هل سيُنفَّذ مشروع خط أنابيب الغاز المقترح بين إسرائيل وتركيا؟
على الرغم من أن كل العمليات التجارية التي تزدهر وتتزايد بين إسرائيل وتركيا تجري تحت “الرادار”، فإن بناء خط أنابيب غاز رئيسي لن يستطيع الإفلات بالتأكيد من إنتباه الجمهور وإهتمام الإعلام.
أنقرة – هاني مكارم
في معرض تقديمه أخيراً لتقرير بعنوان “وجهات نظر منطقة البحر الأبيض المتوسط بالنسبة إلى الطاقة – تركيا”، أعلن وزير الطاقة التركي تانر يلدز: “لن يتم إطلاق أي مشروع طاقة مع إسرائيل قبل أن يكون هناك سلام دائم في المنطقة”. وأشار إلى أن “تركيا لم تتكلم أبداً عن الجدوى الإقتصادية للمشروع من دون النظر أولاً إلى الجدوى السياسية”. وكانت أنقرة أدانت مراراً إسرائيل بسبب هجومها الأخير على قطاع غزة في صيف 2014. وقد يؤدي أحدث التعليقات التي أدلى بها الوزير التركي إلى إنهيار مشروع خط أنابيب الغاز المقترح بين إسرائيل وتركيا لربط حقل “الطاغوت” الذي ينتج الغاز في إسرائيل مع ميناء “جيهان” التركي. كما كان يلدز أعلن في وقت سابق، في 4 آب (أغسطس) الفائت، أنه من دون وقف إطلاق النار، والإستقرار في المنطقة، فإن “دم الرضّع والأمهات الأبرياء” وليس الغاز سوف يتدفق عبر خط الأنابيب.
وكانت الآمال إنتعشت والتوقعات تفاءلت بأن إكتشاف إحتياطي كبير من الغاز في الحقول البحرية القبرصية والإسرائيلية في شرق البحر المتوسط من شأنه أن يساهم في تحقيق السلام والإستقرار في المنطقة. وقد أشار النائب المعارض في البرلمان التركي، “إيكان إيردمير”، إلى إمكانية إنشاء خط أنابيب للغاز لربط الحقول الإسرائيلية، وربما القبرصية أيضاً، مع تركيا وإعتباره “خط أنابيب السلام” الذي من شأنه أن يساعد على حل المشكلة القبرصية وتسهيل إنضمام تركيا إلى الإتحاد الأوروبي. في الواقع، يبدو أن هذا التفاؤل كان في غير محله. على الرغم من أن خط أنابيب الغاز بين إسرائيل وتركيا سيكون مجدياً تجارياً ويحظى بدعم من جماعات الضغط التجارية القوية، يبدو أن المعارضة السياسية في تركيا وإسرائيل إضافة إلى قبرص، ستقف حائلاً وستمنع تحقيق هذا المشروع .
يقع “الطاغوت”، حقل الغاز الضخم في الدولة العبرية، على بعد 130 كيلومتراً غربي ميناء حيفا، وقُدِّرت إحتياطاته ب620 مليار متر مكعب. وتدير هذا الحقل وتشغّله الشركة الأميركية “نوبل إينرجي” جنباً إلى جنب مع شركاء إسرائيليين. والهدف هو أن يبدأ الإنتاج في الحقل في أواخر 2017. وبعد قرار إتخذه مجلس الوزراء الإسرائيلي في حزيران (يونيو) 2013، فإن نسبة 40 في المئة من الغاز المنتج في الحقل يجوز تصديرها. ومن المتوقع أن تكلّف المرحلة الأولى من تطوير الحقل 6 مليارات دولار. وقد حدّدت تل أبيب تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل موعداً نهائياً لتقديم برامج التطوير والتنمية من قبل الشركات العاملة في “الطاغوت”. وسوف تكون حكومة بنيامين نتنياهو مهتمة برؤية التفاصيل بالنسبة إلى الإتفاقات المعقودة لمبيعات الغاز على المدى الطويل التي من شأنها أن تساعد على تمويل الإنتاج. إن الفشل في وضع خطة التنمية الشاملة قد يؤدي إلى التأخير. ونظراً إلى الأحداث الأخيرة، لا يبدو أن الشركات العاملة في “الطاغوت” ستكون قادرة على تضمين خطط محدَّدة نهائية بحلول تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل لبناء خط أنابيب للغاز يربط الحقل الإسرائيلي مع ميناء “جيهان” التركي.
في آذار (مارس) 2014، أفاد بعض التقارير بأن شركتين تركيتين، “زورلو هولدنغ” و”تركاس بترول”، قد شاركتا في مناقصة لبناء محتمل لخط أنابيب الغاز الذي سيحمل بين 7 إلى 10 مليارات متر مكعب في السنة من “الطاغوت” إلى البر الرئيسي التركي. إن خط الأنابيب المقترح الذي سيبلغ طوله 500 كيلومتر سيكلّف نحو 3.5 مليارات دولار. وتملك “زورلو هولدنغ” حصصاً في العديد من محطات توليد الطاقة في إسرائيل ومن المعروف أن رئيسها، أحمد نظيف زورلو، يتمتع بصلات وثيقة مع حكومة “حزب العدالة والحرية” في تركيا. من جهتها تقدمت “تركاس بترول” بعرض مشترك مع شركة الطاقة الألمانية “آر دبليو إي” (RWE). وفي نيسان (إبريل) 2014 أعلمت “تركاس بترول” بورصة إسطنبول بأنها بدأت محادثات غير ملزمة مع “إينرجيسا” (Enerjisa) (وهو مشروع مشترك بين مجموعة “سابانجي” القوية في تركيا وشركة الطاقة الألمانية “إي. أون” (E.ON)) لشراء الغاز المنتج من “الطاغوت” لبيعه في السوق التركية. وهكذا أعربت شركات الطاقة المؤثرة التركية والألمانية عن إهتمام أكيد في خط أنابيب الغاز المقترح بين إسرائيل وتركيا وتمارس ضغوطاً لتحقيقه. ومع ذلك، على الرغم من هذا الإهتمام، لم تكن هناك على ما يبدو أي تطورات جديدة في ما يتعلق بمناقصة بناء خط الأنابيب.
يرى معظم الخبراء بأن التدهور المتزايد في العلاقات التركية – الإسرائيلية في الأشهر الأخيرة هو المسؤول عن عدم إحراز تقدم على خط أنابيب الغاز المقترح. وكان إتفاق قيد التحقيق بين أنقرة وتل أبيب بالنسبة إلى المبلغ الواجب دفعه لصندوق تعويض عائلات ضحايا غارة الكوماندوس الإسرائيلي على “مافي مرمرة” – السفينة التي حاولت كسر الحصار البحري الإسرائيلي حول غزة في أيار (مايو) 2010. وقد إضطر رئيس الوزراء نتنياهو، تحت ضغط أميركي، إلى الأعراب في وقت سابق عن أسفه للأرواح التي فُقدت نتيجة مهاجمة “مافي مرمرة”. وعلى الرغم من ذلك، لا يبدو في الأفق حالياً أي تقارب محتمل بين إسرائيل وتركيا بعد إدانة أنقرة القاسية للإعتداء الإسرائيلي الأخير على حركة “حماس” في قطاع غزة.
من ناحية أخرى، دعمت حكومتا تل أبيب ونيقوسيا خططاً لبناء “خط أنابيب غاز شرق المتوسط”. وهذا المشروع يتطلب مدّ خط أنابيب تحت الماء يربط قبرص مع جزيرة “كريت” ثم مع البر اليوناني، والذي يمكنه نقل 8 مليارات متر مكعب سنوياً من الغاز القبرصي والإسرائيلي إلى أوروبا. في تشرين الأول (أكتوبر) 2013 أعلنت المفوضية الأوروبية إهتمامها بمشروع خط الأنابيب المزمع إطلاقه وقالت بأنه مؤهل للحصول على الدعم المالي. ويمكن بناء وصلة مع خط أنابيب “آي جي آي”-بوسيدون” المتوخّى لتمكين الغاز من الوصول إلى إيطاليا عبر البحر الأيوني. ومع ذلك، بسبب إرتفاع التكاليف – بين 20 إلى 30 مليار دولار – والتحديات التقنية لوضع ومد خط أنابيب في مياه عميقة جداً، ربما لن يتم بناء “خط أنابيب غاز شرق المتوسط”.
كما دعمت الحكومة في نيقوسيا أيضاً خططاً لبناء محطة للغاز الطبيعي المسال في محطة “فاسيليكوس” في قبرص. هذا المرفق يمكنه معالجة الغاز المنتج من حقول الغاز القبرصية والإسرائيلية في شرق البحر المتوسط، والذي يمكن بعد ذلك شحنه بواسطة الناقلات إلى أسواق أوروبا وآسيا. وهذا المشروع سيكون خياراً آخر مكلفاً – حوالي 10 مليارات دولار لتسييل 14 مليار متر مكعب سنوياً – والذي يبدو أقل جاذبية تجارياً فيما أسعار الغاز تنخفض في الأسواق العالمية. من جهتهم يفضّل الإسرائيليون خيارات أخرى لتصدير ممكن للغاز من حقل “الطاغوت”.
في كاون الثاني (يناير) 2014، تم إبرام صفقة مع شركة توليد الطاقة الفلسطينية لتصدير 4.75 مليارات متر مكعب سنوياً من الغاز من “الطاغوت” على مدى عشرين عاماً إلى محطات توليد الطاقة المستقبلية في جنين في الضفة الغربية. في أيلول (سبتمبر) 2014، تم توقيع خطاب نوايا غير ملزم مع شركة االكهرباء الوطنية في الأردن لبيع 45 مليار متر مكعب من الغاز من “الطاغوت” على مدى 15 عاماً. ومن المتوقع أن يكتمل توقيع عقد شراء وبيع الغاز النهائي قبل نهاية العام. أيضاً، تم توقيع إتفاق غير ملزم مع “بي جي” (BG) في حزيران (يونيو) 2014، الذي ينبغي بموجبه مدّ خط أنابيب جديد تحت الماء لتسليم 7 مليارات متر مكعب سنوياً، على مدى فترة 15 سنة، من حقل “الطاغوت” إلى محطة الغاز الطبيعي المسال في “إدكو” المتوقفة عن العمل حالياً في مصر. وإذا تم معالجة تسييل الغاز في المنشأة المصرية التي تديرها “بي جي”، يمكن بعد ذلك إرسال الغاز الإسرائيلي بواسطة ناقلات إلى الأسواق الخارجية.
ويفيد أهل الخبرة أنه حتى لو تم وضع اللمسات الأخيرة على الإتفاقات مع شركة الكهرباء الوطنية الأردنية و”بي جي” في مصر، سيظل هناك ما يكفي من الغاز المنتج في “الطاغوت” لملء خط الأنابيب المقترح بين إسرائيل وتركيا. على الرغم من العلاقات السياسية المتفاقمة، فإن حجم التبادل التجاري بين إسرائيل وتركيا قد زاد من 3.5 مليارات دولار في 2012 إلى 4.9 مليارات دولار في 2013. ومع ذلك، فإنه من غير المرجح أن تؤدي إحتمالات مواصلة توسيع العلاقات التجارية إلى التأثير وتمكين الحكومتين التركية والإسرائيلية في المستقبل المنظور من وضع خلافاتهما جانباً والموافقة على بناء خط أنابيب الغاز المقترح. في الواقع تجري غالبية زيادة العمليات التجارية تحت الرادار. ولكن بناء خط أنابيب غاز رئيسي بالتأكيد لن يستطيع أن يكون كذلك ولن يفلت بالتالي من إنتباه وإهتمام الجمهور والإعلام. ونظراً إلى إستمرار التوترات المحتملة بين أنقرة والقدس على غزة، فإن المسؤولين في “حزب العدالة والحرية” سيجدون صعوبة بالغة لإقناع أنصارهم أن الوقت مناسب للمضي في تنفيذ مثل هذا المشروع الضخم للطاقة .
في ظل المناخ السياسي الحالي فإن حكومة نتنياهو أيضاً سوف تجد نفسها مجبرة على معارضة مشروع بناء خط الأنابيب. إن الغاز يعتبر سلعة إستراتيجية في إسرائيل. وظهر هذا جلياً خلال المناقشات الحيّة حول نسبة كمية الغاز التي ينبغي أن تخصص للسوق المحلية وحجم ما يمكن تصديره. وبالتالي سيكون المسؤولون الإسرائيليون مترددين للغاية للإلتزام بتصدير كميات كبيرة من الغاز إلى دولة يُنظر إليها على أنها معادية.
علاوة على ذلك، من دون حل مشكلة قبرص، فإن الحكومة في نيقوسيا ستستمر أيضاً بموقفها الرافض لبناء خط أنابيب الغاز بين إسرائيل وتركيا الذي يجب أن يمر في المنطقة الإقتصادية الخالصة لقبرص لتجنب المياه السورية. وكان الإعلان عن إستئناف المحادثات بين القبارصة اليونانيين والقبارصة الأتراك حول مستقبل الجزيرة المقسّمة قد عرف ضجة إعلامية في شباط (فبراير) 2014، ولكن لا تزال المفاوضات متوقفة، وهناك إحتمال ضئيل في حصول أي تقدم على الفور. من دون إذن من نيقوسيا، فإن مشروع خط أنابيب الغاز المقترح لن ينفّذ.
من جهتها تحب شركات الطاقة الإفتراض بأن الجدوى التجارية للمشروع سوف توفّر سبباً كافياً بالنسبة إليها لإقناع الحكومات لتقديم الدعم لمشاريع معينة. ولكن، لا يبدو أن هذا هو الحال في ما يتعلق بآفاق خط أنابيب الغاز بين إسرائيل وتركيا، على الرغم من حقيقة أن أنقرة تسعى إلى تنويع وارداتها من الغاز وذلك لتجنب زيادة الإعتماد على الطاقة من روسيا – وهي مسألة مثيرة للقلق وأكثر إلحاحاً في ضوء التوترات بشأن أوكرانيا. كما أن توجيه الغاز الإسرائيلي إلى البر التركي يمكنه أيضاً أن يؤثّر في إمكانية الحصول على مزيد من الغاز من مصادر أخرى ليتم نقله إلى أوروبا عبر الأراضي التركية، وبالتالي جعل تركيا دولة ذات أهمية متزايدة في نقل الغاز – وهو هدف لصناع السياسة في أنقرة.
ومن المفارقات، ربما، أن الفلسطينيين والأردنيين والمصريين يبدون أكثر إستعداداً لإستقبال الغاز من حقل “الطاغوت” على الرغم من تصاعد التوتر بين إسرائيل وحركة “حماس” في قطاع غزة. الفائدة المحلية من إستغلال الغاز الإسرائيلي للإستهلاك المحلي أو إعادة تصديره يمكن أن تساهم في الإستقرار الإقليمي على المدى الطويل. ويقول بعض المحللين المتابعين بأن “خط أنابيب السلام” بين إسرائيل وتركيا قد لا يتحقق، ولكن إحتياطات الغاز في شرق البحر المتوسط قد تلعب دوراً مهماً في تمكين إسرائيل لتحسين علاقاتها مع جيرانها العرب.
يبقى أن الموعد النهائي المحدّد في تشرين الثاني (نوفمبر) 2014 لتقديم خطط تطوير حقل “الطاغوت” قد تضطر الحكومة الإسرائيلية إلى تمديده وذلك من أجل إعطاء الشركات العاملة في الحقل الوقت الكافي للإنتهاء من توقيع صفقاتها مع شركة الكهرباء الوطنية الأردنية و”بي جي” في مصر. وهذا من شأنه أن يمنح “الطاغوت” المزيد من الوقت لإنتاج كميات إضافية من الغاز لتلبية إلتزامات الأسواق الخارجية. مع ذلك، وبالنظر إلى المشاكل المستمرة في العلاقات الإسرائيلية – التركية، والجمود المخيِّم على محادثات السلام في قبرص، يبدو من غير المحتمل أن يتم بناء خط أنابيب الغاز الذي سيربط حقل “الطاغوت” مع ميناء “جيهان”
يجب عليك تسجيل الدخول لكتابة تعليق.