لماذا يَتَعامَلُ الرئيس جوزيف عون بحذرٍ مع مسألةِ نَزعِ سلاحِ “حزب الله”؟
مايكل يونغ*
في الأسبوع الفائت، صَرّحَ الرئيس اللبناني جوزيف عون بأنَّ “القرارَ قد اتُخِذَ” بمنح الدولة احتكارًا للسلاح في البلاد، وإن كان سيتمُّ ذلك بالحوار لا بالقوة. كان هذا التصريح مُوَجَّهًا بالأساس إلى “حزب الله”، ومُنسَجمًا مع خطابِ القسم وبيان سياسة الحكومة، في وقتٍ تتزايد الضغوط على لبنان، من الداخل والخارج، لنَزعِ سلاحِ الحزب.
في تصريحاته، مَيّزَ عون بين المُصطَلَحِ المُعتاد المُستَخدَم لمُناقشة عملية تسليم “حزب الله لسلاحه” -وهي استراتيجية دفاع وطني- وما وصفه بـ”استراتيجية أمن وطني” ” لتحسين وتطوير لبنان اقتصاديًا وديبلوماسيًا وأمنيًا وقضائيًا وماليًا وإعلاميًا”. بهذه الطريقة، خفّف الرئيس من أهمّية سلاح الحزب، جاعلًا إياه جُزءًا من عمليةٍ وطنية أوسع لتعزيز مكانة لبنان.
الرئيس عون ليس أحمق. أنه يرى التوتّرات المُحيطة اليوم باحتفاظ “حزب الله” بسلاحه في بلدٍ يُعاني من انقسامٍ عميق. ولا تعني مساعيه لتخفيف حدّة الخطاب حولَ هذه القضية رغبته في منح الجماعة مساحةً للمناورة. بل إنه لا ينوي جعل السلاح مصدرًا لخلافٍ داخليٍّ أكبر، ما قد يؤدّي إلى صراعٍ أهلي.
في ضوءِ ذلك، كشف الرئيس أيضًا أنه سيُجري الحوارَ مع “حزب الله” بنفسه. وأضاف أنه “تمَّ تبادُلُ رسائلَ” بين الجانبين لتقريب وجهات النظر في هذه المسألة، وأنه بمجرّدِ إحرازِ تقدُّمٍ ملحوظ، يُمكِنُ إنهاءُ الحوار بإطارٍ أو جلسةٍ رسمية.
قد لا يُرضي كلام الرئيس المُتشدّدين الذين ينفدُ صبرهم بشأن نزع سلاح “حزب الله”. ومع ذلك، فإنَّ لبنان عالقٌ بين المطرقة والسندان. إذا رفضَ “حزب الله” الحوار، فقد تتدخّل إسرائيل مُجدَّدًا وتحتلُّ المزيد من الأراضي اللبنانية، مما يجعل الانسحاب مشروطًا بنزع سلاح الحزب. لذا، فإنَّ تكتيكَ عون هو بدءُ نقاشٍ وتحقيق مكاسب بعيدًا من الأضواء.
ما هو الاتجاه الذي قد يتّخذه هذا الحوار؟ سيرتبطُ جُزءٌ كبير من الإجابة بحسابات إيران. بعد أن قتلت الطائرات الإسرائيلية الأمين العام ل”حزب الله”، السيد حسن نصر الله، في أيلول (سبتمبر) الماضي، وحتى بينما كانت إسرائيل تقضي على العشرات من كبار القادة العسكريين في الحزب، أصبح “حزب الله” خاضعًا بشكلٍ كبير لسيطرة إيران، التي لعبت دورًا محوريًا في تسمية الشيخ نعيم قاسم خلفًا لنصر الله في تشرين الأول (أكتوبر) الفائت.
إذا رفضت إيران فكرة نزع سلاح “حزب الله”، فسيكون من الصعب على الرئيس اللبناني المضي قدمًا في خططه. لذا، لم يكن مفاجئًا أن يتّخذَ مسؤولو “حزب الله” موقفًا أكثر تشدُّدًا بشأن نزع السلاح يوم الجمعة الماضي، عشية محادثات روما بين إيران والولايات المتحدة. وقد أكد هذا أنَّ سلاح الحزب هو في الواقع جُزءٌ من عمليةِ تفاوضٍ أوسع بين طهران وواشنطن تتجاوز لبنان.
ومع ذلك، حتى لو كانت إيران تُمسِكُ بورقة “حزب الله” بإحكام، فقد تكون مستعدّة للتخلّي عنها مُقابل تنازلات، لأن قيمتها قد تضاءلت. فقد أصبح دورُ “حزب الله” العسكري زائدًا عن الحاجة بسبب عجزه عن شنِّ هجماتٍ جديدة ضد إسرائيل. فالجماعة معزولة داخليًا، والدمار في المناطق ذات الغالبية الشيعية هائل، ولم يَعُد “حزب الله” قادرًا على إعادة تسليح نفسه عبر سوريا.
في هذا السياق، تبدو محاولةُ إيران إحياءَ مشروعها المُدمّر المُتمثّل في “محور المقاومة” المُحاصِر لإسرائيل بالصواريخ ضربًا من الخيال والسخرية. فغالبية حلفائها مُشلّولة، مثل “حماس” و”حزب الله”؛ أو لا ترغب في قتال إسرائيل، مثل قوات “الحشد الشعبي” العراقية؛ أو بعيدة جدًا بحيث لا تُشكّل أهمية، مثل الحوثيين في اليمن. علاوةً على ذلك، لا تملك إيران المال للاستثمار في مثل هذا المخطط بسبب أزمتها الاقتصادية العميقة والعقوبات المفروضة عليها.
والسؤال، إذن، هو ما إذا كانت إيران مستعدة لوضع مستقبل “حزب الله” على طاولة مفاوضاتها مع الأميركيين. حتى الآن، لا شيء يشير إلى ذلك، ولكن هذه هي المراحل الأولى للمحادثات. وقد أشارت إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى رغبتها في توسيع نطاق المفاوضات لتشمل ما هو أبعد من برنامج طهران النووي، وتشمل تحالفاتها الإقليمية.
مع ذلك، حتى لو تنازلت إيران عن سلاح “حزب الله” في المفاوضات، فإنَّ ذلك لا يعني بالضرورة عمليةَ نزعِ سلاحٍ سَلسة في لبنان. فأيُّ تحرُّكٍ بشأن سلاحه قد يدفع “حزب الله” إلى المطالبة بمطالب خاصة به للتعويض، مثل تمثيل سياسي أكبر في النظام اللبناني.
إنَّ النظامَ السياسي اللبناني بحاجة ماسة إلى الإصلاح، فالنظامُ الذي وُضع بعد اتفاق الطائف في العام 1989 لم يَعُد فعّالًا. لم يُطَبَّق اتفاق الطائف بالكامل، ولكن حتى لو طُبِّق، فإنَّ العديد من عيوبه سيبقى قائمًا. يحقُّ للطائفة الشيعية تمثيلٌ أكبر في البرلمان مما هو عليه اليوم، بناءً على التركيبة السكانية الحالية للبلاد. قد يكون تنظيم منتدى وطني حول التغيير الدستوري خطوة في الاتجاه الصحيح.
مع ذلك، سيؤدي هذا إلى عملية أكثر تعقيدًا بكثير من مجرد مصادرة سلاح “حزب الله”. إذا قرر اللبنانيون إعادة التفاوض على دستورهم وإقامة جمهورية ثالثة، فسيتعيّن على الحزب التخلّي عن ترسانته كشرطٍ أساسي لأيِّ خطوة من هذا القبيل. لن يتفاوض أحدٌ مع طائفة مسلّحة.
من ناحيةٍ أخرى، بمجرّد أن يفتحَ “حزب الله” بابَ النقاش حول التمثيل السياسي لطائفته، يكون قد تجاوز سلاحه ووضع نفسه تحت سلطة اتفاق الطائف -وبالتالي الدستور- كما قال الشيخ نعيم قاسم في خطابٍ ألقاه في العام الماضي. هل كان صادقًا؟ الآن هو الوقت المناسب لاختبار نوايا “حزب الله”.
- مايكل يونغ هو مُحرّرٌ كبير في مركز مالكولم كير كارنيغي للشرق الأوسط في بيروت، حيثُ يرأس تحرير مدوّنة “ديوان” التابعة للمركز. وهو كاتب رأي في الشؤون اللبنانية في صحيفة ذا ناشيونال، ومؤلف كتاب “أشباح ساحة الشهداء: رواية شاهد عيان عن كفاح لبنان في الحياة” (دار سايمون وشوستر، 2010)، الذي اختارته صحيفة وول ستريت جورنال كواحد من الكتب العشرة البارزة لعام 2010. يُمكن متابعته عبر منصة (X) على: @BeirutCalling
- كُتِبَ هذا المقال بالإنكليزية وترجمه إلى العربية قسم الدراسات والأبحاث في “أسواق العرب”.