إلى أيِّ حَدٍّ سيؤثّرُ الذكاءُ الاصطناعي في عالمِ الاقتصادِ والمال؟
يبدو أنَّ عملياتِ الذكاء الاصطناعي ستؤثّر في الاقتصاد من خلال تعزيز أداء الشركات والصناعات وتحسين خدمة العملاء.

حيدر المجالي*
الذكاءُ الاصطناعي هو موضوعُ الساعة في قطاع التكنولوجيا حيث يعيش العالم عصرَ تحوّلٍ تكنولوجي والانتقال إلى مستويات جديدة. يُمثّل الذكاء الاصطناعي نقلةً نوعية في التكنولوجيا ويتسارع تأثيره في مختلف جوانب الحياة. أصبحت الأتمتة وتحليل البيانات الضخمة الآن جُزءًا لا يتجزّأ من الأنظمة الاقتصادية العالمية. ويَجلِبُ هذا التحوّل الرقمي الهائل تحدّياتٍ وفُرَصًا جديدة للاقتصاد.
لقد شهدنا أخيرًا ثورةً تكنولوجية كبيرة حوّلت العديد من الأوهام العلمية إلى حقائق ملموسة. أصبحت الروبوتات أكثر ذكاءً وقدرة على التكيُّف وصارت تُستَخدَمُ بشكلٍ متزايد في مجالاتٍ مختلفة مثل التصنيع والرعاية الصحّية والخدمات اللوجستية.
بدايةً، إنَّ الذكاء الاصطناعي هو مجالٌ في علوم الكمبيوتر يُركّز على تطوير الأنظمة والبرامج القادرة على أداءِ المهام التي تُعتَبَرُ ذكاءً بشريًا. ويهدفُ إلى تصميم وتطوير أنظمةٍ يُمكِنها التعلّم والتفكير واتخاذ القرارات بشكلٍ مُماثل للإنسان. يسعى الذكاء الاصطناعي إلى تمكين أجهزة الكمبيوتر من أداءِ مهامٍ مُعَيَّنة مثل التعلّم الآلي، والتعرّف على الصوت والصورة، ومعالجة اللغة الطبيعية، والتخطيط، والتفكير الذكي، والتشخيص الطبي، والاقتصاد، والتجارة الإلكترونية، والمركبات ذاتية القيادة، وأنظمة التحكّم الصناعية.
تتنوَّعُ التطبيقات العملية للذكاء الاصطناعي، وتُغطّي العديد من المجالات حيث يمكن أن تُساعد على تحسين الكفاءة والدقة واتخاذ القرار بناءً على قواعد بيانات واسعة.
واعتمد الذكاء الاصطناعي تطبيقات حديثة مثل “Smart Assistant” لإنجازِ المهام بسهولة، و”Chat GPT” لحلِّ المشكلات العلمية وتقديم حلول لمختلف القضايا وتحرير المقالات العلمية والأدبية وغيرها.
يعمل الذكاء الاصطناعي والاقتصاد معًا لتحقيق تحسينات في الكفاءة والأداء الاقتصادي. وهي المجالات التي تستخدم تطبيقات التكنولوجيا والبيانات في سياق النظم الاقتصادية والاجتماعية.
يمكن استخدام الذكاء الاصطناعي لتحليلِ وتفسيرِ البيانات الاقتصادية والمالية، وتقديم تنبُّؤاتٍ حول السلوك الاقتصادي وتوقّعاتٍ بالنسبة إلى االاتجاهات الاقتصادية المستقبلية. كما يُمكنُ أن يُساهِمَ الذكاء الاصطناعي في تحسين الكفاءة، وتعزيز الأداء، وتحفيز النمو الاقتصادي، وزيادة الإنتاج، وخفض التكاليف، وتحسين التخطيط الاستراتيجي، وإدارة المخزون، وتحسين سلاسل التوريد.
ووفقًا لتقريرٍ أصدره بنك غولدمان ساكس في العام 2022، من المتوقع أن يؤدي الذكاء الاصطناعي إلى زيادة الناتج المحلي الإجمالي العالمي بنسبة 1.5 في المئة خلال العقد المقبل من خلال تحفيز التجارة والاستثمار والتعاون الدولي وفقًا لتوقّعات المنتدى الاقتصادي العالمي. وسوف يضخُّ الذكاء الاصطناعي تريليونات الدولارات في الاقتصاد العالمي.
من المتوقّع أن يُضيفَ استخدامُ الذكاء الاصطناعي 16 تريليون دولار إلى الاقتصاد العالمي بحلول العام 2030 وفقًا للتقارير الدولية، ولا شك أن الصين والولايات المتحدة هما اللاعبان الرئيسان المستفيدان بشكل كبير من هذا الطفرة التكنولوجية، حيث يُمثّلان 70 في المئة من النموِّ العالمي بسبب تكنولوجيتهما المتقدمة. وقد أشارت الدراسات إلى أنَّ الخدمات المصرفية والتكنولوجيا العالمية وعلوم الحياة ستكون من أكثر القطاعات المُستفيدة من هذا التحسّن.
في القطاع المصرفي، يُمكِنُ للذكاء الاصطناعي أن يُضيفَ ما بين 200 إلى 340 مليار دولار سنويًا في الأنشطة المالية المُتَقدّمة، وفي تجارة التجزئة والسلع الاستهلاكية، يمكن أن يصل التأثير إلى ما بين 400 إلى 660 مليار دولار سنويًا.
وفي ما يتعلق بأسواقِ العمل العالمية، من المتوقع أن يتراوح نمو الإنتاجية بين 0.1 في المئة و0.6 في المئة سنويًا حتى العام 2040، ويمكن أن يتأثر نحو 60 في المئة من الوظائف في جميع أنحاء العالم. وقد يؤدّي تكامل الذكاء الاصطناعي إلى تعزيز بعض الوظائف الإنتاجية وتحسين كفاءة أداء الشركة.
وفقًا لصندوق النقد الدولي، فإنَّ تأثيرَ الذكاء الاصطناعي على سوق العمل العالمية سيتجاوز 40% من القوى العاملة من خلال تعريضهم للذكاء الاصطناعي بطريقةٍ ما. ومن المتوقع أن يؤدي الذكاء الاصطناعي إلى فقدان 85 مليون وظيفة وخلق 97 مليون وظيفة جديدة بحلول العام 2025. ويُقلّل الذكاء الاصطناعي من معدلات التوظيف ويقضي على الوظائف، كما رأينا في الشركات العالمية مثل “ميتا” وأمازون و”ألفابِت” وغيرها، لكنه يخلق الفرص للتطوير والنمو في أعمالِ هذه الشركات.
يتطلّبُ استخدامُ الذكاء الاصطناعي لتحفيزِ النموِّ الاقتصادي تخطيطًا دقيقًا وتنفيذًا سليمًا، ووجود استراتيجية واضحة للتعاون بين القطاعين العام والخاص لضمان تحقيق فوائد التكنولوجيا. تؤثّرُ عمليات الذكاء الاصطناعي في الاقتصاد من خلال تعزيز أداء الشركات والصناعات وتحسين خدمة العملاء.
على سبيل المثال، يمكن لروبوتات الدردشة التفاعل مع العملاء وتقديم الدعم. سيؤثر الذكاء الاصطناعي أيضًا في الأسواق المالية من خلال التطورات التكنولوجية مثل التداول الآلي، ما يُتيحُ اتخاذ قرارات شراء وبيع أسرع للأصول المالية بناءً على تحليلاتٍ دقيقةٍ للبيانات وتوقّعات السوق واتجاهاتها، وإدارة المخاطر من خلال مراقبة الأنشطة وتحليلها، والكشف عن الأنشطة غير القانونية والاحتيال في الأسواق المالية.
يعملُ العديدُ من البلدان حول العالم على تشجيع الاستثمار في الذكاء الاصطناعي وإنشاء أُطُرٍ تنظيمية لاستخدامه. وعلى العكس من ذلك، فإنَّ الدول التي لا تهتم بهذا المجال قد تُفَوِّتُ فُرَصًا اقتصادية كبيرة وتكافح من أجل مواكبة التطورات العالمية.
وفقًا لتقريرٍ من مؤشر “ستاندرد أند بورز 500” (S&P 500)، يمكن أن يستمرَّ نمو شركات الذكاء الاصطناعي إلى 5,200 نقطة هذا العام، مما يشير إلى زيادة بنسبة 9 في المئة على الأقل لعام 2024.
في غضون ذلك، سلط تقرير حديث لموقع “Business Insider” الضوء على أنشطة وول ستريت، مشيرًا إلى أنَّ الطفرة الهائلة في أسهم شركات الذكاء الاصطناعي ستدعم الاقتصاد العالمي وتزيد معدلات النمو الاقتصادي للدول بنسبة 1 في المئة إلى 2.3 في المئة.
ولمساعدة البلدان في صياغة سياسات سليمة للذكاء الاصطناعي، أنشأ صندوق النقد الدولي “مؤشر جاهزية الذكاء الاصطناعي”، الذي يقيس الجاهزية في مجالاتٍ مثل البنية التحتية الرقمية، ورأس المال البشري وسياسات سوق العمل، والابتكار والتكامل الاقتصادي، والأطر التنظيمية والأخلاقية. وباستخدام هذا المؤشر، قام خبراء صندوق النقد الدولي بتقييم مدى استعداد 125 دولة حول العالم.
وكشف التقييم أنَّ الاقتصادات الأكثر ثراءً والأسواق الناشئة مُجَهَّزة بشكلٍ عام بطريقةٍ أفضل لتبنّي الذكاء الاصطناعي من البلدان المنخفضة الدخل. وسجلت سنغافورة والولايات المتحدة والدنمارك أعلى المستويات في المؤشر، بينما احتلت الإمارات العربية المتحدة المركز 28. وبالتالي، ينبغي للاقتصادات المتقدّمة إعطاء الأولوية للإبداع والتكامل في مجال الذكاء الاصطناعي مع إنشاء أُطُرٍ تنظيمية قوية.
سيخلق هذا النهج بيئةَ ذكاءٍ اصطناعي آمنة ومسؤولة وسيعزّزُ الأمن السيبراني. وينبغي للأسواق الناشئة والاقتصادات النامية إعطاء الأولوية لإنشاءِ أساسٍ متينٍ للتحوُّل التكنولوجي من خلال الاستثمارات في البنية التحتية الرقمية.
مع ذلك، فإنَّ متابعة استخدام الذكاء الاصطناعي لا تخلو من التحدّيات، مثل تأثيره في سوق العمل، وفقدان الوظائف المُحتَمَل في الأدوار التقليدية، وزيادة عدم المساواة الاقتصادية، والمخاوف بشأن الخصوصية وأمن البيانات والتحدّيات القانونية والأخلاقية المتعلقة بالاستخدام السليم للذكاء الاصطناعي.
في الأردن، تمت الموافقة على استراتيجية وخطة العمل الأردنية للذكاء الاصطناعي (2023-2027) لجعل الأردن رائدًا في هذا المجال. تتضمّن الاستراتيجية خمسة أهداف رئيسة هي: تطوير نظام بيئي داعم للذكاء الاصطناعي، وتشجيع البحث العلمي والتطوير في مجال الذكاء الاصطناعي، وتعزيز بيئة الاستثمار وريادة الأعمال في الذكاء الاصطناعي، وضمان بيئة تشريعية وتنظيمية داعمة للتوظيف الآمن للذكاء الاصطناعي، وتطبيق أدوات الذكاء الاصطناعي لتحسين كفاءة القطاع العام والقطاعات ذات الأولوية.
- حيدر المجالي هو خبير أردني في الشؤون الاقتصادية والمالية.
يجب عليك تسجيل الدخول لكتابة تعليق.