الخلافُ السعودي-الإماراتي يقودُ حضرموت اليمنية إلى مُفترَقِ طُرُق

التنافُس بين الرياض وأبو ظبي على النفوذ في المحافظة اليمنية حضرموت قد يؤدّي إلى صراعٍ بين الجانبين أو وكلائهما، ما قد يؤدّي إلى إثارةِ تفتُّتٍ خطير.

حضرموت: مستقبلها معلّق على اتفاق السعودية والإمارات.

إبراهيم جلال*

يبدو أنَّ التنافُسَ بين المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة على حضرموت اليمنية له تداعيات وعواقب حيث يؤثّرُ بشكلٍ مهم في الحدود الداخلية للمحافظة. فهو يعزّزُ الانقسامات بين مناطق النفوذ السعودية والإماراتية هناك – السعوديون في الداخل والإماراتيون في الساحل. وكانت السعودية استضافت أخيرًا، في تشرين الأول (أكتوبر) 2024، محادثاتٍ لإحياء المجلس الوطني لحضرموت، وهو هيئة تضمُّ شخصياتٍ سياسية وقبلية من المحافظة، كجُزءٍ من جهدهما المشترك لاحتواء نفوذ دولة الإمارات والمجلس الانتقالي الجنوبي الذي تدعمه، والذي يسعى إلى الانفصال الكامل لجنوب اليمن. من جهتهم، لا يريد السعوديون أن يروا نفوذهم يتضاءل على أيدي الإماراتيين، ولكن مع استمرار الصراع على السلطة بين البلدين، فقد ينتجُ عن ذلك نزاعٌ يُضعفُ استقرار حضرموت، ما قد يؤدّي بدوره إلى مزيدٍ من التشرذم وتحدّي النفوذ التاريخي السعودي.

التنافُس السعودي-الإماراتي الناشئ على حضرموت

تقليديًا، كان للسعودية تأثيرٌ كبيرٌ في حضرموت الغنية بالنفط، أكبر محافظة في اليمن. وقد تشكل هذا من خلال الروابط الدينية والثقافية، والحدود المشتركة الممتدة لأكثر من 600 كيلومتر، وتنقُّل السكان عبر الحدود، والتجارة، واعتبارات الأمن الوطني. حافظ السعوديون على علاقات قوية مع النُخَب والقبائل المحلية، وعمّقوا بصمتهم الأمنية بعد اندماجِ فرعَي تنظيم “القاعدة” السعودي واليمني في العام 2009 لتشكيل تنظيم “القاعدة في شبه الجزيرة العربية”، الذي استولى على المكلّا، المدينة الساحلية الرئيسة في حضرموت، في نيسان (أبريل) 2015.

اعتبرت الرياض حضرموت دائمًا نقطةَ وصولٍ إلى بحر العرب حيث يسمح لها بتنويع طرق التجارة وتصدير الطاقة. يُمكن للمحافظة  أن توفّرَ للمملكة عمقًا استراتيجيًا من خلال تقليل اعتمادها على مضيق هرمز البحري، مع السماح لها أيضًا بفرض قوّتها في المحيط الهندي لاستكمال طموحاتها في النفوذ الإقليمي. مع ذلك، قاوم الرئيس اليمني الراحل علي عبد الله صالح، الذي حلَّ خلافات الحدود مع  السعودية في العام 2000، رغبات الرياض في بناء خط أنابيب إلى بحر العرب لغرض التحايُل على المضيق.

لكن في العام 2016، بدأت دولة الإمارات تحدّي النفوذ السعودي عندما تولّت أدوار مكافحة الإرهاب والأمن والاستقرار في المكلّا. وفي غضون عام من استيلاء تنظيم “القاعدة في شبه الجزيرة العربية” على المدينة، أنشأت الإمارات قوات النخبة الحضرمية للمساعدة على إنهاء وجود هذا التنظيم المتطرّف هناك. ومنذ ذلك الحين، وسّعَ الإماراتيون نفوذهم على طول ساحل بحر العرب، والذي يعتبره السعوديون جُزءًا من مجال أمنهم القومي. وتُسيطر الإمارات الآن على ميناءَي الضبة والشحر، وكذلك مطار الريّان الدولي شمال غرب المكلّا (الذي لا يُقدّمُ حتى الآن سوى عدد محدود من الرحلات الداخلية)، حيث تحافظ على وجودها في إطار التعاون في مكافحة الإرهاب مع الولايات المتحدة والتحالف الذي تقوده السعودية.

إنَّ نهجَ دولة الإمارات تجاه حضرموت يُشكّلُ جُزءًا لا يتجزّأ من سياساتها في جنوب اليمن وأولوياتها الإقليمية الأوسع نطاقًا. تعتمدُ هذه الأولويات، جُزئيًا، على تشكيل واستغلال التفتّت في مناطق الصراع من خلال الشراكات وشبكات المحسوبية، مثل تلك الموجودة مع المجلس الانتقالي الجنوبي، الذي تم إنشاؤه في أيار (مايو) 2017. ومن بين أهداف الإماراتيين تأمين طرق الطاقة والتجارة البحرية على طول بحر العرب، فضلًا عن إظهار القوة البحرية لتكملة وجودهم في عدن والحديدة وتعز وشبوة وسُقطرى. تُساعدُ مثل هذه الأهداف على حماية مصالح الإمارات في المحيط الهندي وتسمح بالسيطرة على موانئ اليمن، مما يُعزّز المكانة الرائدة لميناء جبل علي الإماراتي. ويتمثّل طموحٌ إضافي في بناءِ نفوذٍ أكبر في اليمن على طول الحدود السعودية وعبر خليج عدن، وذلك لتأمين النفوذ الذي يسمح بالمقايضات في سياقات إقليمية أخرى.

وفي تحقيق هذه الأهداف، انخرطت الإمارات، على ما يبدو، في أنشطةٍ مُتناقضة. وهي تشمل دعم الكيانات الانفصالية مثل المجلس الانتقالي الجنوبي والكيانات غير الانفصالية مثل قوات حضرموت، التي تسعى إلى الحكم الذاتي لحضرموت داخل دولة يمنية واحدة. في نيسان (أبريل) 2020، تعهّد المجلس الانتقالي الجنوبي بتثبيت إدارته الخاصة في جنوب اليمن، لكنه لم يتلقَّ الكثير من الدعم من الحضرميين أو مُحافِظِهم. كما سعى الإماراتيون إلى مواجهة نفوذ الجماعات المتطرّفة مثل تنظيم “القاعدة في شبه الجزيرة العربية”، ولكن أيضًا حزب الإصلاح، الذي يتمتّع بدعمٍ سعودي وترتبط إيديولوجيته بإيديولوجية جماعة “الإخوان المسلمين”. وقد لخّصَ أحد الباحثين، عبد الله باعبود، التفكير الإماراتي على هذا النحو، “إنَّ دعمَ الإمارات للفصائل الانفصالية… يعزّزُ نفوذها على الموانئ الأخرى ويسمح لها بالتعامل مع حزب الإصلاح”.

لقد نجحت دولة الإمارات في تركيز انتباه السعودية على القضايا التكتيكية، في حين عملت على تشكيل الصورة الأكبر. فعندما أعلن المجلس الانتقالي الجنوبي الإدارة الذاتية في جنوب اليمن، على سبيل المثال، ركّزت االسعودية على تطوير آليةِ تسريعٍ لتنفيذ اتفاق الرياض بين الحكومة اليمنية والمجلس الانتقالي الجنوبي لاحتواء الاحتكاك داخل المعسكر المدعوم من التحالف. مع ذلك، تغيّرَ الانخراط السعودي بعد أن حاول المجلس الانتقالي الجنوبي حشد الدعم لتوسّعه. كانت الرغبة في إظهار النفوذ المتزايد في حضرموت واضحةً في قرار المجلس الانتقالي الجنوبي بعقد جمعيته الوطنية السادسة في المكلّا في أيار (مايو) 2023، وواضحة في رمزية دخول رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي وعضو المجلس القيادي الرئاسي اليمني عيدروس الزبيدي إلى المدينة بموكبٍ عسكري مُدجَّج بالسلاح. علاوةً على ذلك، فإنَّ عمليات إعادة الانتشار العسكرية المتزايدة من قبل المجلس الانتقالي الجنوبي، كما هو الحال في عقبة الجثمة، المطلة على مدينة سيئون، وفي بنين، قد أكدت محاولات الجماعة لتوسيع سيطرتها الإقليمية على المحافظة، على الرُغم من تحفّظات السكان على مشروعها الانفصالي.

واشتمل النهجُ السعودي لاحتواء النفوذ الإماراتي على خطوات عدة، تشملُ دعم تشكيل الهيئة العليا للمفاوضات في العام 2023؛ وموازنة الترتيبات القبلية المدعومة من الإمارات أو المسؤولين الذين يُنظر إليهم على أنهم داعمون للإمارات؛ وتعزيز بناء قوات درع الوطن، التي شكلها رئيس المجلس الرئاسي، رشاد العليمي، والتي يقودها العميد بشير الصبيحي. وهذا العميد هو سلفي، الأمر الذي يؤكد كيف كانت شراكات السعودية مع الجماعات السلفية محورية في نهجها الأمني ​​الحدودي من محافظات المهرة إلى حجة.

من خلال إنشاء الهيئة الوطنية العليا للمفاوضات، سعى السعوديون والحضرميون إلى إعطاء الأولوية للتفضيلات الحضرمية المحلية والرد على المجلس الانتقالي الجنوبي ودولة الإمارات. وعلى الرُغم من أنَّ المجلس الانتقالي الجنوبي يضمُّ شخصياتٍ حضرمية، فإنَّ العديد من المنظمات الحضرمية، بما فيها مؤتمر حضرموت الشامل، الذي أنشأه اتحاد قبائل حضرموت، والهيئة الوطنية العليا للمفاوضات، لا تعتبره تجسيدًا لتطلّعات حضرموت. وبينما يمكن رؤية أعلام جمهورية اليمن الديموقراطية الشعبية السابقة في شوارع المكلّا بسبب حشد المجلس الانتقالي الجنوبي، مما يشير إلى الدعم لفترة سابقة من استقلال الجنوب، فإنَّ أعلامَ جمهورية اليمن الموحَّدة مرئية في سيئون، ما يعكس عدم الموافقة على المشروع الانفصالي. ويُحذّر العديد من الحضرميين من نموذج الانفصال للمجلس الانتقالي الجنوبي بسبب انعدام الثقة الناجم عن العنف والتهميش وتأميم الأصول خلال حكم جمهورية اليمن الديموقراطية الشعبية، كما هم حذرون من النظام الوحدوي في اليمن الذي فشل في معالجة مظالم المحافظة والبلاد. بدلًا من ذلك، يُفضّلُ العديد من ممثلي حضرموت إما هيكلًا سياسيًا يضمن تمكينًا أكبر وحصة من الثروة والسلطة داخل هيكلٍ يمني اتحادي، أو الحكم الذاتي.

كما امتدّت جهودُ الاحتواء السعودية إلى التعاون مع شيوخٍ مؤثّرين لمواجهة الشخصيات القبلية متوسّطة المستوى التي تدعمها دولة الإمارات. ففي قبيلة آل كَثير القحطانية، على سبيل المثال، دعمت الإمارات، من خلال المجلس الانتقالي الجنوبي، شخصيات مثل الشيخ علي الكثيري، رئيس الجمعية الوطنية للمجلس الانتقالي الجنوبي. بدورها، دعمت الرياض زعيم قبيلة آل كثير القحطانية، الشيخ عبد الله صالح الكثيري، رئيس مرجعية اتحاد قبائل حضرموت في الوادي والصحراء، الذي يشغل منصبًا قياديًا في الهيئة العليا للمفاوضات. ودعمت الرياض إِحياءَ الهيئة العليا للمفاوضات لضم المزيد من الشخصيات الاجتماعية والقبلية، على الرُغم من أنه من غير الواضح ما إذا كان هذا سيُوَحّدُ الحركات الحضرمية، وخصصت 320 مليون دولار كمساعدات تنموية لحضرموت لتوسيع بصمتها الاقتصادية وتعزيز الدعم الشعبي.

ودعمت الرياض أيضًا استبدال المسؤولين في المجلس التشريعي اليمني الذين يُنظر إليهم على أنهم قريبون جدًا من الإماراتيين في حضرموت. كانت هذه هي الحال، على سبيل المثال، مع العميد فايز منصور التميمي، رئيس المنطقة العسكرية الثانية، التي تضم جنوب حضرموت والمهرة وسقطرى، في أعقاب زيارته لأبو ظبي في حزيران (يونيو) 2023، في الوقت الذي كان يُنظر إلى المجلس الانتقالي الجنوبي على أنه يعزز سيطرته في حضرموت. علاوةً على ذلك، دعمت السعودية النشر التدريجي لقوات الأمن الوطني في حضرموت، مع تعزيز نفوذها العسكري هناك. في آب (أغسطس) الماضي، سيطرت قوات الأمن الوطني على معبرَي عبر ووديعة الحدوديين مع السعودية، وفي تشرين الأول (أكتوبر) على طريق عبر-شبوة، لتحل محل اللواءين 23 و27 من المنطقة العسكرية الأولى، المتمركزين في مدينة سيئون. مع ذلك، عارض المجلس الانتقالي الجنوبي مرارًا وتكرارًا نشر وحدات من قوات الأمن الوطني أو “أي قوة أخرى غير قوات النخبة الحضرمية” على ساحل ووادي حضرموت، واعتبرها تهديدًا لسلطته. كما دعا إلى طرد القوات المسلحة من المنطقة العسكرية الأولى من وادي حضرموت، وهدّد بتوسيع سيطرته هناك. بدورها، حذرت السعودية المجلس الانتقالي الجنوبي من أيِّ محاولة للتحرّك إلى الوادي. يهدف الدعم السعودي لنشر قوات الأمن الوطني إلى مقاومة استفزازات المجلس الانتقالي الجنوبي، وحماية الهيئة العليا للمفاوضات، التي ليس لديها جناح عسكري، وإعادة تشكيل علاقات القوة لصالحها.

لقد عززت الجهود السعودية، مثل جهود الإمارات، الوضع الراهن في حضرموت – حيث أصبح الساحل معقلًا للإماراتيين وإلى حد أقل المجلس الانتقالي الجنوبي، وأصبح الوادي معقلًا للسعودية وحكومة اليمن وحزب الإصلاح. وتقع مناطق الوادي والصحراء الداخلية، بما فيها طريق عبر (الحدود البرية الوحيدة النشطة التي تربط منطقة الوديعة بالسعودية)، وسيئون، والطريق الشرقي إلى نقطة الحدود اليمنية العمانية في شحن، حاليًا ضمن نطاق النفوذ السعودي. في حين يقع الطريق الساحلي من المصينعة بالقرب من المهرة إلى سفال بالقرب من شبوة ضمن نطاق النفوذ الإماراتي، ويكمل الوجود الإماراتي على طول الساحل من شبوة إلى الحديدة.

خطر عدم الاستقرار والتفتت

إن الخلافات الحادة المتزايدة بين السعودية والإمارات، وبين الجهات الفاعلة المحلية التي تدعماها، تُعرّض استقرار حضرموت للخطر، وتؤدي إلى تفاقم التفتت المحلي، وتعزذز الانقسام الفعلي بين مناطق النفوذ السعودية والإماراتية في المحافظة. وفي ظل هذه الظروف، من المرجح أن تستمر قوات النخبة الحضرمية والمجلس الانتقالي الجنوبي، مثل لواء برشيد، الذي يستقطب العديد من المجندين من محافظة الضالع الجنوبية، في العمل كمزوّدين للأمن، وتعزيز مواقعها الحالية، وإنشاء قواعد عسكرية جديدة بالقرب من مدينة سيئون. وهذا من شأنه أن يدفع القوات المتنافسة في المحافظة إلى مواجهة عسكرية.

ومن المرجح أن تستمرَّ القوات المنتشرة في المنطقة العسكرية الأولى، التي تضم وادي وصحراء حضرموت، في مواجهة العداء المتزايد من جانب المجلس الانتقالي الجنوبي والإمارات. ولن ينتهي قريبًا خطاب المجلس الانتقالي الجنوبي القائل بأن هذه القوات “شمالية” ومتحالفة مع حزب الإصلاح (ما يؤكد على الحاجة إلى استبدالها بقوات جنوبية، بما فيها قوات حضرموت). ومن ناحية أخرى، سيستمر نشر قوات الأمن الوطني في وادي حضرموت، من الخشعة باتجاه سيئون، لتحل محل ألوية المنطقة العسكرية الأولى ببطء وتوسيع نفوذها. وقد ترحب الجماعات الحضرمية الرئيسة بمثل هذه الخطوات، التي لن ترضي في نهاية المطاف المجلس الانتقالي الجنوبي أو الإمارات، مما يترك الحدود الداخلية لحضرموت محل نزاع. ويبدو أن وادي المحافظة ومناطقها الصحراوية تشكل خطًا أحمر سعوديًا ضد كل من المجلس الانتقالي الجنوبي والإمارات، نظرًا لقربها من الحدود السعودية واعتبارات الأمن القومي للمملكة.

على المستوى السياسي، سيكون تحويل الهيئة العليا للمفاوضات إلى طرف فاعل نشط على الأرض أمرًا ضروريًا للسعوديين والحضرميين. ولكن إذا لم تُعمّق الهيئة مشاركتها، وتكسب ثقة الجمهور، وتُحسّن أداءها العام وعلاقاتها مع الجماعات الحضرمية، مثل مؤتمر حضرموت الشامل، فإنَّ هذا من شأنه أن يُقلّل من مصداقيتها، وبالتالي مصداقية السعودية. وفي الوقت نفسه، إذا كانت هناك محاولات لإعادة نشر وحدات قوات الأمن الوطني إلى ساحل حضرموت، فمن المرجح أن يواصل المجلس الانتقالي الجنوبي حشد المعارضة في المكلّا لمقاومة مثل هذه الانتشارات وحماية مجال نفوذه. ولا تريد السعودية أن تكونَ لها حدودٌ ساخنة أخرى في حضرموت، كما تفعل في صعدة وحجة، وقد ضمت الحضرميين إلى قوات الأمن الوطني لاستقطاب السكان المحليين مع إضعاف المجلس الانتقالي الجنوبي.

إنَّ الخيارات المتاحة للإمارات والمجلس الانتقالي الجنوبي محدودة مقارنة بالسعودية، التي كانت حذرة وعرضة للصراع حتى الآن. ومع نشر قوات المجلس الانتقالي الجنوبي وقوات النخبة المقاتلة المدعومة من الإمارات بالقرب من سيئون، ستحاول الإمارات الاحتفاظ بنطاق نفوذها، وخصوصًا تحت ستار عمليات مكافحة الإرهاب وتحقيق الاستقرار. ومن خلال المجلس الانتقالي الجنوبي، يمكن للإمارات استخدام أي حوادث تُعرِّض النظام للخطر للرد على نشر قوات الأمن الوطني المدعومة من السعودية. وقد يؤدي هذا إلى تصاعد الاضطرابات المدنية. مع ذلك، لن يسمح التفتت لأيِّ طرف بالهيمنة على حضرموت، الأمر الذي يتطلب مواجهة شاملة. ولهذا السبب هناك حاجة إلى آليات فضِّ النزاع وقنوات الاتصال المفتوحة لتجنُّب الصراع.

إذا وقع اشتباك مباشر بين قوات الأمن الوطني المدعومة من السعودية والقوات المتحالفة مع المجلس الانتقالي الجنوبي في وادي حضرموت، فإنَّ الرياض “قد تفسر هذا على أنه هجومٌ مباشر على المملكة”، كما وصف الأمر أحد الباحثين اليمنيين. والواقع أن المملكة أشارت إلى أنها ستشن غارات جوية على مواقع المجلس الانتقالي الجنوبي في حضرموت إذا حاول التوسّع في الوادي. وستكون هذه الضربات على قدم المساواة مع الضربات الجوية التي شنتها الإمارات ضد القوات الحكومية عند نقطة تفتيش علم شرق عدن في آب (أغسطس) 2019، أو استهدافها للقوات المتحالفة مع الحكومة في شبوة في آب (أغسطس) 2022. وهذا من شأنه أن يجبر قوات النخبة الحضرمية، وعلى نطاق أوسع، النخبة الموالية للإمارات في حضرموت على إعادة النظر في تحالفاتها، وقد يجبر المجلس الانتقالي الجنوبي على إعادة تقييم خططه التوسعية للمحافظة. وبمرور الوقت، أدرك المجلس الانتقالي الجنوبي أنه يجب عليه تجنّب إلحاق ضرر كبير بعلاقته مع السعودية، لأنها دولة حدودية ذات نفوذ جيوسياسي كبير. وعلاوة على ذلك، فإنَّ الصراع العسكري في حضرموت لن يُحسّن على الأرجح صورة المجلس الانتقالي الجنوبي في عيون الحضرميين. لذلك، سيكون من الحكمة أن يعمل المجلس الانتقالي الجنوبي بدلًا من ذلك على تعميق مشاركته مع السعوديين والجماعات الحضرمية التي تعارضه، ومراجعة نهجه تجاه الحوار بين الجماعات في الجنوب.

إنَّ أيَّ مواجهة مباشرة بين السعودية والإمارات وشركائهما المحلّيين من شأنها أن تؤثر بشكل كبير في استقرار جنوب اليمن. وقد يؤدي تفتيت الحدود الداخلية للمحافظة إلى تعميق الانقسامات الاجتماعية وسط الاستقطاب، ما يزيد من المشاكل الناجمة عن تعدُّد الحركات الاجتماعية، وعدم كفاية تقديم الخدمات، وتدهور الظروف الاقتصادية والإنسانية، ويرجع ذلك جُزئيًا إلى انخفاض عائدات النفط لأن الحرب الاقتصادية التي يشنّها أنصار الله (الحوثيون) منعت تصدير النفط. وفي مثل هذه البيئة، من غير المرجح أن تُلبّي الحكومة اليمنية التوقّعات العامة في حضرموت بدون استئناف صادرات النفط، والمساءلة القوية والحوكمة، والدعم الإقليمي، وبخاصة من السعودية والإمارات.

على المستوى الإقليمي، إذا ضاعفت الرياض جهودها لتحقيق أهدافها في حضرموت، فقد تتقلّص المساحة المتاحة للإمارات والمجلس الانتقالي الجنوبي لمقاومة الإجراءات السعودية نظرًا للتكلفة السياسية المحتملة. في حين استفادت  أبو ظبي من حاجة الرياض إلى إبقاء التحالف الذي تقوده السعودية سليمًا، فإنها تعلم أنه إذا وضعت المملكة ثقلها الجيوسياسي وراء إعادة تشكيل اختلال التوازن في القوة في حضرموت لصالحها، فسوف تضطر الإمارات إلى تقديم تنازلات ملموسة. يجب على البلدين متابعة المحادثات الديبلوماسية بشأن اليمن لسد الفجوة بين سياساتهما المُتباينة، مع التركيز على تعزيز الأمن وتجنُّب الوضع المتقلّب في حضرموت، والذي قد يلعب لصالح تنظيم “القاعدة في شبه الجزيرة العربية”، تمامًا كما فعل في العام 2015.

ومع ذلك، نظرًا للأدوار المختلفة للبلدين في اليمن، فإنَّ تقييد مناقشاتهما بالخلافات حول حضرموت لن يكون كافيًا. قد تفهم السعودية أنَّ وجود الإمارات في حضرموت، إلى جانب دورها في مكافحة الإرهاب، مدفوعٌ برغبةٍ في حماية حلفائها في جنوب اليمن، فضلًا عن مصالحها التجارية في المحيط الهندي. لكن بدلًا من التنافس على أدوات نفوذ كل منهما، يجب على البلدين توسيع التعاون مع الحكومة اليمنية لتحسين الاستقرار في المناطق التي لا تخضع لسيطرة الحوثيين. ويجب على السعوديين والإماراتيين أن يساعدا على تعزيز سلطة الحكومة، وخصوصًا من خلال المساعدة على تأمين المرافق النفطية في محطة ضبا في حضرموت لدعم استئناف صادرات النفط. وحتى تشرين الأول (أكتوبر) 2022، ساهمت حقول النفط في المحافظة بأكثر من نصف إنتاج الحكومة اليمنية من النفط الخام القابل للتصدير والذي يتراوح بين 50 ألف و60 ألف برميل يوميًا، وهو ما يمثل جُزءًا كبيرًا من موازنتها. ومن شأن مثل هذه الخطوة، بدورها، أن تُهدِّئ التوتّرات في حضرموت، ما يسمح للحكومة بتحسين الخدمات العامة والحوكمة بالتغلب على انقساماتها الحالية. وعدم القيام بذلك من شأنه أن يوحي بأن السعوديين والإماراتيين، على الرُغم من خلافاتهما، يتفقان ضمنًا على الحفاظ على حكومة يمنية ضعيفة.

الخلاصة

إنَّ حضرموت ليست مُحاصَرة بين معارك محلية فحسب، بل إنها متورِّطة أيضًا في تنافُسٍ إقليمي حيث تتفوَّق دوافع الأمن القومي للرياض على الأهداف الاستراتيجية لأبو ظبي، بسبب حدود المملكة مع المحافظة. وقد أعاد هذا التنافس تشكيل الحدود الداخلية في حضرموت، ما أدّى إلى عزل المناطق الشرقية للمحافظة على طول الساحل وتسّبب في تفتُّتٍ سياسي، ومن المرجح أن يستمرَّ إذا لم يقم الفاعلون الحضرميون الرئيسيون بإعطاء الأولوية بشكل استباقي للتطلّعات المحلّية والعمل على بناء الجسور في ما بينهم.

لا ينبغي التقليل من احتمالات عدم الاستقرار في حضرموت، خصوصًا في ظل السياسات السعودية والإماراتية المُتباينة بشكلٍ متزايد، فضلًا عن الإشارات التصعيدية التي ينقلها المجلس الانتقالي الجنوبي. تُظهر جهود الاحتواء التي تبذلها السعودية عدم موافقة الرياض الضمنية على الانفصال، وهو ما يتفق مع موقف الحركات الحضرمية الرئيسة. وفي الوقت نفسه، يسعى النشر التدريجي لقوات درع الوطن إلى إعادة تشكيل خريطة السيطرة الإقليمية والنفوذ داخل حضرموت للسماح للسعودية بإحياء نفوذها، وتعزيز الهيئة العليا للمفاوضات، وتقليص نفوذ الإمارات في المناطق الساحلية من المحافظة.

  • إبراهيم جلال هو باحث غير مقيم في مركز مالكولم كير كارنيغي للشرق الأوسط. يستكشف بحثه عمليات السلام التي تقودها أطراف ثالثة؛ والأمن البحري في البحر الأحمر وخليج عدن؛ وانتشار الجهات الفاعلة من غير الدول وتداعياتها على تنفيذ اتفاقيات السلام، وأوامر الأمن بعد الحرب، وجهود الاستقرار.
  • تمَّ إنتاج هذا المقال بدعم من شبكة الأبحاث المحلية عبر الحدود، وهو برنامج مُموَّل من قبل هيئة التنمية الدولية البريطانية التابعة للحكومة البريطانية. الآراء المعبر عنها لا تعكس بالضرورة السياسات الرسمية للحكومة البريطانية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى