مدينةٌ سينمائيةٌ في عُمان ستُثري المَشهَدَ الإبداعي في الشرق الأوسط
محمد العارضي*
أعلنت وزارة الثقافة والرياضة والشباب في سلطنة عُمان عن خططٍ لإنشاءِ وتطويرِ مدينةٍ سينمائية بالقُربِ من العاصمة مسقط في خزائن، وهي منطقة تنمية اقتصادية في ولاية بركاء. وستُصبِحُ هذه المدينة مركزًا لإنتاج الأفلام، الأمر الذي يُضيفُ إلى المشهدِ الفني والثقافي المُتنامي في منطقة الخليج.
يأتي هذا المشروع في وقتٍ محوري في الإنتاج الإعلامي، حيث يتطوَّرُ المحتوى بسرعةٍ بسبب النموِّ السريع في التكنولوجيا والتحوُّلات في نماذج الصناعة وعادات الاستهلاك. لا يوجدُ حقًا وقتٌ أفضل من الآن لدعم إنتاج الأفلام في المنطقة، لأنه يتماشى مع الأهداف الوطنية للنموِّ في القطاعات غير النفطية، ويُمكنُ أن يفتحَ مجرى جديدًا تمامًا من فُرَص التعاون الإقليمي والدولي إلى مشهدٍ سينمائيٍّ محلّيٍّ مُزدهر.
ومن أجل الاستفادة من هذه الفُرَص، من المُهمِّ أن نلاحظَ الاتجاهات الحالية في إنتاج الأفلام في جميع أنحاء العالم ونرى كيف يمكن لعُمان أن تَجلُبَ أفضلَ مواردها لتقديم ما تحتاجه الصناعة. وأعتقدُ أنَّ الاندماج بين ما تُقدّمه السلطنة، من حيث القدرات المحلية والمعالم الثقافية، وبين الاتجاهات الحالية في صناعة الأفلام العالمية، يُمكِنُ أن يُمَهِّدَ الطريق حقًا لمشاريع فريدة وعالية الجودة.
لقد اجتاحَ الذكاءُ الاصطناعي العديد من التخصُّصات ويتمُّ اعتماده في صناعة الأفلام من خلال المساعدة في كتابة السيناريو، والتوقّعات بشأن المشاريع التي ستكون الأكثر ربحية وعرضها لأدوات التحرير المُتَفَوِّقة.
وأدّت التطوّرات التكنولوجية أيضًا إلى ظهور تجارب غامرة وتفاعُلية في مجال الأفلام، مع استخدامِ الواقع الافتراضي والواقع المُعَزَّز لإشراكِ المشاهدين في الوقت الفعلي.
إنَّ الاستدامةَ في صناعة الأفلام، بما في ذلك الحدّ من البصمة الكربونية أثناء الإنتاج، واستخدام الطاقة المُتجدّدة، والحدّ من مستويات النفايات في المجموعة وتلبية معايير الاستدامة العالمية، هي أولويات شركات الإنتاج. ونظرًا للاستثمارات المتنوِّعة التي تقوم بها عُمان في مشاريع الطاقة المتجددة والموقع الجغرافي، ما يعني أنَّ البلادَ تتمتّعُ بوفرةٍ من أشعة الشمس، فهي قاعدة واعدة لصنّاع الأفلام الذين يرغبون في تبنّي نهجٍ أكثر خضرةً.
هناكَ أيضًا دَفعٌ نحو التنوُّعِ في جميع مجالات إنتاج الأفلام، من سَردِ القصص إلى الإخراج والإنتاج وبالطبع التصوير. لا تفتخرُ عُمان بثقافةٍ غنيةٍ وسكّانٍ محلّيين مُتَنَوِّعين فحسب، بل تجتذبُ الأمة أيضًا المواهب والاستثمارات من مختلف أنحاء العالم، ومرةً أخرى، يعمل موقعها لصالحها من خلال جعلها نقطة وسط يمكن الوصول إليها بين الشرق والغرب.
كما تشهدُ الإنتاجات المستقلّة والمُمَوَّلة جماعيًا ارتفاعًا، مع أدواتِ جَمعِ التبرّعات عبر الإنترنت التي أعطت صنّاع الأفلام الطموحين وكتّاب السيناريو والممثلين الفرصة للوصول إلى جمهورهم المُستَهدَف بشكلٍ مباشر وجمع الأموال للمساعدة على إحياء مشاريعهم.
بالطبع، أحد أبرز التحوّلات هو الهيمنة المتزايدة لمنصّات البث التي أصبحت المصدر الرئيس لمشاهدة الأفلام في جميع أنحاء العالم منذ جائحة كوفيد-19. تميل الاستوديوهات الكبرى إلى إصدار الأفلام مباشرة على هذه المنصّات، وقد شهدنا ما يبدو أنه تغييرٌ دائمٌ في عادات الاستهلاك.
مع مدينة الأفلام الجديدة، يُمكِنُ لسلطنة عُمان الاستفادة من الفُرَص من دُورِ إنتاجِ الأفلام في جميع أنحاء العالم. في الوقت نفسه، يُمكِنُ للبلاد العمل على تحسين العروض المحلية والإقليمية. يمكنها تشجيع التعاون والاستثمارات في هذا المجال واللذين يمكنهما الإضافة إلى الخدمات الحالية التي قد تؤدي إلى ظهورِ منصّات بث جديدة تُسلّطُ الضوء على المحتوى من السلطنة وكذلك منطقة الخليج الأوسع.
في عامها الأول وحده، من المتوقع أن تخلق مدينة الأفلام أكثر من 100 وظيفة جديدة. ولكن يجب علينا أن نتوقَّعَ ونخطّطَ ونستعدَّ لمزيدٍ من التوسُّع. من المؤسسات المالية التي تُقدِّمُ أسعارَ اقتراضٍ تنافسية إلى الدفع للقيام بدوراتٍ لصناعة الأفلام في المؤسّسات التعليمية، هناك الكثير مما يمكن القيام به لتعزيز القطاع والاستعداد للفرص التي تلوح في الأفق.
لا يمكننا أن ننكُرَ أنَّ هناكَ تحوُّلاتٍ عالمية كبيرة أدّت إلى سلسلةٍ من النكساتِ والتحدّيات الاجتماعية والاقتصادية في السنوات الأخيرة. مع ذلك، فإننا نشهدُ أيضًا نموًّا مُثيرًا في مجموعةٍ متنوّعةٍ من المجالات، وإذا ضربنا الحديدَ وهو ساخنٌ وركّزنا على الجائزة –الرؤية الوطنية الأوسع للتنويع الاقتصادي– فلا شكَّ أن عُمان قادرةٌ على اتخاذِ خطواتٍ نحو مستقبلٍ مُستَقرٍّ وآمن.
كانت الفنون الإبداعية، وخصوصًا النثر ورواية القصص، مكوِّنًا محددًا للتراث العماني لقرونٍ عدة، والأمة في وَضعٍ جيدٍ لإثراءِ صناعة الأفلام الإقليمية والعالمية بهذه الهدية التي تم تناقلها عبر الأجيال.
- محمد العارضي هو الرئيس التنفيذي لشركة إنفستكورب ورئيس مجلس إدارة بنك صحار الدولي في سلطنة عُمان.