لا تُراهِن ضِدَّ الدولار

لكي يَفقُدَ الدولار مكانته، سيتطلّبُ الأمرُ سلسلةً من الإخفاقاتِ السياسية في واشنطن، كما سيتطلّبُ الأمرُ من منتقدي الدولار إيجادَ بدائل لها جاذبية ليس فقط في الاقتصادات الاستبدادية التي تقودها الدولة، بل على مستوى العالم. إنَّ النظام المالي العالمي يتغيّر، ولا يوجد شيءٌ مؤكّد. ولكن يظل من الخطَإِ المراهنة ضدّ الدولار.

الزائرون يشترون العملة الرقمية الصينية خلال معرض الصين الدولي للتجارة والخدمات لعام 2023 في بكين في 2 أيلول (سبتمبر) 2023: اليوان يلزمه الكثير قبل أن يحلَّ محل الدولار.

جاريد كوهين*

مرّت 80 سنة مُنذُ انعقادِ مؤتمر “بريتون وودز”، عندما أصبحَ الدولار الأميركي الركيزةَ الأساسية للاقتصاد العالمي ولفَنِّ إدارة الحُكمِ الاقتصادي الأميركي. على مدارِ ثمانية عقود، شهدنا أيضًا توقّعاتٍ حولَ زوال الدولار الوشيك. ولكن مُنذُ البداية تقريبًا، أخطأت المناقشةُ حولَ مُستقبلِ الدولار الهَدَف. السؤالُ لا يدورُ حولَ ما إذا كانَ حَدَثٌ أو أزمةٌ أو تكنولوجيا جديدة سوف تؤدّي إلى سقوط الدولار عن قاعدته، بل إنَّ الأمرَ يتعلّقُ بكيفيّةِ قيامِ مُنافسي الولايات المتحدة، وحتى شركائها، بدَفعِ حدودِ النظامِ المالي في اقتصادٍ عالمي حيث لا يزال الدولار يُهيمِنُ ولكنَّ الإجماعَ في مرحلةِ ما بعد الحرب الباردة ينهار.

لعقودٍ، كانَ أيُّ عددٍ من الأحداثِ يُنذِرُ بنهايةِ الدولار. عندما فَصَلَ الرئيس الأميركي ريتشارد نيكسون الدولار عن الذهب في العام 1971، أعلنَ صحافيٌ بريطاني بارز أنَّ هذه هي “لحظة الإطاحة الرسمية بالدولار العظيم”. ورأى البعضُ أنَّ طَرحَ اليورو في التسعينيات الفائتة كانَ بمثابةِ اللحظة المناسبة لزوال الدولار. ودفعت الأزمة المالية العالمية وصعود الصين في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين العديد من الاقتصاديين إلى التوقُّعِ والتنبُّؤ بأنَّ اليوان الصيني يُمكِنُ أن يُصبِحَ العملة الاحتياطية في العالم. وأخيرًا، أثار الغزو الروسي واسع النطاق لأوكرانيا في العام 2022 والعقوبات التي قادها الغرب ضد موسكو تساؤلاتٍ حولَ “العالم الآتي ما بعد الدولار”.

هناكَ رياحٌ جيواقتصادية مُعاكِسة حقيقية للدولار. تعملُ بلدانٌ عدة على أن تُصبِحَ أقلَّ اعتمادًا على الدولار في التجارة وأن تنأى بنفسها عن أنظمةِ الدَفعِ الأميركية. لكنَّ المُستقبلَ لا يَعتَمِدُ على ثُنائيةٍ بينَ هَيمنةِ الدولار وما يُسَمّى إزالة الدَولَرة. لا يزالُ الاقتصادُ الأميركي هو الأكبر في العالم، مع أعمقِ أسواقٍ لرأس المال والمؤسسات المالية الأكثر ثقة. ويظلُّ الدولار بمثابة الملاذِ المالي الآمن والوسيلةِ الأكثر موثوقية للتبادُل ومَخزَنِ القيمة، ليس فقط بالنسبة إلى الولايات المتحدة بل على مستوى العالم. إنَّ الشبكاتَ والتاريخَ اللذين أكسبا الدولار مكانته قبل ثمانية عقود ما زالَ موجودًا وصامدًا، كما إنَّ الإحباطَ المُتزايد إزاءَ هيمنةِ الدولار يحجُبُ بعضَ الميزات ووسائلِ الراحة أيضًا. ما تَغَيَّرَ هو أنَّ مُنافسي الولايات المتحدة ــوبعض الشركاءــ يدفعون حدود استقلالهم المالي داخل النظام القائم على الدولار، بتشجيعٍ من التقدُّمِ التكنولوجي والتعديلات الجيواقتصادية. لكننا ما زلنا بعيدين عن نقطةِ التحوّلِ حيث نرى أيَّ جُهدٍ متضافرٍ يستطيع تغييره فعليًا.

إذا تَغَيَّرَ وَضعُ الدولار فإنَّ ذلك سوف يأتي من التطوُّرِ وليس من خلال ثورة. سوف يقومُ المزيدُ من الدول باختبارِ ونَشرِ التدابير اللازمة للحدِّ من وصول الدولار. وسوف تعمل التكنولوجيات المالية الناشئة على تحفيزِ نظرياتٍ جديدةٍ للتغيير ومجموعة من الترتيبات المالية المُتعدّدة الأطراف. في الوقت نفسه، يتعيّنُ على صنّاعِ السياسات وقادة الأعمال في الغرب أن يعملوا على حمايةِ المكانة التاريخية للدولار حتى مع تحمُّلِ الاقتصاد الأميركي لكمياتٍ أكبر من الديون في عالمٍ أقلّ استقرارًا. لكنَّ الدولار سوف يستمرُّ في دعم الاقتصاد العالمي في المستقبل المنظور.

الدولار عملة فريدة

لم تَكُن هناكَ قط عملةٌ تشبه الدولار الأميركي تمامًا. يُشَبِّهُ المؤرّخون قطع الإمبراطورية الإسبانية ذات الثمانية، أو الغيلدر الهولندي، أو الجنيه الإسترليني في المملكة المتحدة، والذي كان العملة الاحتياطية الرائدة حتى عشرينيات القرن العشرين. ولكن كما يشير الخبير الاقتصادي الأميركي مايكل بيتيس، فإنَّ الدولار هو “العملة الوحيدة التي لعبت مثل هذا الدور المحوري في التجارة الدولية”. يُشَكّلُ الدولار 58% من احتياطيات النقد الأجنبي في العالم. ويُشارك في 88 في المئة من جميع معاملات الصرف الأجنبي. وبسبب بصمته الدولية، فإنَّ الاختلالات التجارية في البلدان الأخرى تُقابلها اختلالاتٌ في الولايات المتحدة.

إنَّ الدولارَ يُوَفّرُ الاستقرار والأمان للدول والمستهلكين على مستوى العالم، وليس للولايات المتحدة فقط. إنه أصلٌ موثوقٌ به بسبب أسواق الولايات المتحدة المفتوحة، وسيادة القانون، والمؤسّسات الموثوقة، وأسواق رأس المال العميقة والسائلة. وخارج الولايات المتحدة، هناكَ عرضٌ محدودٌ من الأصول ذات الدرجة الاستثمارية. لكن الدولار لا يخلو من المشاكل الآتية من الاستياء. في الأعوام القليلة الماضية أعلنَ عددٌ متزايد من زعماء العالم علنًا أنهم يعتزمون إسقاط الدولار عن قاعدته. إنهم يرون عالمًا مُنقسمًا، وظهورَ تقنياتٍ مالية تزيد من كفاءة التداول بعملاتٍ أخرى غير الدولار، والولايات المتحدة منقسمة مع وضعٍ مالي غير مؤكّد وقائمة متزايدة باستمرار من البلدان والكيانات التي ترتبط معها بمواجهة اقتصادية – وهي تُجهّزُ أنفسها علنًا للاستفادة من هذه الفرصة.

في عالمٍ يَتَّسِمُ بمزيدٍ من الصراعِ والمُنافسة، سوفَ يستمرُّ الحديثُ عن التخلّصِ من الدولار وإزالة الدولرة. ولو لم يكن الدولار الأميركي عنصرًا مركزيًا في الاقتصاد العالمي، لكانَ من المُمكن أن يتجنّبَ الخصومُ العقوبات بشكلٍ أفضل، وقد تكونُ هناكَ كتلٌ اقتصادية بديلة أكثر قوة. ولهذا السبب، قال الرئيس البرازيلي لويز إيناسيو لولا دا سيلفا بشكلٍ مُثيرٍ خلال خطابٍ ألقاه في شنغهاي في العام الماضي: “في كلِّ ليلةٍ أسألُ نفسي لماذا يتعيّنُ على كلِّ البلدان أن تبني تجارتها على الدولار”. ومُحذّرةً من مخاطر “الهيمنة المؤسسية” الأميركية، أصدرت وزارة الخارجية الصينية بيانًا في شباط (فبراير) 2023، زعمت فيه أنه من خلال الدولار، “تَجبُرُ واشنطن الدولَ الأخرى على خدمة الاستراتيجية السياسية والاقتصادية الأميركية”. وذكرت الوزارة مُضيفةً أنَّ “هيمنة الدولار الأميركي هي المصدر الرئيس لعدم الاستقرار وعدم اليقين في الاقتصاد العالمي”.

إنَّ توقيتَ مثل هذه التصريحات ــبعدَ عامٍ تقريبًا من الغزو الروسي الشامل لأوكرانيا وما تلا ذلك من فَرضِ عقوبات ــ يُكذِّبُ الدوافعَ الحقيقية وراءها. لقد شهدت العقود الثمانية تقريبًا من هيمنة الدولار بعضًا من أعظم فترات السلام والازدهار في التاريخ، بما في ذلك صعود دول مثل الصين. لم يُفرَض الدولار على العالم في العام 1944؛ فقد نشأ نتيجةً لظروفِ ما بعد الحرب ودرجة ملحوظة من الإجماع الدولي، عندما اجتمعت 44 دولة، بما في ذلك الصين والبرازيل، في “بريتون وودز” لتحديدِ النظام المالي في مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية. إنَّ ما يدفعُ إلى عدم الاستقرار اليوم ليس الدولار، بل الحرب في أوروبا والشرق الأوسط، فضلًا عن التوتّرات في منطقة المُحيطَين الهندي والهادئ. وترتبط هذه التحديات الجيوسياسية ببعضها البعض، بما في ذلك الدعم العميق الذي تُقدّمهُ الصين لروسيا. وبينما استخدمت موسكو هذا العمر الاقتصادي لمواصلة هجومها على أوكرانيا، غيَّرت الحرب كيفية تحرّك الأموال في جميع أنحاء العالم. في غضون أسابيع من الغزو الروسي، فرضَ تحالفٌ بقيادة الولايات المتحدة يضمُّ 37 حليفًا وشريكًا، يمثلون أكثر من 60% من الاقتصاد العالمي، عقوباتٍ وضوابط على الصادرات على موسكو. وبحلول نيسان (أبريل) 2022، انخفضت قيمة الواردات الروسية إلى حوالي 43 في المئة أقل من متوسط ​​ما قبل الحرب. وكانت النتائج أشد قسوة مما يسمح به الكرملين، حيث شعر المواطنون الروس العاديون بالألم الذي سببه النظام. لكنَّ التحوّلَ نحو آسيا أنقذ موسكو، حيث وجدت روسيا أسواقًا ووسائل جديدة لوضع اقتصادها على مسار الحرب. وتُنفِقُ البلاد الآن 6% من ناتجها المحلي الإجمالي على جيشها.

الواقع أنّ الذي تغيّرَ ليس فقط من أين أتت الأموال، بل أيضًا كيف تبدو تلك الأموال. نرى هذا في جمهوريات الاتحاد السوفياتي السابقة في آسيا الوسطى والقوقاز، التي تشتري التكنولوجيا الغربية بالدولار وتبيعها لروسيا مقابل الروبل. ونرى ذلك في تجارة روسيا مع الصين، ففي الأشهر التسعة الأولى بعد غزوها الشامل لأوكرانيا، قفزت تجارة الروبل الروسي واليوان الصيني بأكثر من 40%. وفي الوقت نفسه، وصلت التجارة البَينية بين الصين وروسيا إلى مستوى قياسي بلغ 240 مليار دولار في العام 2023، بزيادة 26.3 في المئة في عامٍ واحدٍ فقط. وقد حلَّ اليوان أخيرًا محل الدولار باعتباره العملة الأكثر تداولًا في روسيا، حيث يُمثّلُ ما يقرب من 42 في المئة من إجمالي العملات الأجنبية المتداولة في بورصة موسكو. ونتيجةً لذلك، أدّت الحرب وتَهرُّب موسكو من أنظمة الدفع الأميركية إلى قيامِ أكبر دولة من حيث المساحة وثاني أكبر اقتصاد في العالم بالتداول في الغالب بعملاتٍ أخرى غير الدولار.

مع ذلك، فإنَّ تدويلَ عملةٍ أخرى غير الدولار لا يزال بعيد المنال. إنَّ الهيمنة المستمرّة للدولار الأميركي هي بمثابةِ تصويتٍ بالثقة من ملايين المشاركين في السوق بدءًا من الحكومات إلى الشركات إلى الأسر. ولن يتطلّبَ الأمرُ تغييراتٍ ثُنائية فحسب، بل يتطلّبُ الأمرُ أيضًا مؤسّساتٍ جديدة وموثوقة وتحالُفاتٍ مُتعدّدة الأطراف تقومُ على سيادة القانون والشفافية والمُساءلة لخلقِ أيِّ بديلٍ معقول. في حين أنَّ نظامَ الدفع بين البنوك عبر الحدود الذي تقوده الصين هو أحد هذه المحاولات، ويتعامل مع 25,900 معاملة في اليوم، فإنَّ هذا المجموع أقلّ بكثير من نظام المدفوعات بين البنوك في غرفة المقاصة الأميركية، والذي يقوم بحوالي 500,000 معاملة يومية تبلغ قيمتها 1.8 تريليون دولار. ومن بين معاملات نظامَ الدفع بين البنوك عبر الحدود الذي تقوده الصين، يعتمد 80% منها على “سويفت” (SWIFT)، وهو نظامٌ مقرّه في بلجيكا، وليس في بكين. إن الثقة التي اكتسبها الدولار في العقود الثمانية الماضية تميزه وتجعله فريدًا.

صعوبة إيجاد بديل من الدولار

إنَّ المشكلتين الأكثر أهمية بالنسبة إلى أولئك الذين يؤيّدون إزالة البيع بالجملة للدولار هما أنه من المستحيل استبدال شيءٍ بلا شيء، وأنَّ منافسي الولايات المتحدة لا يملكون حاليًا القدرة أو الرغبة في استبدال الدولار، حتى لو كان خطابهم في بعض الأحيان يوحي بخلاف ذلك. وهذا لا يعني أنَّ وضعَ الدولار يجب أن يؤخذ كأمرٍ مُسَلَّمٍ به. قد يؤدي الابتكار والتفتت الجغرافي الاقتصادي إلى تقليص نطاقه. وتتمثل الاتجاهات الناشئة الأكثر أهمية في النماذج التكنولوجية الجديدة، والترتيبات الخاصة في قطاعاتٍ مُحَدَّدة، والتحالفات الثنائية والمتعددة الأطراف. هذه الجهود هامشية، لكنها قد تُوفّرُ بدائلَ ذات معنى في المستقبل.

تمتلكُ الولايات المتحدة تكنولوجيات مالية متطوّرة مثل معظم الأسواق الرائدة، لكنها تتخلّفُ عن عددٍ قليلٍ من البلدان في اعتماد المستهلك لبعض التقنيات المالية. هذه المُقارنات تُديرُ السلسلة الكاملة. في العام 2021، أصبحت السلفادور أول دولة تُقَدّمُ مُناقصةً قانونية للعُملات المُشَفَّرة. والأهم من ذلك، أنَّ المجلس الأطلسي الذي يتتبع انتشار العملات الرقمية للبنوك المركزية، يذكر أنَّ 134 دولة واتحادات عملات، تمثل 98 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، تَستَكشِفُ حالات استخدام العملات الرقمية للبنوك المركزية، ارتفاعًا من 35 فقط في العام 2020. ويجري تنفيذ المشاريع في 11 دولة من الدول الأعضاء في مجموعة العشرين، على الرُغمِ من أنَّ ثلاثَ دولٍ فقط أطلقت بالكامل العملة الرقمية للبنوك المركزية. في عالمٍ أكثر انقسامًا، هناكَ المزيد من العملات الرقمية للبنوك المركزية – منذ شباط (فبراير) 2022، وفقًا للمجلس الأطلسي، “تضاعفت تطورات بيع العملات الرقمية للبنوك المركزية بالجملة مرَّتين”.

عندما تبنّى المستهلكون الأميركيون التقنيات المالية مثل بطاقات الائتمان في السبعينيات والثمانينيات، كان اقتصادُ الصين في حالةٍ من الفوضى النسبية، وكان لا يزال يتعافى من الثورة الثقافية. كان ناتجها المحلي الإجمالي 154 مليار دولار فقط في العام 1976. ومع ذلك، تُعَدُّ الصين اليوم ثاني أكبر اقتصاد في العالم، وقد اجتذبَ اليوان الرقمي، تركيزَ العديدِ من الخبراء الذين يتحدّثون عن الجهود التي تقودها التكنولوجيا نحو “التخلُّص من الدولار”. من المُمكِن أن يوفِّرَ اليوان الصيني الإلكتروني قدرًا أعظم من الكفاءة والشمول المالي للمواطنين الصينيين الذين لا يتعاملون مع البنوك، ولكن في العديد من النواحي، هناكَ اختلافاتٌ قليلة بينها وبين أنظمة الدفع الرقمية والمتنقلة في الغرب.

مع ذلك، تبذل الصين جهودًا لتدويل اليوان الصيني الإلكتروني كبديلٍ من الدولار، وقد أوضحت الحكومة الصينية هذه النيّة من خلال اختيارها لمكانِ ظهورِ العملة الرقمية لأول مرة: دورة الألعاب الأولمبية في بكين في العام 2022. خلال الألعاب، مرَّ زوارُ العاصمة، الذين كانوا لا يزالون يخضعون لقيودٍ صارمةٍ بسبب فيروس “كوفيد-19″، عبر الجمارك وتمكّنوا على الفور من استبدال العملة باليوان الصيني الإلكتروني. ولكن بدلًا من زيادة الثقة في الخارج، لم يُثِر هذا المخاوف بشأنِ ريادة بكين في مجال التكنولوجيا المالية فحسب؛ بل أطلقَ إنذاراتٍ حولَ كيفيّةِ استخدام هذه التكنولوجيا لزيادة سيطرة الحزب الشيوعي الصيني على المجتمع الصيني، وربما خلق أشكالًا جديدة من النفوذ الجيواقتصادي الذي يُمكِن للصين استخدامه على بقية العالم.

تُشيرُ حقيقةُ عدمِ حصوله على أيِّ استيعابٍ أو اهتمامٍ كبير في بلدانٍ أخرى إلى أنَّ اليوان الإلكتروني ليس بديلًا موثوقًا به في الخارج، ولا يزال في المراحل التجريبية، حتى في الداخل، حيث يصل إلى 260 مليون محفظة في 25 مدينة صينية فقط من أصل عدد سكان يزيد على 1,4 مليار نسمة. لكنَّ الضغطَ لتدويل العملة الرقمية الصينية مُستَمِرّ. ويُعَدُّ مشروع “أم بريدج” (mBridge) – وهو برنامج عملات رقمية للبنوك المركزية عبر الحدود يضم الصين القارية وهونغ كونغ وتايلاند والإمارات العربية المتحدة، بالإضافة إلى 25 دولة مراقبة – أحد هذه الجهود. هناكَ اهتمامٌ دولي ببدائل أكثر كفاءةً ومُنخفضة التكلفة لطرق الدفع التي تعتمدُ على الدولار، حتى لو لم تكن الحكومة الصينية تَتَّخِذُ بالفعل خطواتٍ لزيادةِ الثقة في اليوان الصيني الإلكتروني في معظم أنحاء العالم.

مع ذلك، تجدُ بكين سُبُلًا جديدة للحدِّ من الاعتماد على الدولار مع أقربِ شركائها. وتُعَدُّ الصين الآن الشريك التجاري الأول لأكثر من 120 دولة، وخصوصًا في شرق آسيا، ومنطقة جنوب الصحراء الكبرى في أفريقيا، والأسواق الناشئة الغنية بالموارد. ومع وجودِ بصمةٍ اقتصاديةٍ عالمية أكبر، تعملُ الصين على تحويلِ ميزان المدفوعات بعيدًا من الدولار، ويصل الآن إجمالي تجارة السلع في الصين باليوان إلى نحو 23%.

إننا نرى هذا الاتجاه بشكلٍ أوضح في تجارةِ النفط. يتمُّ تسعيرُ النفط بالدولار، وحَجمُ التجارة في سوق المشتقات النفطية العالمية –ما يقرب من 23 ضعفًا للحَجمِ المُتوَسِّط لتدفّقاتِ النفط الخام اليومية– مُقَوَّمٌ بالكامل بالدولار. لكن بكين تعمل على تقليصِ دورِ الدولار في تجارتها وفي الاقتصاد العالمي. إنَّ الصين دولةٌ كبيرة، لكنّها فقيرةٌ بالموارد، وتعتمدُ على واردات الطاقة، وأغلبها من الشرق الأوسط. واعتبارًا من العام الماضي، استوردت الصين حوالي 1.8 مليون برميل من النفط من المملكة العربية السعودية يوميًا. وفي محاولةٍ لعَزلِ تلك التجارة عن الدولار، وقَّعَت الرياض وبكين اتفاقيةَ مُبادلة عملات بقيمة 7 مليارات دولار. ومع أنَّ حوالي 14% من حجم تدفّقات النفط الخام العالمية اليومية يأتي من دولٍ خاضعةٍ لعقوبات، فإنَّ الحوافزَ لإلغاءِ الاعتماد على الدولار في هذا القطاع واضحة.

لكن هنا ربما يكون مدى وصول أولئك الذين يسعون إلى إلغاء الاعتماد على الدولار في أسواق النفط قد تجاوز قدرتهم، كما يتَّضحُ من أنماط التجارة بين الهند وروسيا. بعدَ فَرضِ العقوبات التي قادها الغرب على روسيا، أصبحت الهند الوجهة الأولى للنفط الخام الروسي المنقول بحرًا، حيثُ وصلت الواردات الهندية إلى 2.15 مليوني برميل يوميًا في أيار (مايو) 2023. لكن نيودلهي أصرّت على استخدام الروبية الهندية للتحويل والتسوية. وقد أدى هذا الموقف، إلى جانب العقوبات والحظر المفروض على موسكو، إلى حدوثِ احتكاك ومشكلة منذ ذلك الحين. وعلى الرُغم من الارتفاع الأوَّلي، بلغت تجارة النفط بين روسيا والهند أخيرًا أدنى مستوى لها منذ 12 شهرًا.

الذهب والدولار

تتخذُ التحرّكات نحو اقتصاداتٍ كاملة “مُقاوِمة للعقوبات” أشكالًا أخرى عديدة. لسنواتٍ، قامت موسكو بتخفيضِ حيازاتها من الدولار بشكلٍ مُطرد، حيث انخفض مخزونها من سندات الخزانة الأميركية من 102.2 مليار دولار في كانون الأول (ديسمبر) 2017 إلى 14.9 مليار دولار فقط بعد ستة أشهر. وبالمثل، في العام 2023، خفّضت الصين حيازاتها من سندات الخزانة الأميركية وزادت مشترياتها من الذهب بنسبة 30%. لا تقتصرُ هذه الاتجاهات على خصومِ الولايات المتحدة ومنافسيها –كما لاحظت أبحاث غولدمان ساكس، فإنَّ الهند، التي كانت خاضعة للعقوبات الأميركية بسبب برنامجها النووي حتى وصول إدارة جورج دبليو بوش، قامت أيضًا بزيادة ممتلكاتها من الذهب، على الرُغم من أنَّ الذهب لا يزال يُمثّلُ نسبةً صغيرة من احتياطياتها العالمية.

يُوَفِّرُ الذهب درجةً من التنويع والعزل عن العقوبات، لكنه ليس بديلًا من الدولار. فالعوائد الحقيقية أقل قابلية للتنبؤ بها، ويأتي الذهب مع تكاليف حمل وتخزين كبيرة، كما إنَّ وظيفة الذهب كوسيلةٍ للتبادل للتسوية التجارية مُنخَفِضة. في الوقت نفسه، فإنَّ المعروضَ المادي من الذهب محدود، حيث أنَّ العقودَ الآجلة للذهب مدعومة بحوالي 40 مليار دولار فقط من المعدن الثمين. ويرتفع هذا الرقم مع إدراجِ الأموال المتداولة في البورصة، ما يخلق فُرَصًا للتنويع والاستثمار في العديد من الأصول، لكنه لا يزال أقل بكثير من أسواق العملات الدولية.

يُمكِنُ للتكنولوجيا أن تُغَيِّرَ استخداماتِ الذهب ودوره في النظام المالي العالمي أيضًا. تاريخيًا، أثبت الذهب في كثيرٍ من الأحيان أنه مخزنٌ أفضل للقيمة من العملة الورقية. لكنه يفتقرُ إلى الوظيفة نفسها، ناهيك عن تكاليف التخزين والحركة الأكبر. مع ذلك، فإنَّ رقمنةَ الذهب المادي في نظام التخزين الحالي يمكن أن يوفر له كفاءة أكبر في التسوية.

وأيًا كانَ التقدُّم التكنولوجي، فإنَّ التخلُّصَ الحقيقي من الدَولَرة يتطلَّبُ بديلًا مُقنِعًا مدعومًا بإجماعٍ مُتَعَدِّدِ الأطراف. تُحاوِلُ تجمُّعات تقودها الصين، مثل منظمة شنغهاي للتعاون، ومبادرة الحزام والطريق، ومجموعة “بريكس” (المعروفة الآن باسم مجموعة بريكس+)، إنشاءَ مثل هذا المنتدى، بطريقتها الخاصة. لهذا السبب دعا رئيس البرازيل دول “بريكس” إلى إنشاءِ عملةٍ مشتركة في قمة العام الفائت في جنوب أفريقيا، قائلًا لزملائه الزعماء إنَّ وسيلةَ التبادُل هذه “تزيد من خيارات الدفع لدينا وتُقلِّلُ من نقاطِ ضعفنا”.

حتّى هذا الجُهدُ الذي حظي بتغطيةٍ إعلاميةٍ واسعة النطاق لا يخلو من المخاطر. تُعَدُّ دول “بريكس” الأصلية موطنًا لـ42% من سكّان العالم، ووفقًا لصندوق النقد الدولي، فهي موطنٌ لثلث الناتج الاقتصادي العالمي. لكن الاختلافات الاقتصادية والإيديولوجية والجيوسياسية بينها تجعل أيَّ نتائج سياسية مُوَحَّدة غير مُرَجَّحة على الإطلاق. وحتى الأعضاء يرفضون فكرة قيادة مجموعة “بريكس” مسألة التخلّص من الدولار، حيث صرح وزير الخارجية الهندي س. جايشانكار في تموز (يوليو) الماضي قائلًا: “ليس هناك أي فكرة عن عملةٍ ل”بريكس””.

وتؤكّدُ البيانات مشاعر جايشانكار. وفقًا لبنك التسويات الدولية، فإنَّ الدولار الأميركي هو العمود الفقري لتجارة دول “بريكس”. في العام 2022، شارَكَ الدولار في 97 في المئة من جميع معاملات الصرف الأجنبي التي تنطوي على الروبية الهندية، و95 في المئة من جميع هذه المعاملات التي تنطوي على الريال البرازيلي، و84 في المئة من جميع هذه المعاملات التي تنطوي على اليوان.

رُغمَ أنَّ الجهودَ الرامية إلى الابتعاد عن الدولار اكتسبت المزيد من الثِقَل في بعض القطاعات، فإنَّ الخطابَ حول التخلُّصِ من الدولار يدور، في كثيرٍ من النواحي، حول السياسة الأدائية أكثر من كونه سياسة جادة. لجَعلِ اليوان أكثر جاذبية، يجب على بكين أن تُخَفِّفَ ضوابطها على رأس المال أو تبتعد من نموذج دولة مراقبة، لكنها لا تُظهِرُ أيَّ دلائل تُذكَر على القيام بذلك. يستطيع الاتحاد الأوروبي أن يُعَزِّزَ قيمة اليورو إذا نجح في إنشاء ذلك النوع من أسواق رأس المال التي تُحرِّكُ النظام المالي في الولايات المتحدة، لكنه لم يفعل. وستكون هذه التحرّكات مفيدة للمواطنين الصينيين والأوروبيين على حَدٍّ سواء. لكن في الوقت الحالي، يظلُّ الدولار العملة الأكثر ثقة، والأكثر كفاءة من جوانب عدة، ليس فقط بالنسبة إلى الولايات المتحدة بل لغالبية دول العالم. رُغمَ أنَّ مجموعة “بريكس” قد تكون لديها الرغبة في بناءِ نظامٍ ماليٍّ دوليٍّ جديد، فإنَّ الاقتصادَ العالمي الذي سمح للأسواق الناشئة بالظهور والبروز على مدى السنوات الخمس والعشرين الماضية كان مَبنيًا على الدولار.

على أميركا أن تكون حذرة

قد لا ينجحُ منافسو الولايات المتحدة في إبعاد العالم عن الدولار، لكن يجب على واشنطن أن تكونَ حريصةً على عدمِ دَفعِ بقية العالم خارج مدارها أيضًا. يُمكِنُ أن يكونَ استخدامُ الدولار في العقوبات أداةً قَيِّمةً في فن إدارة الحُكم الاقتصادي، وقد استخدمت الحكومات الغربية العقوبات منذ العام 432 قبل الميلاد، عندما فرضت أثينا حظرًا على مدينة ميغارا القريبة في الفترة التي سبقت الحرب البيلوبونيسية. ولكن عندما يتمُّ الإفراط في استخدامها أو إساءة استعمالها، فإنها تؤدّي إلى تآكل الثقة وتترك بقية العالم تسعى إلى حماية نفسها من الاقتصاد العالمي المُسَلَّح.

لقد أصبح النقاش حول استخدام العقوبات أكثر إلحاحًا واتَّخَذَ أشكالًا جديدة في العامين الماضيين. بعد فترةٍ وَجيزةٍ من الغزو الروسي لأوكرانيا، قامت الولايات المتحدة وحلفاؤها بتجميد ما قيمته نحو 300 مليار دولار من الأصول الروسية السيادية في الغرب. وشمل ذلك جُزءًا كبيرًا من احتياطيات روسيا من الذهب والعملات الأجنبية، المُقَوَّمة باليورو والدولار والجنيه الاسترليني والين الياباني وعملات أخرى. وبينما تَكيَّفَ الاقتصادُ العالمي مع هذه العقوبات لمدة عامين، دخلنا أخيرًا فصلًا جديدًا في التاريخ المالي.

قبل هذا العام، لم تكن الولايات المتحدة قد جمّدت أو استولت قط على أصولٍ أجنبية لدولةٍ ليست في حالةِ حربٍ معها. مع ذلك، في 24 نيسان (أبريل)، وَقَّعَ الرئيس جو بايدن على قانون “إعادة بناء الرخاء والفُرَص الاقتصادية للأوكرانيين”، مما أنشأ وسيلةً للقيام بذلك والاستيلاء على أصول روسية لدَعمِ أوكرانيا.

كانت الحجّة لصالح مشروع “إعادة بناء الرخاء والفرص الاقتصادية للأوكرانيين” واضحةً ومُقنعة، على الأقل بالنسبة إلى واشنطن وأغلب شركائها. ومع مرور كل يوم، تتزايد تكلفة إعادة بناء أوكرانيا: يُقَدّرُ المنتدى الاقتصادي العالمي الرقم بنحو 486 مليار دولار. إنَّ إعادة استخدام الأصول الروسية يُشَكّلُ حلًّا أنيقًا سياسيًا يتمتّعُ بميزةِ عدمِ فَرضِ أيِّ تكاليفٍ مباشرة على دافعي الضرائب في الولايات المتحدة أو الاتحاد الأوروبي. لكنها مثل أغلب السياسات تنطوي على مقايضات، وكانت موضوعًا لمناقشات كبيرة في اجتماع وزراء مالية مجموعة السبع في أيار (مايو)، وأخيرًا في قمة المجموعة التي عُقِدَت في الأسبوع الفائت في إيطاليا حيث اتّخذت قرارًا بمنح أوكرانيا قرضًا بقيمة 50 مليار دولار مدعومًا بالعوائد على الأصول الروسية المُجمَّدة.

ما الذي قد يؤدّي إليه هذا التغيير في السياسة؟ لاحَظَ مايكل سترين من معهد “أميركان إنتربرايز” أنَّ المُنتقدين يزعمون أنَّ الاستيلاء على الأصول الروسية قد يجعل الدول الأخرى تشعرُ بالقلق من احتمالِ الاستيلاءِ على أصولها ذات يوم. ونظرًا لهذا الخطر، فإنها ستتخذُ خطواتٍ وِقائية لإبعادِ أنفسها عن الاقتصادات الغربية، ما يجعلها أقلّ استعدادًا للاحتفاظ بالدولار أو اليورو أو حتى الاستثمار في الغرب. ويرى سترين أنَّ هذه المخاطر “مشروعة، لكنها غير مُقنعة في نهاية المطاف” عندما يتعلّقُ الأمرُ بقانون “إعادة بناء الرخاء والفرص الاقتصادية للأوكرانيين”، لكن لا ينبغي لنا أن نتجاهلها، بما في ذلك عند العمل مع الحلفاء الذين ستكون مشاركتهم مطلوبة لجعل مثل هذه التدابير فعّالة.

تُظهرُ هذه المناقشات كيفَ أنَّ الإفراطَ الفعلي أو المُتَصَوَّر في استخدام الإكراه الاقتصادي لن يؤدّي إلّا إلى زيادة رغبة البلدان الأخرى في إيجاد بدائل من الدولار الأميركي. وتكون العقوبات أكثر فعالية عندما تكون مُستَهدِفة ومُتعدّدة الأطراف ومُصَمَّمة لتحقيقِ أهدافٍ مُحدَّدة. وإذا استُخدِمَت بحكمة، فإنها تعمل على تعزيز الوضع الاقتصادي للولايات المتحدة، ولكن عندما يتم إساءة استخدامها فإنها تجعل البلاد أضعف.

كانَ انهيارُ الدولار أمرًا مُبالغًا فيه لعقود. لكن أولئك الذين يعتقدون أن الدولار سوف يظل صاحب السيادة إلى الأبد، ينبغي لهم أن يتعلّموا درسًا في التواضع من المُعلّق والمُحلّل السياسي الأميركي الراحل تشارلز كراوثامر. في كانون الثاني (يناير) 1990، وبينما كانت الولايات المتحدة في أوج قوّتها عند نهاية الحرب الباردة، كتب أنَّ “السمة الأكثر لفتًا للانتباه في عالم ما بعد الحرب الباردة هي الأحادية القطبية. لا شكَّ أن التعدّدية القطبية ستأتي في الوقت المناسب”. إنَّ لحظةَ أحادية القطب للدولار لم تنتهِ بعد، لكن العالم يُمكِن أن يتغيَّر.

عندما برز الدولار باعتباره الإجماع العالمي في مرحلةِ ما بعد الحرب العالمية الثانية، كانَ الاقتصادُ الأميركي يُمثّلُ ربما نصف الناتج المحلي الإجمالي العالمي. ومنذ ذلك الحين، أصبحت الصين ثاني أكبر اقتصاد في العالم. وتتحدّى بكين النظام الذي تقوده الولايات المتحدة. لقد تطوّرت الأسواق الناشئة وهي تسعى إلى قدر أكبر من الاستقلال، كما ظهرت عملات وتقنيات جديدة على الخط الإلكتروني. وفي الوقت نفسه، لا تحمي واشنطن دائمًا الامتياز الذي يمنحه الدولار. ومن الممكن أن تؤدي التعريفات غير الضرورية إلى تقليص دور الولايات المتحدة وقدرتها على الوصول إلى الاقتصاد العالمي. إن سياسة حافة الهاوية المالية، مقترنة بالمواجهات المتكررة بشأن حدود الدين، بل وحتى التهديد بالتخلّف عن السداد، تعمل على تآكل الثقة؛ ويقترب الدين الوطني الأميركي من 35 تريليون دولار، ويتوسع عجز الموازنة بمعدلات غير مسبوقة، حتى في وقت السلم.

لكن إذا كان منتقدو الدولار يبحثون حقًا عن بديل، فسوف يضطرون إلى تبنّي سياساتٍ مختلفة جذريًا. ويبدو أنَّ المشاكل الاقتصادية التي تعيشها الصين اليوم تبدو بُنيَوِيّة أكثر منها دورية. ويُقَيِّدُ حسابُ رأس المال المُغلَق في بكين كمية اليوان المُتاحة للمُعاملات، وفي العام الفائت، أعلنت الصين عن أول عجز ربع سنوي لها على الإطلاق في الاستثمار الأجنبي المباشر. وفي حين أنَّ العديد من شركاء الصين التجاريين يشتركون في الرغبة في الابتعاد عن الدولار، فقد لاحظت أبحاث غولدمان ساكس أنه حتى هؤلاء الشركاء لديهم حدودٌ بشأن مقدار اليوان الذي يمكنهم تجميعه، حيث أن عملاتهم غالبًا ما تكون مُرتَبطة بالدولار. وعندما يتعلق الأمر بحلفاء الولايات المتحدة، فحتى الاتحاد الأوروبي لم يتخذ الخطوات اللازمة لإنشاء أسواق رأسمالية عميقة وسائلة قادرة على زيادة جاذبية اليورو كبديل.

يظل التحرُّك نحو وقف الدولرة هامشيًا ولكنه ذو معنى ومؤثّر. لكي يفقد الدولار مكانته، سيتطلّبُ الأمرُ سلسلةً من الإخفاقات السياسية في واشنطن، كما سيتطلّبُ الأمرُ من منتقدي الدولار إيجاد بدائل لها جاذبية ليس فقط في الاقتصادات الاستبدادية التي تقودها الدولة، بل على مستوى العالم. إن النظامَ المالي العالمي يتغيّر، ولا يوجد شيءٌ مؤكّد. ولكن يظل من الخطَإِ المُراهنة ضدّ الدولار.

  • جاريد كوهين هو رئيس الشؤون العالمية والرئيس المشارك لمعهد غولدمان ساكس العالمي، حيث هو شريك وعضو في لجنة إدارة المؤسسة.
  • يَصدُرُ هذا المقال بالعربية في “أسواق العرب” توازيًا مع صدوره بالإنكليزية في “فورين بوليسي” الأميركية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى