السوبرانو ماريَّا كالاس: الأُسطورة الأَيقونية الخالدة (1 من 2)

تؤَدِّي على المسرح بصوتها النادر

هنري زغيب*

معروفة بالـ”ديفا”، فإِذا لفظْت هذا اللقب عند الحديث عن الأُوپرا، فقصدُك تلقائيًّا: ماريا كالاس.

بين ولادتها في نيويورك (2/12/1923 لأُسرة من جذور يونانية)، ووفاتها في باريس (18/09/1977) سنواتٌ من التعاسة والفرح، من الخيبة والنجاح، ومسيرةٌ كشفتْها أَبحاث ومقالات كثيرة قبل أَسابيع احتفاءً بمئوية ولادتها.

هنا جزء أَول من المقال، ويليه جزء ثانٍ.

ما سرُّ هذه المرأَة الغامضة كما سرٌّ مفتوح؟

أَنجيلينا جولي (إِلى اليسار) في دور ماريا كالاس (إِلى اليمين)

باريس مسرح الشهرة

لقاؤُها الأَول بالجمهور الفرنسي في صالة “أُوپرا پاريس” الفخمة (19/12/1958)، جمع لها جمهورًا نخبويًّا أَطلقتْها أَصداؤُه كما لم تكُن هي تتوقَّعه. يومها غنَّت مقطوعات من روسيني وڤيردي وبيلِّيني. بعدها اعتبرها تشارلي تشابلن وبريجيت باردو “صوت القرن العشرين”. كانت ليلتها ترتدي ثوبًا فائق الجمال، وتتزيَّا بمجوهرات مليونيَّة القيمة، وافتتحت أُمسيتها بمقطوعة “نورما” لــبيلِّني، وتباعًا مع سائر البرنامج مخصصة الفصل الثاني لرائعة پوتشيني “توسكا”، مثيرة في الصالة سكْرة من صوتها النادر الجمال.

في تلك الفترة حُكيَ عن نجاحها وكُتِبَ عنها في الصحافة أَكثر مما عن مارلين مونرو وإِليزابيت تايلور، وظل هذا الأَمر ساريًا لوقت طويل، حتى بعد وفاتها، لِما كان في حياتها المهنية والشخصية من شهرة شعبية عامة ومآسٍ اجتماعية وعاطفية خاصة.

انفتحت لها كبريات صالات الأُوبرا في العالم

قريبًا مع أَنجيلينا جولي

فنيًّا، بَهَرَت بتقْنية أَدائها وسيطرتها التامة على صوتها ونَفَسِها، فاستضافتْها كبريات دور الأُوپرا في العالم. وكان للوثائقي “كالاس في باريس 1958” حققه المخرج الأَميركي طوم وولف صدى واسع حتى تخصَّص وولف في تحقيق أَفلام أُخرى عن كالاس. وفي تصريح له صحافي قال: “ذات يوم من سنة 2021 اكتشفتُ بين خزائنَ في أَثينا ما فاجأَني: شريط سينمائي قديم في حالة جيدة لأَول حفلة قدَّمتها كالاس في باريس، وهي حفلة تاريخية نادرة في مسيرتها. بعد محاولات مضنية من الترميم، نجحتُ في إِطلاع الفيلم نسخة صالحة للعرض، لإِظهار أَهمية أَن تقف سنةَ 1958 على مسرح تلك الصالة المهمة مغنيةُ الأُوبرا الخالدة ليطَّلعَ العالم الأوسع على من سُمِّيَت “أهم مغنية سوبرانو للأوبرا في العالم”.

وقبل أَشهر قليلة، قامت الممثلة الأَميركية أنجيلينا جولي بتمثيل دور كالاس في فيلم “ماريا” الذي يستعيد أَيامها الأَخيرة في باريس، وسيخرج قريبًا إِلى صالات العرض في العالَم.  مخرج هذا الفيلم بابلو لارّين قال: “ستكون أَنجيلينا أَفضل تجسيد للديفا العالمية، بما في حياتها من صخب وهناءة ومآسٍ موجعة”. وفي مكان آخر قال المخرج: “أَشعر أَنَّ هذا سيكون أَفضل أَفلامي، إِذ إِنه يعيد إِلى الحياة الأُسطورة الخالدة بتمثيل أَنجيلينا الرائعة” (كان هذا المخرج ذاته أَخرج فيلم “جاكي” عن جاكلين كينيدي وكيف جمعتْها لفترةٍ علاقة بماريا حين كانت الاثنتان معًا في حياة الملياردير اليوناني أُوناسيس).

كتاب: “المرأَة التي وراء الأُسطورة”

حيَّة في مئوية ولادتها

يلفت أَن تكون هذه السوبرانو “حيَّةً” في أَعمالها حتى اليوم، وأَن يظلَّ صوتها يُسْكر الملايين، حتى أَن الاحتفالات بمئوية ولادتها عمَّت العالم قبل أَسابيع.

كثيرون من النقَّاد ومؤَرخي الموسيقى، إِلى جانب شهرتها كمغنية أُوپرا، أَضاؤُوا على جوانب شبه معتمة من حياتها الخاصة. فهي ولدَت في أُسرة عادية، وكانت بداياتها شاقة قبل أَن “تقتحم” المسارح الكبرى بموهبتها الصوتية النادرة التي بها غنَّت أَشهر الأَعمال وأَصعبها. لكنها، في نهاية حياتها، حين شعرَت بصوتها يضْعف ونفَسِها يتضاءل ولم يعد يخدم أَوتار صوتها، انسحبت كئيبةً في سنواتها الأَخيرة إِلى باريس لتموت فيها.

من حياة هذه الأُسطورة

بين ولادتها في 2 كانون الأَول/ديسمبر 1923، ووفاتها في باريس (18 أَيلول/سبتمبر 1977)، سحابةُ 33 سنة من الغناء الأُوبرالي تمكَّنَت خلالها من أَن تبلغ قمة الشُهرة على أَرقى مسارح العالم وأَمام جمهور واسع من كل العالم.

في بعض الأَحاديث الصحافية أَو في جلساتها المغْلقة، كانت تبوح أَحيانًا بمفاصل من طفولتها البائسة وعلاقاتها المتوترة مع والدَيها. فوالدتها ليتسا لاحظت باكرًا موهبتها الصوتية ودفعتْها إِلى الغناء في الحفلات ولو بأُجور زهيدة. ولاحقًا صرَّحت ماريا في مؤْتمر صحافي: “لن أَغفر لأُمي سرقتَها طفولتي مني. فعوض أَن أَكون في سنواتي الأُولى واليافعة أَلعب مع رفاقي وأَلهو وأَفرح، كنتُ أُغني على مسارح ثانوية لقاء أَجْر أَقبضه وأُعطيه لأُمي”.

وتتذكَّر حين كانت في الثالثة عشرة وعادت مع أُمها وشقيقتها الكبرى من نيويورك (حيث وُلدت) إِلى أَثينا، حيث انتسبَت إِلى المعهد الموسيقي الوطني اليوناني تأْخذ دروسًا في الغناء مع ماريا تريڤيلَّا طيلة سنتين قبل أَن تنتقل إِلى معلمة أُخرى: إِلفيرا دو هيدالغو التي صقلَت صوتها بما باتت عليه لاحقًا.

التتمة في الجزء المقبل: ماذا حلَّ بماريا كالاس بعد بلوغها قمة الشهرة؟

  • هنري زغيب هو شاعر، أديب وكاتب صحافي لبناني. وهو مدير مركز التراث في الجامعة اللبنانية الأميركية. يُمكن التواصل معه عبر بريده الإلكتروني: email@henrizoghaib.com  أو متابعته على موقعه الإلكتروني: www.henrizoghaib.com أو عبر تويتر: @HenriZoghaib
  • يَصدُر هذا النص في “أَسواق العرب” (لندن) تَوَازيًا مع صُدُوره في “النهار العربي” (بيروت).

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى