هل سيكون لبنان آمنًا أم آسفًا؟

إذا دخل الإسرائيليون إلى غزة، فهناك مجموعةٌ من الخيارات التي قد يتبنّاها “حزب الله” للحفاظ على دوره كدرعٍ واقٍ لإيران.

“حزب الله” على جبهة الجنوب اللناني: هل ينخرط كلّيًا في الحرب؟

مايكل يونغ*

يلعبُ العديدُ من اللبنانيين هذه الأيام لعبةً مُرَوِّعة، حيث يقومون بتقييم احتمالِ تدميرِ بلادهم إذا دخل “حزب الله” في الصراع الدائر في غزة بين إسرائيل وحركة “حماس”. وفي مناسبات عدة، حذّرَ الإسرائيليون من أنهم في أيِّ حربٍ مستقبلية مع “حزب الله”، سوف يعيدون لبنان إلى “العصر الحجري”.

والافتراضُ السائد هو أنه بمجرّد أن تبدأ إسرائيل غزوًا برّيًا لغزة، فإنَّ احتمالات نشوب صراع في لبنان سوف تتزايد إلى حدٍّ كبير. وتدعم ذلك تقاريرٌ تُفيدُ بأنَّ إيران حذّرت إسرائيل من أنه إذا استمرّت مثل هذه العملية، فسوف تتدخل. وكان وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان أكثر تحديدًا في تصريحاته العلنية، على سبيل المثال عندما قال لقناة “الجزيرة” القطرية: “إذا انتهت الإجراءات الرامية إلى الوقف الفوري للهجمات الإسرائيلية التي تقتل الأطفال في قطاع غزة إلى طريقٍ مسدود، فإنه ومن المحتمل جدًا أن يتمَّ فتح جبهات أخرى كثيرة. هذا الخيار ليس مُستبعَدًا وهذا أصبح أكثر احتمالًا على نحوٍ متزايد”.

مع ذلك، فإنَّ السؤالَ الحقيقي ليس ما إذا كان “حزب الله” سوف يقوم بالتصعيد ضد إسرائيل إذا استمر الغزو، ولكن كيف يفعل ذلك ولأيِّ غرض. لقد تمَّ بالفعل فتح جبهة في جنوب لبنان، ولو أن “حزب الله” وإسرائيل انخرطا في نوعٍ من رقصة ال”كابوكي”، حيث يقيس كل جانب تصرّفاته وردود أفعاله بعناية لتجنّب الموقف الذي قد يَخرُجُ عن نطاق السيطرة وينتشر إلى المنطقة.

فهل يستطيع لبنان إذن أن يتفادى الحرب إذا ردّ “حزب الله” على دخولٍ إسرائيلي إلى غزة؟ لنجيب بسؤال: لماذا زوّدت إيران “حزب الله” بما يتراوح بين 150 ألف إلى 200 ألف صاروخ وقذيفة؟ لقد استخدم الإيرانيون ترسانة “حزب الله” لرَدعِ إسرائيل عن مهاجمة لبنان، ولكن الأهم من ذلك هو لمنع إسرائيل أو الولايات المتحدة من ضرب إيران – السفينة الأم التي تتدفق منها القوة والنفوذ الإقليميان. وفي حين يتم تقدير لبنان باعتباره المكان الذي يتمركز فيه وكيل طهران الأكثر فعالية، فإنه ليس أكثر أهمية من إيران نفسها.

إذا قبلنا هذه الفرضية، فعلينا أن نُفَسّرَ تعليقات عبد اللهيان في ضوء استراتيجية إيران المتمثّلة في استخدامِ وكلائها الإقليميين كدروعٍ لحماية أمنها. والقيام بذلك يطرح السؤال التالي: هل إيران على استعداد للتضحية ب”حزب الله” من أجل إنقاذ “حماس”، وخصوصًا إذا كانت حرب لبنان المدمرة تؤدي إلى تحييد قدرة الردع التي يتمتع بها “حزب الله” لمدة عشر سنين أو حتى لفترة أطول؟

لماذا يحدث ذلك؟ لأنَّ الدعمَ في لبنان لحربٍ ضد إسرائيل دفاعًا عن “حماس” قليلٌ جدًا. وإذا دخل “حزب الله” في مثل هذه الحرب، فإنَّ الدمارَ الذي يلحق بلبنان من شأنه أن يُحوِّلَ أغلب المجتمعات، وربما حتى شرائح كبيرة من المجتمع الشيعي، ضد الحزب بسبب استراتيجيته الكارثية المُتمثّلة في ربط مصير البلاد بالقضية الفلسطينية من جانبٍ واحد. وبالنظر إلى أنَّ لبنان لا يزال في خضم انهيارٍ اقتصادي ومالي كبير، فقد لا يتمكّن من الخروج من الحرب ككيانٍ وظيفي. هناك مخاطر حقيقية تتمثّل في أنَّ البلاد لن تتماسك، وقد يتبع ذلك صراعٌ طائفي، الأمر الذي من شأنه أن يُسبّبَ عبئًا هائلًا على “حزب الله” يستمر لسنوات. وهذا يمكن أن يشل بشدة قدرات الردع للحزب نيابة عن إيران.

بافتراضِ كلِّ هذا، وإذا اتفقنا على أن “حزب الله” لا يريد الوصول إلى هذه المرحلة، فلنتخيل هذا السيناريو: إسرائيل تدخل غزة وتنجذب إلى معارك الشوارع التي تقتل فيها عددًا من المدنيين أكبر بكثير مما تفعل اليوم، ولكنها تواجه أيضًا صعوبة من مقاومة “حماس”. ماذا سيحدث بعد ذلك؟ على الأرجح، سيرفع “حزب الله” مستوى التفجيرات عبر الحدود، لكنه سيظل تحت عتبة الأعمال العدائية الشاملة من خلال عدم استهداف المواقع الاستراتيجية الإسرائيلية، مثل الموانئ والمطارات، فضلًا عن المدن. وهذا قد يجبر إسرائيل على تجنّب القيام بذلك أيضًا. لماذا؟ لأن الإسرائيليين سيواجهون على الأرجح ضغوطًا أميركية كبيرة لتجنّب إثارة صراع إقليمي، حتى مع إدراكهم أيضًا للمخاطر المحتملة لخوض حربٍ على جبهتين، أو ربما حتى حرب على أربع جبهات إذا بدأت إيران ووكلاؤها القصف من الأراضي السورية وتندلع الضفة الغربية بدورها.

في الواقع، من المحتمل جدًا أنه إذا حدث تصعيدٌ، فسوف تقوم إيران و”حزب الله” بتوسيع الجبهة من خلال قصف إسرائيل من سوريا أيضًا. كان إطلاق صاروخين من سوريا على مرتفعات الجولان في 24 تشرين الأول (أكتوبر) علامة على ما قد يحدث. أخبرني خضر خضور، من “كارنيغي”، أن الميليشيات الموالية لإيران في شمال سوريا تم نشرها جنوبًا تحسّبًا لمواجهةٍ مُحتَمَلة مع إسرائيل. وقصفت إسرائيل مطارَي دمشق وحلب مرات عدة، تحسّبًا لاستخدامهما لإعادة إمداد الميليشيات الموالية لإيران في الصراع.

إن المزايا التي تعود على “حزب الله” من توسيع الجبهة واضحة. إذا استخدمت إيران ووكلاؤها الجبهة السورية للتصعيد إلى مستوياتٍ أعلى مما يفعلون في لبنان، فإن ذلك قد يمنحهم نفوذًا أكبر على إسرائيل، مع تجنّب إبادة لبنان أيضًا. وربما تكون سوريا، نظرًا إلى الصراع المدمر الذي تعيشه منذ العام 2011، أقلّ عرضةً لعواقب الانتقام الإسرائيلي من لبنان. علاوة على ذلك، قد لا يكون الأمر حيويًا بالقدر نفسه في بنية الردع الإيرانية.

وعلى افتراض أنَّ القتالَ عَبرَ الحدود استقرَّ عند هذا المستوى الأعلى لبعض الوقت في حين تواصل إسرائيل تقدّمها داخل غزة، فإنَّ الهدف الرئيس ل”حزب الله” يتلخّص في إبعاد القوات الإسرائيلية عن غزة، بدلًا من التصعيد إلى ضرب المدن والأهداف الاستراتيجية. ففي نهاية المطاف فإن الصواريخ على تل أبيب وحيفا لن توقف الهجوم على غزة؛ ولكن خَلقَ الانطباع بأنَّ “حزب الله” قد يهاجم الجليل من شأنه أن يُجبِرَ إسرائيل على تقسيم جيشها، وبالتالي تخفيف الضغوط على غزة.

ولكن ماذا قد يحدث إذا وصل الجيش الإسرائيلي إلى مرحلة حيث بات يُشَكّلُ في واقع الأمر تهديدًا وجوديًا ل”حماس”؟ بينما يَفتَرِضُ الكثيرون أن هذا سيكون نقطةَ تحوّلٍ يلجأ فيها “حزب الله” إلى أسلحته الكبيرة، فإنَّ هذا الاقتراح يستحق التحقيق والتدقيق. إنه يفعل ذلك على وجه التحديد للسبب الذي أثير في البداية: من خلال إثارة انتقام إسرائيلي واسع النطاق ضد لبنان، يمكن ل”حزب الله” أن يخلق ردة فعل غاضبة في البلاد تترك إيران في نهاية المطاف بدون درع وقائي الذي يشكّله لها “حزب الله”، ما يجعلها أكثر عرضةً للخطر أمام إسرائيل أو الهجمات الأميركية.

فهل يمضي “حزب الله” قُدُمًا على أية حال ويصل إلى أعلى مستويات التصعيد؟ ربما. سوء التقدير أو الاستهتار شائع في حالات العاطفة مثل التي نعيشها. لكن ما نراه يوميًا في جنوب لبنان هو العكس. يحترم الجانبان بشدة قواعد الاشتباك الراسخة. فهل لبنان خرج من دائرة الخطر؟ بالتاكيد لا. لكن هذا يعني أن إيران و”حزب الله”، إذا تجنّبا شنَّ هجوم واسع النطاق ضد إسرائيل، فقد أدخلا المرونة في ما يسمى بحوار الردع مع الإسرائيليين، والذي ستتحمل عواقبه أو حقائقه الأطراف الأخرى في محور المقاومة، مثل حركة “حماس” وتنظيم “الجهاد الإسلامي” اللذان عليهما أن يأخذا في عين الاعتبار عملياتهما المستقبلية ضد إسرائيل.

ربما تستند هذه الحقائق إلى قاعدةٍ أساسية: سوف تدعمك إيران و”حزب الله” لأطول فترة ممكنة، ولكن ليس إذا كان ذلك يهدد بقاءهما، وليس إذا كان ذلك سيزيل الدرع الذي وضعته طهران لحماية الجمهورية الإسلامية.

  • مايكل يونغ هو رئيس تحرير “ديوان”، مُدوّنة برنامج كارنيغي الشرق الأوسط، بيروت، وكاتب رأي في صحيفة “ذا ناشيونال” الإماراتية. يُمكن متابعته عبر تويتر على:  @BeirutCalling
  • كُتِبَ هذا المقال بالإنكليزية وعرّبه قسم الدراسات والأبحاث في “أسواق العرب”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى