حربُ إيران المُشتَعِلة مع إسرائيل تُعزِّزُ قوّةَ المُتَشَدِّدين الشباب في الحرس الثوري
أثارت هجمات إسرائيل على مصالح إيران غضب جميع أعضاء الحرس الثوري الإيراني تقريبًا، صغارًا وكبارًا على حد سواء. لكنَّ الأجيالَ الأصغر سنًا كانت أيضًا غاضبة من رد واستجابة إيران. لقد شعر هؤلاء المتطرفون بالخيانة عندما رفضت طهران ضرب إسرائيل مباشرة بقوة بعد مجموعة الهجمات الأوّلية الأخيرة.

سعيد غولكار وكسرى عربي*
مع اقتراب إيران وإسرائيل من حربٍ شاملة، قد يُنظَرُ إلى الهجوم الصاروخي الباليستي الضخم الذي شنّته الجمهورية الإسلامية على تل أبيب في الأول من تشرين الأول (أكتوبر) باعتباره نقطةَ تحوُّلٍ حاسمة. فبعدَ الانتكاسات المُتتالية التي تعرّضت لها طهران، بما في ذلك اغتيال إسرائيل لزعيم “حزب الله” السيد حسن نصر الله، لم يعد أمام المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي خيارٌ سوى الرد. والآن تُواجهُ المنطقة صراعًا أكبر.
ورُغمَ أنَّ أيَّ هجومٍ إيراني كان أمرًا لا مفرَّ منه، نظرًا لمدى أهمية تحالف “حزب الله” مع الجمهورية الإسلامية، فقد فاجأ خامنئي العديد من المراقبين باتخاذ أحد أكثر الخيارات تطرُّفًا. كان بوسعه أن يستخدمَ شبكته من الوكلاء والعملاء لشنِّ هجوم غير مباشر ضد إسرائيل أو إشعال موجة من الإرهاب الإقليمي. وكلا الخطوتين كانتا من الخطوات التي اتخذها في الماضي. بدلًا من ذلك، اختار خامنئي إطلاق مئات القذائف على ثاني أكبر مدينة في إسرائيل: واحدة من أكبر الهجمات الصاروخية الباليستية في التاريخ.
لكن خامنئي اتّخذَ هذه الخطوة الدرامية لسببٍ داخلي في إيران. فقد عرف فيلق الحرس الثوري الإسلامي، القوة المسلحة الإيديولوجية المؤثرة لخامنئي، إنقسامات واختلافات بين قادته الأكبر سنًّا المحافظين وصفوفه الأصغر سنًّا المتطرفين. فالأكبر سنًّا يُفضّلون عمومًا ممارسة بعض ضبط النفس عندما يتعلّقُ الأمر بإسرائيل، في حين يريد صغار السن ملاحقة عدو الجمهورية الإسلامية مباشرة. وعادةً كانت النخبة الأكبر سنًّا تتمتع دائمًا بنفوذٍ أكبر لدى المرشد الأعلى. ولكن مع مقتل المزيد والمزيد من قادة الحرس الثوري الإيراني ووكلائه، اكتسبت الأجيال الأصغر سنًّا اليد العليا. وقد فعلوا ذلك من خلال التشكيك في كفاءةِ كبار السن ولكن أيضًا من خلال الإيحاء بأنَّ نُخبًا عدة في الحرس الثوري الإيراني هي في الواقع أصولٌ إسرائيلية، بمن فيهم إسماعيل قاآني، قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني- والذي يُسيطرُ بدوره على شبكة إيران من الميليشيات العميلة. وبعد أن قتلت إسرائيل نصر الله، يبدو أن حسابات خامنئي قد تشكلت من قبل هذه الفئة الأصغر سنًّا. إن هذا هو أحد الأسباب التي دفعت خامنئي إلى شنِّ هجوم الأول من تشرين الأول (أكتوبر).
من المرجح أن تنمو قوة هؤلاء المتشددين الشباب في السنوات المقبلة. فبعد الإخفاقات الاستخباراتية المتتالية، لم يَعُد بوسع خامنئي أن يعتمدَ على الحرس القديم لإدارة إيران. وحتى لو كان بوسعه ذلك، فإنَّ المُتطرفين في الحرس الثوري الإسلامي لديهم الوقت إلى جانبهم. فخامنئي يبلغ من العمر 85 عامًا، والعديد من كبار مستشاريه هم أيضًا من كبار السن. وبوسع الأجيال الشابة أن تنتظرَ حتى يتقدّموا في السن أكثر ويخرجوا من الحياة السياسية.
ومن غير المرجح إلى حدٍّ كبير أن تصبح الجمهورية الإسلامية أكثر سلمية في السنوات المقبلة. ولن تتجه الحكومة إلى الاعتدال عندما تتغير قيادتها. بل من المرجح أن تصبح أكثر قمعًا، وأكثر عنفًا، وأكثر التزامًا بزعزعة استقرار العالم.
تشددٌ إلى أقصى الحدود
يُعتَبَرُ الحرس الثوري الإسلامي العمود الفقري للجمهورية الإسلامية. فقد تأسس في العام 1979 لحماية رجال الدين وتعزيز النظام الديني الجديد في إيران، واكتسب سلطة كبيرة على كل جانب من جوانب المجالات الاقتصادية والأمنية والثقافية والاجتماعية والسياسية في البلاد. بعدما كان في السابق ميليشيا بسيطة نسبيًا، تُسيطر المجموعة الآن على أكثر من 50٪ من الاقتصاد الإيراني وتتطلع إلى اكتساب المزيد من السلطة. لقد ترسّخت في جميع أنحاء البيروقراطية الحكومية الإيرانية واستوعبت وزارات رئيسة، بما فيها وزارتي الداخلية والخارجية. ويضم الحرس الآن 180 ألف عضو متمركزين في جميع أنحاء إيران والمنطقة.
يمتد أعضاء الحرس الثوري الإسلامي إلى أربعة أجيال. يتكوّن الجيل الأول -مؤسّسوه، الذين انضموا خلال الحرب الإيرانية-العراقية (1980-1988)- في المقام الأول من الثوار الإيرانيين الذين ينحدرون من عائلاتٍ محافظة ودينية فقيرة. عندما تولى خامنئي السلطة كمرشد أعلى في العام 1989، تقاعد معظم هذا الجيل أو تم تطهيره. (كان العديد من هؤلاء من أنصار آية الله حسين علي منتظري، الذي كان المرشح المفضل لخلافة روح الله الخميني كمرشد أعلى لإيران، وكانوا غير راضين عن صعود خامنئي). لكن الموالين للمرشد الأعلى الجديد صمدوا، حيث كوفئوا بنفوذٍ اقتصادي كبير على إيران – بما في ذلك تجاهل فسادهم.
انضم الجيل الثاني إلى الحرس الثوري الإسلامي في العقد الذي أعقب الحرب الإيرانية-العراقية، عندما توسّعت المنظمة في تنفيذ مشاريع إعادة الإعمار المربحة بعد الحرب. وعلى عكس أولئك في الجيل الأول، الذين انضموا من أجل الإيديولوجية ولم يعرفوا الثروة إلّا لاحقًا، انضم أعضاء هذا الجيل في المقام الأول سعيًا وراء الثروات. وكان العديد منهم غير مهتمين نسبيًا بالمبادئ الإسلامية الصارمة. ووفقًا لمذكرات الرئيس الإيراني السابق هاشمي رفسنجاني، وهو أحد المقربين من الخميني، صوَّتَ حوالي 15 في المئة فقط من الجيل الثاني لصالح المرشح الذي أيده خامنئي في الانتخابات الرئاسية في العام 1997.
لقد أثار هذا الافتقار إلى الولاء ناقوس الخطر لدى المرشد الأعلى. ونتيجةً لهذا، بدأ خامنئي خلال العقد الأول من القرن الحادي والعشرين العملَ على جعل الحرس الثوري الإسلامي مجموعة إيديولوجية أكثر وضوحًا. فأمرَ المرشد الأعلى بزيادة الوقت الذي يقضيه الحرس الثوري الإسلامي في ما تسميه المنظمة “التدريب الإيديولوجي والسياسي”، أو المحاضرات والندوات والوعظ الديني والاحتفالات الدينية التي تُروِّجُ لمبادئ خامنئي الشيعية المتشددة. وكان الجهد ناجحًا. فقد أثبت أعضاء الحرس الثوري الإسلامي الذين انضموا خلال العقد الأول من القرن الحادي والعشرين ــالجيل الثالث من الحرس الثوري ــ إخلاصهم الشديد لمبادئ الجمهورية الإسلامية وحكمها. فلم يكن لديهم أي تحفظات، على سبيل المثال، بشأن قمع الاحتجاجات الجماهيرية ضد النظام في العام 2009.
وقد ضاعف خامنئي، مسرورًا بهذا الولاء، جهوده لجعل الحرس الثوري الإسلامي نقيًّا إيديولوجيًّا. وخصّصَ وقتًا إضافيًا للتلقين السياسي، فزاد هذا النوع من البرامج إلى 50% من إجمالي تدريب الحرس الثوري الإسلامي. كما أعاد صياغة كيفية قبول الأعضاء الجدد. على مدار معظم تاريخه، كان الانضمام إلى الحرس الثوري الإسلامي سهلًا نسبيًا بالنسبة إلى الإيرانيين ذوي الخلفية الدينية. ولكن بدءًا من العام 2010، استبدلت المنظمة عملية التقديم المفتوحة بأخرى تتم بالدعوة فقط، وتجنيد حصريًا أولئك الذين تم استكشافهم والموافقة عليهم مسبقًا. وكان المعيار الأكثر أهمية لتلقي الدعوة هو التديُّن والولاء للمرشد الأعلى.
النتيجة هي الجيل الرابع من الحرس الثوري الإسلامي. إنه أكثر تطرُّفًا من الجيل الثالث. مثل أسلافهم، كان هؤلاء الأعضاء الأصغر سنًّا سعداء بقمع الاحتجاجات المناهضة للنظام، وإطلاق النار علنًا على المتظاهرين في ألأعوام 2019 و2022 و2023. لكنهم كانوا أيضًا حريصين بشكلٍ غير متناسب على الانتشار في سوريا، حيث قاتلوا لدعم نظام الرئيس بشار الأسد تحت فكرة أنهم يدافعون عن الأضرحة الشيعية المقدسة. أخيرًا، وبتشجيعٍ من خامنئي، عارضوا العناصر الأقل نقاءً إيديولوجيًا في الجمهورية الإسلامية الأوسع، بمن فيهم حسن روحاني، الرئيس الإيراني السابق.
الحصادُ والزرع
في العام 2019، أصدر خامنئي بيانًا أعلن فيه أنَّ الحرس الثوري الإيراني يجب أن يكون نموذجًا لجميع مؤسسات الدولة. وزعم خامنئي أنَّ البيروقراطية الإيرانية يجب أن تكون “شابة وحزب إلهي” (خط إيديولوجي متشدد). وكلف ابنه وخليفته المحتمل، مجتبى، بتنفيذ هذه الأوامر. وكان هدف الرجلين هو تعزيز سيطرة خامنئي الشخصية على إيران وضمان انتقال سلس للسلطة بعد وفاته.
بالحكم على بنود وشروط البيان، كانت إعادة تنظيم مجتبى ناجحة. بدأت البيروقراطية الإيرانية توظيف وترويج المتطرفين الشباب في الحرس الثوري الإيراني، ما أدى إلى سياسات خارجية وداخلية أكثر تشدّدًا. لكن هذا التحوّل جاء مع عيوب. على الرُغم من أن المسؤولين الحكوميين الجدد المُدَرَّبين في الحرس الثوري الإيراني لديهم السيرة الذاتية الإيديولوجية الصحيحة، إلّا أنهم لم يكونوا على مستوى مهمة إدارة حكومة فعليًا. ونتيجةً لهذا، أدّى ارتفاعُ مكانتهم إلى تفاقُمِ الأزمات البنيوية في إيران، بما في ذلك اقتصادها المريض والعديد من الكوارث البيئية. واتسعت الفجوة السياسية بين النظام الإيراني والشعب الإيراني. بالنسبة إلى خامنئي، فإنَّ تمكين المتطرفين الأصغر سنًّا أدّى إلى نتائج عكسية بطريقة أخرى: فقد عزز الانقسامات داخل الحرس الثوري الإسلامي نفسه. وبتوجيهٍ من خامنئي لملاحقة قادة إيران عديمي الضمير والأقل إسلامية، بدأ فيلق المنظمة الأصغر سنًّا بشكلٍ طبيعي مهاجمة بعض القِلة الحاكمة، مُتهمين إياهم بالفساد بسبب المصالح المالية والخجل الشديد في تعاملاتهم مع الغرب. وأعلن البعض علنًا أن قادة الحرس الثوري الإسلامي -بمن فيهم علي شمخاني، الأمين العام السابق للمجلس الأعلى للأمن القومي، ومحمد باقر قاليباف، رئيس البرلمان الإيراني- كانوا منخرطين في الفساد.
لقد دفع هذا التعمُّق في أزمات إيران خامنئي إلى التشكيك في مسار عمله. وعندما توفي الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي فجأة في حادث تحطم مروحية في أيار (مايو) الفائت، سعى المرشد الأعلى إلى استخدام الفراغ الناتج لإبطاء تنفيذ بيانه. وفي الانتخابات الرئاسية المبكرة في البلاد، أيّدَ خامنئي ترشيح قاليباف – كجُزء من الجهود المبذولة لتسليم عجلة القيادة إلى مجموعة الحرس الثوري الإسلامي الأكبر سنًّا والأكثر خبرة.
لكن الأعضاء الأصغر سنًّا، بمن فيهم أولئك في ميليشيا الباسيج المتطرفة بشكلٍ خاص، رفضوا الاصطفاف وراء اختيار المرشد الأعلى. بالنسبة إلى هذه الصفوف المتطرفة، جسّدَ قاليباف الفساد ذاته الذي كانوا مصممين على إزالته والإطاحة به. بدلًا من ذلك، أيدوا بغالبية ساحقة ترشيح سعيد جليلي، وهو سياسي يتمتع بسجلٍ أنظف ولكن لديه آراء إيديولوجية مُتشدّدة جدًا. ساعد هذا الدعم جليلي على احتلال المركز الثاني في الجولة الأولى من الانتخابات. جاء مسعود بزشكيان، وهو برلماني قديم من معسكر الإصلاحيين النخبة في إيران، في المركز الأول. لذا تم إقصاء قاليباف.
صُدِمَ الجيلُ الأكبر سنًّا في الحرس الثوري الإيراني من فقدان السيطرة، فدعم بزشكيان في جولة الإعادة، مما ساعده على الفوز بالمنصب. وفي المقابل، حاول الرئيس الجديد تهميشَ الشباب المتطرفين من المراتب العليا من بيروقراطية الدولة. لكن المعركة لم تنتهِ بعد. فالجيل الأصغر سنًّا في الحرس الثوري الإيراني أصبح أكثر اغترابًا من أي وقت مضى عن شيوخه. ومن خلال معركة إيران مع إسرائيل، ربما وجد هذا الجيل طريقة للرد.
توقّع الأسوأ
بعد هجوم “حماس” في السابع من تشرين الأول (أكتوبر) على إسرائيل، بدأ الجيش الإسرائيلي سلسلة من الضربات ضد قوات الحرس الثوري الإيراني وأذرعه في المنطقة. استهدفت إسرائيل مسؤولي الحرس الثوري الإيراني والميليشيات المختلفة المدعومة من إيران في العراق وسوريا. كما قامت بقتل كبار قادة “حزب الله”. وضربت أيضًا منشأة قيادة فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني التي تقع في ملحق مبنى القنصلية الإيرانية في دمشق.
أثارت هذه الهجمات غضب جميع أعضاء الحرس الثوري الإيراني تقريبًا، صغارًا وكبارًا على حد سواء. لكنَّ الأجيالَ الأصغر سنًا كانت أيضًا غاضبة من رد إيران. شعر هؤلاء المتطرفون بالخيانة عندما رفضت طهران ضرب إسرائيل مباشرة بقوة بعد مجموعة الهجمات الأولية الأخيرة. حتى بعد أن أطلق الحرس الثوري الإيراني مئات الصواريخ والطائرات المسيَّرة على إسرائيل في نيسان (أبريل) 2024، كان العديد من المسؤولين الأصغر سنًا غير راضين. لقد فشل ردُّ إيران في إلحاق ضرر حقيقي بخصمها، ورأى متطرفو الحرس الثوري الإيراني أنَّ الردَّ رمزيٌ إلى حدٍّ كبير.
يعتقد بعض الأعضاء الأصغر سنًّا في الحرس الثوري الإسلامي أن إيران ضبطت نفسها بدافع الخوف. لكن آخرين يعتقدون أن هناك شيئًا أكثر شرًّا يُعيق البلاد. بعد مقتل زعيم “حماس” إسماعيل هنية في طهران، وخصوصًا عندما اغتيل نصر الله في بيروت، خلص العديد من المتطرفين إلى أن الاستخبارات الإسرائيلية قد اخترقت النخبة الحاكمة في الحرس الثوري الإسلامي. ووفقًا لهذا المنطق، فإنَّ بعض كبار المسؤولين في الحرس الثوري الإسلامي مهتمون بكسب المال لدرجة أنَّ المسؤولين الإسرائيليين اشتروهم، وعرضوا عليهم بالمقابل معلومات عن أهدافٍ قيّمة وقيَّدوا بشكلٍ عام ردَّ طهران.
فرضت هذه المزاعم ضغوطًا كبيرة على خامنئي والقيادة العليا للحرس الثوري الإيراني لتوجيه ضربة قوية ضد إسرائيل. وهذا هو السبب جُزئيًا وراء شنِّ إيران لمثل هذا الهجوم الضخم هذا الشهر. ولكن هجوم الأول من تشرين الأول (أكتوبر)، مثل هجوم نيسان (أبريل)، لن يُسكِتَ الجيل الأصغر سنًّا في الحرس الثوري الإيراني. والواقع أن المتطرّفين في المجموعة من المرجح أن يكتسبوا المزيد من الجرأة. وربما يجد خامنئي المتطرّفين الشباب مُحبَطين ومُثبَطي العزيمة، لكنه ربما خلص إلى أن مزاعمهم صحيحة جُزئيًا. ومن الصعب التخيُّل أنَّ أيًّا من مسؤولي الحرس الثوري الإيراني لا يعمل مع إسرائيل منذ مقتل هنية بقنبلة يتم التحكم فيها عن بُعد في منزلٍ آمن يديره الحرس نفسه. وبالتالي فلن يكون أمام خامنئي خيارٌ سوى تطهير أجزاء من صفوفه العليا واستبدالهم بمسؤولين أصغر سنًّا.
إنَّ هذه الخطوة الحتمية من شأنها أن تؤدي إلى تفاقم الأزمات المستقبلية، سواء داخل إيران أو بين الجمهورية الإسلامية والعالم الأوسع نطاقًا. وعلى الصعيد المحلي، ومع تزايد تطرّف الحرس الثوري الإيراني وعدوانيته، فمن المرجح أن تكون حملاته القمعية على المنشقّين أكثر قسوة. وعلى الصعيد الدولي، فإنَّ الحرس الثوري الإسلامي الأكثر تطرّفًا سوف يدفع إيران إلى توسيع برنامجها للصواريخ الباليستية، ومضاعفة دعم الميليشيات، والدفع نحو الحصول على الأسلحة النووية. وسوف تصبح طهران أكثر تصميمًا على تدمير إسرائيل، وإزالة القوات الأميركية من المنطقة، وتقويض النظام الدولي الليبرالي.
وقد أعرب بعض المحللين عن أمله في أن تصحح إيران مسارها بمجرد وفاة خامنئي. لكن على أي حال، فإن وفاة المرشد الأعلى سوف تعجل بهذا التطرف. فقد أثبت مجتبى أنه مؤيد أكبر للأجيال الشابة مقارنة بوالده. وحتى إذا لم يخلف الإبنُ أباه، فإن مكائد المرشد الأعلى ضمنت فعليًا انتقال العباءة إلى رجل دين آخر أصغر سنًّا وأكثر تطرّفًا.
في نهاية المطاف، فإنَّ الشيء الوحيد الذي قد يمنع إيران من أن تصبح أكثر تطرّفًا هو تفكك النظام نفسه. وقد يكون مثل هذا الانهيار واردًا. إن نظام الجمهورية الإسلامية غير شعبي بشكل عميق ومتزايد بين الإيرانيين، ومن المؤكد أن معظمهم يفضل حكومة مختلفة وعلمانية وأكثر سلمية. لكن النظام واجه عقودًا من الاحتجاجات الجماهيرية من دون أن يهتز. وقد أثبت قدرته العالية على الصمود في مواجهة كل التحديات، على الرغم من أدائه الاقتصادي الكارثي. في الوقت الحالي، فإن إيران الأكثر تطرّفًا أمرٌ لا مفرَّ منه. ولا ينبغي لأحد أن يراهن على أي شيء أقل من ذلك.
- سعيد غولكار هو مستشار أول لمنظمة “متَّحدون ضد إيران النووية” وأستاذ مشارك في جامعة تينيسي، تشاتانوغا، الولايات المتحدة. وهو مؤلف كتاب “المجتمع الأسير: ميليشيا الباسيج والسيطرة الاجتماعية في إيران”.
- كسرى عربي هو مدير أبحاث الحرس الثوري الإسلامي في منظمة “متّحدون ضد إيران النووية” ومرشح دكتوراه في جامعة سانت أندروز، المملكة المتحدة.
- يصدُر هذا المقال بالعربية في “أسواق العرب” توازيًا مع صدوره بالإنكليزية في “فورِن أفّيرز” الأميركية.
يجب عليك تسجيل الدخول لكتابة تعليق.