أَشهر شاعرات العالَم (3)

رسائل سيلفيا بلاث

هنري زغيب*

لن يكون لأَحدٍ أَن يحدِّد هذا الكائن العجيب الذي هو الشعر. أَقصى ما يمكن تعريفه أَنه فنٌّ جميل يتيح التعبير بالكلمات عن المشاعر. من عصرٍ إِلى عصر ومن جيلٍ إِلى جيل، يبقى هو ذاتُه جوهرًا وتعبيرًا. له قدرة عجيبة على هَزِّ عواطفنا وإِلهامنا، ووصْلِنا بالعالَم عبر القصائد في جميع الثقافات والأَزمنة.  

في الحلقتَين السابقتَين (الأُولى والثانية) كتبتُ عن ثلاثٍ من أَشهر شاعرات العالَـم انتشارًا وترجماتٍ إِلى لغاتٍ عالَمية، وتأْثيرًا في مجتمعاتهنّ.

في هذه الحلقة شاعرتان أُخْرَيَان:

4. سيلفيا پْـلاثْ  Sylvia Plath

شاعرة أَميركية مكرَّسة (1932-1963) وكاتبة رواية وقصة قصيرة. عُرفَت ببلوغها عمقَ التجربة الإِنسانية في شعرها ونثرها، بتناوُلها مواضيعَ دقيقةً كالمرَض العقلي والأُنوثة والموت. مجموعتها الأَشهر “آريال” صدرَت بعد غيابها، وكشفَت ما لديها من خيال رحيب نادر في قصائد عصرها. كان لكتاباتها الشعرية والنثرية أَثرٌ عميقٌ في معاصريها، ومعظمُها موضوع دراسات أَدبية ونقدية، ويُدَرَّس اليوم في المدارس والجامعات.

كتابُها الأَشْهَر آريال”

مريضة نفسيًّا

وُلدَت في بوسطن، ونَشرت أُولى قصائدها وهي في الثامنة، فحدَسَ لها البعض بمستقبل شعري. لكنها كانت منطوية على حُزن عميق، وسجلت أَول محاولة انتحار سنة 1953. أَخذَت تتنقَّل من طبيب نفسي إِلى آخر، من دون شفاء. انتسبَت إِلى “معهد سميث للدراسات العليا” (نورثامبتون ماساشوستس)، وأَكملَت في جامعة كمبردج (إِنكلترا)، ولم تتوقَّف عن كتابة الشعر. تزوَّجت من الشاعر الإِنكليزي تيد هيوز سنة 1956. لكنها لم تكن سعيدة معه. حاولت الانتحار مرتين (1953 و1962). تم طلاقها من هيوز سنة 1963بعد اكتشافها علاقتَه السرية مع آسيَّا ويڤيل. وبعد ستة أَشهر انتحرَت اختناقًا في مطبخ بيتها بعدما أَحكمَت إِغلاق بابه كي لا يدخله طفلاها فْريدا ونيكولا.

هاجسُها الانتحار

بقي الانتحار موضوعًا محوريًّا في كتاباتها، بين مواضيع أُخرى جعلتْها من أَشهر شاعرات القرن العشرين. ولعلَّ موتها المبكِّر في الثلاثين جعلَها موضوعَ دراسات كثيرة ذاتِ آراء جدلية متناقضة. ومع أَن قصة الحب بينها وبين تيد هيوز من أَشهر قصص الحب في الأَدب الغربي، يرى النقاد أَنه بخيانته كان سبب انتحارها لعلاقته مع آسيَّا ويڤيل التي هي الأُخرى انتحرَت سنة 1969 لاكتشافها خيانته مع امرأَة سرّية، تاركة طفلًا منه عمره أَربع سنوات. اتَّخذ إِرث سيلفيا ضوءًا واسعًا بسبب نهايتها المأْساوية، ولأَنه يمتاز بقوّة التعبير عن المشاعر الدفينة وأَحاسيس نادرًا ما يبُرزُها الكاتب في نصوصه.

أَبرز مؤلفاتها: “كولوسوس وقصائد أُخرى” (1960)، “آريال” (1965، صدر بعد وفاتها)، مختارات من قصائدها (1981). وهذه “المختارات” استحقَّت جائزة بوليتزر سنة 1982، فكانت رابعَ اسم ينال هذه الجائزة بعد الوفاة.

كتابُها الأَشْهَر “أَعرف لماذا يغني العصفور السجين”
  1. مايا إِنجلو Maya Angelou

شاعرة أَميركية (1928-2014) ذائعة الشهرة، لا لقصائدها وحسْب، بل لنشاطها الواسع في ميدان حقوق الإِنسان. لها سبعةُ كتب في السيرة الذاتية، وثلاثة كتب في الدراسة الأَدبية، وأَربع مجموعات شعرية، ومسرحيات وأَفلام وبرامج تلفزيونية، وحصيلة خمسين سنة من النشاط والكتابات حملَت لها جوائز أَدبية كثيرة وعددًا من شهادات الدكتوراه الفخرية.

قصيدتها في تنصيب الرئيس

توسَّعت شهرتها عالَميًّا، بعدما دعاها الرئيس المنتخَب بيل كلينتون إلى إلقاء قصيدة في احتفال تنصيبه (20 كانون الثاني/يناير 1993)، فقرأَتْ للمناسبة قصيدتها “على نبض الصباح”. ذلك أَن كلينتون كان متأَثِّرًا بسَلَفه الرئيس جون كينيدي الذي كان دعا إِلى احتفال تنصيبه (20 كانون الثاني/يناير 1961) شاعر أَميركا الكبير روبرت فروست (1874-1963)، فأَلقى للمناسبة قصيدته “الهدية الكاملة”.

تكرَّسَت مايا إِنجلو في طليعة شعراء أَميركا، خصوصًا في حملاتها المتكررة من أَجل الحقوق المدنية، فراجت مؤَلفاتها وقصائدها وكان لها تأْثير على الأدب الأميركي في عصرها.

أَيقونةُ الأَدب الأَميركي

أَبرز مؤلفاتها كتابها “أَعرف لماذا يغني العصفور السجين” (1969)، وهو جزء أَول من سبعة أَجزاء، عن سيرتها الذاتية، تروي فيه طفولتها وصباها، بأُسلوب واضح الرسالة أَنَّ حب الأَدب والانصراف إِليه ينقذان من خطر الوقوع في العنصرية. لاقى هذا الكتاب رواجًا بين ملايين القراء، وصدرت منه طبعات متتالية.

ورواج قصائدها كذلك عائد إِلى مواضيع شعرها: الهوية، العنصرية، الروح الإِنسانية، ما أَثَّر في جيل كامل من الأَميركيين السُمْر البشَرة (ذوي الأُصول الأَفريقية). وما زالت مايا إِنجلو اليوم، عالَميًّا، أَيقونة الأَدب الأَميركي.

الحلقة الرابعة: شاعراتٌ أُخْرَيات.

  • هنري زغيب هو شاعر، أديب وكاتب صحافي لبناني، مدير مركز التراث في الجامعة اللبنانية الأميركية، مدير “صالون فيلوُكَاليَّا الأدبي”، ورئيس “اللجنة الوطنية اللبنانية لنشر الإبداع اللبناني”. يُمكن التواصل معه عبر بريده الإلكتروني: email@henrizoghaib.com أو متابعته على موقعه الإلكتروني: www.henrizoghaib.com أو عبر منصة (X): @HenriZoghaib
  • يَصدُر هذا النص في “أَسواق العرب” (لندن) تَوَازيًا مع صُدُوره في “النهار العربي” (بيروت – دُبَي).

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى