محطّات القطار بريشاتهم (2 من 2)
هنري زغيب*
حين بدأَ القطار أَن يكون وسيلة نقلٍ، محصورةً ثم شعبيةً، في عدد من بلدان العالَم الغربي، باتت محطاته واحات لقاء المسافرين في كل اتجاه، وراحت تكثر فيها المحالُّ التجارية والمخازن الكبرى والمكتبات. ومع الوقت، راحت تلك المحطات تستقطب الرسامين يلتقطون فيها ومنها مناظر الناس ومشاهد القطارات في دخولها المحطة وخروجها منها.
في هذا المقال من جُزءَين باقة جميلة من لوحات جميلة لرسامين عاشوا لحظاتٍ حاسمةً في الزمن الذهبي لمحطات القطار.
عرضتُ في الجزء الأَول أَربع لوحات عن محطات القطار.
وهنا في الجزء الآخَر أَربع لوحات.
محطة “ساحة شاتهام”
كان الانطباعيون الأَميركيون، على نسق الإِنكليز والفرنسيين، يحبُّون رسم محطات القطار. بينهم الرسام الفيلادلفي كولين كامبل كوبر (1856-1937) الذي اشتُهر بوضعه عددًا من لوحاته عن محطات مختلفة في نيويورك وبنسيلفانيا، وفي مدن أُخرى سافر إِليها خارج الولايات المتحدة. وفي معظم لوحاته، كان يركِّز على هندسة المحطة، ولوحة “محطة ساحة شاتهام” (الحي الصيني في مانهاتان – نيويورك) هي من أَبرز لوحاته عن المحطات. أَهميتها اليوم أَن تلك المحطة المعلَّقَة زالت من مكانها فبقيَت هذه اللوحة شاهدةً عليها.
محطة سانت موريس
معظم محطات القطار في العالَم موجودة في المدن الكبرى لكن منها ما هو لدى مدن معتَبَرَةٍ ثانوية في بعض البلدان. وهي غنمت شهرةً من مَدِّ السكة الحديدية فيها، ومن تحريك الناحيتين الاقتصادية والسياحية بما تؤَمِّنُ لساكنيها من اتصال بالعالَم الداخلي في البلاد والخارجي بعيدًا عنها، أسهل مما كانت عليه قبلًا.
من تلك الأَعمال لوحتان للأَميركي إِدوارد لامسون هنري (1841-1919): “محطة سانت موريس” (مقاطعة موريس في ولاية نيوجرزي:) و”سكة إِيسيكْس الحديدية” (مدينة إِيسيكْس في ولاية كونيتيكَت). وهو رسم عربات تجرها الخيول ينزل منها الركاب على المحطة ينتظرون وصول القطار. ومع أَن زمن اللوحة يعود إِلى الحرب الأَهلية الأَميركية، لا تزال معالِـم المحطتين واضحة حتى اليوم، وتبقى اللوحتان شاهدَتَين عليهما.
محطة “لِتْشْوُوْرْث”
تعمد الرسام الإِنكليزي سْبِنْسِر غور (1878-1914) أَن يرسم في لوحته “محطة لِتْشْوُوْرْث” محطةً إِنكليزيةً ريفيَّة بعد نحو نصف قرن من لوحة إِدوارد لامسون هنري. وفيها أَلوان زاهية جميلة تعكس نهارًا ساطع الفرح في مدينة هِرْتْفُورْدْشاير (شرقيّ إِنكلترا) وضع فيها مساحة خضراء خلف المنتظرين في المحطة. وسبنسر غور عضو مؤَسس في “مجموعة مدينة كامْدِنْ” وهي تضم نخبة من الرسامين البريطانيين الطليعيين الذين رسموا مشاهد ومناظر من الحياة اليومية بأُسلوب انتشر بعد المرحلة الانطباعية.
“المحطة الشرقية ليلًا”
لم يكن الرسام الهنغاري الطليعي تيفادار سونتْفاري كوتْسْكا (1853-1919) معروفًا ذائع الصيت في زمانه، لكنه اليوم من أَشهر الرسامين في هنغاريا. ولوحته “المحطة الشرقية ليلًا” هي من روائعه الخالدة، لِما كانت عليه في زمانها من طليعية رائدة، عرف كيف يرسم فيها أَنوار القطار منعكسةً في دخوله المحطة على العتمة في ليلة باردة، وفي الجهة اليُسرى من المحطة عربات من التي تجرها الخيول، إِحداها واصلة كي توصل ركابًا أَو أَنها تنتظر وصول القطار كي تقلَّ آخرين.
- هنري زغيب هو شاعر، أديب وكاتب صحافي لبناني. وهو مدير مركز التراث في الجامعة اللبنانية الأميركية. يُمكن التواصل معه عبر بريده الإلكتروني: email@henrizoghaib.com أو متابعته على موقعه الإلكتروني: www.henrizoghaib.com أو عبر منصة (X): @HenriZoghaib
- يَصدُر هذا النص في “أَسواق العرب” (لندن) تَوَازيًا مع صُدُوره في “النهار العربي” (بيروت).
يجب عليك تسجيل الدخول لكتابة تعليق.