى