“حزب الله” لا يريد حربًا مع إسرائيل، ولكن…

إنَّ أفضلَ رهانٍ ل”حزب الله” حاليًا هو الامتناع عن الأعمال التي تستفزُّ حربًا شاملة مع إسرائيل. لذلك من المرجح أن يستمرَّ في اختيار ضبط النفس وخفض التصعيد، وخصوصًا مع انخفاض كثافة العمليات الإسرائيلية في غزة.

أنصار “حزب الله” في موكبٍ ديني، بيروت، لبنان، تموز/يوليو 2024

مُهنّد الحاج علي*

على مدى الأسابيع القليلة الماضية، بدا أنَّ اندلاعَ صراعٍ شاملٍ بين إسرائيل وجماعة “حزب الله” اللبنانية المُسَلَّحة أكثر احتمالًا. ففي أيار (مايو) الفائت، قال وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت أنَّ بلاده قد تستخدمُ “وسائل عسكرية” مُوَسَّعة لقَمعِ “حزب الله”، ووفقًا لتقارير إعلامية، وَضعَ الجيش الإسرائيلي خططًا لشنِّ هجومٍ بري محدود لفرضِ منطقةٍ عازلةٍ على حدود الدولة العبرية الشمالية مع لبنان. كما دعا كلٌّ من وزير المالية اليميني المتطرِّف، بتسلئيل سموتريتش، ووزير الأمن القومي، إيتامار بن غفير، علنًا إلى غزوِ لبنان. ويميلُ الزعماء والمحلِّلون الخارجيون إلى التركيز على إسرائيل باعتبارها الجهة التي تستطيع سياساتها إشعال الحرب أو تجنّبها. ولكن نظرًا للنجاح المحدود الذي حقّقته واشنطن في التأثير على استراتيجية رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في الحرب مع “حماس” في قطاع غزة، فإنَّ أولئك الذين يسعون إلى إيجادِ طريقٍ لخفضِ التصعيد لا بُدَّ وأن ينظروا عن كثب إلى حسابات “حزب الله”.

إنَّ “حزب الله” يواجهُ معضلةً تَحدُّ من خياراته. من ناحية، يتعيَّنُ عليه أن يستعيدَ قدرتهُ على رَدعِ إسرائيل. فقد خسر بعض هذه القدرة في الأشهر التي أعقبت هجوم “حماس” في السابع من تشرين الأول (أكتوبر). فبعد الهجوم مباشرة، أطلق “حزب الله” الصواريخ على إسرائيل في استعراضٍ مُقَيَّدٍ لدعمِ “حماس”، وردّت إسرائيل بحملةِ اغتيالاتٍ في مختلف أنحاء لبنان، بما في ذلك معقل الحزب في الضاحية الجنوبية لبيروت. ولكن نظرًا لهشاشة الوضع في لبنان، لا يزال “حزب الله” راغبًا في تجنُّبِ الصراع الشامل مع إسرائيل.

من المُرجَّح أن يمنعَ وقفُ إطلاق النار الدائم بين إسرائيل و”حماس” اندلاعَ حربٍ في لبنان: إنَّ “حزب الله” ما زالَ مُلتزِمًا بوقف الأعمال العدائية إذا توصَّلت إسرائيل إلى اتفاقٍ لوقف إطلاق النار مع “حماس” في غزة. وفي خضم الحرب الطويلة هناك والتوترات المتزايدة في الضفة الغربية، من المرجح أن تُفضّلَ إسرائيل الحلّ الديبلوماسي على التوتّرات على حدودها الشمالية. وقد قام المبعوث الأميركي الخاص آموس هوكستين بنصفِ دزّينةٍ من الرحلات إلى لبنان منذ تشرين الأول (أكتوبر) لمحاولةِ التفاوضِ على إنهاءِ الصراع بين “حزب الله” وإسرائيل. لقد كانت خطته تتلخّصُ في مطالبة “حزب الله” بالضغط على “حماس” لقبول وقف إطلاق النار لكسر الجمود في المنطقة. ورُغمَ أنَّ “حزب الله” نفى علنًا موافقته على طلب هوكستين، فإنَّ المرونة التي أبدتها “حماس” أخيرًا في المفاوضات مع إسرائيل تُشيرُ إلى أنَّ اقتراحه كان له بعضُ التأثير.

ولكن من غير المرجح أن يأتي اتفاقُ وقف إطلاق النار في غزة قبل أن تتصاعدَ التوتّرات على الحدود الإسرائيلية-اللبنانية. وقد يقبلُ “حزب الله” اتفاق وقف إطلاق النار قبل أن تفعلَ “حماس” ذلك ويتجنَّبُ الغزو الإسرائيلي مع استعادة الوضع الطبيعي داخل لبنان. لكن هذا لن يكونَ خيارًا سهلًا. فالاتفاق مع إسرائيل الذي يتجاهَلُ مصيرَ الفلسطينيين في غزة والضفة الغربية قد يضعُ حدًّا مؤقتًا للعنف على الحدود الإسرائيلية-اللبنانية والضربات الإسرائيلية داخل لبنان، ولكنه لن يمنعه من الظهور مرة أخرى في غضون عامٍ أو عامين. بالإضافة إلى ذلك، فإنَّ مكانةَ “حزب الله” داخل لبنان والمنطقة الأوسع تعتمدُ على الدور القيادي الذي يلعبه في “محور المقاومة” المدعوم من إيران. وسوف يفقدُ مصداقيته مع حلفائه الفلسطينيين وغيرهم من حلفائه في الشرق الأوسط، وخصوصًا وأنَّ حركة الحوثيين ــحليفة “حزب الله”ــ تحمّلت الضربات الجوية الإسرائيلية في اليمن. وتريد إسرائيل كسر هذا التحالف.

لن تكون المصداقية هي الخسارة الوحيدة ل”حزب الله” في مثل هذه الصفقة. فقد يُسلّطُ وقفُ إطلاق النار الضوءَ على نقاط ضعف الحزب. خلال صراعه مع إسرائيل، نشر “حزب الله” قدراتٍ جديدة بما في ذلك طائرات مُسَيَّرة وصواريخ دقيقة ومُضادة للدبابات لتحذير إسرائيل من غزوٍ برّيٍّ مُكلف. ومع الضغط المناسب الذي تمارسه عليه جهات خارجية مثل المبعوث الخاص للولايات المتحدة، فإن الحزبَ لديه ما يكفي من النفوذ لإشعالِ صراعٍ إقليمي أوسع نطاقًا – أو المساعدة على تجنُّبِه.

توازن سائل

على مدى عقودٍ من الصراع، بنى “حزب الله” وإسرائيل مجموعةً معقّدة من قواعد الاشتباك التي منعت في معظمها الحرب الشاملة. من العام 1996 إلى العام 2000، قدَّمَ ما يُسمى ب”تفاهم نيسان/أبريل” بين إسرائيل والحزب بعض الحماية للبنانيين من خلال تحديد أنَّ أيَّ هجمات إسرائيلية على المدنيين اللبنانيين من شأنها أن تدفع “حزب الله” إلى قصف المدن في شمال إسرائيل. انهارت قواعد الاشتباك هذه مؤقتًا في العام 2006 بعد أن اختطف “حزب الله” جنودًا إسرائيليين لإجبار تل أبيب على إطلاق سراح سجناء لبنانيين في إسرائيل. وقد خلفت الحرب الناتجة ما لا يقل عن مقتل 1,100 لبناني و165 إسرائيليًا.

بحلول منتصف العام 2023، أمضى “حزب الله” سنواتٍ في إعادة بناء قدراته الدفاعية والردعية. لقد جمع ترسانةً تضمُّ أكثر من 100,000 صاروخ. كما عزّزت خبرة القتال في الحرب الأهلية السورية (التي دعم خلالها الحزب نظام بشار الأسد) وحدات القوات الخاصة التابعة له. وتباهت المنظمة بقدراتٍ جوية وبحرية جديدة، وأقامت تحالفًا إقليميًا مع مجموعاتٍ عراقية وفلسطينية وسورية ويمنية لضمانِ استجابةٍ مُنَسَّقة إذا تعرّضَ أيٌّ منها لهجوم، مما عزَّزَ بشكلٍ كبيرٍ من قدرته على الردع ضد إسرائيل.

بفضلِ هذا التحالف ــوالسلام النسبي على الحدود الإسرائيلية-اللبنانيةــ أصبح السيد حسن نصر الله، زعيم “حزب الله” الفصيح والكاريزماتي، وَجهَ شبكة إيران في مختلف أنحاء الشرق الأوسط الناطقة بالعربية. ونمت المنظمة لتصبح جهة فاعلة إقليمية، تتدخّل عسكريًا ليس فقط في سوريا ولكن أيضًا في العراق، حيث قدّمت الأسلحة وقوات العمليات الخاصة للميليشيات الشيعية؛ ووفقًا لتقارير وسائل الإعلام في الإمارات العربية المتحدة، فإنها تُشرفُ أيضًا على تأمين بعض الموازنة وتدريب قوات الحوثيين في اليمن. وقد أدّت هذه التدخّلات إلى توتر العلاقات الودّية تاريخيًا بين لبنان والحكومات العربية الأخرى، ولكن يبدو أنَّ الجانبَ الإيجابي ل”حزب الله” قد يستحق هذا الثمن. منذُ العام 2019، أجبر نصر الله إسرائيل على التوقُّف عن قتل عناصر “حزب الله” في عملياتها السورية من خلال التهديد بشنِّ هجومٍ من الأراضي اللبنانية، الأمر الذي أدّى في الأساس إلى إعادة إشعال التوترات على الحدود الهادئة. وعلى الرُغم من أنَّ “حزب الله” يحتلُّ مرتبةً أدنى من إيران في ما يسمى “محور المقاومة”، إلّا أنَّ إسرائيل تجنّبت مهاجمة أعضاء “حزب الله” في سوريا حتى مع قتلها جنودًا إيرانيين هناك، مما يؤكد نفوذ المجموعة الإقليمي المتنامي. وأصبح لبنان مقرًا لاجتماعات “محور المقاومة” أيضًا.

في الأشهر التي سبقت هجوم “حماس” في 7 تشرين الأول (أكتوبر)، كان “حزب الله” في ذروة قدراته ويسعى إلى اختبار حدود إسرائيل. في خطابٍ ألقاه في آب (أغسطس) 2023، وجَّهَ نصر الله تحذيرًا مباشرًا إلى إسرائيل: “أيُّ اغتيالٍ على الأراضي اللبنانية يستهدفُ لبنانيًا أو فلسطينيًا أو سوريًا أو إيرانيًا يستحقُّ ردَّ فعلٍ قويًا. لن نسمحَ بتحويل لبنان إلى ساحةٍ للاغتيالات، ولن نقبلَ بأيِّ تغييرٍ في قواعد الاشتباك الحالية”. كان نصر الله يردُّ على تهديداتِ نتنياهو بقتل قادة “حماس” الذين كانوا يختبئون أو يسافرون في لبنان، بما في ذلك صالح العاروري، نائب رئيس المكتب السياسي ل”حماس”.

توازنٌ غير مستقر

لكن الهجوم الذي شنّته “حماس” على إسرائيل في السابع من تشرين الأول (أكتوبر) قلب ثقة “حزب الله” رأسًا على عقب وأوقعهُ في في فخ. لقد أرغمت العضوية في محور المقاومة “حزب الله” على الانضمام إلى الحرب بين “حماس” وإسرائيل في يومها الثاني. وبدأت الجماعة في شنِّ هجماتٍ محدودة على القوات الإسرائيلية، على أمل ألّا تؤدّي إلى إشعالِ حربٍ شاملة. وقبل السابع من تشرين الأول (أكتوبر)، كان نصر الله مُتَفَوِّقًا في التعامل مع نتنياهو. ولكن مناورات نصر الله كانت تنطوي على مخاطر محسوبة مُصَمَّمة لمواجهةِ خصمٍ عقلاني حذر، وليس دولة مُصابة بصدمةٍ نفسية يقودها رئيس وزراء يكافح فجأة من أجل بقائه السياسي. بعد السابع من تشرين الأول (أكتوبر)، تغيَّرَ سلوك نتنياهو مع مواجهته للضغوط للإنتصار في حربٍ ضد “حماس” ومع اكتساب الشركاء اليمينيين المتطرفين، الذين يعتمد عليهم ائتلافه، السلطة. في أعقاب هجوم “حماس”، انتهكت إسرائيل قواعد الاشتباك النموذجية مع “حزب الله” باغتيال العاروري في الضاحية الجنوبية لبيروت، وقتل كوادر ومقاتلي “حزب الله” في المراكز الحضرية الكبرى في جنوب لبنان وشمال شرق وادي البقاع، وشَنِّ ضربات من طائرات مقاتلة وطائرات مُسَيَّرة وصلت إلى شمال شرق لبنان. ولم يتمكّن “حزب الله” من الردِّ بالمثل على الفور بسبب وضعه غير المؤكَّد في الداخل، حيث يواجه اللبنانيون العاديون ظروفًا قاتمة على نحوٍ متزايد. وفقًا لتقديرات البنك الدولي، تضاعفَ معدل الفقر في لبنان أكثر من ثلاثة أضعاف من العام 2012 إلى العام 2022. يعيش 44٪ من سكان البلاد الآن في فقر. بدءًا من العام 2019، بدأ اقتصاد لبنان دوّامةً هبوطية أكثر دراماتيكية، حيث وصل معدل التضخم إلى أربعة أرقام وانكمشَ الناتج المحلي الإجمالي بأكثر من النصف. وإلى جانب هذه الأزمات، أدّى انفجارٌ هائل إلى شلل مرفَإِ بيروت في العام 2020، ما أسفر عن مقتل 218 شخصًا وإصابة الآلاف وتسبّبَ في خسائر اقتصادية تقدر بنحو 8 مليارات دولار – أي ما يقرب من ثلث الناتج المحلي الإجمالي للبلاد في ذلك الوقت.

وقد أدى الانهيار الاقتصادي اللاحق، فضلًا عن عجز الطبقة الحاكمة اللبنانية وفسادها، إلى اندلاعِ حركةٍ احتجاجية ضد النخبة السياسية، بما فيها “حزب الله”. ولعبت المنظَّمة دورًا رائدًا في قمع الاحتجاجات وتقويض التحقيق في انفجارِ المرفَإِ، ما أدّى إلى تكهنات بأن الحزب هو من نَفّذَ الانفجار من خلال تخزين شحنةٍ من نيترات الأمونيوم في المَرفَإِ مما أدى إلى ضربةٍ إسرائيلية. وقد زاد الاستياءُ العام من دور “حزب الله” في لبنان، وخصوصًا بين المسيحيين في البلاد. وانتقد القادة المسيحيون بشدّة الصراع الأخير ل”حزب الله” مع إسرائيل. في كانون الثاني (يناير)، أعلن البطريرك الماروني اللبناني الكاردينال بشارة بطرس الراعي أنَّ الشعبَ اللبناني “يرفضُ أن يكونَ رهينةً ودرعًا بشرية وكبش فداء” لـ”ثقافة الموت التي لم تجلب سوى انتصاراتٍ وهمية”.

ولكن “حزب الله” لا يستطيع أيضًا أن يُخاطِرَ بأن يُنظَرَ إليه باعتباره ضعيفًا جدًا. فقد انتقد قادة “حماس” “حزب الله” علنًا بسبب الطبيعة المحدودة لمشاركته في الصراع الذي اندلعَ بعد السابع من تشرين الأول (أكتوبر)، الأمر الذي أجبر نصر الله على تخصيصِ أجزاءٍ من خطاباته الأخيرة لأهمّية ضربات “حزب الله” على إسرائيل. ولاستعادة الردع ورفع معنويات أنصاره، أطلق “حزب الله” أسرابًا من الطائرات المُسَيَّرة الانتحارية على إسرائيل، واستخدم صواريخ أرض-جو لإسقاط طائرات مُسَيَّرة إسرائيلية في جنوب لبنان، وأكمل مهمتين استطلاعيتين جويتين فوق إسرائيل، وجمع لقطاتٍ لأهدافٍ مُحتملة في حالة بدء حرب شاملة رسمية. وقد أعادت هذه العمليات بعض الثقة بين القاعدة الشعبية للمنظمة. ولكن مع استمرار إسرائيل في تحدّي قواعد الاشتباك التي يتبنّاها “حزب الله” ــعلى سبيل المثال، بغاراتها الجوية الأخيرة في جنوب لبنان ــ فقد تشعر المنظمة بضغوطٍ لتوسيع هجماتها إلى مسافةٍ أبعد في داخل الأراضي الإسرائيلية.

إنَّ “حزب الله” لا يزال قلقًا بشأن مصير “حماس” في غزة. ومن وجهة نظره فإنَّ النهاية الأكثر مُلاءَمة للحرب بين إسرائيل و”حماس” هي بقاء “حماس” والتفاوض على اتفاق وقف إطلاق نار دائم. ومن شأن مثل هذا الحل أن يُحافظَ على “محور المقاومة” وقد يؤدّي إلى انهيار حكومة نتنياهو، ما يجذب تركيز السياسة الإسرائيلية إلى الداخل. لكن من غير المرجَّح أن يُطاح بنتنياهو وائتلافه في الأمد القريب.

انسحابٌ غير مُعيب

إذا شنّت إسرائيل عمليةً برية ضد “حزب الله” لإنشاء منطقة عازلة في جنوب لبنان ومنع المزيد من الهجمات من قبل المنظّمة، فإنَّ الصراعَ سوف يطول بالتأكيد. لكن “حزب الله” يُدركُ أنَّ الحرب الشاملة مع إسرائيل من شأنها أن تُعرّضَ مستقبله ومكانته الإقليمية للخطر، كما يتَّضِحُ من استجابته المُنضَبطة للاستفزازات الإسرائيلية الأخيرة. كما إنَّ الصراعَ بهذه الأبعاد من شأنه أن يُلحِقَ المزيدَ من الضررِ بمكانةِ “حزب الله” المحلّية لأن لبنان سوف يجدُ صعوبةً بالغة في إعادة البناء والإعمار بعد ذلك. بعدَ الحرب التي وقعت في العام 2006، ساعدت جهاتٌ فاعلة إقليمية، مثل المملكة العربية السعودية وقطر، جهود إعادة الإعمار في لبنان. لكن علاقات هذه الدول مع لبنان تدهورت منذ الأزمة الديبلوماسية في العام 2021، عندما خفّضت السعودية مستوى العلاقات الديبلوماسية بسبب دعم “حزب الله” للمتمرِّدين الحوثيين في اليمن. ومن غير المرجّح أن تقدم الدول العربية مليارات الدولارات من المساعدات لإعادة إعمار لبنان في الوقت الحالي.

في المفاوضاتِ لإنهاء المواجهة مع “حزب الله”، طلبت إسرائيل من المنظمة الانسحاب إلى ما وراء منطقة عازلة بعرض عشرة كيلومترات في جنوب لبنان. وهذا طلبٌ صعبُ الاستجابة: يعيش أعضاء “حزب الله” في هذه البلدات الواقعة في المنطقة العازلة، ومراقبة مثل هذا الانسحاب سيكون تحديًا كبيرًا. وبدوره، يسعى “حزب الله” إلى الحصول على تنازلاتٍ مثل إنهاء الانتهاكات الإسرائيلية للمجال الجوي اللبناني — وهو أيضًا مطلبٌ كبير وصعب التحقيق، نظرًا لأنَّ إسرائيل تريد الحفاظ على قدرتها على التجسّس على سوريا وضربها. ولكن إذا تم تحقيق وقف إطلاق النار المدعوم من الولايات المتحدة في غزة بمساعدة الدول العربية، فقد يتم العثور على أرضيةٍ وسط.

مع استمرار المفاوضات، فإنَّ أفضلَ رهانٍ ل”حزب الله” هو الامتناع عن الأعمال التي تستفزُّ حربًا شاملة مع إسرائيل. لذلك من المرجح أن يستمرَّ في اختيار ضبط النفس وخفض التصعيد، وخصوصًا مع انخفاض كثافة العمليات الإسرائيلية في غزة. يجب على هوكستين وغيره من الجهات الفاعلة التركيز على كبح الهجمات الإسرائيلية على المراكز الحضرية في جنوب لبنان مثل النبطية وصور، لأنَّ الضربات على هذه الأهداف من المرجح أن تتطلّب من “حزب الله” تصعيد ردّه بطرقٍ لا يُريدها حقًا.

حتى الآن، مَنَعَ ضبطُ النفس الذي يتّسمُ به “حزب الله” اندلاعَ حربٍ شاملة. وتتسم حسابات المنظمة بالبراغماتية، كما يتّضح من دعمها في تشرين الأول (أكتوبر) 2022 لاتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين إسرائيل ولبنان. وإذا كان من الممكن تجنُّب الصراع العسكري الشامل في الأمد القريب، فإنَّ النوع نفسه من جهود الوساطة التي أدت إلى الاتفاقية البحرية من الممكن أن تفتح الطريق أمام عمليةٍ لحلِّ النزاعات الحدودية البرية الشائكة بين البلدين ــ وربما تؤدي إلى نهايةٍ أفضل وحلٍّ أكثر ديمومة للصراع بين إسرائيل و”حزب الله”.

  • مُهَنَّد حاج علي هو نائب مدير الأبحاث في مركز مالكولم كير كارنيغي للشرق الأوسط. يُمكن متابعته عبر منصة (X) على: @MohanadHageAli
  • يَصدُرُ هذا المقال بالعربية في “أسواق العرب” توازيًا مع صدوره بالإنكليزية في “فورين أفّيرز” الأميركية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى