هل تصلُ رياحُ التغييرِ في سوريا إلى العراق؟

مارست الميليشيات المدعومة من إيران في العراق منذ فترة طويلة نفوذًا كبيرًا على الحكومة العراقية. ولكن في ظلّ تراجع نفوذ إيران وحلفائها الآن، كيف سينعكس ذلك على بغداد؟

آية الله العظمى السيد علي السيستاني: هل يصدر فتوى تدعو إلى حلّ قوات الحشد الشعبي؟

الدكتور رانج علاء الدين*

أحدثت التطوّرات الأخيرة في سوريا، بما فيها سقوط نظام بشار الأسد، وفشل إيران في قمع تقدّم المتمرّدين نحو دمشق والانسحاب اللاحق لوكلائها من البلاد، موجاتِ صدمةٍ في العراق المُجاوِر. وللمرّة الأولى منذ العام 2003، يبدو احتمالُ كسر النفوذ الإيراني الهائل على الدولة العراقية فجأةً وكأنّه احتمالٌ واضح. فقد أعطى استيلاء “هيئة تحرير الشام” على السلطة بشكلٍ سريع ومفاجئ الأمل للعراقيين السنّة المهمّشين، الذين سعوا منذ فترة طويلة إلى احتواء حُكمِ المجموعات المتحالفة مع إيران أو إنهائه، وتحديدًا قوات الحشد الشعبي.

وبالفعل، تتزايد الضغوط على رئيس الوزراء محمد شياع السوداني للحدّ من نفوذ الميليشيات المدعومة من إيران، فيما يتم تحفيز شريحة من المجتمع العراقي والسياسيين العراقين الذين يعارضون نفوذ إيران المُهيمِن على بلادهم.

بدأ السوداني بالفعل الانخراطَ في ديبلوماسية رفيعة المستوى لتشكيل استجابة العراق للتطوّرات في سوريا، سواءً للتّخفيف من تبعاتها أو لمنع حدوث سيناريو مُماثل في الداخل. وشملت هذه الجهود المكثّفة اجتماعات متعدّدة مع كبار المسؤولين الأميركيين وقادة المنطقة، ما يشير إلى نيّة السوداني في تحويل العراق إلى جهةٍ فاعلة محوريّة في المشهد الإقليمي المتقلّب الجديد. مع ذلك، يواجه رئيس الوزراء ــوالعراق ــ موقفًا حرجًا.

تراجع النفوذ الإيراني

أدّى الانهيار غير المُتوقَّع للبنية الأمنية الإقليمية الإيرانية التي استمرّت لعقود في الأشهر الأخيرة إلى ظهور حقائق سياسية جديدة في لبنان وسوريا والعراق. وقد أظهر هذا الانهيار أنّ المجموعات الميليشياوية المتحالفة مع إيران يمكن هزيمتها وتقويض نفوذها. وتتزامن هذه الدينامية مع عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، ما يزيد من الضغوط على الدولة العراقية للسيطرة على هذه المجموعات، إذ قد تعتبر واشنطن أنّ طهران وحلفاءها العراقيين وجهان لعملة واحدة في صياغتها لسياستها الإقليمية. وبالتالي، يصبح العراق عند مفترق طرق.

من وجهة نظر طهران وحلفائها، تتزايد المخاوف حول إمكانيّة أن تُثيرَ الأحداثُ في سوريا تمرّدًا مُماثلًا في العراق. فقد أدّت الميليشيات العراقية المدعومة من إيران دورًا مهمًّا في دعم نظام الأسد، إذ لطالما كانت العلاقات بين دمشق وبغداد وطيدة. ويصبح تأثير الدومينو أكثر ترجيحًا في حال مارست إدارة ترامب الضغوط لتحقيق هذه الغاية، ما قد يترك إيران وحلفاءها أمام خيار وحيد يتمثّل في تبنّي موقف حازم وعدواني في الداخل العراقي.

لقد تزايد الاستياء المحلّي من نفوذ قوات الحشد الشعبي في السنوات الأخيرة. في العامين 2019  و2020، قمعت المنظمة بوحشية حركة احتجاجية كبرى كانت تهدّد هيمنتها، لتضيف ذلك إلى مجموعة المظالم. وعلى الرغم من حملة القمع، أثبتت المعارضة قدرتها على الصمود بشكلٍ ملحوظ.

مع ذلك، قد تختار قوات الحشد الشعبي استباق التهديد الطويل الأمد لقوّتها من خلال اتّخاذ تدابير صارمة، وخصوصًا في حال أبدى خصوم قوات الحشد الشعبي أيّ إشارة إلى نيّتهم لاستغلال الأزمة التي تواجه بنية إيران الإقليمية. وقد يترتّب على ذلك عواقب واسعة النطاق وعنيفة على العراق.

في الوقت نفسه، لهذا التحرّك حدود وتكاليف وقد يؤدّي إلى إنقسامات داخل قيادة الحشد الشعبي حول طريقة التعامل مع الوضع. ومع اقتراب موعد الانتخابات في العراق هذا العام، قد يؤدّي التنافس العنيف بين الخصوم، سواء كانوا من التيار الصدري – الذي سيسعى إلى استغلال أيّ نقاط ضعف- أو الدولة العراقية، إلى تقويض قاعدة دعمها.

وقد دفعت هذه الحسابات الداخلية ومخاطر التداعيات الحكومة العراقية إلى الانخراط مع القيادة السورية الجديدة. في 26 كانون الأول (ديسمبر) 2024، زار وفد عراقي بقيادة رئيس جهاز المخابرات الوطني العراقي حميد الشطري، دمشق لإجراء مناقشات مع الإدارة التي تقودها “هيئة تحرير الشام”. وبحسب التقارير، ركّزت المناقشات بمعظمها على مخاوف بغداد بشأن توطيد المجموعات المسلّحة في سوريا علاقاتها مع المجموعات المسلّحة السنّية العربية، بما فيها فلول التمرّد السنّي بعد العام 2003 وخلايا “داعش” التي لا تزال تعمل في العراق. كما دعت بغداد إلى إطلاق سراح عناصر قوات الميليشيات الشيعية العراقية المحتجزين في السجون السورية.

حسابات خاطئة

تزايدت التكهّنات بشأن حملة دولية لتفكيك قوات الحشد الشعبي، مدفوعةً بالانقسامات الناشئة داخل المؤسسة الشيعية السياسية في العراق وبالتصوّر السائد حول عجز إيران عن حماية حلفائها الإقليميّين. وستكون الطريقة التي سيتعامل بها الحشد الشعبي وخصومه عاملًا حاسمًا في رسم المشهد السياسي في الفترة المقبلة.

وعلى الرُغم من أنّ السوداني لم يُظهِر أيّ نية فورية للتحرّك ضدّ المجموعات المسلّحة المدعومة من إيران، لم تنسَ قوات الحشد الشعبي محاولات رئيس الوزراء السابق مصطفى الكاظمي للحدّ من نفوذها. وقد أدّت تلك المحاولات إلى إضعاف بنيتها التشغيلية والتنظيمية، فضلًا عن تضييق المساحة التي يمكنها أن تعمل فيها. ولتزيد الأمور تعقيدًا، تردّدت شائعات حول دخول محمد الحسان، ممثّل الأمم المتحدة في العراق، في مناقشات مع آية الله العظمى السيد علي السيستاني، المرجع الشيعي الأعلى في العراق، في محاولة للحصول على فتوى تدعو إلى حلّ قوات الحشد الشعبي.

تحملُ هذه الفتوى، إن صدرت، ثقلًا هائلًا نظرًا لسلطة السيستاني والدور الذي أدّته دعوته في العام 2014 إلى حمل السلاح لمحاربة تنظيم “الدولة الإسلامية” في تشكيل قوات الحشد الشعبي. ومع ذلك، فإنّ ضمَّ قوات الحشد الشعبي إلى الجيش العراقي النظامي يجعل تفكيكها عمليّة معقّدة ومحفوفة بالتحدّيات السياسية والعملية. فبالنظر إلى الدور الذي تؤدّيه قوات الحشد الشعبي في المنظومة الدفاعية العراقية وعلاقاتها الوطيدة مع الفصائل السياسية المؤثّرة، فإنّ أيَّ حملة واسعة لحلّها قد تواجه معارضة شديدة وتؤدّي إلى حالة من عدم الاستقرار.

وبالنظر إلى المستقبل، من المتوقّع أن تتطوّر علاقة العراق بسوريا بحذر. فعلى الرُغم من التكهّنات المتزايدة حول التحوّل المُحتَمل في السياسات، استمرّ السوداني حتى الآن في تبنّي موقف ثابت من خلال تحالفه مع إطار التنسيق الشيعي المدعوم من إيران، وهو إئتلاف سياسي رئيس يدعم إدارته، وسيؤدّي دورًا حاسمًا في ضمان ولاية إضافية لرئيس الوزراء في الانتخابات المقبلة هذا العام.

وتُسلّطُ القضايا المتشابكة المتعلّقة بمستقبل قوات الحشد الشعبي ودور العراق في الديبلوماسية الإقليمية الضوء على التحدّيات التي تواجهها حكومة السوداني. فمن ناحية، يتعيّن عليه إدارة الفصائل المحلّية والحفاظ على الاستقرار السياسي في الوقت الذي يتعامل مع التوقّعات الدولية للحدّ من النفوذ الإيراني. ومن ناحية أخرى، يسعى إلى تقديم العراق كوسيط فعّال في الصراعات الإقليمية، والاستفادة من موقعه الفريد للربط بين المصالح المتنافسة.

وسيستمرُّ هذا التوازن في تشكيل نهج السوداني في سعيه إلى الحفاظ على قيادته وسط ضغوط داخلية وخارجية متزايدة. وفي الوقت عينه، وفي ظلّ إدارة ترامب والديناميات الإقليمية والمحلّية الأوسع نطاقًا، قد يصبح هذا الأمر مجرّد جهدٍ ضائع.

الدكتور رانج علاء الدين هو زميل في مجلس الشرق الأوسط للشؤون الدولية، وكان سابقًا زميلًا غير مقيم في برنامج السياسة الخارجية في معهد بروكنغز وباحثًا زائرًا في جامعة كولومبيا. علاء الدين متخصّص في السياسة الخارجية وتُركّز بحوثه حول قضايا الأمن الدولي والحوكمة الرشيدة والتحديات الأمنية المرتبطة بالمناخ، بالإضافة إلى ديبلوماسية المسار الثاني والتداخل بين السياسات العامة والأمن البشري.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى