هل صار سعد الحريري وحيداً؟ً

يواجه رئيس الحكومة المستقيلة سعد الحريري في لبنان مشكلة مصداقية متنامية قد تكون قاتلة سياسياً.

بقلم مايكل يونغ*

هذه ليست أوقاتاً جيدة لرئيس حكومة تصريف الأعمال في لبنان سعد الحريري. في أواخر تشرين الأول (أكتوبر) الفائت إستقال تحت ضغط التظاهرات الشعبية ضد الطبقة السياسية. كانت نيّته غير المُعلَنة إعادة تسميته كرئيس للوزراء في حكومة متجانسة (من خبراء ومستقلين) يُمكنه التحكّم فيها بشكل أفضل، لكن الخطة انهارت في منتصف كانون الأول (ديسمبر) عندما تمّ تكليف حسان دياب بتشكيل حكومة جديدة. اليوم، فَقَدَ الحريري النفوذ المالي الذي كان يتمتع به من قبل، وكذلك دعم حلفائه السياسيين والداعمين الإقليميين، وحتى الكثيرين داخل مجتمعه السنّي.

ليس من الحِكمة أبداً شطب سياسي لبناني. لقد عاد البعض من الفشل والخطأ لإحياء طموحاته بنجاح. أنظروا إلى الرئيس ميشال عون. ومع ذلك، سيكون على الحريري توضيح واجتياز عقبات كبيرة حتى إذا فشل دياب في تشكيل حكومة وطُلِبَ من رئيس الوزراء المُستقيل أن يشكّلها بنفسه. الواقع أنه في تتبع تراجع الحريري، تبرز ثلاثة أخطاء سياسية كبرى إرتكبها.

الأول هو مغادرة الحريري للبنان في العام 2011 وغيابه عن البلاد لأكثر من خمس سنوات. سافر بعد وقت قصير من سقوط حكومته من قبل “حزب الله” وحلفائه في كانون الثاني (يناير) من ذلك العام. خلال فترة غيابه الطويلة، تدهورت الشبكات التي يرعاها، وتفاقم الوضع بسبب المشاكل المالية التي واجهتها شركته “سعودي أوجيه” (Saudi Oger) التي تعمل في المملكة العربية السعودية، والتي كانت بمثابة بقرته الحلوب. لأشهر وحتى سنوات، لم يتلقَّ الكثير من موظفيه أو شركائه اللبنانيين، خصوصاً في شبكة المساعدات الاجتماعية ووسائل الإعلام التابعة له، أي رواتب أو مدفوعات أخرى، ولم يتحسّن الوضع كثيراً منذ ذلك الحين.

كان انهيار شركة “سعودي أوجيه” في تموز (يوليو) 2017 بمثابة ضربة كبيرة للحريري. كانت هذه الشركة ذات يوم من أكبر الشركات المتعاقدة في المملكة العربية السعودية، وجوهرة التاج لدى رئيس الحكومة الراحل رفيق الحريري والد سعد. من خلال مجموعة من العوامل، بما في ذلك سوء الإدارة وفشل السلطات السعودية في سداد الديون المستحقة للشركة، بدأت “سعودي أوجيه” تواجه صعوبات في دفع أجور الموظفين بحلول أواخر العام 2015. وسرعان ما امتدت الأزمة إلى مؤسسات الحريري اللبنانية. كل هذا يشير إلى أنه فشل في إعطاء الأولوية اللازمة للحفاظ على المصدر الحقيقي لسلطته – قدراته المالية.

غياب الحريري الكارثي لفترة خمس سنوات عن لبنان أدى إلى خطأه الكبير الثاني. في محاولة لتنظيم عودة سياسية في العام 2016، تحالف مع ميشال عون وصهره جبران باسيل، وبالتالي مع “حزب الله”. لقد كان الأمر بسيطاً: الحريري يدعم محاولة عون كي يُصبح رئيساً، في مقابل موافقة عون و”حزب الله” على عودته إلى منصبه كرئيس للوزراء. لإقناع داعميه السعوديين بأن الصفقة كانت تستحق الإبرام، ذكرت المعلومات أن الحريري أكّد لهم أن الإنفتاح على عون، الذي سيُصبح رئيساً، سيؤدي إلى إيتعاده عن “حزب الله”.

ما حدث كان مُختلفاً جداً. كان واضحاً على الفور لعون و”حزب الله” أن الحريري كان بلا نفوذ. فهو الذي كان يحتاج إليهم – سواء للعودة إلى السرايا أو إحياء الشبكات التي يرعاها – وليس هم الذين بحتاجون إليه. هذا يعني أن الحريري كان أكثر عرضة لتقديم تنازلات للحفاظ على شراكته الوليدة مع العونيين و”حزب الله” أكثر مما كان عليه الأخيران. في الواقع، وافق الحريري على المطالب الفظيعة التي طرحها باسيل في أثناء عملية تشكيل الحكومة، والتي أصر فيها باسيل على تسمية نصيب الأسد من الوزراء المسيحيين. ومع ذلك، أغضب الحريري حليفه المسيحي التقليدي، حزب “القوات اللبنانية”، الذي عزّز علاقاته مع النظام السعودي إلى حد كبير في الأشهر التي سبقت ذلك.

وبسرعة شديدة، بدا الحريري كشريك للعونيين بدلاً من كونه واجهة للتحالف العوني – “حزب الله”، الذي منح قدراً من الشرعية السنية على الحكومة. وهذا كلف الدعم السني للحريري، مما زاد من الاستياء الناجم عن حقيقة أن مؤسسات الحريري لم تدفع أو تعوّض موظفيها الذين كانت غالبيتهم من السنّة. وفي الوقت نفسه، تضرّرت سمعة الحريري أكثر بسبب الإحساس المحيط بأنه عاد إلى لبنان لاستغلال الشبكات المالية والمحسوبية في البلاد. كان التعبير النهائي عن التشاؤم تجاه دوافعه (وتجاه الآخرين) إحتجاجات العام 2019 ضد القيادة السياسية.

الخطأ الإستراتيجي الثالث للحريري هو أنه سمح لعلاقته مع السعوديين بالتدهور إلى الحد الذي لم يعد يُنظَر إليه كممثل رئيس لهم في لبنان. وقد تُوّج هذا ب”توقيفه” في المملكة في تشرين الثاني (نوفمبر) 2017، والذي أثار سخطاً عالمياً للطريقة التي تعرّض بها رئيس وزراء في منصبه للإهانة. ومع ذلك، كانت هناك نتيجة أكثر ضرراً من تلك الحلقة، وهي أن شيئاً ما قد كُسِر بين الحريري والسعوديين. وعلى الرغم من أن كلا الجانبين قد حافظا على جبهة مُوحّدة علنياً، فإن الحقيقة هي أن المملكة العربية السعودية ودول الخليج لم تعد تثق في الحريري كما في السابق، الأمر الذي أضر به داخل مجتمعه. إذا لم يكن الحريري مدعوماً من قبل القوة السنية الرائدة في المنطقة، فإن العديد من أهل السنّة يتساءلون، ما هي قيمته كزعيم للطائفة؟

ربما كانت تداعيات هذا الأمر السبب الرئيس وراء اختيار الحريري عدم تشكيل حكومة في كانون الأول (ديسمبر). كان عذره هو أن “القوات اللبنانية” لن تؤيده في المشاورات البرلمانية لتعيينه رئيساً للوزراء. كان هذا سيُحرم الحريري من الدعم المسيحي الحيوي (كما أوضح العونيون بالفعل أنهم لن يدعموه). كانت تلك هي القصة الرسمية على الأقل. ومع ذلك، فمن الأرجح أن الحريري قد اعتبر موقف “القوات اللبنانية” نتيجة لطلب سعودي، أو فهم لرغبات سعودية. وتجاهل ذلك من شأنه أن يُضعف علاقاته بالرياض.

عندما ورث الوشاح السياسي لوالده في العام 2005، كان سعد الحريري يمتلك كل شيء: رعاية سعودية، وثروة، ومجتمع سني يبحث بيأس عن زعيم جديد بعد اغتيال رفيق الحريري. لقد اشترى تدريجاً أسهم إخوته في شركة “سعودي أوجيه”، واكتسب الوسائل المالية لدفع أجندته السياسية. الآن، بعد خمسة عشر عاماً، لم يتبقَّ سوى القليل. يرى الكثير من اللبنانيين أن الحريري هو جزء من مشكلة طبقة سياسية فقدت الإتصال بالسكان. في حين أن العمل في نظام يُسيطر عليه “حزب الله” لن يكون سهلاً على الإطلاق، إلّا أن الحريري قوّض وضعه من طريق ارتكاب أخطاء قسرية قد تكون قاتلة سياسياً.

  • مايكل يونغ رئيس تحرير “ديوان” ومحرر كبير في مركز كارنيغي للشرق الأوسط.
  • كُتِب هذا المقال بالإنكليزية وعرّبه قسم الدراسات والأبحاث في “أسواق العرب”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى