خامنئي يُحكِمُ قَبضَتَهُ على الانتخاباتِ الرئاسِيّةِ المُبكِرة في إيران
هناكَ أكثرُ من عشرةِ أسماءٍ أو نحوِ ذلك كمُرَشَّحين مُحتَمَلين للإنتخابات الرئاسية في إيران. ومَن يقومُ بالتسجيل للترشُّحِ سيَعلَمُ بحلول 11 حزيران (يونيو) ما إذا كان اجتازَ عمليةَ الفحص التي يُجريها مجلسُ صيانةِ الدستور الذي يُسيطرُ عليه المُرشد الأعلى علي خامنئي.
أليكس فاتانكا*
أرغَمَت الوفاةُ المُفاجِئة للرئيس إبراهيم رئيسي إيران على إجراءِ انتخاباتٍ رئاسية مُبكِرة بحلول الثامن والعشرين من حزيران (يونيو). في المرحلة الأولى من هذه العملية الانتخابية، سوفَ تَتَّجِهُ كل الأنظار نحو المرشد الأعلى علي خامنئي، لأنَّ القُدرةَ التنافُسية النسبية ل”السباق” المقبل تعتمدُ بشكلٍ كامل على مَن سيسمح له المرشد الأعلى بالترشُّح. فهل سيفتح الباب أمامَ مجموعةٍ متنوِّعة من المرشَّحين السياسيين من بين أجنحةٍ مُتَعدّدة من مؤيدي النظام؟ أم أنّهُ سيختارُ إدارةَ العملية بشكلٍ دقيق للتأكّدِ من فوز مرشحه المُفَضَّل – أي، شخصٌ من المُتشدّدين التابعين له الذي سيفعل كل ما يُطلَبُ منه؟
النهجُ الأخير هو بالضبط ما اختاره خامنئي في العام 2021، عندما حصل رئيسي على الرئاسة بعدَ مَنعِ 585 مرشَّحًا من القيام بالحملات الانتخابية وتمَّ اختيارُ سبعة رجال فقط للترشُّح. إنَّ جهازَ النظام الذي يُقرّرُ رسميًا مَن يُمكِنهُ الترشُّح، وكذلك نطاق التشريع الذي يُسمَحُ للرئيس المُنتَخَب فعليًا تنفيذه، هو مجلس صيانة الدستور. ومع ذلك، فإنَّ أعضاءَ هذه الهيئة الـ12 يتمُّ تعيينهم جميعًا، وليس انتخابهم من قبل الشعب، وبالتالي يعكسون رغبات المرشد الأعلى. إنَّ وجودَ هذا المجلس ودوره الانتخابي هو أكبر مؤشّر إلى أنَّ الجمهورية الإسلامية دولة دينية (ثيوقراطية) وليست ديموقراطية كما يُحِبُّ خامنئي أن يُرَدِّد.
من جهتها، تأملُ الفصائل الإصلاحية والمُعتدلة بين النخبة أن يُظهِرَ خامنئي تسامُحًا تجاهها، لكن من المرجّح أن تكون هذه الآمال في غيرِ محلِّها. يكادُ يكونُ من المؤكَّد أنَّ خامنئي سوفَ يُبقي الانتخاباتَ مُقتَصرة على التنافس بين مختلف المرشَّحين الذين يُشاركونهُ رؤيتهُ الإسلامية المُتشدِّدة إيديولوجيًا. الرجل البالغ من العمر 85 عامًا يُركّزُ في معظم الحسابات على عملية خلافته. إنه لا يريدُ سوى الطاعة من أيِّ شخصٍ سيتوَلّى الرئاسة للسنواتِ الأربع المقبلة بينما يستعدُّ لتسليمِ الراية.
من أجلِ المَظهر، يجب أن يكونَ هناك مُرَشَّحٌ رمزي غير مُتشدّد؛ لكن لا ينبغي للمراقبين أن يتوقّعوا ظهورَ أيِّ أسماءٍ بارزة أو مُفاجِئة من هذا الباب. على الرُغمِ من ادِّعاءاته حولَ أهمّيةِ الانتخابات، فقد توافَقَ خامنئي الآن مع عامة الناس في إيران الذين يرفضون شرعية العملية الانتخابية التي يتمُّ التلاعب بها بشدّة في البلاد. وسوف يقبل خامنئي (والنظام) نسبةَ إقبالٍ أخرى مُنخَفِضة (على الأرجح) ــكما كان الاتجاه في السنوات الأخيرةــ ثم يواصلُ رُغم ذلك المطالبة بالدَعمِ الشعبي لأجندته السياسية “الفائزة”. إنها حالةٌ من الصمم السياسي التام، لكن خامنئي لا يتغيَّرُ أو يتراجع.
يُمكِنُ للمرشَّحين التسجيل لخوضِ الانتخابات حتى الثالث من حزيران (يونيو)، على الرُغم من وجود فكرةٍ جيدة أصلًا عن أسماءِ المتنافسين المُحتَمَلين. ومن الجدير بالذكر إنهٌ لا يوجدُ سوى عددٍ قليلٍ من رجال الدين حتى الآن من بين الأسماء البارزة المذكورة في وسائل الإعلام الإيرانية. بدلًا من ذلك، فإَّن غالبيةَ المرشحين المتشدّدين لديها صلة بالحرس الثوري. ومن بين أولئك الآتين من “المعسكر المتشدد”، فلا تفرّقهم أفكارٌ سياسية محددة، بل ما يُفرّقهم هو عداءٌ شخصي وتنافسٌ بين الفصائل. وما يُبقيهم متماسكين نسبيًا هو خضوعهم الجماعي لأجندة خامنئي.
من بين كبارِ المرشَّحين المُرتبطين بالمعسكر المتشدّد غير المُنَظَّم أسماءٌ عدة رئيسة. الأول هو محمد مخبر، النائب الأول للرئيس الراحل رئيسي، والذي يشغل الآن منصب الرئيس بالنيابة. ويُعرَفُ باسم “رجل المال” للمرشد الأعلى بسبب دوره في إدارة المؤسسات الاقتصادية الثرية المُرتَبِطة بخامنئي. وهناكَ لاعبٌ بارزٌ آخر هو سعيد جليلي، أحد الممثلين الشخصيين للأمن القومي لخامنئي، والذي سيكون انتخابه للرئاسة بمثابةِ كابوسٍ لكلٍّ من الشعب الإيراني والقوى الغربية نظرًا لقناعاته الإسلامية المُتشدِّدة. وبصفته كبير المفاوضين النوويين الإيرانيين في الفترة من 2007 إلى 2013، فقد عَمّقَ جليلي الأزمة، ومع ذلك استطاع الحفاظ على ثقة خامنئي. وتشمل أسماء الشخصيات الأخرى التي لها علاقات وثيقة مماثلة مع خامنئي محمد باقر قاليباف، رئيس مجلس النواب، وعلي رضا زاكاني، رئيس بلدية طهران.
هناكَ أيضًا أولئك الذين لديهم سجلٌّ مُختلَط قليلًا عندما يتعلق الأمر بعلاقتهم مع خامنئي. من بين هذه الشخصيات التي يتمُّ ذكرُها بشكلٍ مُتَكَرِّرٍ هو علي لاريجاني، الذي كان ذات يوم من المقربين الوثيقين إلى أن فقدت عائلته ذات النفوذ حظوة المرشد الأعلى. وهو نوعٌ من المرشحين الذي قد يكون قادرًا على جذب شرائح من المُعسكرَين الإصلاحي/المعتدل والمتشدّد. مُنِعَ لاريجاني من الترشّح للرئاسة في العام 2021، لكن قد تتم الموافقة عليه من قبل مجلس صيانة الدستور هذه المرة. ويبدو أنه يأمل ذلك.
ثم هناك المنشقّون الذين لا يمكن استبعادهم، وأبرزهم محمود أحمدي نجاد. وسيبذل الرئيس الشعبوي السابق (2005-2013) قصارى جهده لاستخدامِ هذه الانتخابات للحفاظ على أهميته. وستكون مهاراته الاستعراضية في هذه العملية الانتخابية من بين أكثر الأشياءِ المُمتعة التي تستحق المشاهدة.
ويبدو أنَّ المُعسكرَ الإصلاحي/المُعتدِل الأوسع يرغبُ في الوقتِ الحالي في تقديم مُرَشَّحيه وعدم مقاطعة الانتخابات كما يرغب الجمهور الغاضب. ومن بين الأسماء من هذا الفصيل التي من المرجح أن تتم الموافقة على ترشّحها، عبد الناصر همتي، رئيس البنك المركزي الإيراني السابق، وإسحاق جهانغيري، نائب الرئيس في حكومة حسن روحاني للفترة 2013-2021.
ومن بين المرشَّحين المدعومين من الإصلاحيين والذين قد يكونون قادرين على إثارةِ بعض الاهتمام الشعبي، محمد جواد ظريف. وزير الخارجية السابق هو شخص يعرفه خامنئي شخصيًا منذ أوائل الثمانينيات الفائتة. وربما كان المرشد الأعلى نفسه قادرًا على التسامح مع ترشيحه؛ لكن ظريف ببساطة مكروهٌ للغاية من قبل القاعدة الأوسع التي تدعم خامنئي. ولهذا السبب، فمن غير المرجح في نهاية المطاف أن تتم الموافقة على ترشّحه. وحتى الآن، نفى ظريف أيَّ اهتمامٍ بالرئاسة.
وقد يبحث خامنئي بدلًا من ذلك عن شخصٍ يُمكِنُ أن يكونَ مُرَشَّحًا توافُقيًا للمعسكرات الإصلاحية/المعتدلة والمتشدّدة. يمكن أن يكون هذا الشخص، على سبيل المثال، علي أكبر صالحي، وزير الخارجية السابق والمخلص الثابت الذي ليس له أعداء لدودون داخل صفوف النظام. وقد يكون هناك خيارٌ آخر يتمثّل في شخصٍ مثل علي شمخاني، رئيس الأمن القومي السابق الذي قيل إنه مُنِحَ للتو دورًا جديدًا للتفاوض بشأن الملف النووي الإيراني مع الغرب، وهو رجلٌ قد يكون مقبولًا لدى نطاق أوسع من النظام. يتم أيضًا التداول والاستشهاد بأكثر من عشرة أسماء أو نحو ذلك كمرشَّحين محتملين. ومَن يقومُ بالتسجيل للترشُّحِ سيَعلَمُ بحلول 11 حزيران (يونيو) ما إذا كان اجتازَ عملية الفحص التي يجريها مجلس صيانة الدستور. عندها فقط سوف يعرفُ الشعبُ الإيراني نَوعَ المسرح السياسي ومسارَ العمل الذي يعتزم خامنئي تقديمه لهم خلال الأسابيع المقبلة.
- أليكس فاتانكا هو مدير برنامج إيران في معهد الشرق الأوسط في واشنطن وزميل أول في برنامج البحر الأسود التابع لمعهد الشرق الأوسط.
- كُتِبَ هذا المقال بالإنكليزية وترجمه إلى العربية قسم الدراسات والأبحاث في “أسواق العرب”.
يجب عليك تسجيل الدخول لكتابة تعليق.