التَداعِياتُ الجيوسياسية لهَجماتِ الحوثيين والانتقامِ الإسرائيلي
إنَّ مناورات الحوثيين تكشُفُ عن فَهمِ ثاقبٍ للديناميكيات الإقليمية، واستغلال الشقوق في نهج المجتمع الدولي تجاه الاستقرار في الشرق الأوسط.

جيرالد فايرشتاين، فاطمة أبو الأسرار*
في التاسع عشر من تموز (يوليو)، شنّت ميليشيا الحوثي (أنصار الله) المدعومة من إيران في اليمن، والتي تعملُ كسلطةٍ بحكمِ الأمرِ الواقع في شمال البلاد، غارةً قاتلة بطائرة مُسَيَّرة على تل أبيب. ورُغمَ أنَّ السلطات الإسرائيلية زعمت وقوع “مئات” الهجمات الحوثية السابقة على إسرائيل، فإنَّ هذا الحدث غير المسبوق، الذي أسفر عن مقتلِ شخصٍ وإصابة العديد من المدنيين الإسرائيليين الآخرين، أظهرَ تقدُّمًا كبيرًا في القدرات الهجومية للحوثيين منذ السابع من تشرين الأول (أكتوبر) فضلًا عن تصميمهم على الاشتباك مباشرة مع إسرائيل.
وفي ردٍّ سريع، شنّت إسرائيل غاراتٍ جويةٍ على الحديدة، معقل الحوثيين الاستراتيجي ومدينة الميناء الحيوية. واستهدفت هذه الغارات مستودعات الوقود والمواقع المُرتبطة بالطاقة وغيرها من المرافق في الميناء، ما أشعل حريقًا هائلًا حول خزانات الوقود وزادَ من تصعيدِ الصراع.
من المؤكّد تقريبًا أنَّ الهجومَ الحوثي على تل أبيب تمَّ تسهيله من خلال التكنولوجيا والدعم الاستراتيجي الإيرانيَين، وربما يُنذِرُ بتحوُّلٍ ملحوظ في الاستراتيجية العملياتية لطهران، ما قد يؤدّي إلى جذبِ جهاتٍ فاعلةٍ إقليمية إضافية وتوسيع الصراع. لقد أظهرت إسرائيل، العازمة على الدفاع عن أراضيها، أنها مُستَعِدّة للردِّ بقوة متزايدة لرَدعِ التهديدات المستقبلية.
ومما يزيد الأمور تعقيدًا، أنَّ المخابرات المركزية الأميركية قد أشارت أخيرًا إلى احتمالِ قيامِ روسيا بتزويد الحوثيين بصواريخ متطوّرة مُضادة للسفن. ولن تؤدي مثل هذه الخطوة إلى تكثيف الصراع بالوكالة بين القوى الكبرى فحسب، بل ستزيدُ أيضًا بشكلٍ كبير من التهديد البحري الذي يُشَكّلهُ الحوثيون في البحر الأحمر، بما في ذلك الأصول البحرية الأميركية وقوات التحالف. وبالتالي، تُخاطِرُ اليمن بأن تُصبحَ ساحةَ معركةٍ لصراعاتٍ جيوسياسية أوسع نطاقًا، مع عواقب وخيمة على سكّانها المدنيين. ومن منظورٍ استراتيجي، فإنَّ تصرُّفاتَ الحوثيين ليست مُتَهَوِّرة فحسب، بل إنها مُصَمَّمةٌ لاستفزازِ ردِّ فعلٍ إسرائيلي قوي، وبالتالي تدويل الصراع. وهم ما زالوا يرون أنَّ عملياتهم العسكرية تُثيرُ الدعم من السكان المؤيدين للفلسطينيين في اليمن، فضلًا عن اكتساب التعاطف والدعم من الجهات الفاعلة الإقليمية الأخرى والقوى العالمية التي تشعرُ بخيبةِ أملٍ إزاءَ سياسات إسرائيل. وعلاوةً على ذلك، يشيرُ تورُّط إيران وإمكانية المساعدة العسكرية الروسية إلى هدفٍ جيوسياسي أوسع، وهو الاستفادة من الحوثيين كوكيلٍ لتحدّي النفوذ الأميركي والإسرائيلي في المنطقة.
قدراتُ الحوثيين وتداعياتها على الصراعِ الإقليمي
منذ تشرين الثاني (نوفمبر) 2023، نَفَّذَ الحوثيون المدعومون من إيران العديد من الهجمات بطائرات مُشَيَّرة وصواريخ ضد الشحن في البحر الأحمر وخليج عدن، مُدَّعين التضامن مع الفلسطينيين في غزة وسط الحرب بين إسرائيل و”حماس”. إنَّ تطوير الحوثيين للطائرات المُسَيَّرة المُتقَدِّمة مثل صمد 3 ويافا، بدعمٍ إيراني كبير، يؤكد على قدراتهم المُحَسَّنة. إن طائرة يافا المُسَيَّرة، على وجه الخصوص، والتي تجاوزت أنظمة الكشف والرادارات الإسرائيلية، تشير إلى قفزة كبيرة في نطاقهم التشغيلي وتطوّرهم.
إنَّ مَيلَ الحوثيين إلى العمل بحرية وعدوانية مع القليل من الشعور بالعواقب يُوَضِّحُ التحدّيات المُتَأصِّلة في التعامُل مع الجهات الفاعلة من غير الدول التي تعمل بعقلية محصلتها صفر – ويبدو أن هدفهم النهائي هو السيطرة الكاملة على اليمن أو الدمار الكامل. من غير المرجح أن تردعَ الهجمات الإسرائيلية وحدها الحوثيين، حيث تشيرُ قدراتهم المُتنامية إلى المرونة والقدرة على التكيُّفِ مع الضغوط العسكرية. إنَّ الحوثيين يُصَعِّدون الصراع، ويعملون تحت الاعتقاد بأنهم ليس لديهم ما يخسرونه: إذا هاجمتهم إسرائيل، فإنهم ينالون الشهادة؛ وإذا لم تستطع إسرائيل دحرهم، فإنهم يكتسبون مظهر المنتصر وعدم القابلية للتأثُّر. وتعكس هذه المقامرة المحسوبة فهمهم للمشهد الجيوسياسي وديناميكيات التدخّل الدولي.
وقد يمتد رد إسرائيل على اليمن إلى ما هو أبعد من استهداف مواقع الحوثيين، حيث قد يشمل ضربات ضد الأصول الإيرانية. ونظرًا للعلاقات الوثيقة بين الحوثيين وإيران، فإنَّ مثل هذه الإجراءات قد تؤدي إلى تصعيد الصراع، وجذب قوى إقليمية إضافية وربما تؤدي إلى مواجهة مباشرة بين إسرائيل وإيران.
قدرات الحوثيين على منع الملاحة البحرية
أعلن زعيم الحوثيين عبد الملك الحوثي أخيرًا عن إدخال “أسلحة غواصات” إلى ترسانة الجماعة، وهو ما يشير إلى تقدُّمٍ مُحتَمَلٍ في القدرات البحرية أيضًا. وفي حين تظل التفاصيل نادرة، فإنَّ إعلان عبد الملك يشيرُ إلى تحوُّلٍ استراتيجي يهدفُ إلى تعزيز قدرة الحوثيين على تعطيلِ الطرق البحرية الحيوية في البحر الأحمر وما بعده ويؤكّدُ على التقدُّمِ العسكري المُتَطوِّر. ومن خلال الاستفادة من التقنيات المُتقدّمة، التي يُزعَمُ أنها مدعومة من إيران، لا يؤكد الحوثيون وجودهم الإقليمي فحسب، بل ويُعقّدون أيضًا الجهود التي تبذلها الولايات المتحدة وحلفاؤها لضمان الأمن البحري.
إنَّ إمكانية قيام روسيا بتسليح الحوثيين بصواريخ متقدّمة مضادة للسفن تُضيفُ طبقةً أخرى من التعقيد إلى المشهد الجيوسياسي، الأمر الذي يزيد من خطر الصراع الأوسع ويُعرِّضُ للخطر ليس فقط التجارة الدولية ولكن أيضًا الأصول البحرية للولايات المتحدة والتحالف العاملة في البحر الأحمر وباب المندب وخليج عدن.
الهجماتُ الحوثية: معضلةٌ للولايات المتحدة وشركائها في الخليج ولإسرائيل
يعتمدُ الحوثيون على إدراكهم واعتقادهم أنَّ عملياتهم، سواءَ ضدّ الأهداف البحرية أو تلك التي تستهدف إسرائيل، من الصعب ردعها أو هزيمتها. وهم يُشكّلون تحالفات مع جهاتٍ فاعلة ذات تفكيرٍ مُماثل، مثل إيران وروسيا، وبالتالي يكتسبون الاعتراف والقوة التي يتوقون إليها، والتي يعتقدون أنها ستُتَرجَم إلى نصرٍ محلّي.
بالنسبةِ إلى الولايات المتحدة وحلفائها، تُشكّلُ استراتيجيةُ الحوثيين معضلة. منذ تشرين الأول (أكتوبر) 2023، حاولت إدارة جو بايدن الموازنة بين مصالح مُتنافِسة: حمايةُ الممرِّ البحري الآمن، ومنع توسُّع الصراع في غزة، والحفاظ على الخيارات الديبلوماسية لإنهاءِ الحرب الأهلية في اليمن. أعطى السعوديون وحلفاؤهم في الخليج الأولوية لمُتابعةِ حلٍّ تفاوضي للصراع في اليمن، والحفاظ على وقف إطلاق النار الذي كان ساريًا منذ نيسان (أبريل) 2022 وتجنُّب جولةٍ جديدة من الصراع التي قد تجرّهم مرةً أخرى إلى المستنقع اليمني. علاوةً على ذلك، سعت الولايات المتحدة إلى الحدِّ من نطاق ردّها على عدوان الحوثيين لتقليل الضرر الذي يلحق بالمدنيين اليمنيين الأبرياء.
للحفاظِ على سياستها القائمة على ثلاث ركائز، قامت الولايات المتحدة وحلفاؤها بتنفيذِ عملياتٍ عسكرية لتأمين الممرّات المائية الحيوية قبالة سواحل اليمن، لكنَّ الجانبين تجنّبا اتخاذَ خطواتٍ من شأنها أن تُقَوِّضَ إمكانية التفاوض مع الحوثيين لإنهاء الصراع الأهلي هناك. مع ذلك، كانت فعالية هذه الجهود محدودة بسبب الهجمات الحوثية المُستمِرّة. في الواقع، تُهدّدُ تكتيكات الحوثيين المُتطوِّرة والمرحلة الجديدة الأكثر خطورة من تحرّكاتهم العدوانية بقلبِ الاستراتيجية الأميركية بالكامل. وردًّا على ذلك، دعت القيادة المركزية الأميركية إلى اتباعِ نهجٍ أوسع نطاقًا –بما في ذلك التدابير الاقتصادية والديبلوماسية إلى جانب الإجراءات العسكريةــ وهو ما يُسلّطُ الضوء على تعقيد ضمان الأمن البحري في هذه المنطقة المُتقلّبة.
وعلى نحوٍ مُماثل، يظل السؤال الحاسم بالنسبة إلى إسرائيل هو ما إذا كانت ستُخاطرُ بمُواجهةٍ أوسع نطاقًا مع إيران، التي تُمَوِّلُ وكلاءً وعُملاءً مُتعِدِّدين لزعزعة استقرار المنطقة، أو تستمرُّ في الوضع الراهن، مما يؤدي إلى استنزافِ مواردها وتقويضِ سمعتها كقوّة عسكرية “كُبرى” في المنطقة فيما تُبحر في المياه الغادرة للصراع الدولي مع جهةٍ فاعلة غير حكومية.
إيران والمجهولات غير المعروفة
منذ تشرين الأول (أكتوبر) الفائت، مَكَّنَت إيران وُكلاءَها وعُمَلاءَها، وخصوصًا “حزب الله” والحوثيين، من تنفيذِ عملياتٍ عسكرية على طول الحدود الشمالية لإسرائيل مع لبنان وفي البحر الأحمر والمياه المجاورة مع إصرارِها على أنَّها لا تسعى إلى توسيع الصراع في غزة. لكن من المُفتَرَض أنَّ طهران غير مُتأكِّدة من الخطوط الحمراء الإسرائيلية — عند أي نقطة تُحدّدُ الدولة العبرية أنَّ إجراءاتها الرادعة يجب أن تتجاوز ضرب أهداف “حزب الله” أو الحوثيين وأنها يجب أن تهاجم المصدر الإيراني لهذه الأعمال العدوانية؟ لقد عملت إدارة بايدن بقوة لمنعِ توسُّعِ الصراع في غزة، بما في ذلك بعث الرسائل العامة والخاصة إلى إسرائيل وإيران، ولكن من المتوقع أن تتراجعَ الولايات المتحدة عن دعواتها لضبط النفس الإسرائيلي إذا وصلَ تطورُ التهديدات للأمن الإسرائيلي إلى مستوى لا يُطاق. عند هذه النقطة، من المرجح أن يتَّخذَ الإسرائيليون القرار المشؤوم بضربِ أهدافٍ في إيران نفسها مرة أخرى، بشكلٍ أكثر كثافة مما فعلوا عندما أقدموا على ذلك في نيسان (أبريل) وبعواقب لا يُمكِنُ التنبّؤ بها.
الاستجاباتُ العسكرية الاستراتيجية والسيناريوهات المُستقبلية
في ضوءِ التهديدِ المُتزايد الذي يُشكّلهُ الحوثيون، يُمكِنُ لإسرائيل والولايات المتحدة وحلفائهما استخدام العديد من الاستراتيجيات العسكرية المُحتَملة. إنَّ احتمالَ قيامِ روسيا بتزويد الحوثيين بصواريخ مُتطوِّرة قد يدفعُ إلى إعادةِ مُعايرة الاستراتيجيات الأميركية والإسرائيلية، والتي قد تنطوي على ضرباتٍ استباقية أو مواقف أكثر عدوانية لردعِ المزيد من التصعيد. ويتضمّنُ هذا النهج زيادةَ العمليات الهجومية التي تستهدفُ قدرات الحوثيين الصاروخية والطائرات المُسيَّرة ومراكز القيادة وخطوط الإمداد لتقليص قدرة الحوثيين على شنِّ الهجمات وتعطيل فعاليتهم العملياتية.
وقد تتضمّن استراتيجيةٌ أخرى تعزيز التدابير الدفاعية، مثل نشر أصول بحرية أكثر تقدُّمًا وأنظمة دفاع صاروخي لحماية طرق الشحن التجاري. بالإضافة إلى ذلك، فإنَّ زيادةَ تبادُلِ المعلومات الاستخباراتية والتنسيق بين الحلفاء الإقليميين من شأنه أن يُحسِّنَ من اكتشاف واعتراض هجمات الحوثيين قبلَ أن تصلَ إلى أهدافها.
الاحتمالُ الثالث هو الاستجابة لدعواتِ الحكومة اليمنية المُعتَرَف بها دوليًا في عدن للمساعدة على تحسين قدراتها العسكرية لتمكينها من تحدّي الحوثيين على الأرض. لقد طلبت الحكومة على وجه التحديد من المجتمع الدولي أن يُزَوِّدها بالوسائل اللازمة لانتزاعِ السيطرة على ميناء الحديدة من الحوثيين، وهو ما كان على استعداد لتلبيته والقيام به قبل اتفاق ستوكهولم في العام 2019. وفي حين أنَّ هذه الاستراتيجية معقولة، إلّا أنها أقلّ احتمالًا، حيث أن بناء القدرات العسكرية اليمنية سيكون مشروعًا طويل الأمد، ويتطلّبُ سنوات حتى يصل إلى مرحلة النضج، وقد يؤدي أيضًا إلى إعادة إشعال الحرب الأهلية، مع عواقب وخيمة على السكان المدنيين الذين يُعانون منذ فترة طويلة في اليمن.
الجهود الديبلوماسية الدولية ومبادرات السلام
بعيدًا من الخيارات العسكرية، فإنَّ مُعالجةَ الصراع المُتصاعِد وتداعياته تتطلّبُ جُهدًا ديبلوماسيًا دوليًا مُتَعَدِّدَ الأوجه وقويًا. إنَّ التعامُلَ مع الجهات الفاعلة المُؤيِّدة للديموقراطية في اليمن أمرٌ بالغ الأهمية. ويتعيَّنُ على الولايات المتحدة أن تُضاعِفَ جهودها لثني روسيا عن تسليحِ الحوثيين، وإشراكَ دولٍ ثالثة للتوسُّطِ ومُمارسةِ الضغوط الديبلوماسية على موسكو. وتُشَكّلُ مثل هذه القنوات الديبلوماسية أهمّية حيوية في منع المزيد من التصعيد وتعزيز المناخ المواتي للمفاوضات الجادة.
علاوةً على ذلك، فإنَّ الاستفادةَ من المنظّمات الدولية مثل الأمم المتحدة لتنفيذ القرارات الحاسمة وفرضِ العقوبات ضد الحوثيين وداعميهم من شأنه أن يُساعدَ على وقفِ تدفُّقِ الأسلحة المُتقدِّمة والمُتطوّرة والحدِّ من الأعمال العدائية. إنَّ النهجَ الشامل ل”الحكومة بأكملها”، كما تدعو إليه القيادة المركزية الأميركية، والذي يجمع بين التدابير العسكرية والاقتصادية والديبلوماسية، أمرٌ ضروري لمعالجة الأسباب الكامنة وراء الصراع وضمان الاستقرار الطويل الأجل في المنطقة.
الخيارات الاستراتيجية لليمن
لقد ثبتَ باستمرار أنَّ التدخُّلَ في شؤون الحوثيين، حتى عندما يكون مُبَرَّرًا، مُعَقَّدٌ ومحفوفٌ بالتحدّيات. مع ذلك، لا ينبغي لهذا أن يدعو إلى السلبية. إنَّ العملَ الاستراتيجي السريع أمرٌ ضروريٌّ لحلِّ الأزمة بكفاءة، حيثُ أنَّ المواجهة الإقليمية المُطَوَّلة لا تؤدّي إلّا إلى زيادةِ التكاليف والمُعاناة وتستدعي حلولًا وسطية لا يُمكِن الدفاع عنها. لقد اقترحَ بعضُ الناشطين اليمنيين استهدافَ كبار المسؤولين الحوثيين عسكريًا، ما قد يُجبرُ الحوثيين على إعادة النظر في أفعالهم. هناكَ سابقة في حالة اغتيال الرئيس الحوثي الفعلي صالح الصماد في العام 2018، والتي أدّت إلى مشاركة الحوثيين في محادثات السلام في ستوكهولم (حتى لو ثبت أنهم كانوا يتصرّفون بسوء نية)، مما يشير إلى أنَّ الحوثيين قد يستجيبون للتهديدات المباشرة ضد قيادتهم.
علاوةً، فإنَّ التطورات الأخيرة التي تنطوي على النفوذ الروسي والاهتمام بتسليح وكلاء إيران تتطلّبُ إعادةَ تقييمٍ استراتيجي مُنَقَّحة من قبل الولايات المتحدة وحلفائها. ومن المرجَّح أن يتطلَّبَ هذا زيادة الوجود العسكري في المنطقة. إنَّ اليمن مُعرَّضٌ لخطرِ أن يُصبحَ بيدقًا مأسويًا في هذه المواجهة الجيوسياسية الأوسع نطاقًا، مع عواقب مُدَمِّرة على سكانه المدنيين. إنَّ الولايات المتحدة وحلفاءها وإسرائيل تفتقرُ حاليًا إلى استراتيجيةٍ مُتماسِكةٍ للتعامُلِ مع التهديدِ الحوثي بشكلٍ فعّال. ومن الضروري أن تعملَ هذه البلدان على تطويرِ نهجٍ واضحٍ ومُوحَّد بسرعة، لضمانِ استجابةٍ قوية ومُنسَّقة. وفي هذا المشهد المتطوِّر، من الأهمية بمكان أن نفهمَ أنَّ آثارَ هذه الإجراءات سوفَ تمتدُّ إلى ما هو أبعد من الصراع الفوري، مما يُشكّلُ تحدّيًا للمجتمع الدولي في إيجاد مسارٍ نحو الاستقرار في منطقةٍ مُتَقلِّبةٍ على نحوٍ متزايد. إنَّ استراتيجيةَ التصعيد التي ينتهجها الحوثيون لديها القدرة على زعزعة توازُن القوى الهشّ في الشرق الأوسط، كما إنها تؤكّدُ على قدرة الجهات الفاعلة الأصغر على التأثير في النتائج الجيوسياسية الأكبر من خلال المخاطر والتحالفات المحسوبة.
مع تطوّرِ الوضع، يتعيّن على صناّع السياسات أن يُدركوا الطبيعة المُتعدّدة الجوانب لهذا الصراع. إنَّ مناورات الحوثيين تكشُفُ عن فَهمِ ثاقبٍ للديناميكيات الإقليمية، واستغلال الشقوق في نهج المجتمع الدولي تجاه الاستقرار في الشرق الأوسط. ولا تشمل الحسابات الاستراتيجية الآن الاستجابات العسكرية فحسب، بل تشمل أيضًا الجهود الديبلوماسية الشاملة للتخفيف من التداعيات الأوسع لهذا التصعيد. ومن الضروري ألّا يطغى السعي إلى تحقيق الأمن الفوري على السعي الطويل الأجل لتحقيق السلام والاستقرار الإقليمِيَين.
- السفير (المتقاعد) جيرالد فييرشتاين هو زميل بارز يُركّز على الديبلوماسية الأميركية في معهد الشرق الأوسط ومدير برنامج شؤون شبه الجزيرة العربية في المعهد.
- فاطمة أبو الأسرار هي باحثة يمنية غير مُقيمة في معهد الشرق الأوسط ومُحللة سياسية بارزة في مركز واشنطن للدراسات اليمنية. يمكن متابعتها عبر منصة (X) على: @YemeniFatima
يجب عليك تسجيل الدخول لكتابة تعليق.