مُعاهَدَةُ الدفاعِ ليست الطريقةَ المُثلى لإصلاحِ العلاقاتِ الأميركية-السعودية

بلال صعب*

من المُحتَملِ أن تكونَ الولايات المتحدة قد وصلت إلى مُفتَرَقِ طُرُقٍ في علاقاتها مع المملكة العربية السعودية. يمكن للرئيس جو بايدن التصالح مع الرياض واستخدام نفوذها لإعادة تشكيل الشرق الأوسط بما يُرضي واشنطن وتحقيق الاستقرار في أسواق الطاقة العالمية. وإلّا فإنَّ السعوديين سيربطون مصالحهم على الأرجح بشكلٍ أقرب مع الصين، ما يُعقّدُ أولوية السياسة الخارجية الأميركية العُليا.

تسعى إدارة بايدن إلى إعادة ضبط الوضع مع الرياض من خلال تحوّلٍ جذري في السياسة الأميركية. لا مَزيدَ من التَسميات “المنبوذة” للمملكة. لا مزيدَ من التهديدات ب”العواقب” لخفض إنتاجها من النفط. بدلًا من ذلك، تدرس واشنطن تمديد وتوسيع اتفاقية دفاع رسمية مع المملكة -والتي يتمتّع بها أقرب حلفاء أميركا فقط- إذا قامت الأخيرة بتطبيع علاقاتها مع إسرائيل وقيّدت بشكلٍ كبير تعاونها الأمني مع الصين.

لا يزال بايدن نفسه غير مُتأكّد من هذه المُقايضة، حيث قال في مقابلةٍ حديثة مع فريد زكريا على شبكة “سي أن أن”، إن هذا النقاش سابقٌ لأوانه. وفي مقابلةٍ أخرى مع توماس فريدمان من “نيويورك تايمز” قبل ثلاثة أسابيع فقط، بدا بايدن حذرًا بشأنِ مثل هذه الصفقة مع السعودية. لكن حقيقة أنه أرسلَ وزير خارجيته، أنتوني بلينكِن، ومُستشاره القومي، جايك سوليفان، إلى المملكة في الأسابيع الأخيرة (سوليفان مرة أخرى قبل أسبوعين) لاستكشاف إمكانية إبرام صفقة، تُشيرُ إلى أنه يوازن خياراته بجدّية.

إن غريزة بايدن بالنسبة إلى المصالحة مع السعودية هي فورية. إنه يُفكّر خارج الصندوق لأنَّ العديدَ من أسلافه حاولوا لكنهم فشلوا في رفع مستوى العلاقات الأميركية-السعودية. لكن الفكرة التي يتّبعها خاطئة.

صفقةُ التطبيع السعودية-الإسرائيلية لها الكثير من المزايا ويجب متابعتها لمصلحتها الخاصة. لكن لا ينبغي أن تستندَ إلى اتفاقِ دفاعٍ أميركي-سعودي من غير المرجّح أن يؤدي إلى ترقية العلاقات الأمنية بين أميركا والسعودية بشكلٍ فعّال، وسيُلزِم ذلك الولايات المتحدة بتخصيص المزيد من الموارد العسكرية للشرق الأوسط في الوقت الذي ينبغي التركيز على منع الصين من الاستيلاء على تايوان ومواجهة روسيا في أوكرانيا.

أنا ضدّ تزويد السعودية بضماناتٍ أمنية رسمية -ورفع الشراكة الثنائية بشكلٍ أساسي إلى تحالف معاهدة- لأن هناك طُرُقًا أفضل للتعامل بفعالية مع قلق الرياض الأساسي، والتي تتلخّص بدفاعاتٍ أقوى ضد العدوان الإيراني.

أفهم لماذا تريد المملكة العربية السعودية (والإمارات العربية المتحدة قبلها) إضفاء الطابع الرسمي أو المؤسّسي على التزامٍ أمني من واشنطن. في نظرِ القادة السعوديين، كانت الولايات المتحدة أقل موثوقية وفعالية في ردع العدوان الإيراني والدفاع عن المملكة. لقد شكّلت هجمات الصواريخ والطائرات المُسَيَّرة التي شنّتها إيران في أيلول (سبتمبر) 2019 على البنية التحتية النفطية السعودية نقطة تحوّلٍ في تفكير الأمن القومي السعودي وتقييم العلاقة مع الولايات المتحدة. يعتقد السعوديون أن إحدى الطرق التي يمكنهم من خلالها استعادة ثقتهم بالدور الأمني للولايات المتحدة هي الحصول على ضمان قانوني من واشنطن للرد على العدوان الإيراني كلما تكرر.

لكن اتفاقًا دفاعيًا من دون تعاونٍ أمني وثيق وأكثر فعالية بين أميركا والسعودية لن يُحدِثَ فرقًا عمليًا. في الواقع، يمكن أن يكون اتباع نهج من أعلى إلى أسفل لترتيبٍ دفاعي أكثر استراتيجية بين الولايات المتحدة والسعودية بمثابة ذريعة لتأخير، أو التهرّب من، الإصلاحات الدفاعية الصعبة والضرورية التي يجب أن يقوم بها كلا الجانبين للارتقاء بالعلاقة الأمنية حقًا.

لم يَعُد هدفُ الدفاع الوطني السعودي هو هدفَ واشنطن وحدها. انتهى عهد النفط مُقابل الأمن بين الولايات المتحدة والسعودية في اللحظة التي هزم فيها الجيش الأميركي صدام حسين في رمال الصحراء الكويتية في العام 1991. وينبغي أن تكون هذه مهمة مشتركة، تمتلك فيها السعودية مُلكية حقيقية وتقوم بها. مساهمات جادة. ولكن لتقديم هذه المساهمات، يجب على المملكة تطوير قدرات عسكرية يمكن الاعتماد عليها، ولهذا فهي بحاجة إلى الولايات المتحدة.

منذ أن وصل ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان إلى السلطة في العام 2016 ، كان يحاول إعادة هيكلة ليس فقط اقتصاد بلاده، ولكن أيضًا جهازها الدفاعي. لقد قطع أشواطًا مثيرة للإعجاب في الاقتصاد، لكنه كافحَ في الدفاع. لقد ساهمت واشنطن في خطة التحوّل الدفاعي لمحمد بن سلمان ولكن بشكلٍ متواضع للغاية لأن البيئة السياسية لم تكن مواتية.

ما يحتاجه الوضع ليس اتفاقية دفاعية لا تعني سوى القليل من القوة القتالية المشتركة الملموسة، ولكن مشاركة أميركية كاملة في جهود إصلاح الدفاع في المملكة للوصولِ إلى نهجٍ أكثر تنسيقًا للأمن يتضمّن تخطيطَ طوارئ مُشتركًا بين الولايات المتحدة والسعودية واستثمارات في القدرات المؤسّسية. هذا ما يفعله شركاء الأمن الحقيقيون. يتعاونون في كلٍّ من التفاصيل والصورة الكبيرة للدفاع المشترك.

إن وضعَ العلاقات الأميركية-السعودية على أساسٍ أكثر صلابة أمرٌ لا بدَّ منه. لكن لا توجد طرقٌ مُختَصَرة لتحقيق هذا الهدف. إن ميثاق الدفاع هو مثل وضع العربة أمام الحصان.

  • بلال صعب هو زميل أول ومدير برنامج الدفاع والأمن في معهد الشرق الأوسط في واشنطن.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى