دولُ الخَليج تَتَطَلَّعُ إلى الفضاءِ لاستغلالِ الفُرَصِ العِلمِيَّة والتجاريَّة
يمكن لقطاع الفضاء أن يُحفّزَ التنويعَ في التكنولوجيا والدفاع والسياحة في دول الخليج العربي حيثُ من المتوقع أن تعمل وكالة الفضاء السعودية المُنشأة حديثًا على تسريع وتيرة الاستثمار فيما توسّع دولة الإمارات قدراتها في مجال الاستكشاف والتصوير عبر الأقمار الإصطناعية.
راغب الشيباني وعمّار الحلّاق*
في سَعيها إلى تبنّي التقنيات الناشئة وتسخير الفُرَص التجارية المُحتَمَلة، تُطلقُ دول الخليج العربية مبادراتٍ جديدة لتعزيزِ صناعاتها الفضائية المحلية.
في حزيران (يونيو) الفائت، وافق مجلس الوزراء السعودي على تحويل هيئة الفضاء السعودية، التي تم إطلاقها في العام 2018، إلى وكالةٍ حكومية كاملة تُعرَفُ باسم وكالة الفضاء السعودية، ما يؤكِّدُ التزام المملكة بقطاعِ الفضاء وأنشطةِ الاستكشاف.
وجاءت هذه الخطوة في أعقاب الإطلاق الناجح لأول مهمة فضائية للمملكة العربية السعودية في أيار (مايو) الفائت إلى محطة الفضاء الدولية. تمت الرحلة برعاية الحكومة السعودية وضمّت رائدَي فضاء سعوديين، ريانة برناوي وعلي القرني -الأولى باحثة في الخلايا الجذعية- وهي أول رائدة فضاء في العالم العربي. وأشرفت على الرحلة شركة “إكسيوم سبايس” ومقرها هيوستن، والتي تسعى إلى بناء أول محطة فضائية تجارية بعد انفصالها عن محطة الفضاء الدولية.
كما حققت دولة الإمارات العربية المتحدة إنجازات كبيرة في مجال الفضاء. ومنذ إطلاق استراتيجيتها الوطنية للفضاء 2030 في العام 2019، افتتحت أربعة مراكز للبحث والتطوير في مجال الفضاء، ووضعت قوانين وأنظمة وطنية للفضاء، وأطلقت مسبار الأمل الخاص بها، والذي دار حول المريخ في العام 2021، ما يجعل دولة الإمارات الدولة السادسة عالميًا والأولى في العالم العربي للوصول إلى الكوكب.
التنويع بين القطاعات
يتطلب تطويرُ قطاع الفضاء والانخراط في خطط استكشاف طموحة إنفاقًا رأسماليًا ضخمًا مُقَدَّمًا على المشاريع التي قد لا تؤتي ثمارها لسنواتٍ عدة. هذه هي الآفاق الزمنية للاستثمار التي ليس فقط تتمتع بها دول الخليج بخبرة كبيرة في مجال النفط والغاز، بل تطابق أيضًا استراتيجياتها طويلة المدى لتنويع اقتصاداتها.
يتسارَعُ التوسّعُ في الأنشطة الفضائية في جميع أنحاء المنطقة بفضلِ التقدّم في التقنيات التي تُشكل الثورة الصناعية الرابعة -“بلوك تشاين، والذكاء الاصطناعي، والطباعة ثلاثية الأبعاد، وعلوم المواد، وتكنولوجيا النانو والتكنولوجيا الحيوية – التي خفضت تكاليف إطلاق الأقمار الإصطناعية وزيادة قدرات الأقمار الإصطناعية الصغيرة.
وتمثل الثورة الصناعية الرابعة ما يمكن أن يكون فرصةً بقيمة تريليون ريال سعودي (266.6 مليار دولار) للمملكة العربية السعودية والتي تتوافق مع رؤية المملكة 2030.
وبشكلٍ أكثر تحديدًا، يساعد الاستثمار في الفضاء دول الخليج على تطوير القدرات التقنية والخبرات في هندسة الطيران، وتصنيع الأقمار الإصطناعية، والبحث والتطوير المتقدم لتعزيز قطاعات الدفاع والسياحة والتكنولوجيا وتنويع اقتصاداتها.
إلى جانب وكالة الفضاء السعودية، أطلق صندوق الاستثمارات العامة، وهو أكبر صندوق للثروة السيادية في السعودية، في آذار (مارس)، طيران الرياض، وهي شركة طيران ناشئة منخفضة التكلفة تهدف إلى التنافس مع شركات الطيران الإقليمية الأخرى، وقدّمَ طلبًا لشراء 72 طائرة بوينغ 787. ستتمتع شركة النقل هذه بميزة الاستدامة بفضل أسطولها من الطائرات الأحدث والأكثر كفاءة واستخدام وقود الطيران المستدام. وومن المتوقع أن تُطلقَ الشركة عملياتها في العام 2025. وفي حزيران (يونيو) عقدت وكالة الفضاء السعودية اجتماعاتٍ مع شركة صناعة الطائرات الفرنسية “إيرباص” حول تعزيز التعاون في قطاع الفضاء وغيره من المشاريع الاستثمارية المحتملة.
وفي الجانب الدفاعي، جمعت الشركة السعودية للصناعات العسكرية، التي تمَّ إطلاقها في العام 2017، أكثر من 10 مليارات دولار من العقود مع شركات أجنبية في محاولةٍ لتوطين أكثر من 50٪ من الإنفاق الدفاعي بحلول العام 2030. وفي العام الفائت، أعلنت الشركة السعودية للصناعات العسكرية عن مشروعٍ مُشترَك مع شركة “بوينغ” الأميركية لتوفير خدمات الصيانة والإصلاح والتجديد والاستدامة للمنصّات العسكرية الدوّارة العاملة في المملكة.
وفي حزيران (يونيو) أيضًا، وفي صفقةٍ تشير إلى التآزر المُحتَمَل بين الطيران والدفاع، أعلنت شركة الإلكترونيات المُتقدّمة التابعة للشركة السعودية للصناعات العسكرية عن شراكةٍ لجعل المملكة العربية السعودية موطنًا لمركز إصلاح قرون الاستهداف المتقدّم (Sniper Advanced Targeting Pod Repair Centre) التابع لشركة الصناعات العسكرية الأميركية “لوكهيد مارتن” (Lockheed Martin) للوحدات القابلة للاستبدال لطائرات الهليكوبتر في الشرق الأوسط.
التصوير عبر الأقمار الإصطناعية
في غزوها لقطاع الفضاء، أعطت دول الخليج الأولوية لتطوير القدرات المحلّية لبناء الأقمار الإصطناعية بهدف تعزيز أنظمة الاتصالات والمراقبة.
أطلقت كلٌّ من البحرين والكويت وسلطنة عُمان أقمارًا إصطناعية في السنوات الأخيرة، حيث قامت عُمان ببناء قمر إصطناعي خاص بها، في حين وقّعت شركة الأقمار الإصطناعية “سهيل سات” القطرية شراكة استراتيجية مع “شبكة أكسس” (Axess Networks) في كانون الثاني (يناير) لتوفير خدمات النقل الفوري وخدمات المحطات ذات الفتحات الصغيرة جدًا لتعزيز شبكات الاتصالات الفضائية.
والواقع أنَّ دولة الإمارات كانت في الطليعة في هذا الصدد من خلال استراتيجيتها الوطنية للفضاء 2030. وفي العام الفائت أنشأت صندوقًا بقيمة 817 مليون دولار لدعم الشركات الدولية والإماراتية المتعاونة في تطبيقات هندسة وعلوم وأبحاث قطاع الفضاء، مع تمويلٍ على المدى القريب بهدف تطوير وإطلاق كوكبة من الأقمار الإصطناعية التصويرية المُتَطوّرة.
أطلقت هيئة كهرباء ومياه دبي (ديوا) العام الماضي أول قمرٍ اصطناعي نانوي في العالم بالتعاون مع شركة هندسة المركبات الفضائية “نانو آفيونيكس” (NanoAvionics) لمراقبة وصيانة البنية التحتية للمياه والطاقة. وتُعَدُّ هيئة كهرباء ومياه دبي أول مؤسسة تستخدم الأقمار الإصطناعية في هذا الصدد، وتسعى إلى الاستفادة من خبراتها وتقديم خدمة الأقمار الإصطناعية إلى المرافق الأخرى حول العالم مع استمرارها في رقمنة وتحسين بنيتها التحتية.
وفي شهر أيار (مايو)، أعلنت شركة “آيس آي” (Iceeye)، ومقرها فنلندا، عن اتفاقيةٍ لتطوير كوكبة من خمسة أقمار إصطناعية لشركة “بيانات”، وهي شركة تحليل جغرافي مكاني إماراتية، وشركة الاتصالات الفضائية “الياه سات” (Yahsat) ومقرها أبوظبي، والتي سيتم إطلاقها في العام 2024، ما يعزز قدرات التصوير عبر الأقمار الإصطناعية في الإمارات العربية المتحدة.
كما تواصل دولة الإمارات متابعة استكشاف الفضاء بهدف التقدّم العلمي. في أيار (مايو)، أعلنت عن خططٍ لإرسال مركبة فضائية إلى حزام الكويكبات الرئيس في النظام الشمسي بحلول العام 2028 لإجراء دراسة مدتها سبع سنوات لسبعة كويكبات رئيسة. وستبدأ المهمة التحليق بالقرب من كوكب الزهرة، في أعقاب مهمة الإمارات الناجحة إلى المريخ في العام 2021.
الشراكات العالمية
يُعتَبَرُ الاستثمار في الفضاء فرصةً للاستفادة مما يعتبره الكثيرون فرصةً رئيسة لتسويق السفر والاتصالات عبر الفضاء تجاريًا. مع اقتراب محطة الفضاء الدولية من التقاعد، أعلنت شركات مثل “أكسيوم سبايس” وكذلك “بلو أوريجين” و”نانوراكس” عن خططٍ لبناء محطات في مدارٍ أرضيٍّ مُنخفض.
وتحرص الصين على تطوير محطتها الفضائية “تيانغونغ”، التي أصبحت جاهزة للعمل في العام 2022، وتتطلّع إلى الشراكة مع المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة. وأعلنت الصين نواياها في القمة الأولى بين الصين ودول مجلس التعاون الخليجي التي عقدت في الرياض في كانون الأول (ديسمبر) الماضي، والتي حدّدت المجالات المتعلقة بأقمار الاستشعار عن بُعد والاتصالات الإصطناعية، واستخدام الفضاء، والبنية التحتية الفضائية، واختيار وتدريب رواد الفضاء، وفقًا للخطاب الرئيس للقمة الذي ألقاه الزعيم الصيني شي جين بينغ.
بعد إنشاء وكالة الفضاء السعودية في حزيران (يونيو)، عقدت الوكالة على الفور اجتماعاتٍ مع وكالاتٍ حكومية وشركاتٍ صينية لمناقشة تعزيز التعاون في مجالات التكنولوجيا والصناعة واستكشاف الفضاء. والتقى عبدالله السواحة، رئيس مجلس إدارة وكالة الفضاء السعودية، بنظيره من المؤسسة الصينية لعلوم وتكنولوجيا الفضاء وشخصيات قيادية أخرى في قطاع الفضاء في بكين. وفي غضون ذلك، أجرى وفدٌ سعودي محادثاتٍ مع شركة “غالاكسي سبايس” (Galaxy Space) الصينية التي تُطَوِّرُ وتبيعُ أقمارَ الاتصالات الإصطناعية، وشركة “آي سبايس” (iSpace) المُتخصّصة في تطوير وتصنيع المركبات الفضائية.
وقد أطلقت شركة الخدمات العامة الدولية “سيركو” قسمها السعودي للفضاء في آذار (مارس)، والذي ستعمل من خلاله على إنشاء قدراتٍ محلية لخدماتها الفضائية والاستشارية والتشغيلية العالمية. وهي تغطي دورة الحياة الكاملة للمُهمّة، بدءًا من تصميم المركبات الفضائية والمهمة وحتى إدارة البيانات والعمليات وإيقاف التشغيل، بما في ذلك التحكّم في المركبات الفضائية وعمليات الجُزء الأرضي والهندسة.
في شهر أيار (مايو) الماضي، وقّعت شركة “أوريجين سبايس” (Origin Space) الناشئة ومقرها نانجينغ، والمركز الوطني لعلوم وتكنولوجيا الفضاء في جامعة الإمارات العربية المتحدة، ومختبر أبحاث الفضاء التابع لجامعة هونغ كونغ، خطاب نوايا في أبو ظبي لبناءِ مركزٍ مُشتَرَك للبحث والتطوير في المدينة. وسيقوم المركز ببناءِ أقمارٍ إصطناعية للاستشعار عن بُعد وتليسكوبات فضائية، وسيقوم بمهامٍ مشتركة لاستكشاف الفضاء السحيق.
يبدو أنَّ حكومات الخليج العربية قد طوَّرت اليوم رؤيةً كاملة للفضاء للقرن الحادي والعشرين، متجذّرة في السعي إلى تحقيق الربح والسلطة والصورة والتحكم، كما كتب الخبير تشارلز دبليو دن، من المركز العربي، وهو مؤسسة فكرية مقرها واشنطن. فدول مجلس التعاون الخليجي لديها الطموح لتنويع اقتصادها من خلال التقنيات الجديدة، ولديها الموارد للاستثمار في صناعة الفضاء للأغراض العلمية والتجارية. وفقًا للتقديرات، يمكن أن تدرَّ هذه الصناعة أكثر من تريليون دولار سنويًا بحلول العام 2040 على مستوى العالم.
واعتبر تشارلز دبليو دن، في سياق التنافس مع الجارة إيران: “ليس مفاجئًا أنَّ برامج الفضاء في الشرق الأوسط لديها أيضًا أجندة عسكرية غير مخفية”.
- راغب الشيباني هو مراسل “أسواق العرب في المملكة العربية السعودية، وعمّار الحلّاق هو مراسل “أسواق العرب” في دولة الإمارات العربية المتحدة.
يجب عليك تسجيل الدخول لكتابة تعليق.