هل تَفرُضُ الحقائقُ الطائفيّة في لبنان التَوافُقَ على الرئيسِ المُقبِل؟
مايكل يونغ*
في تشرين الثاني (نوفمبر) الفائت، أعلنَ الأمين العام ل”حزب الله”، السيد حسن نصر الله، عن مواصفاتِ رئيس لبنان الذي يُريدُ حزبه رؤيته في قصر بعبدا: “حزب الله” يسعى إلى “رئيسٍ يُطَمئِنُ المقاومة” و”لا يَطعَن المقاومة في الظهر”.
في إصدارِ شروطه، نَسِيَ نصر الله تفصيلًا أساسيًا. في النظامِ الطائفي في لبنان، يتم اختيار رئيس الجمهورية من أبناء الطائفة المسيحية المارونية، لذا فإنَّ قيامَ شخصيةٍ سياسيّةٍ شيعية بوَضعِ شروطٍ لمَن يجب أن يشغل منصبًا وطنيًا كبيرًا غير شيعي يُمثّلُ مخاطرة. في أوائل آذار (مارس)، أيّدَ نصر الله رسميًا رئيس “تيار المردة” سليمان فرنجية كمرشَّحٍ لـ”حزب الله”، مُظهِرًا نوع المرشح الذي يُفضّله الحزب.
عندما رُفِضَ ترشيحُ فرنجية على نطاقٍ واسع من قبل مجموعةٍ من الأحزاب المسيحية الرئيسة، بما فيها حليف “حزب الله” “التيار الوطني الحر”، لم يتزحزح الحزب الشيعي. على العكس من ذلك، في الشهر الماضي، عندما وافق “التيار الوطني الحر” وخصماه الرئيسيان، “القوات اللبنانية” وحزب “الكتائب”، على دعم وزير المال السابق جهاد أزعور كمُرَشّحٍ بديل من فرنجية ومنافسٍ له، كان ردُّ فعلِ “حزب الله” هو الغضب.
أعلن رئيس الكتلة النيابية للحزب، النائب محمد رعد، أن أزعور هو مُرشّحُ “البعض في لبنان الذين يملكون الوقاحة اللازمة للتصريح علنًا برفضهم وصول مرشّحٍ للممانعة، في مقابل رضاهم بوصولِ ممثّلِ الخضوع والإذعان والاستسلام”.
ما رفض رعد و”حزب الله” بشكلٍ عام الاعتراف به هو أن العَرضَ النادر للوحدة المسيحية حَدَثَ وأصبح مُمكنًا لأنَّ ممثلي الطائفة المارونية لم يرغبوا في أن يتم اختيار وفرض المنصب الماروني الرائد والأول في الدولة من قبل الثنائي الشيعي.
لكن من دون غطاءٍ مسيحي، فإنَّ فُرَصَ فرنجية للفوز في انتخابه مُنخفضة. لا أحد من الأحزاب غير المسيحية الرئيسة يرضى أو يقبل بفرضِ رئيسٍ على مجتمعٍ لا يريده. القيام بذلك قد تكون له تداعيات خطيرة على التعايش الطائفي، وعزل فرنجية، وشلّه سياسيًا، ويؤدي إلى ردِّ فعلٍ مُضاد ضد المرشحين الشيعة المدعومين من “حزب الله” و”حركة أمل” في المستقبل.
في 14 حزيران (يونيو)، انعقد مجلس النواب اللبناني في جلسةٍ عامة لانتخابِ رئيسٍ للجمهورية، لكن لم يفز فرنجية ولا أزعور بغالبية الثلثين اللازمة للفوز في الجولة الأولى من التصويت. كما كان كلا التحالفين العريضين هدّدا بالانسحاب لمنع جولة ثانية من التصويت، عندما تكون الغالبية المطلقة مطلوبة فقط للفوز. هذا ما فعله نواب الثنائي الشيعي لحرمان أزعور، الذي حصل على أصوات (59 صوتًا) أكثر من فرنجية (51 صوتًا)، من الفوز في الدورة الثانية.
بمعنى آخر، من غير المُرجّح أن يكون للبنان رئيسٌ للجمهورية حتى تتمكّن الأحزاب الرئيسة في البلاد –أي الجماعات الطائفية الرئيسة في لبنان– من الاتفاق على مُرَشّحِ حلٍّ وسط. في ضوءِ ذلك، فإن غضبَ “حزب الله” من الطريقة التي نجح بها المسيحيون في الاتحاد ضدّ فرنجية قد يكونُ له تفسيرٌ أكثر واقعية.
إدراكًا منه أنَّ فرنجية غير قابل للانتخاب في ضوءِ عزلته المسيحية، ربما يعود “حزب الله” إلى التكتيك الوحيد المُتاح له – الرد بقوة وعدوانية من أجل تعزيز يده في المفاوضات بشأن مرشَّحٍ ثالث. منذ البداية، على ما يبدو، ربما كانت هذه هي استراتيجية الحزب، عندما أعلن أن مرشّحه الوحيد هو فرنجية. كان الهدف، ببساطة، انتزاعَ ثمنٍ باهظٍ للتخلّي عنه.
“حزب الله” كان له أيضًا هدفٌ ثانٍ. إنه يُريدُ أن يُظهِرَ لفرنجية، وهو حليفٌ قديم كان مُخلصًا في علاقته بالحزب، إنه فعلَ كل ما في وسعه لإيصاله إلى المنصب. وفرنجية مُقرَّبٌ من النظام السوري، و”حزب الله” لا يُريدُ توتّراتٍ مُحتَمَلة مع دمشق من خلالِ التحرّك بسرعة كبيرة نحو مُرشّحٍ احتياطي.
ومع ذلك، هذا لا يُغيِّرُ حقيقةَ أنه سيتعين على الحزب أن يأخُذَ العواملَ الطائفية بعين الاعتبار عند اختيارِ شخصٍ آخر. سيحتاج أيُّ مرشّحٍ جاد إلى تأمين شرعية مُجتمعية من خلالِ الحصولِ على دعمٍ واحدٍ على الأقل من الأحزاب المسيحية الرئيسة. وبما أن “حزب الله” مُعادٍ بشكلٍ خاص ل”القوات اللبنانية”، فمن المحتمل أن يُفضّلَ أيَّ مباركةٍ مسيحية لمرشّحٍ يسمّيه “التيار الوطني الحر”.
السؤال الرئيس هو ماذا سيحدث بعد ذلك في ملحمة الانتخابات الرئاسية. إن المطلوبَ لتحقيقِ انفراجٍ هو صفقةٌ مُعَقّدة حول رئاسة الجمهورية ورئاسة الحكومة وحاكم البنك المركزي، تضمُّ فاعلين محليين وإقليميين ودوليين. لكي يظهرَ مُرشّحٌ ثالث، سيتعيّن على شخصٍ ما داخل لبنان أن يلعبَ دورَ الوسيط، وأن يَجِدَ ويُسَوِّقَ مرشّحًا يمكنه جذب كلا الجانبين من الانقسام المحلي والإقليمي. يعتقد المحلل السياسي خلدون الشريف أنَّ رئيس مجلس النواب نبيه بري سيكون أحد أولئك الذين يستطيعون القيام بهذا الدور المحلي، ربما بالاشتراك مع الزعيم الدرزي وليد جنبلاط.
هذا التقييم منطقي لسببين. بري يثق به “حزب الله” وبالتالي يمكنه إقناعه. علاوة على ذلك، بصفته رئيسًا لمجلس النواب، لديه الوسائل المؤسّسية لحشد الغالبية في البرلمان لمثل هذا المرشّح. يمكن لجنبلاط، بدوره، التحدّث إلى معارضي فرنجية، ويسيطر على كتلة في البرلمان يمكنها أن ترجّحَ الانتخابات بشكلٍ حاسم نحو مرشّحٍ معين، وقد انتقدَ زعيم “القوات اللبنانية” الدكتور سمير جعجع مرات عدة، الأمر الذي أكسبه قدرًا من القبول والاستحسان من “حزب الله”.
يُذكَرُ أنه بعد الانتخابات الفاشلة في 14 حزيران (يونيو)، أعلن بري أن السبيلَ الوحيد للخروج من المأزق هو “الحوار ثم الحوار ثم الحوار”. من الصعب ألّا نفترض أن المتحدّث كان يُحدّدُ دورًا لنفسه باعتباره الأب الروحي لمثل هذا الحوار، كما إنَّ علاقاته القديمة والوثيقة مع جنبلاط تشيرُ إلى أنه قد لا يتصرّف بمفرده.
- مايكل يونغ هو رئيس تحرير “ديوان”، مُدوّنة برنامج كارنيغي الشرق الأوسط، بيروت، وكاتب رأي في صحيفة “ذا ناشيونال” الإماراتية. يُمكن متابعته عبر تويتر على: @BeirutCalling
- كُتِبَ هذا المقال بالإنكليزية وعرّبه قسم الدراسات والأبحاث في “أسواق العرب”.