الإضطرابات في العراق ستُضعف نفوذ ايران
المغالطة بالنسبة إلى التأثير الإيراني في بلاد الرافدين
طهران – هشام الجعفري
عندما سقطت الموصل في أيدي “داعش” وتوسعت رقعة سيطرته في العراق إتجهت كل الأنظار إلى إيران وكيف سيكون رد فعلها لا سيما وأن حليفها نوري المالكي في وضع حرج.
في تغطية لاهثة للتقدم الدموي لتنظيم “الدولة الإسلامية في بلاد العراق وبلاد الشام” في بلاد الرافدين، إقترح بعض المحلّلين أن إنتصارات تنظيم “داعش” يمكن في الواقع أن تعزّز النفوذ الإيراني في المنطقة. وفقاً لهذا الرأي، إن إعتماد الحكومة الشيعية التي يرأسها نوري المالكي بشكل متزايد على الدعم الإيراني لوقف توسع “داعش“، سوف يؤدي إلى نمو وزيادة النفوذ الإيراني في المنطقة ويمكن أن يعزّز موقفها في المفاوضات النووية مع الغرب.
محادثات الغرب النووية مع إيران تقترب من الموعد الحاسم 20 تموز (يوليو) للتوصل الى إتفاق نهائي، لذلك فإنه ليس من المستغرب سماع تكهنات عدة حول كيف ستؤثر إنتصارات “داعش” في المفاوضات. لقد أعرب قادة إسرائيل، على سبيل المثال، عن مخاوف من أن تحاول الولايات المتحدة الدفع إلى صفقة أقل من المستوى الأمثل إغراء للعمل مع إيران لمواجهة العدو المشترك في العراق. كما أن غيرها من الدول المجاورة، مثل المملكة العربية السعودية، تبادلت مخاوف مماثلة بشأن تقلّص النفوذ الأميركي وزيادة القوة الإقليمية الإيرانية. ولكن هذه الطريقة في التفكير أساءت في الواقع قراءة تداعيات الأزمة العراقية وعلاقتها بالمفاوضات النووية.
لمرة، لدى طهران أسبابها الخاصة لمواجهة “داعش“، حيث لن تحتاج واشنطن الى دفع الثمن. إن هذا التنظيم الجهادي السني المتطرف يشكّل تهديداً للجمهورية الإسلامية بسبب إيديولوجيته المعادية للشيعة وبسبب تهديده أيضاً لحكومة حليفة وصديقة في بغداد، التي تضمن أن العراق لن يشكّل تهديداً إستراتيجياً للجمهورية الإسلامية الفارسية. كما أن مكاسب “داعش” تضع تحالفات طهران الإستراتيجية الأوسع مع سوريا و“حزب الله” في خطر من خلال السيطرة على الأراضي التي من خلالها عادة تُرسل إيران الأسلحة إلى “حزب الله“.
للتأكيد، إن جهود المتطرفين السنّة لإثارة الفتنة الطائفية من خلال فظائع وحشية ضد الشيعة العراقيين بلا شك جعلت الحكومة العراقية والغالبية من السكان الشيعة في البلاد أكثر إستعداداً لقبول المساعدة الإيرانية العلنية والنفوذ في البلاد. ولكن الأرضية كانت عُبّدت بالفعل لهذا الأمر: لقد أثبت المالكي فعلياً قدراً من التهوّر من خلال إنتهاج سياسات طائفية ضد أهل السنّة التي أشعلت دعمهم ل“داعش“. وعلاقاته الطويلة الأمد مع إيران بالمثل ليست سراً؛ ويعزو العديد مقاومته لإستمرار الوجود العسكري الأميركي في العراق بعد 2011 إلى النفوذ الإيراني. لذا إن الإعتقاد بإن أي نتيجة في العراق ستترك طهران من دون تأثير كبير هو من الحماقة.
ولكن مع تهديد مكاسب “داعش” البلد بالتقسيم الفعلي، فقد يكون النفوذ الإيراني في الواقع أكثر إحتواء مما كان عليه في السنوات الأخيرة. فمن المرجح أن يقتصر فقط على الجنوب الشيعي – وهذا يشكّل نكسة للحكومة الإيرانية التي ترغب بأن يكون كل العراق تحت نفوذها. وثمن الحفاظ على مثل هذا التأثير يمكن أن يكون أعلى: الدولة العراقية العاجزة قد تحتاج إلى مزيد من المساعدة من إيران في الوقت الذي تقلّصت بالفعل رقعة تمدّدها.
إذا إستمر “داعش” في إنتشاره للسيطرة وتأمين المرافق الإستراتيجية الرئيسية للنفط والغاز والطاقة في العراق، فققد يكون قادراً على قطع الكهرباء وإمدادات الطاقة عن بغداد. يمكن لإيران في هذه الحالة أن تملأ بعض هذه الفجوة لدعم الحكومة التي يقودها الشيعة في العراق، ولكن منتجات النفط والغاز الايرانية مدعومة بشكل كبير من الدولة وهناك نقص في العرض، لذا فإن القيام بذلك من شأنه أن يخلق إستنزافاً آخر للإقتصاد الإيراني في وقت يخلق الوضع الداخلي غير المستقر في البلاد الفارسية حالة من الضغوط التي جاءت بها طاولة المفاوضات مع الغرب.
عسكرياً، إن دولة عراقية محاطة ب“داعش” ستواجه تحدّيات تأمين حدودها. يمكن لايران أن تساعد، ولكن لواء “القدس” التابع للحرس الثوري هو حالياً مشغول فعلياً في مساعدة نظام الأسد للبقاء على قيد الحياة في سوريا. مما لا شك فيه أن الجمهورية الإسلامية سوف تجد القوى العاملة والموارد – أو تحولهم – للتعامل مع هذا التهديد الأكثر إلحاحاً على حدودها، ولكنها يمكن أن تعاني من العواقب في سوريا. في نهاية المطاف، إن الزخم من إستيلاء “داعش” على المدن العراقية الرئيسية ومقدراتها والمكاسب المالية (والسيطرة على البنوك) التي غنمها ستتدفق عائدة عبر الحدود إلى قواته في سوريا. للحفاظ على الأسد في السلطة، على إيران بالتالي أن تستثمر المزيد من الدم والمال، وليس أقل من ذلك. ولكن ليس من الواضح ان البلاد يمكن ان تفعل ذلك في الوقت الذي تقاتل في العراق وفي غياب إتفاق نووي مترافق برفع العقوبات الدولية الإقتصادية.

وأخيراً، فإن شبح الحرب الطائفية الإقليمية الأوسع الناجمة عن هجوم “داعش” هي قضية خاسرة بالنسبة إلى إيران. بعد كل شيء، يشكّل الشيعة أقلية في المنطقة ولا يمكن لطهران أن تمارس في نهاية المطاف النفوذ الإقليمي الأوسع من دون بعض الدعم من سكان الطائفة السنية. وقد تمتعت إيران سابقاً ببعض من هذه المساندة بسبب عدائها للغرب وإسرائيل ودعمها لمواجهات “حزب الله” ضد إسرائيل، ولكن هذا التأييد عرف إانخفاضاً سريعاً منذ بداية الإنتفاضات العربية ودعم إيران لقمع المعارضة السنية في سوريا. لهذا السبب، كان الرئيس الإيراني حسن روحاني مهتماً بصفة خاصة في التخفيف من حدة التوترات الطائفية والتقارب مع الجيران الرئيسيين، مثل المملكة العربية السعودية، والتي ستكون ضرورية للوصول إلى تسوية في نهاية المطاف في الحرب بالوكالة في سوريا. وهناك حرب بالوكالة جديدة في العراق بين القوات المدعومة من السنة ضد القوات الحكومية والميليشيات الشيعية التي تدعمها إيران قد تجعل مثل هذه الجهود للمصالحة مستحيلة.
وبعبارة أخرى، بدلاً من مساعدتها طهران في المفاوضات النووية، يمكن لمعركة إيران ضد “داعش” أن تضرّها فعلاً. إن الديناميات الإستراتيجية الأوسع تعمل بالفعل ضد الجمهورية الإسلامية الفارسية، والوضع في العراق جعل الأمر فقط صحيحاً أكثر.

هناك ميل في الولايات المتحدة للإعتقاد بأن خسارة الغرب يجب أن تكون مكسباً وربحاً لإيران. ولكن، في العراق، فكلا الجانبين يخسران في مواجهة عدو مشترك. هذه المصادفة في الفائدة يمكن أن تزيد الحوافز لدى إيران لإبرام إتفاق نووي بحيث يمكنها الحصول على الدعم الإقتصادي الذي هي أحوج إليه كي تكون قادرة على معالجة كل ضغوطها المحلية فضلاً عن التحديات الإقليمية المتنامية. إذا كانت أزمة “داعش” والتكاليف المرتبطة بها بالنسبة إلى إيران تعزّز إحتمالات التوصل إلى إتفاق نووي يمكن أن يمنع إيران من تسليح برنامجها النووي نهائياً في المستقبل المنظور، فإنه سيكون إمتداداً أو تمدداً إيجابياً غير متوقع من وضع إقليمي بائس.
يجب عليك تسجيل الدخول لكتابة تعليق.