مُقاتِلاتُ الجيل المُقبِل الأميركية تُواجِهُ رياحًا مُعاكِسة
لا تستطيع واشنطن أن تتخلَّفَ عن روسيا والصين في تطويرِ جيلٍ جديد من الطائرات المقاتلة. ولكن نظرًا للعواقب التي تُخلّفها الحرب في أوكرانيا على السيطرة الجوية والتفوُّق، فإنها لا تستطيع أن تتحمَّلَ اتخاذَ منعطفٍ خاطئ في هذا السباق.

وايلدر أليخاندرو سانشيز*
أدّت الحربُ في أوكرانيا إلى تَجَدُّدِ الاهتمامِ بمسألةِ السيطرةِ على المجالِ الجوّي أثناء الصراعات، وهي مجالٌ لم يَكُن على القوات الجوية الأميركية أن تقلق بشأنه في أفغانستان والعراق ولكنه سيكون ذا أولوية في أيِّ صراعٍ مُحتَمَلٍ مع الصين أو روسيا. لذا، يهدف برنامج “الجيل المقبل من الهيمنة الجوية”، (Next-Generation Air Dominance) إلى تطويرِ مُقاتلةٍ جديدة وضمان السيطرة على المجال الجوي للقوات الجوية الأميركية. مع ذلك، قد يكون البرنامج في خطرٍ بسبب مشاكل في الموازنة والإرث المضطرب للطائرة المقاتلة متعددة المهام من طراز “أف-35” (F-35).
طوال “حروبه الأبدية” الأخيرة، تمتّعَ الجيشُ الأميركي بالسيطرة الكاملة على المجال الجوي. والآن تستعد القوات الجوية الأميركية وحلف شمال الأطلسي لأسوَإِ السيناريوهات: الصراع مع قوّةٍ نووية، مثل الصين أو روسيا، حيث لن يكونَ تأمين السيطرة على المجال الجوي بهذه السهولة. وكما أوضحت كريستين جونز، نائبة وزير القوات الجوية، في حَدَثٍ استضافه في كانون الثاني (يناير) مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في واشنطن، فإنَّ القوات الجوية “[تخرج] من حرب مكافحة التمرُّد و[تتطلع] إلى التحوُّلِ نحو نظيراتها المنافسة أو صراع الأقران مع خصمٍ مختلف تمامًا”. لكن جونز أضافت أنَّ الولايات المتحدة، في الوقت الحالي، لا تزال غير مُستَعِدّة لمثل هذا الصراع بين الأقران.
من جهتها، تعملُ شركات الدفاع الروسية حاليًا على تطويرِ مقاتلة الجيل السادس من طراز “ميكويان ميغ-41” (Mikoyan MiG-41)، لتحلّ محل “ميكويان ميغ-31” (Mikoyan MiG-31). من المُرَجّح أن تؤثّرَ الحربُ في أوكرانيا على الإطار الزمني لتطويرِ وإنتاج طائرة “ميغ-41″، والذي يُعتَقد أنه من المقرر أن يتم في نهاية العقد، ومن المتوقع أن تتمَّ الرحلةُ الأولى في العام 2025. في الوقت نفسه، تعمل الصين حاليًا على تطويرِ مُقاتلةِ الجيل المقبل ذات “البُنية المفتوحة التي تسمح بالتطوير السريع والإنتاج السريع والتحديثات السريعة”، على غرار مقاتلتها الشبح “تشانغدو جي-20” (Chengdu J-20) من الجيل الخامس. ومن الممكن أن تدخل الطائرة الجديدة الخدمة بحلول العام 2035.
إنَّ استجابةَ الجيش الأميركي لهذا العالم المُتَطَوِّر والأكثر تحدّيًا تمثّلَ ببرنامج “الجيل المقبل من الهيمنة الجوية”، المُصَمَّم لإنتاج منصّةٍ مُتعدِّدة الأغراض تَعكُسُ احتضان القوات الجوية الأميركية لـ”نهجِ نظامِ الأنظمة بدلًا من منّصة واحدة”. وستشارك الطائرة المقاتلة، التي تهدف إلى الحلول محل الطائرة المقاتلة “لوكهيد أف-22″ رابتور” (Lockheed F-22 Raptor) اعتبارًا من العام 2030، في مهامٍ جوية مضادة وهجمات جو-أرض وضربات جو-جو. وهناك برنامجٌ يرتبطُ ببرنامج “الجيل المقبل من الهيمنة الجوية” هو برنامج “لويال وينغمان” (Loyal Wingman)، وهو في جوهره عبارة عن مركبة جوية مُسيَّرة تعمل بالذكاء الاصطناعي مُصَمَّمة للطيران جنبًا إلى جنب مع الجيل التالي من الطائرات المقاتلة المأهولة.
وترغب القوات الجوية الأميركية في شراء ما يصل إلى 200 طائرة من طراز برنامج “الجيل المقبل من الهيمنة الجوية”، بتكلفة تصل إلى 300 مليون دولار لكلٍّ منها. وقد خُصِّصَت موازنة قدرها 28.5 مليار دولار للفترة 2025-2029 لتطوير طائرة حربية من الجيل السادس وبدء الإنتاج. في أيار (مايو) 2023، أوضح وزير القوات الجوية فرانك كيندال أنَّ “منصّة “الجيل المقبل من الهيمنة الجوية” هي عنصر حيوي في عائلة أنظمة الهيمنة الجوية، والتي تُمثّلُ قفزةَ أجيالٍ في التكنولوجيا مقارنة بالطائرة “أف-22″ (F-22)، التي ستُستبدَل لتحل الطائرة الجديدة محلها”.
من المتوقع أن يبدأ العمل في التماس العروض لـبرنامج “الجيل المقبل من الهيمنة الجوية” هذا العام، ولكن يبدو أنَّ السعرَ المُقَدَّر للطائرة قد أثار بعض االتساؤلات. في مناقشة البرنامج في رابطة القوات الجوية والفضاء في منتصف حزيران (يونيو)، أقرّ رئيس أركان القوات الجوية الجنرال ديفيد ألفين بالحاجة إلى اتخاذِ خياراتٍ وقراراتٍ “عبرَ المشهدِ الطبيعي” لبرنامج “الجيل المقبل من الهيمنة الجوية” على مدى “الأعوام المقبلة”. ودفعت هذه التصريحات وكالات الأنباء ومجلات ومواقع التحليلات الدفاعية مثل “Aviation Week” و”Breaking Defense” و”Defence One” إلى التشكيك في مستقبل البرنامج الباهظ التكلفة.
هناكَ مشكلة أُخرى تُواجِهُ واشنطن والقوات المسلحة الأميركية، وخصوصًا القوات الجوية، وهي أنَّ برنامج “لوكهيد أف-35” (Lockheed F-35) الباهظ التكلفة لم يُوَلِّد الثقة في قدرة القوات الجوية على الحفاظ على التفوُّق الجوي أثناء الحروب مع القوى العسكرية النظيرة الأخرى. حتى الآن، كانت المراجعات حول المقاتلة “أف-35″، وهي طائرة شبح من الجيل الخامس، مختلطة في أحسن الأحوال. من ناحية، فإن الطائرة “هي طائرة سهلة الطيران بشكل ملحوظ”، ما يجعل مهارات الطيران “أقل أهمية بكثير في الطائرة “أف-35” مقارنةً بأيِّ طائرة على الإطلاق”، كما أوضح طيار مشارك في برنامج الاختبار الخاص بها.
من ناحيةٍ أُخرى، وَصَفَ مشروعُ الرقابة الحكومية الطائرة “أف-35” بأنها “طائرة مقاتلة بدوامٍ جزئي”، بسبب مقدار الوقت الذي تكون فيه كل طائرة غير متاحة لأداء دورها. وقد جادلَ مايكل بوهنرت من مؤسسة “راند” (RAND) بأنه على الرُغم من “ضرورة وجود بديل من الطائرة “أف-22″، فإنَّ الطائرة “أف-35” “ليست المقاتلة المطلوبة”، وذلك لسببٍ بسيط هو أن الطائرة “أف-35” هي مقاتلة هجومية، في حين أن الطائرة “أف-22” هي مقاتلة تفوُّق جوي. علاوةً، هناك مشكلة مستمرة في الطائرة وهي التأخير في ترقية الحوسبة المعروفة باسم “Technology Refresh 3” لتمكين الطائرة “أف-35″ من استخدام الأسلحة الميدانية الجديدة. وكما ذكرت مراسلة الحرب الجوية لـ”Defense One” أودري ديكر، “لا يزال البنتاغون لا يعرف متى ستكون المقاتلة جاهزة تمامًا”.
كلُّ هذا يُثيرُ المخاوف بشأن برنامج “الجيل المقبل من الهيمنة الجوية”. ومن المفترض أن تكون مقاتلة من الجيل السادس، قادرة على التنافس وهزيمة منصّات مماثلة قيد التطوير حاليًا من قبل خصوم الولايات المتحدة. ومع ذلك، فهي لا تملك ترف التأخير والأخطاء التي شوَّهت الإرث الإشكالي للطائرة “أف-35″، بغض النظر عن اختلاف دور الطائرتين كمقاتلة هجومية ومقاتلة تَفَوُّق جوي.
ومما يزيد الأمور تعقيدًا أن الجدلَ الحالي حول برنامج “الجيل المقبل من الهيمنة الجوية” يدورُ على خلفية الحرب في أوكرانيا، والتي جلبت اهتمامًا مُتجدِّدًا بالقوات الجوية والسيطرة على المجال الجوي، بما في ذلك القتال الجوي، في الصراعات بين الدول، بدلًا من عمليات مكافحة التمرّد. في منتصف العام 2022، عندما أصبح من الواضح أن الغزو الشامل لأوكرانيا لن يكونَ عمليةً قصيرة الأمد كما توقعتها موسكو، جادل اللفتنانت كولونيل في القوات الجوية الأميركية، تايسون ويتزل، وهو زميل كبير غير مقيم في المجلس الأطلسي، بأنَّ تحقيق التفوُّق الجوي سيكون تحدّيًا في الصراعات المستقبلية. السببان الرئيسان، بحسب ويتزل، هما “انتشار [صواريخ أرض جو] المُتَنَقِّلة والمُتقدِّمة”، الأمر الذي “سيزيد من الخطر على القوات الجوية التي تسعى إلى فرض سيطرة جوية”، و”الانفجار” في عدد الطائرات المُسَيَّرة الموجودة في ساحة المعركة. وعلى نحوٍ مماثل، زعم اللفتنانت كولونيل هربرت بوشر من احتياطي قوات مشاة البحرية الأميركية أنَّ “التفوُّقَ الجوي في صراعٍ بين جيشين متساويين تقريبًا قد لا يكون مُمكِنًا، حتى ولو بشكلٍ مؤقت”، مع “إثبات الأوكرانيين أنَّ الحرمان الجوي لا يمنع النجاح في ساحة المعركة”.
تُواصِلُ القوات الجوية الأميركية وصف مقاتلة الجيل السادس لبرنامج “الجيل المقبل من الهيمنة الجوية”، والتي تمَّ صناعة نموذج أولي واحد منها على الأقل وطيرانها، بأنها “مجموعة من التقنيات التي تُمَكِّنُ التفوُّقَ الجوي”. مع ذلك، يبقى أن نرى ما إذا كانت ستُحقق أداءً جيدًا في العمليات القتالية في بيئات شديدة التعقيد، على افتراض أنَّ البرنامج يمضي قدمًا.
تشيرُ تصريحات ألفين الأخيرة إلى أنَّ القوات الجوية تُعيدُ النظر في كيفية تقدّم برنامج “الجيل المقبل من الهيمنة الجوية”، حتى مع استمرار بقاء الإرث المُشَوَّه لطائرات “أف-35”. لذلك، في حين أنه من الممكن بالتأكيد إجراء تغييرات على متطلبات البرنامج ونماذجه الأولية، فمن المرجح أنَّ السبب وراء كون برنامج “الجيل المقبل من الهيمنة الجوية” قيد المراجعة لا يتعلق فقط بتحليلات الموازنة وتوفير التكاليف. لا تستطيع واشنطن أن تتخلَّف عن روسيا والصين في تطوير جيل جديد من الطائرات المقاتلة. ولكن نظرًا للعواقب التي تُخلّفها الحرب في أوكرانيا على السيطرة الجوية والتفوُّق، فإنها لا تستطيع أن تتحمَّلَ اتخاذَ منعطفٍ خاطئ في هذا السباق. إنَّ تحقيقَ هذا التوازن لن يكونَ بالأمر السهل.
- وايلدر أليخاندرو سانشيز هو رئيس شركة “Second Floor Strategies“، وهي شركة استشارية في واشنطن. وهو يراقب قضايا الدفاع والأمن والقضايا الجيوسياسية والتجارية في آسيا الوسطى وأوروبا الشرقية ونصف الكرة الغربي.
- كُتِبَ هذا المقال بالإنكليزية وترجمه إلى العربية قسم الدراسات والأبحاث في “أسواق العرب”.
يجب عليك تسجيل الدخول لكتابة تعليق.