جمهورية زياد الرحباني و”حزب الله” والحب المستحيل!
بقلم جوزف قرداحي
ما كادت العاصفة التي أطلقها زياد الرحباني في الصيف الفائت تهدأ ويخفت ضجيجها، نتيجة تصريحه الشهير لموقع “العهد” التابع لـ”حزب الله” والذي أعلن فيه أن والدته السيدة فيروز تحب السيد حسن نصرالله وتتبنى سياسته، حتى عادت مع بداية هذا الخريف لتهُبَّ مرة جديدة، ولكن لتبشّر ببداية إنقلاب جديد، وربما ثورة جديدة، على كل مواقفه السياسية والعقائدية تجاه “حزب الله” وأمينه العام وما يدور في فلكهما سياسياً وأمنياً وإعلامياً.
ولعلّ تصريحه الأخير إلى محطة “الجديد” اللبنانية، والذي على ما يبدو فجّر فيه الكثير من الغضب المتراكم في داخله، والذي نضح عن صمت طويل عاشه منذ العام 1985 كغيره من الشيوعيين الذين إنتُزعت منهم مقاومتهم في الجنوب، عنوة وإغتيالاً وغدراً، على يد مجموعة حزبية يعرفونها بالهوية والممارسة والعقيدة، أطلقوا عليها إضطراراً مجموعة من “القوى الظلامية” لتجهيل القاتل تماشياً مع سياسة القبول بالأمر الواقع.
المفاجأة لم تكن في هذا التصويب المباشر والمركّز على “الحزب” وأمينه العام وجريدة “الأخبار” ورئيس تحريرها الذي ينشر مقالات زياد في جريدته و(لكنه لا يقرأها أو يوليها الإهتمام عينه الذي يوليه السيد نصرالله لتلك المقالات ويعلّق عليها) على ما جاء في تصريح زياد لقناة “الجديد”. المفاجأة، أن يكتشف زياد متأخّراً أن لا دور له في فلك “حزب الله”، وأن الرصيد الذي أعطاه للحزب والتأييد المطلق لسياسته إضافة إلى محاولته جرّ والدته إلى مستنقع السياسة الحزبية وإلباسها عباءة السيد نصرالله عنوة وتهوراً، لم يعطه بالمقابل أي مردود معنوي ولا سيما على مستوى التحالف غير المتوازن والقائم على ساق واحدة، فوُلد تحالفاً أعرج يمشي على عكّاز من خشب، سرعان ما ستنكسر حين تتراكم الأثقال على الجانب الضعيف.
حين أراد زياد توريط والدته التي هي أعلى من كل رمز سياسي أو حزبي، وإغراقها في رمال حزب إيديولوجي لا يؤمن بأي دور لإمرأة تتعاطى الغناء والموسيقى، حتى ولا يؤمن به هو كحالة فنية منفلتة من عقال الدين ومشاغبة على إنضباط جنود “الولي الفقيه” وطاعته العمياء، كان لنا موقف في “أسواق العرب” تساءلنا فيه عن الجامع المشترك ما بين فيروز والسيد حسن نصرالله، وبالتالي وخصوصاً ما بين زياد الرحباني و”حزب الله”، وقلنا بالحرف الواحد رداً على تصريح زياد لموقع “العهد”: “إذا سلمنا جدلاً أن فيروز تحب السيِّد وتؤمن بإيديولوجية حزبه، كيف لسيدة خارجة من رحم الغناء والشعر والموسيقى والفن، أن تؤمن بعقيدة هي في الأصل لا تؤمن بها، وتهمّشها وتعتبرها حالة منكرة؟! كيف ينجح حب من طرف واحد، لا يؤمن بدور المرأة في الفن ولا يقوم على المساواة؟!
إنتفاضة زياد الرحباني على حزب لا يؤمن بالتعددية ولا بالفن ولا بأي دور للمرأة في عالم الغناء، وإن جاءت متأخرة، لها دلالاتها الواضحة على أن كل تحالف يقوم على طرف واحد، ولا يلقى إعترافاً متبادلاً، هو تحالف ناقص ومزوّر و”ضحك على الذقون”. لقد أصاب زياد عين الحقيقة، حين جاهر بأن الجنوب ليس “حزب الله” وحده، وإن أخطأ في المقابل خطيئته المميتة حين صوّب في لحظة غضب على الجمهورية اللبنانية التي رماها كما يرميها معظم اللبنانيين بأوساخهم حين يغضبون، معلناً أن بقاءه في هذه الجمهورية يتطلب منه المزيد من المرافقين الأمنيين، لأنه أصبح مهدّد على المستوى الشخصي، وهو أمر لم يحصل معه حتى في فترة الحرب المشؤومة.
في الخلاصة،
زياد الرحباني لا يحتاج إلى مرافقين أمنيين، بقدر ما يحتاج إلى مستشارين إعلاميين، يصوِّبون هفواته، ويعيدون قراءة تصريحاته الإعلامية، وتشذيبها وتنقيتها وإعدادها للنشر.
لو كنت مكان ديمتري خضر في تلفزيون “الجديد”، لمارستُ رقابة شديدة على محتوى الحوار الذي أعدّه جاد غصن مع الرحباني زياد، وحذفتُ ما ينبغي حذفه من كلام لا يسيء الى زياد كشخص ولا الى الجمهورية اللبنانية كوطن، بل يسيء في الدرجة الأولى الى تلفزيون “الجديد” كوسيلة إعلامية تخلَّت عن أخلاقيتها المهنية، وراحت تبحث عن أي إثارة رخيصة لتزيد من نسبة مشاهديها.
زياد الرحباني، رمز من رموز الفن الراقي في لبنان والعالم العربي، لا يقل أهمية عن فيروز والأخوين رحباني ومحمد عبد الوهاب والسنباطي وسيد درويش، وأقل ما ينبغي بهذا الإعلام اللبناني الحريص على نقل أخبار زياد ونشاطاته، أن يكون حريصاً بالقدر عينه على حماية زياد من هفواته المميتة ومن حلاوة لسانه التي قد تنقلب في مرات كثيرة، إلى سمٍّ قاتل!