الطريقُ الضَيِّقُ نحوَ شرقِ أَوسَطٍ جَديد: نظامٌ إقليمي لاحتواءِ إيران نهائيًا
إن الحفاظ على الوجود العسكري الأميركي في الشرق الأوسط هو استثمارٌ يجب على الولايات المتحدة القيام به في ظلِّ التحوّلات التي تشهدها المنطقة، وحصول القادة الجدد على الدعم الشعبي، وظهور ترتيبات أمنية جديدة.

دانا سترول*
النظامُ الإيراني الآن في موقفٍ دفاعي، وهو أكثر ضعفًا داخليًا وانكشافًا خارجيًا من أيِّ وقت مضى منذ الثورة الإسلامية في العام 1979. قبل هجوم “حماس” في 7 تشرين الأول (أكتوبر) 2023 على إسرائيل، وما تلاهُ من حربٍ إسرائيلية مُتعدِّدة الجوانب على المصالح الإيرانية، كانت استثمارات إيران الضخمة في ترسانتها الصاروخية، وبرنامجها النووي، وشبكتها من الوكلاء الإقليميين قد قَيَّدَت بشدة استراتيجية الولايات المتحدة تجاه الشرق الأوسط. ظلَّ مُحلِّلو السياسة الأميركيون المهتمّون بإيران مُنقسمين حولَ مزيجٍ الأدوات التي من شأنها ردع العدوان الإيراني بفعالية، لكنهم اتفقوا عمومًا على أنه إذا تمَّ الضغطُ على طهران بشدة، فستحتفظ بقائمة من الخيارات الانتقامية التي قد تؤدي إلى حربٍ شاملة. وقد استقرَّ رأيُ أربعة رؤساء أميركيين متعاقبين -جورج بوش (الإبن)، وباراك أوباما، ودونالد ترامب في ولايته الأولى، وجو بايدن- على استخدامِ الديبلوماسية والعقوبات للردع ولم يأذنوا قط بشنِّ ضربات عسكرية داخل الأراضي الإيرانية.
لقد حطّمت النجاحات العملياتية الإسرائيلية تلك الأفكار المسبقة – وفتحت نافذةَ فرصةٍ لإكمال تفكيك شبكة التهديد الإقليمية الإيرانية وبناء شرق أوسط أكثر أمانًا واستقرارًا. قُتِلَ قادةٌ رئيسيون في ما يسمى ب”محور المقاومة” الإيراني، وتمَّ إخراجُ عشرات الآلاف من المقاتلين المدعومين من إيران من ساحة المعركة. تمَّ تدميرُ ترسانات المحور، وقامت إسرائيل بتدمير المجمع العسكري الصناعي الإيراني الذي كان يعمل على تجديد تلك الترسانات. عندما فرَّ الرئيس السوري بشار الأسد من دمشق في كانون الأول (ديسمبر)، فَقَدَ قادةُ طهران حليفًا أساسيًا ساعدهم على تحويل سوريا إلى مركزِ عبورٍ استخدموه لإعادة إمداد ميليشياتهم بالوكالة بالأسلحة والأموال والمقاتلين. كانت هجمات إيران الصاروخية الباليستية على إسرائيل في العام 2024 بمثابة فشلٍ أدّى إلى تدهور ردعها وكذلك معنويات الجماعات التابعة لها، ما أثار تساؤلات حول قيمة الجمهورية الإسلامية كراعٍ.
إنَّ الطريقَ مُهَيَّأٌ الآن لإطارٍ سياسيٍّ جديد قادرٍ على إصلاحِ وتعزيز البيروقراطيات الفاسدة والضعيفة التي استغلّتها إيران، واستبدال القادة المُعَرَّضين للتأثر بالنفوذ الإيراني. لا يُمكِنُ تركُ مهمّة مَنعِ إيران من استعادة قوتها التدميرية في الشرق الأوسط لإسرائيل، التي تفتقر إلى الموارد وهيكل التحالفات وعقود من الخبرة في مرحلة ما بعد الصراع لضمانِ نظامٍ إقليميٍّ جديد أكثر سلمية. كما إنَّ القوة العسكرية وحدها لا تستطيع منع التمدّد الإيراني. وحدها العملية السياسية قادرة على تحقيق ذلك – والولايات المتحدة هي الأقدر على قيادة هذا الطريق.
لكنَّ الخطوات التي اتخذها الرئيس دونالد ترامب في الأشهر الأولى من ولايته الثانية ستُصَعِّبُ على واشنطن اغتنامَ هذه الفرصة السانحة. قد يعتقد ترامب أنَّ تقليصَ عدد السلك الديبلوماسي في وزارة الخارجية وموظفي المساعدات الخارجية، وتجنُّب التعامل مع الحكومة السورية الجديدة، وفرض عقوبات جديدة على إيران، وتصعيد الضربات العسكرية ضد وكلائها في اليمن، يُركّزُ الاستراتيجية الأميركية ويُشير إلى العودة إلى حملة “الضغط الأقصى” التي استخدمها ضد إيران في ولايته الأولى. لكنَّ النهجَ الذي يعتمدُ على أداةٍ واحدة فقط من أدوات السياسة الخارجية -العمل العسكري- لن يسمحَ للولايات المتحدة باستغلالِ ضعفِ إيران.
بدلًا من ذلك، ينبغي على ترامب الجمع بين الإجراءات الصارمة والديبلوماسية الإبداعية التي تتجاوز مجرّدَ الاتِّصالِ برؤساء الدول والسعي إلى صفقاتٍ بارزة. لدى الولايات المتحدة وإسرائيل والعديد من الدول العربية الآن هدفٌ مُشترك يتمثّلُ في تحرير الشرق الأوسط من نفوذ إيران – وهو إجماعٌ نادر. تحتاجُ واشنطن إلى جمع هذه الأطراف المَعنية لوَضعِ خطّةٍ واقعية لحُكم غزة وأمنها وإعادة إعمارها. يجب أن توضِّح جيدًا الاستثمارات طويلة الأجل التي ستُقدّمها لأمن الشرق الأوسط. وبدلًا من تجميد المساعدات، يجب عليها وضع استراتيجية واضحة لتحقيق الاستقرار في المنطقة وتلبية احتياجات شعوبها، بما يوفّرُ المزيد من الموارد، وليس أقل، لمواجهة العصابات الإجرامية التي حافظت على نفوذ إيران لفترةٍ طويلة.
بدون هذه الاستراتيجية، لن يتمكّنَ الشرق الأوسط من تعزيز المكاسب العسكرية الإسرائيلية الباهرة ضد إيران. ومن جهتهم، يتحرّك قادة طهران بالفعل لاستعادة نفوذهم المفقود: فقد أشارَ بعضُ التحليلات، على سبيل المثال، إلى أنَّ الجمهورية الإسلامية ساعدت على تأجيج العنف الطائفي الذي اندلع في سوريا في آذار (مارس). ورُغم نفي طهران القاطع، إلّا أنها تستفيد من ضعف الحكومة في دمشق. لقد برزت فرصة حقيقية لوضع الشرق الأوسط على مسار مختلف. ولكن إذا أضاعت الولايات المتحدة فرصة القيادة، فقد لا تتكرر هذه الفرصة لأجيال.
ضربة قاضية
في غضون عام ونصف العام، أخضعت إسرائيل العديد من حلفاء إيران. وفقدت الجهات الفاعلة الرئيسة المدعومة من إيران في الشرق الأوسط قدرتها على مواصلة حملات مكافحة التمرّد الجادة، والهيمنة حتى على حكومات الشرق الأوسط الضعيفة. بحلول آب (أغسطس) 2024، أعلن الجيش الإسرائيلي أنه “فكك” 22 كتيبة من أصل 24 كتيبة تابعة ل”حماس”، وقتل أكثر من نصف قادتها العسكريين، وقضى على أكثر من 17 ألف مقاتل من رتبٍ مختلفة. وقد دمّرَ الجيش الإسرائيلي جُزءًا كبيرًا من البنية التحتية لأنفاق “حماس” في غزة، والمنشآت التي استخدمتها الجماعة االمتطرّفة لتصنيع الطائرات المُسيّرة والصواريخ وغيرها من الذخائر. ويعكسُ استعداد “حماس” للموافقة على وقف إطلاق النار على مراحل في كانون الثاني (يناير) تدهورها: إذ يدرك قادتها أنَّ بقاء الجماعة مرهونٌ بإنهاء العمليات العسكرية الإسرائيلية.
في غضون ذلك، تمّ إضعاف فيلق قيادة “حزب الله” – شريك إيران في لبنان. وقد دمرت الغارات الجوية الإسرائيلية أكثر من 70% من الصواريخ الاستراتيجية بعيدة المدى، والصواريخ المضادة للطائرات، والصواريخ المضادة للسفن، وقاذفات الصواريخ قصيرة المدى التي تمتلكها الجماعة. في إقرارٍ بضعف “حزب الله”، وجّهت طهران قادته المتبقّين للموافقة على وقف إطلاق النار في تشرين الثاني (نوفمبر) بشروطٍ تصبُّ في مصلحة إسرائيل. واضطر “حزب الله” إلى فصل حملته ضد إسرائيل عن حرب غزة، مُوجّهًا ضربةً موجعةً لجهود إيران الرامية إلى تطويق إسرائيل في حلقةٍ من نار. وفي شباط (فبراير)، شُكّلت حكومةٌ جديدةٌ في لبنان، ولأول مرةٍ منذ عقود، همّشت السياسيين الموالين ل”حزب الله”.
فشلت إيران في حماية الأسد، الرئيس الشرق أوسطي الوحيد الذي يُمكن اعتباره شريكًا استراتيجيًا لها. بعد اندلاع الحرب الأهلية السورية في العام 2011، استثمرت إيران ما يُقدر بـ30 إلى 50 مليار دولار في دعم نظام الأسد، ونشر ضباط إيرانيين، وتوجيه جنود مشاة أجانب إلى سوريا، وتقديم دعم لوجستي وعملياتي واسع النطاق. في المقابل، سمح الأسد لإيران باستخدام بلاده لبناء شبكتها الإقليمية، مانحًا إياها السيطرة على المستودعات والمطارات، وسمح لها بنقل الأموال والعتاد المُتَّجه إلى وكلائها عبر الأراضي والمجال الجوي السوري. انتهى التحالف المتبادل المنفعة بين طهران ودمشق فجأةً في كانون الأول (ديسمبر)، بعد أن شنّ تحالف مناهض للأسد بقيادة جماعة “هيئة تحرير الشام” المتمردة هجومًا خاطفًا على دمشق، واستولى على العاصمة من دون مقاومةٍ تُذكر.
أخيرًا، فشلت استراتيجية طهران المتمثّلة في إبراز قوتها خارجيًا لحماية نفسها داخليًا في ردع إسرائيل عن ضرب أراضيها مرتين في العام 2024. أدّى تدمير إسرائيل للدفاعات الجوية الاستراتيجية الإيرانية وضرباتها للمنشآت الصناعية الدفاعية الإيرانية إلى كشف البرنامج النووي للجمهورية الإسلامية، وتدهور كبير في قدرتها على تصنيع الأسلحة التقليدية. والأهم من ذلك، أنَّ العمليات الإسرائيلية خففت من حاجز الخوف من الضرب داخل الأراضي الإيرانية. في نيسان (أبريل) 2024، ردت إيران على اغتيال إسرائيل لاثنين من كبار الجنرالات الإيرانيين في دمشق بهجومٍ صاروخي وطائرات مُسَيَّرة على الأراضي الإسرائيلية. لكن دفاعًا متعدّد الأطراف مُنَسَّقًا، بقيادة الولايات المتحدة وضم قدرات عسكرية إسرائيلية وعربية وأوروبية، اعترضَ جميع صواريخ كروز وطائرات مسيرة إيرانية تقريبًا قبل أن تصل إلى المجال الجوي الإسرائيلي. ثم، في تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، دافعت إسرائيل، بمساعدة الولايات المتحدة، عن نفسها بفعالية ضد وابل إيراني أكثر تنسيقًا، ضم أكثر من 180 صاروخًا باليستيًا. أظهرت هذه الأحداث أنه يمكن دحر الهجمات التقليدية التي تشنّها إيران، وأنه يمكن إقناع الدول المجاورة بالانضمام إلى دفاعٍ مُنَسَّق ضد العدوان الإيراني.
جاهزون، ثابتون
أضعفت إسرائيل قوة إيران بشكلٍ كبير من خلال العمليات القتالية. لكن مرحلة الحرب التي تعقب العمليات القتالية، والتي تُسميها العقيدة العسكرية الأميركية “الاستقرار”، لا تقلُّ أهمية. لمنع المزيد من دورات العنف وحرمان الجهات الفاعلة الخبيثة من فرصة استغلال ارتباك ما بعد الصراع، يتضمّنُ الاستقرارُ إعادةَ إرساءِ أُسُسِ الأمنِ التي يمكن للسكان الثقة بها، وتوفير الخدمات الحيوية مثل الكهرباء والصرف الصحي، ووقف التدهور الاقتصادي بعد الحرب، ومساعدة الحكومات الجديدة على إعادة بناء مجتمعاتها. هذه المرحلة من الحرب -وهي مرحلة سياسية بطبيعتها- لا يمكن أن تشنّها القوات النظامية وحدها: بل يجب أن ينضمَّ إليها ديبلوماسيون، وخبراءٌ تقنيون من مرحلة ما بعد الصراع، وقادة محليون، وفاعلون من المجتمع المدني، حتى لو استمر بعض العمل النشط الحركي.
الشرق الأوسط مستعدٌّ للاستقرار الاستراتيجي. وبالفعل، يعمل القادة الجدد في بيروت ودمشق على انتزاع بلديهما من النفوذ الإيراني المؤثّر في أمنهما وسياساتهما. في تحدٍّ مباشر ل”حزب الله”، دعا رئيس لبنان المُنْصَب حديثًا، قائد الجيش السابق العماد جوزيف عون، علنًا إلى نزع سلاح جميع الجماعات المسلحة التي تعمل خارج سلطة الدولة. وقد فوّضَ الجيش اللبناني بالانتشار في جنوب البلاد واستكمال نزع سلاح “حزب الله”. وتدعو الأمم المتحدة إلى نزع سلاح “حزب الله” منذ العام 2006. ولكن الآن فقط، في ظل تراجع قدرات “حزب الله” العملياتية، والإرادة السياسية الجديدة لبيروت، والإشراف العسكري الأميركي المباشر، تلوح في الأفق فرصة لتحقيق ذلك.
في سوريا، يواجه أحمد الشرع، زعيم “هيئة تحرير الشام”، شبكات تجارة الأسلحة والمخدرات غير المشروعة التابعة لإيران على الحدود اللبنانية، واتهم إيران بجرأة بتأجيج عدم الاستقرار في المنطقة. وقد عقدت حكومته المؤقتة حوارًا وطنيًا لرسم مستقبل سوريا، ووقعت اتفاقيات تكامل مع جماعات مسلحة أخرى، واتخذت إجراءات بناءً على معلومات استخباراتية أميركية لإحباط مؤامرات تنظيم “الدولة الإسلامية” (المعروف أيضًا باسم داعش). ورُغمَ قلق المسؤولين الأميركيين بشأن الروابط السابقة بين “هيئة تحرير الشام” وتنظيم “القاعدة”، فإنَّ هذه الجهود المبكرة التي بذلها الشرع تعكس ميلًا نحو الشمولية السياسية والتعاون الأمني، والذي يمكن، إذا ما تمَّ ترسيخه، أن يُشكّلَ حصنًا منيعًا ضد التدخل الإيراني، الذي يتغذّى على الانقسامات الطائفية والبؤس الاقتصادي. وقد بدأ الشعبان اللبناني والسوري، اللذان يُدركان أنَّ قبضة إيران الخانقة قد تراخت، يتطلعان إلى حكومتيهما بدلًا من الجماعات غير الحكومية للمساعدة على إعادة بناء حياتهما.
لكن بدون مساعدة وانخراط خارجيين -وفي غياب أي رؤية شاملة للاستقرار السياسي والاقتصادي والاجتماعي- ستُجبَرُ المجتمعات المُعذَّبة في جميع أنحاء الشرق الأوسط على الاعتماد على شبكاتٍ تعملُ خارج إطار الدولة، بما في ذلك الشبكات غير الشرعية، لتأمين بقائها اليومي. وهذا بدوره سيُضعف حكوماتها. لقد لاحظَ القادة الإيرانيون الموجة الجديدة من القادة القوميين الرافضين لاتباع نهجهم، وهم يعلمون أنَّ العديد من عامة الناس يتوقُ إلى التحرر من بلطجة هذا المحور. لكن إيران عازمة تمامًا على استعادة نفوذها الإقليمي: ففي خطاب ألقاه في كانون الأول (ديسمبر) كشف فيه عن خطط طهران لتجنيد متمرّدين جدد في سوريا، أعلن بهروز أسباتي، أعلى جنرال في النظام، أنَّ بلاده ستنجح تدريجًا في إعادة تنشيط “الطبقات الاجتماعية” العميقة من النفوذ التي طوّرتها خلال فترة حكم الأسد.
تُمثِّلُ إزاحة الأسد فرصةً “أجيالية” لوضع سوريا على مسارٍ مستقر، مسارٌ لا تعودُ فيه قاعدةٌ لإيران لبسط نفوذها. لكن مهما سعى الشرع إلى تفكيك عَقدٍ من النفوذ الإيراني، فلن يتمكّنَ من ذلك ما لم تُخَفَّف العقوبات التي تقودها الولايات المتحدة. وبدون دعمٍ خارجي كبير مشروط بتحقيق معايير حَوكمة واقعية، لن يتمكّنَ من كبح جماح الأزمة الإنسانية والاقتصادية في سوريا، وهي حالة من عدم الاستقرار تخدمُ مصالح إيران.
لا تزالُ إيران تتمتع بموطئ قدم كبير في أماكن أخرى أيضًا. على الرُغم من حالتها المتدهورة، لم تُبدِ “حماس” أيَّ إشارةٍ إلى قبولها الهزيمة، ولا يتفاوض قادتها على مستقبل يتخلّون فيه عن حكم غزة. تستفيدُ “حماس” حاليًا من ندرةِ الموارد، وتحويل المساعدات الإنسانية وممارسة السيطرة على توزيعها. إنها تؤكد نفسها في فراغ الحكم في غزة، وتنسُبُ الفضل إلى جهود التطعيم ضد شلل الأطفال لعام 2024 الذي نفذته الأمم المتحدة بدعم من إسرائيل والولايات المتحدة. وهي تعمل مع شبكات إجرامية لابتزاز المدنيين وتنظيم مراسم إطلاق سراح الرهائن المُتقَنة لإظهار قوتها المستمرة. منذ 7 تشرين الأول (أكتوبر)، تشير التقديرات إلى أنَّ المجموعة جنّدت أكثر من 10,000 عضو جديد، ويَعرِفُ مُموِّلوها كيفية التهرُّب من الثغرات في نظام العقوبات الذي تقوده الولايات المتحدة، وإدارة محفظة استثمارية عالمية تبلغ قيمتها مئات الملايين من الدولارات. قاوم قادة إسرائيل صياغة أي رؤية لحكم فلسطيني غير “حماس” في غزة، ولم يطالب الاقتراح الذي قدمته الدول العربية في قمة القاهرة في آذار (مارس) بحلِّ حركة “حماس”.
أضعفت الضربات الإسرائيلية على “حزب الله” الجماعة بشدة. لكن قادة بيروت الجدد ورثوا دولة ضعيفة ومفرغة. ولتفكيك “حزب الله” بالكامل، يحتاجون إلى المساعدة. ومع ذلك، بعد وقت قصير من تنصيب عون في كانون الثاني (يناير)، جمّدت إدارة ترامب عشرات الملايين من الدولارات من المساعدات الأمنية للقوات المسلحة اللبنانية. حتى قبل 7 تشرين الأول (أكتوبر)، لم تُقدِّم الولايات المتحدة (والعديد من الجهات الدولية الفاعلة الأخرى) أيَّ دعمٍ للبنان سوى المساعدات الإنسانية المباشرة على المستوى المحلي، نظرًا لهيمنة “حزب الله” على مؤسّسات الدولة. ومع ذلك، ورُغم التغيير الجذري الذي طرأ على بيروت، لم تُعدّل واشنطن نهجها تجاه المساعدة. وقد أشار زعيم “حزب الله” الجديد، الشيخ نعيم قاسم، بالفعل إلى توقعه فشل جهود الإصلاح في بيروت، ورفض دعوة عون لنزع سلاحه. إذا لم تتمكّن الحكومة اللبنانية من تقديم الإغاثة الاقتصادية ومساعدات إعادة الإعمار بسرعة، فقد يستعيدُ “حزب الله” زمام الأمور في الدولة من خلال الفوز بمقاعد تشريعية في الانتخابات البرلمانية العام المقبل. ويعمل الحزب بالفعل على إعادة تسليح نفسه وتمويله، وتعزيز قاعدته الشعبية، مُقدّمًا تعويضات بآلاف الدولارات للبنانيين الذين دُمِّرت منازلهم خلال الحرب الإسرائيلية.
راعي بقر وحيد
لاستعادة نفوذها، ستعمل إيران أيضًا على تعزيز مأسسة نفوذها في العراق واليمن. لا تزال السياسة في كلٍّ من بغداد وصنعاء خاضعة لتأثير طهران الشديد، وتستخدم الجماعات المسلحة غير الحكومية التابعة لإيران كلا البلدين لاستعراض قوتها. مع انحسار نفوذ “حزب الله”، صار الحوثيون المتمركزون في اليمن كسياسة تأمين جديدة وبديلة لإيران، حيث ربطوا استفزازاتهم بالحملة الإسرائيلية على غزة. منذ 7 تشرين الأول (أكتوبر)، حسّنوا تكتيكاتهم وقدراتهم الصاروخية، وطوّروا حضورًا ذكيًا في العلاقات العامة. يواصلون حكم صنعاء، ويطبعون النقود، ويجمعون الضرائب، ويحوّلون المساعدات الإنسانية لأغراضهم الخاصة، بل وحصلوا على 500 مليون دولار من المملكة العربية السعودية في كانون الأول (ديسمبر) لدعم الميزانية. لم توقف الضربات متعددة الأطراف التي تقودها الولايات المتحدة على الأهداف العسكرية الحوثية، ولا الهجمات الإسرائيلية على الموانئ والبنية التحتية للطاقة، هجمات الحوثيين على حركة الملاحة البحرية في البحر الأحمر حتى تم تنفيذ وقف إطلاق النار في غزة في كانون الثاني (يناير). وفشلت الهجمات فشلًا ذريعًا في خلق فرصة لقيادة يمنية جديدة أو قطع الأسلحة والتدريب والدعم الفني الذي تُرسله إيران إلى اليمن.
أعاد ترامب تصنيف الحوثيين كمنظمة إرهابية أجنبية، الذي كان سلفه قد رفعه في العام 2021. لن يُلحقَ هذا ضررًا بقادة الحوثيين، الذين لا يسافرون إلى الخارج ولا يحتفظون بحسابات مصرفية دولية. ومع ذلك، سيُضعف الاقتصاد اليمني المُدمَّر أكثر، ويُلحق الضرر بالمدنيين الذين يُعانون بالفعل من آثارِ أكثر من عَقدٍ من الحرب الأهلية، مما يُتيح فرصًا لإيران لتوسيع نفوذها. في العراق، حُدِّدت الجهود الأميركية والإسرائيلية لكبح نفوذ إيران بسبب دور العراق في استضافة القوات الأميركية لمحاربة “داعش”. وتوقُّعًا للضغوط الأميركية والإسرائيلية، تُرسِّخ الميليشيات المدعومة من إيران مصالحها في بغداد، وتُرسِّخ وجودها في النظام السياسي العراقي، وتُسيطر على مؤسسات الدولة لضمان بقاء شبكة التهديد الإيرانية. اعتمد رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني سياساتٍ غير مواتية لطهران، منها منع المقاتلين المدعومين من إيران من السفر إلى سوريا، والتعبير عن استعداده لاستضافة القوات الأميركية. لكن واشنطن لم تُقدِّم أيَّ مكافأةٍ لهذه الجهود، بل جمّدت المساعدات المُقدَّمة للمجتمعات التي تُرهبها “داعش”، وعلّقت البرامج التي تدعم التنمية الاقتصادية العراقية. في آذار (مارس)، أنهت إدارة ترامب أيضًا إعفاءً من العقوبات كان يسمح للعراق بشراء الكهرباء من إيران، وهو قرارٌ سيُرهق شبكة الكهرباء العراقية الهشّة أصلًا قبل أشهر الصيف الحارة، الأمر الذي سيجعل السوداني أكثر ضعفًا.
ينطلق معظم المسؤولين الأميركيين من قناعةٍ جديدة مفادها أنَّ النظام الإيراني في ذروة ضعفه، وأنَّ الوقت قد حان لاتخاذ موقف أكثر صرامة. بعد تولي ترامب منصبه في كانون الثاني (يناير)، أصدر أمرًا تنفيذيًا بإعادة تفعيل حملة “الضغط الأقصى” لإنهاء التهديد النووي للنظام، و”تقليص برنامجه للصواريخ الباليستية، ووقف دعمه للجماعات الإرهابية”. وأعلن عن جولاتٍ جديدة عدة من العقوبات الأميركية، بما في ذلك حُزَم تستهدفُ برنامج طهران للطائرات المسيرة، وصادراتها النفطية، والشبكات الإجرامية العابرة للحدود الوطنية التي تُضخّم نطاق الإرهاب الذي ترعاه إيران. كما استعارت إدارته صفحة من دليل اللعب الإسرائيلي لإضعاف نفوذ إيران من خلال شنِّ حملة عسكرية ضد الحوثيين في اليمن، وتوسيع نطاق الضربات الأميركية السابقة المحدودة لاستهداف الأفراد والبنية التحتية العسكرية والمباني الحكومية.
يمكن أن تكون العقوبات والضربات العسكرية عناصر من استراتيجية ناجحة، ولكن في هذه اللحظة السانحة، لا يمكن أن تصمد بمفردها. تحتاج الولايات المتحدة إلى سياسة انخراط متعدد الأطراف لتقديم رؤية إيجابية لشرقٍ أوسطٍ خالٍ من النفوذ الإيراني المدمِّر. يتجلى غياب واشنطن عن الساحة السورية بشكلٍ أوضح، حيث تُعرب حكومة الشرع مرارًا وتكرارًا وبشكلٍ علني عن رغبتها في مواجهة النفوذ الإيراني، ومحاربة الإرهاب العابر للحدود، والحفاظ على حدود سلمية مع إسرائيل. وإدراكًا لهذه الفرصة، التقى زعماء تركيا والأردن وقطر والسعودية، بالإضافة إلى وفود أوروبية رفيعة المستوى، بقادة دمشق الجدد. إلّا أنَّ الولايات المتحدة لا تزال في الغالب على هامش المشهد الديبلوماسي. بعضُ المخاوف مُبَرَّرٌ؛ فالشرع لم يُختَبَر بعد. لكنه يحتاج إلى دعمٍ دولي أكثر حزمًا بكثير حتى لا يُواجه حُكمُهُ تحدّياتٍ من قِبَل المُفسِدين. ويجب منحه مجموعة واقعية من معايير الأداء لتحفيز الجهود المتواصلة لتحقيق الاستقرار في البلاد وتخفيف العقوبات الأميركية حتى يتمكّن اقتصادٌ شرعي من إعادة بناء نفسه.
في ما يتعلق بانخراط إدارة ترامب، فإنَّ نهجها الأحادي والتفاعُلي يُخاطر بتقويض النتائج المستدامة. إنَّ ارتجالها الفوضوي بشأن غزة –بالانتقال من عروض “الاستيلاء على” القطاع مع نقل ملايين السكان المدنيين بطريقة ما إلى بدء مفاوضات مباشرة مع “حماس”– يُمثّلُ تحوُّلًا حادًا عن العام ونصف العام الماضيين من الديبلوماسية الأميركية، عندما أعطى المسؤولون الأميركيون الأولوية لإيجادِ حلٍّ مستدام لغزة يُعزّزُ أمن إسرائيل، ويُلبي احتياجات المدنيين الفلسطينيين، وبالتشاور مع جيران إسرائيل العرب. وقد أسفر هذا النهج في النهاية عن وقف إطلاق نار لأسابيع عدة سمح للرهائن الإسرائيليين بالعودة ووصول المساعدات الإنسانية إلى سكان غزة. على النقيض من ذلك، من المرجح أن يُسفرَ النهجُ الحالي عن شللٍ سياسي وسط موجةٍ من المقترحات غير المُنسَّقة وغير الواقعية، مما سيخلق أرضية خصبة ل”حماس” وإيران لإعادة تنظيم صفوفهما.
هدفٌ ذاتي
عند التعامل مع إيران نفسها، رفض ترامب حشد الدعم الدولي قبل الاتصال بالمرشد الأعلى علي خامنئي لبدء المفاوضات. برفضه الحاجة إلى التشاور مع الحلفاء والشركاء الإقليميين، فإنه يُكرّرُ الخطأ الذي ارتكبته واشنطن عندما رتّبت الاتفاق النووي الإيراني لعام 2015: في ذلك الوقت، أدى عدم التشاور مع إسرائيل والعواصم العربية إلى توتر كبير وترك الاتفاق مع عددٍ أقل من المؤيدين عندما تحرّك ترامب للانسحاب منه في العام 2019. يبدو أنَّ استراتيجية واشنطن الحالية تجاه إيران مُوَجَّهة حول الاعتقاد بأنَّ استراتيجية الضغط المُنسَّقة فقط مع إسرائيل يمكن أن تجبرَ النظام في طهران على إنهاء الأنشطة التي يراها ضرورية لبقائه. لكن الولايات المتحدة لا يمكنها تقويض الاقتصاد الإيراني أو حتى تنفيذ ضربات عسكرية من دون دعم أوسع. إنها بحاجة إلى تعاون من الصين، أكبر مستورد للنفط الإيراني، ومن دول الشرق الأوسط التي تستضيف القواعد والقوات الأميركية. إنها بحاجة إلى دعم العواصم الأوروبية في مجلس الأمن الدولي. وبدون تحالف دولي أوسع بكثير حول الطريقة الأكثر فعالية لعزل طهران، سيستغل النظام علاقاته مع بكين وموسكو لمقاومة أي جهود أميركية لانتزاع تنازلات ذات مغزى.
على واشنطن أن توضح بدقة كيفية تخفيف العقوبات عن الجهات الفاعلة التي تتوقّف عن الأنشطة الخاضعة للعقوبات. إعادة النظر في العقوبات المفروضة على سوريا ما بعد الأسد أمرٌ بالغ الأهمية، ولكن ينبغي على الحكومة الأميركية أيضًا صياغة مسار لتخفيف العقوبات الاقتصادية على إيران نفسها – إذا اتخذت طهران الخطوات اللازمة لتقليص برنامجها النووي وجهودها لزعزعة استقرار الدول الأخرى.
يجب على الولايات المتحدة أن تُسخّر الموارد والخبرات المدنية لدعم استراتيجيتها الإقليمية، حتى مع تشجيعها الآخرين على تقاسم العبء. تُعدّ المساعدة والخبرة الفنية التي يقدمها المدنيون عنصرًا أساسيًا في عمليات تحقيق الاستقرار. لقد استثمرت الولايات المتحدة عقودًا ومئات الملايين من الدولارات لبناء هياكل بيروقراطية، وهيئات من الممارسين، وخبرة في إنشاء أنواع من مبادرات التمويل المشترك وبرامج المساعدة الذكية التي تُمكّن الدول من الانتقال بنجاح من الصراع. ستكون هذه الأدوات والمهارات حاسمة لتعزيز المكاسب ضد إيران: فالمجتمعات التي دمّرها العنف ترغب في إعادة البناء، لكن قادتها الجدد يفتقرون إلى الخبرة اللازمة في مجال الحوكمة والتكنوقراط والاقتصاد لمواجهة التحديات الفريدة التي تواجهها مجتمعات ما بعد الصراع. الجيوش النظامية في الشرق الأوسط غير مستعدة لتسريح وإعادة دمج الجماعات المدعومة من إيران.
لكن خبرة الولايات المتحدة الواسعة في مجال الاستقرار تَبدّدَت الآن مع قيام واشنطن بشكلٍ منهجي بخفض تمويل وتفكيك قوتها العاملة التي تُركّز على المساعدات. كانت الوكالة الأميركية للتنمية الدولية -التي يبدو أنَّ ترامب عازمٌ على تدميرها- تضمُّ مكتب مبادرات الانتقال، وهو هيئة مصممة لسد الفجوات في التنمية والمساعدات الإنسانية. أما مكتب عمليات الصراع والاستقرار التابع لوزارة الخارجية -والذي يُمَوَّلُ من ميزانية المساعدات التي يحاول ترامب تجميدها- فيتخصّص في مساعدة الدول على التعافي من الأضرار التي تُسبّبها الجهات الفاعلة المسلحة غير الحكومية، ويُوظف “مستشارين متخصصين في الاستقرار” جاهزين للانتشار في مناطق الصراع.
تخطط إدارة ترامب لتقليصٍ كبيرٍ في السلك الديبلوماسي التابع لوزارة الخارجية في الوقت الذي ينبغي أن يتولّى الديبلوماسيون المزيد من المسؤوليات في أعقاب التطورات العسكرية الجسيمة لعام 2024. وقد جمّدت مساعدات الاستقرار للعراق وسوريا واليمن في الوقت الذي يمكن أن تُحقق هذه المساعدة أقصى فائدة. أوقفت مؤقتًا مساعداتها العسكرية للقوات المسلحة اللبنانية، بالتزامن مع التزام الحكومة اللبنانية بنزع سلاح “حزب الله”. كما علّقت تمويلها الأمني لقوات الأمن التابعة للسلطة الفلسطينية، التي حافظت على تعاونها الأمني مع إسرائيل في الضفة الغربية لمواجهة نفوذ “حماس” هناك. إذا كانت الولايات المتحدة تأمل في تفكيك شبكة نفوذ إيران الإقليمية بالكامل، فعليها تقديم مساعدات غير عسكرية، مع الضغط على الآخرين لتقاسم العبء. إذا لم تُوسّع استراتيجيتها، فستتخلى عن أفضل أدواتها لدعم ظهور جهات فاعلة بديلة.
أخيرًا، يتعين على الولايات المتحدة أن تُقدّم لشركائها الإقليميين ضمانات أوضح بشأن التزاماتها الأمنية، حتى في الوقت الذي تطلب من شركائها مواصلة التعاون الأمني متعدد الأطراف الذي أثبت نجاحه الكبير في مواجهة هجمات الصواريخ الباليستية الإيرانية. عزّزت الولايات المتحدة حضورها العسكري في الشرق الأوسط بشكلٍ ملحوظ بعد 7 تشرين الأول (أكتوبر). وقد ساعد هذا الدعم الاستخباراتي والأسلحة والمشاركة الفعّالة في دفاع الدولة العبرية، إسرائيل على التركيز على استهداف شبكة التهديد الإيرانية، مما غيّر المشهد الاستراتيجي في المنطقة بشكل جذري. ويجب أن يبقى هذا الدعم العسكري قائمًا مع تحوّل تركيز المنطقة نحو الاستقرار.
ولتعزيز الضغط على الحوثيين، ينبغي على الولايات المتحدة تصميم حزمة مساعدات ملموسة تكون مستعدة لتقديمها للشعب اليمني في حال تخلّى الحوثيون عن السيطرة. وينبغي عليها إشراك الشركاء بفعالية في حملتها العسكرية لاستعادة حرية الملاحة في البحر الأحمر، وتوضيح استعدادها لدعم الدول المهددة أيضًا بالعدوان الحوثي، مثل المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة. إنَّ التعهّدَ بالحفاظ على وجود عسكري قوي في المدى المتوسط سيُظهر أيضًا عزم الولايات المتحدة تجاه طهران، ويُطمئن القادة الإقليميين الآخرين على خطوط المواجهة في الحرب ضد إيران. في العراق وسوريا، ينبغي على واشنطن، في الوقت الحالي، إبقاء قواتها على الأرض والتأكد من أنها تُعرب عن دعمها لمواطني البلدين. أما في لبنان، فسيتعيّن عليها الحفاظ على دور الرقابة النشط الذي يلعبه الجيش الأميركي في الجهود المبذولة لنزع سلاح “حزب الله”، وتقديم دعم مباشر لقادة بيروت الجدد إذا اتخذوا المزيد من الخطوات نحو الإصلاح.
إن الحفاظ على الوجود العسكري الأميركي هو استثمارٌ يجب على الولايات المتحدة القيام به في ظل التحولات التي يشهدها الشرق الأوسط، وحصول القادة الجدد على الدعم الشعبي، وظهور ترتيبات أمنية جديدة. كما يجب عليها تخفيف العقوبات مع تحقيق قادة سوريا الجدد لأهداف الحكم الرشيد، وزيادة المساعدات والدعم الفني للمجتمعات الضعيفة، والتحرك لحشد الشركاء المحليين والدوليين لوضع رؤية ملموسة وواقعية لنظام إقليمي خالٍ من الهيمنة الإيرانية. إنَّ جهودَ طهران السابقة لزعزعة استقرار حكومات المنطقة، وإخضاع شعوبها، وتحدّي المصالح الأميركية، ونشر الإرهاب في الخارج، لم تنجح إلّا لأنها استهدفت دولًا ضعيفة الحكم، فاسدة، وضعيفة سياسيًا. يجب أن يكون الهدف الرئيس لاستراتيجية الاستقرار دعم ظهور حكومات أكثر استجابة وشفافية، تحتفظ باحتكارها لاستخدام القوة، وقدرتها على تحقيق الرخاء لشعوبها، واستعدادها لمواجهة النفوذ الإيراني. وعلى عكس عقود من التفكير التقليدي، اتضح أنَّ حملة عسكرية استثنائية يمكن أن تُضعف بشكل كبير مكانة إيران الإقليمية. والآن، يجب على الولايات المتحدة أن تقوم بدورها لقيادة جهد مدني استثنائي مماثل لجعل هذا التغيير دائمًا.
- دانا سترول هي مديرة الأبحاث في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى وشغلت منصب نائب مساعد وزير الدفاع الأميركي لشؤون الشرق الأوسط من شباط/فبراير 2021 إلى شباط/فبراير 2024.
- يَصدُرُ هذا المقال بالعربية في “أسواق العرب” توازيًا مع صدوره بالإنكليزية في “فورين أفّيرز” الأميركية.
يجب عليك تسجيل الدخول لكتابة تعليق.