إقتصاد عُمان: توقعات ضبابية تتحسّن إذا إستطاعت الحكومة السيطرة على الإنفاق

على الرغم من نشر فائض في الموازنة في الأشهر الخمسة الأولى من هذا العام، فإن الإقتصاد العُماني قد يكون عرضة لإنخفاض أسعار النفط والإنفاق المرتفع.

مسقط – هيكل شريف

السلطان قابوس: نجحت حكومته في تنويع الإقتصاد
السلطان قابوس: نجحت حكومته في تنويع الإقتصاد

إذا إعتبرنا الأشهر الخمسة الأولى من هذا العام كدليل، ينبغي على سلطنة عُمان أن لا يكون لديها سبب للخوف على حالة مواردها المالية. مع نشرها فائض في موازنتها والذي بلغ 551.3 مليون ريال عُماني (1.4 مليار دولار) في تلك الفترة، مقارنة مع عجز قدره 71.6 مليون ريال في الأشهر الخمسة الأولى من العام 2013، فقد تمتّع إقتصادها في النصف الأول من 2014 بنتائج جيدة مع إرتفاع أسعار النفط وزيادة العائدات غير النفطية التي تدفقت على خزينة الدولة.
وكان العام الفائت أيضاً جيداً بالنسبة إلى الإقتصاد في السلطنة، إذ عرف النمو الحقيقي للقطاع غير النفطي إرتفاعاً بنسبة مثيرة للإعجاب، 5.5 في المئة في العام 2013. وقُدِّرت مشاركة القطاعين المالي والخارجي في الفوائض بأكثر من 5.5 في المئة ونحو 10 في المئة في الناتج المحلي الإجمالي، على التوالي، في العام الفائت.
وتقترح بيانات الربع الأول سبباً وجيهاً للثقة بأن 2014 سوف تكون سنة جيدة أخرى. كان الناتج المحلي الإجمالي الإسمي 4.6 في المئة في الربع الأول، وفقاً للأرقام الصادرة عن المركز الوطني للإحصاء والمعلومات. وفي الوقت عينه، تم تقدير النمو غير الهيدروكربوني ب8 في المئة في الأشهر الثلاثة الأولى من العام الجاري.
كل هذا يشير إلى أن صناع القرار يجب عليهم أن يتطلعوا قدماً إلى العام 2015 مع الشعور بالثقة القوية. بدلاً من ذلك، يستشري شعور واضح بالقلق حول الوضع الإقتصادي في سلطنة عُمان.
أولاً، هناك قلق واضح – كما في العديد من الدول الأخرى المنتجة للنفط في الخليج – من هبوط أسعار النفط العالمية الأخيرة. إن السلطنة معرّضة لتقلبات قطاع النفط بطريقة لا تنطبق على دول الخليج الأخرى، نظراً إلى ضعف إحتياطاتها والمصاريف الكبيرة المتورّطة في إستخراج النفط والغاز.
الواقع أن إقتصاد السلطنة، كما يفيد تقرير بنك ستاندرد تشارترد الصادر في أيلول (سبتمبر) الفائت، لا يزال عرضة لصدمات أسعار النفط لأن سعر النفط المطلوب للتعادل في الدولة الخليجية هو الأعلى بين أقرانها- سعر تداول النفط الذي تحتاجه كي تكون الموازنة متوازنة – حيث يقدّر تقريباً ب102 دولارين للبرميل الواحد. مع هبوط الأسعار الآن إلى أقل بكثير من هذا المستوى – إستقر سعر خام عُمان للتسليم في تشرين الثاني (نوفمبر) عند سعر يقل قليلاً عن 96 دولاراً للبرميل في نهاية أيلول (سبتمبر) – فإن قدرة البلاد المالية سوف تكون محدودة للمضي قدماً. فقد تراجعت أسعار عقود النفط الخام العُماني المستقبلي إلى أقل من 100 دولار في أيلول (سبتمبر)، وهو أدنى مستوى لها منذ العام 2013. ويأتي ذلك بعد أشهر فقط من وصولها إلى أعلى مستوى في عام واحد إلى 110 دولارات للبرميل.
مع بلوغ عائدات النفط 83 في المئة من إيرادات الدولة، فإن أي إنخفاض كبير في أسعار النفط سوف يؤثر سلباً على الفور في مالية السلطنة، وهي حالة تفاقمت بسبب الزيادة في الإنفاق العام الذي شهدته البلاد في السنوات الأخيرة، في أعقاب الإحتجاجات التي هزّت العاصمة مسقط منذ ثلاث سنوات.
ولكن هذا الواقع يشير أيضاً إلى محدودية المناورة التي تتمتع بها عمان نظراً إلى أن موجوداتها الهيدروكربونية معقّدة، وتبلغ تكاليف إستخراجها أعلى بكثير من تلك التي لدى جيرانها الخليجيين.
“نظراً إلى وضع أسعار النفط المنخفضة حيث هي الآن، فإنه من المتوقع بأن تعرف عُمان عجزاً في الموازنة هذا العام – وجزء كبير من ذلك سيعود الى حقيقة أن السلطنة لا تملك موارد نفطية كبيرة تحت تصرفها – وحتى تلك التي لديها من الصعب نسبياً الوصول إليها”، يوضّح دانيال كاي، أحد كبار الخبراء الإقتصاديين في “أوكسفورد إيكونوميكس”، والذي يقدّر سعر التعادل للنفط العُماني ب109 دولارات للبرميل الواحد.
إن إرتفاع تكاليف الإستخراج في سلطنة عُمان يعني أن الحكومة ستحصل على مبلغ مخفَّض وأقلّ من صافي إيرادات النفط. وعلاوة على ذلك، نظراً إلى وجود واسع لشركات النفط العالمية في قطاع النفط والغاز في السلطنة، فإنه يتم تحويل جزء كبير من الأرباح فعلياً إلى خارج البلاد.
“مقابل كل دولار من عائدات النفط، تحصل مسقط على حصة أقل وهذا ما يؤثر في وضع الموازنة”، يقول كاي.
على الرغم من أرقام الموازنة المؤقتة الجيّدة في النصف الأول من هذا العام، فإن بعض المحلّلين يحذّر من المبالغة في الأرقام. ذلك أن أرقام عُمان لا تزال متقلّبة، مع علامات إستفهام حول كيف سيتم تصنيف أرقام الإنفاق.
يحتاج مخططو الموازنة في مسقط إلى النظر مجدداً وبعناية في سياسات الإنفاق، نظراً إلى هشاشة أسعار النفط. إن الإرتفاعات الكبيرة التي شهدتها نفقات الدولة في السنوات الأخيرة – إرتفع الإنفاق الحكومي كنسبة مئوية من الناتج المحلي الإجمالي من 35 في المئة في العام 2010 إلى ما يقدر بنحو 44 في المئة هذا العام – سوف تحتاج إلى تمويل.
ويفيد أهل الخبرة بأن أحد الخيارات لمنع الحكومة من الإنزلاق الى العجز من أجل الحفاظ على برنامج إنفاقها الكبير، سيكون بالإستفادة من مصادر جديدة لتمويل الديون. نظراً إلى أن معدل الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي هو سبعة في المئة فقط، هناك فسحة وفرصة لأخذ المزيد من الديون. وتستعد مسقط إلى أول إصدار للصكوك السيادية في أوائل العام 2015، والذي سوف يشمل 200 مليون ريال عماني من أدوات الدين الإسلامية، جنباً إلى جنب مع شريحة تقليدية من السندات السيادية تبلغ قيمتها 300 مليون ريال.
يهدف الرئيس التنفيذي للبنك المركزي العُماني حمود بن سنجور الزدجالي من هذين الإصدارين تمويل مجموعة من مشاريع البنية التحتية. وقد بدأت بالفعل الأعمال التحضيرية لإصدار “الصكوك”، على الرغم من عدم وجود قوانين لإصدار “الصكوك” المحلية بعد. ومن المتوقع أن يشهد هذا الحقل تقدماً وتطوراً في الأشهر القليلة المقبلة. حتى الآن لا يرى المسؤولون العمانيون سبباً كافياً للذعر بشأن الحالة المالية في البلاد. وقد إستندت موازنة 2014 على أساس سعر مفترض للنفط قدره 85 دولاراً للبرميل، وحتى مع إتجاه نزولي لأسعار النفط في النصف الثاني من العام 2014، ينبغي أن يتجاوز متوسط سعر الخام العُماني هذا المستوى بشكل مريح.
تبدو عائدات الهيدروكربونات قوية إلى حد ما في الربع الأخير من العام. وقد إفترضت موازنة 2014 أن إنتاج النفط سيبلغ في المتوسط 945,000 برميل يومياً، وهو مستوى تم تجاوزه بالفعل بما لا يقل عن 1000 برميل يومياً. وعلاوة على ذلك، لدى عُمان الغاز الطبيعي المسال أيضاً للتصدير والذي يدر بدوره عليها عائدات للخزينة. في العام الفائت، إدّعت شركة الغاز الطبيعي المسال المملوكة للدولة العُمانية أن الإيرادات بلغت 4.49 مليارات دولار، وهو رقم أعلى ب149 مليون دولار مما كانت عليه في العام 2012.
من جهة أخرى، هناك ضغط متزايد على الشركة العُمانية للغاز الطبيعي المسال لزيادة الإيرادات، نظراً إلى تصوّر واسع الإنتشار في السلطنة بأن الغاز لديها يُباع بثمن بخس للغاية. اليابان، وهي واحدة من عملائها الرئيسيين، هي مثال على ذلك. في حين كان متوسط السعر العالمي للغاز في حزيران (يونيو) 2014 حوالي 16 دولاراً لكل ألف وحدة حرارية بريطانية، كان متوسط سعر الغاز العُماني فقط 10 دولارات لكل ألف وحدة حرارية بريطانية. لذا هناك ضغوط متزايدة في الداخل لإعادة التفاوض على الأسعار مع كبار العملاء على المدى الطويل، وإن كان ليس هناك ما يضمن أن ذلك سوف ينجح. كما أن القيود على إحتياطات الغاز تمثّل تحدياً إضافياً. الكثير منها سيتوقف حتماً على نجاح شركة “بي بي”، في مشروع “بلوك 60” للغاز الضيِّق في حقلي “خزان” و”مكارم”، في تحرير زيادة أكثر في حجم الغاز. علماً أن المشروع لا يزال أمامه على الأقل بضع سنوات لبداية الإنتاج والتصدير.
وهناك رياح باردة إقتصادية معاكسة أخرى تلوح في الأفق من شأنها أن تُعطي سبباً للقلق في مسقط. الوضع الخارجي للبلاد يشعر ببعض الضغط، مع كشف إحصاءات جديدة للتجارة والتصدير، الصادرة عن المركز الوطني للإحصاء والمعلومات، عن إنخفاض في قيمة صادرات النفط والغاز ب9.7 في المئة، إلى 6.6 مليارات دولار في أول ستة أشهر من هذا العام. كما أظهر إجمالي قيمة صادرات عُمان في النصف الأول من 2014 – بما في ذلك المنتجات غير النفطية وإعادة التصدير—إنخفاضاً بنسبة 9.6 في المئة إلى 10 مليارات ريال عماني.
في الواقع، إن الزيادة الوحيدة التي سُجِّلت خلال النصف الأول من 2014 كانت في قطاع الصادرات غير النفطية والتي نمت بنسبة 3.3 في المئة، بقيمة 1.85 مليار ريال عماني. وفي مؤشر إلى نشاط إقتصادي ضعيف، إنخفضت واردات البضائع بنسبة 13.6 في المئة في النصف الأول من 2014، إلى 5.6 مليارات ريال عماني.
على الرغم من هذه الضغوط على حساب السلطنة الجاري، من المرجح أن يظل الإقتصاد ناشطاً ومنتعشاً في العام 2015، مع الإعلان عن دفعة كبيرة في سوق المشاريع من خلال تطورات كبرى مثل مشاريع الدقم التي تغطي الطاقة والصناعة والمرافق السياحية، وتقدر تكلفتها بنحو 13 مليار دولار، فضلاً عن رزمة أخرى من المشاريع. ومن المتوقع أن يُستثمَر نحو 13 مليار دولار في مشاريع المصب مثل “تكامل”، ومبادرة مشاريع ليوا للبلاستيك.
وقد أصدرت مصفاة الدقم وشركة صناعة الكيماويات البترولية وثائق التأهيل المسبق لأعمال الهندسة والتوريد والإنشاء لبناء مصفاة نفط جديدة تبلغ قدرتها 230,000 برميل يومياً في منطقة الدقم الإقتصادية الخاصة، مع قرار بالتنفيذ يستحق في العام 2016 قبيل البدء في العمل في 2018. وتهدف هذه المخططات ذات القيمة المضافة إلى إضافة ثقل كبير إلى الإقتصاد العماني في العامين المقبلين.
من ناحية أخرى، هناك مصادر إضافية لدعم الإقتصاد العُماني. لا يزال النظام المصرفي مربحاً ومستقراً، مع متوسط العائد على الموجودات لديه 1.6 في المئة، والعائدات على الأسهم بلغت نسبة 11 في المئة، ونسبة كفاية رأس المال وصلت إلى 16.2 في المئة، كما يفيد صندوق النقد الدولي. ويتوقع الصندوق نمو الإقتصاد العُماني بمعدل 3.4 في المئة في العامين المقبلين. لكن محللين آخرين ما زالوا أكثر تفاؤلاً، فقد أفادت توقعات بنك ستاندرد تشارترد بأن نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي سيرتفع إلى 4.3 في المئة في العام المقبل، من أربعة في المئة هذا العام، مع رصيد إيجابي في الحساب الجاري يقدّر بسبعة في المئة في العام المقبل وفائض في الميزان المالي تصل قيمته إلى أكثر من ثلاثة في المئة.
على الرغم من أن القلق من أسعار النفط ينتشر في النظام، فإن الإستقرار – أو تراجعاً مسيطراً عليه على الأقل – يبدو أنه سيكون الأمر اليومي.
“إن المزيد من الشيء نفسه من المتوقع أن يكون في العام 2015″، يقول كاي. مضيفاً: “يُعتبر إقتصاد عُمان واحداً من الإقتصادات الأكثر إستقراراً في المنطقة، ونرى أن النمو الإقتصادي سيكون نحو أربعة في المئة هذا العام وأقل قليلاً في العام المقبل. ولا تزال الأوضاع بالنسبة إلى الإقتصاد غير النفطي صلبة وقوية نسبياً، ما يعكس ليس فقط قطاعاً غير نفطي أكثر تنوعا مما هو الأمر في دول الخليج الأخرى، ولكن أيضاً حقيقة أن الحكومة تعطي دفعة حقيقية لجهود التنويع، كما رأينا في مختلف الصناعات التحويلية التي يجري تعميمها؛ وهذا يجب أن يدعم النمو القوي على المدى المتوسط”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى