الإستبداد ومُؤدّاه

راشد فايد*

ليس الإستبدادُ نظامَ حُكمٍ وحسب، إنه نمطُ حياة، ويُرادُ به، عادةً، استبداد الحكومات، خاصة، والواقع أنه متعدد الوجوه، وبدايته تحكم النفس بالعقل، وتحكم الأب، والأستاذ، والزوج، وقيادات بعض الأحزاب، وبعض الشركات، وبعض الطبقات. والاستبداد صفةٌ للحكومة مطلقة العنان، فعلًا أو حُكمًا، التي تتصرّف في شؤون الرعية كما تشاء بلا خشية حساب ولا عقاب محققين، وقد يكون الطرف المستبد ما فوق الحكومة، أي يتركها تمارس الحد الأدنى من سلطاتها، فيما يرسم لها خطوط الحُكم، ويملي عليها أدوارها، لتكون مطيته التي يتوارى خلفها.

أركان الإستبداد أربعة، أولها غياب الوعي لدى المجتمع، المعزّز بمنظومة أفكار وليدة التضليل ومجتمعات القطيع، تليها، قوّة البطش، من جيش وأمن، وميليشيا، ويتوّجها حاكم قاهر لشعبه تدعمه شبكة علاقات وأمان محلية ودولية مع رجال المال والثقافة والفن والسياسة وعصابات الجريمة المنظمة والبلطجية وأجهزة عمليات استخبارية غير رسمية.

ألوان الاستبداد هذه تنطبق، بتفاوت، على دول عديدة، وأمم كثيرة، لكن، في لبنان، قدّم لنا حزب السلاح لونًا مميَّزًا، منه التزاوج بين ضدّين بهدف إطالة أمد الفراغ: الدعوة إلى الحوار، بلا شروط، مع التمسّك بترشيح سليمان فرنجية. كذك استعجال انتخاب رئيسٍ للجمهورية مع الحرص على فرط النصاب في مجلس النواب ويرفض، مع شريكه التوأم، تطبيق الدستور وعقد دورة إقتراع ثانية.

من أبواب الإستبداد المحلي إفتعال الخوف من الآخر، برُغمِ تسلّح الحزب حتى الأسنان، وتسلّطه على قرار البلاد، أمنيًا وسياسيًا، فيرفع شعار “نريد رئيسًا لا يطعن المقاومة في الظهر… نريد رئيسًا يطمئن المقاومة”. المفارق أن هذا القول روّجَ له كل قادة الحزب “من فوق لتحت”، بينما اعتقلت أجهزته الأمنية 320 مشتبها به بالتعامل مع إسرئيل، وهم من البيئة الحاضنة، على ما نقلت إحدى وسائل إعلامه الأسبوع الفائت.

واللافت، إلى ذلك، أن أحدًا من الرؤساء السابقين، ومنهم حلفاء خُلُص له لم يسأله عن أيٍّ منهم خانه وطعن مقاومته في الظهر، كما قال، ويمكنه أن يسأله أيضًا أيهم كان يبدّي مصلحته على مصلحة لبنان وكان يخاف ويُباع ويُشترى.

وفي مساهمة من نائب الأمين العام نعيم قاسم في مديح أهلية مرشحه للرئاسة، يقول عنه أنه “رجل وطني منفتح على الجميع، قدَّم عفوًا في مقابل الذي قتل والده وعائلته، من أجل أن يسهِّل العمل السياسي العام في لبنان”، ما يجيز أسئلة منها ما هو مقياس الوطنية حتى نمنحها لغيره أيضًا، وهل في البلاد من ليس وطنيًا، غير الذين يرتبطون بمشاريع غير وطنية كالـ620 آنفي الذكر.

ومن ميزات فرنجية عند نائب الأمين العام أن “له حظوة خاصة في العلاقة مع سوريا تساعده في أن يحل لنا أزمة النازحين، وكذلك رسم الحدود بين لبنان وسوريا من أجل معالجة مسألة الترسيم البحري، أيضاً لاستخراج نفطنا وغازنا بشكل سليم”.

ينسى القائل أن لبنان قدّم إلى الأمم المتحدة في العام 2011 مذكرة بترسيم الحدود البحرية أنكرتها دمشق عليه وبقي الأمر مذاك في الجوارير، تمامًا مثل وثائق شبعا ومحيطها، التي تحجبها دمشق لتمنح حليفها الحزب مبررًا للتسلح باسم “المقاومة”.

أما موضوع اللاجئين السوريين، فإن أنتقائية النظام تجاههم مُعلنة، من جهة، والوفود الوزارية اللبنانية بخصوصها مدوّنة محاضر لقاءاتها، ولم تنقطع، لكن بلا جدوى. أضف أن الحلَّ الثنائي، ولعل أشهرها تطبيق “اتفاق الطائف” ليس الأمثل، في ظل الممايعة التي تتقنها دمشق، لا سيما مع لبنان.

  • راشد فايد هو كاتب، صحافي ومُحلّل سياسي لبناني. يُمكن متابعته عبر تويتر على: @RachedFayed
  • يصدر هذا المقال في “أسواق العرب” (لندن) توازيًا مع صدوره في صحيفة “النهار” (بيروت).

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى