السلامُ بين الإسرائيليين والفلسطينيين لم يَعُد على جَدوَلِ الأعمال
على الرغم من مرور 75 عامًا على النكبة وإنشاء دولة إسرائيل، ما زال الجمود يسيطر على عملية السلام بين إسرائيل وفلسطين.
لينا الخطيب*
صادفت يوم الإثنين الفائت (15/05/2023) الذكرى الخامسة والسبعون لتأسيس دولة إسرائيل والنكبة الفلسطينية. تأتي هذه الذكرى في وقتٍ تبدو احتمالات السلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين قاتمة بشكلٍ خاص. تواجه كلٌّ من الدولة العبرية والسلطة الفلسطينية تحّدياتٍ سياسية داخلية، بينما جهود السلام الدولية تبدو فاترة أو بالأحرى مُجَمَّدة. في غضون ذلك، يستمر العنف اليومي بين الإسرائيليين والفلسطينيين الذي يتخلله اندلاع قتال عنيف بشكلٍ دوري. وقد شهدت الحلقة الأخيرة خمسة أيام من الاشتباكات العنيفة بين إسرائيل وحركة “الجهاد الإسلامي” في غزة، والتي انتهت بوقفٍ لإطلاق النار يوم الأحد الماضي.
بدأت موجة العنف الأوّلية بعد وفاة خضر عدنان، العضو البارز في حركة “الجهاد الإسلامي”، في سجنٍ إسرائيلي في 2 أيار (مايو)، بعد إضرابٍ عن الطعام استمرَّ 86 يومًا، عندما أطلقت حركة “الجهاد الإسلامي” –التي صنّفتها إسرائيل كمنظمة إرهابية— وابلًا من الصواريخ على أهدافٍ إسرائيلية، ورَدَّ الجيش الإسرائيلي بقصف غزة. ولم يصمد وقف إطلاق النار الذي أعقبَ ذلك، حيث بدأ الجيش الإسرائيلي يوم الثلاثاء، في التاسع من الشهر الجاري، ما أسماه عملية “الدرع والسهم”، وهي حملة من الغارات الجوية استهدفت قادة “الجهاد الإسلامي” وأكثر من 400 موقع في غزة. في اليوم التالي، ردّت حركة “الجهاد الإسلامي” بما أسمته عملية “ثأر الأحرار”، حيث أطلقت أكثر من 1500 صاروخ وفقًا لتقديرات الجيش الإسرائيلي، بما في ذلك على مواقع في القدس، على الرغم من أن الدفاعات الصاروخية الإسرائيلية اعترضت العديد منها. وبحلول الوقت الذي اتفق فيه الجانبان على وقف إطلاق نارٍ آخر يوم الأحد، كان العنف أسفر عن مقتل 34 فلسطينيًا وإسرائيليّ واحد.
ومع ذلك، فإن وقفَ إطلاقِ النار يوم الأحد لم يفعل شيئًا لإحداثِ أيِّ شروطٍ من شأنها أن تُمَهّدَ الطريق لخفض التصعيد في المدى الطويل. لذا، على الرُغم من أن هذه الحلقة الأخيرة كانت الأشد ضراوةً بين الجيش الإسرائيلي والفصائل الفلسطينية منذ العام 2014، فمن المرجح أن لا تكون الأخيرة.
في غضون ذلك، لم يزل الفلسطينيون مُنقسمين سياسيًا. يشغل الرئيس الحالي للسلطة الفلسطينية، محمود عباس، المنصب منذ 18 عامًا. في العام 2007، سيطرت حركة “حماس” على غزة في استيلاءٍ مُسلّح، وظلت الضفة الغربية وقطاع غزة تحت قيادتين منفصلتين منذ ذلك الحين. المحادثات بشأن إجراء انتخابات مُوَحّدة تكرّرت بدون نتيجة على مرِّ السنين، كان آخرها في العام 2021، عندما كان من المقرر إجراء انتخابات، ولكن تم إلغاؤها في النهاية.
لا تزال المصالحة الفلسطينية الداخلية تواجه عقبات كبيرة، ليس أقلها عدم الوضوح بشأن مَن قد يخلف عباس، البالغ من العمر 87 عامًا والذي يعاني من مشاكل صحية متعدّدة. يواجه عباس انتقادات من داخل الأوساط الفلسطينية لتحويله السلطة الفلسطينية إلى نظامٍ رئاسي في سنوات حكمه. في العام 2018، دعا إلى حلّ البرلمان، الذي كان على أيِّ حال مُنحَلًّا منذ الانقسام الذي وقع في العام 2007 مع “حماس”، وفي العام 2021 وضع ونفّذ إجراءات منحته مزيدًا من السلطة على كلٍّ من السلطتين التشريعية والتنفيذية.
من جهتها، تواجه إسرائيل انقساماتٍ سياسية خاصة بها. عاد رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو إلى الحكم في تشرين الأول (أكتوبر) الماضي على رأس حكومة هي الأكثر يمينية في تاريخ إسرائيل. وقد أثارت إصلاحاته القضائية المُقترَحة أكبر احتجاجات عرفتها البلاد حيث أُجبِرَ على أثرها على سحبها لإجراءِ مزيدٍ من المشاورات في آذار (مارس). لكن إلى جانب الإصلاحات القضائية، يشعر العديد من الإسرائيليين بالقلق إزاء المواقف المتطرفة التي يتّخذها بعض وزراء الحكومة المُعَيَّنين من قبل نتنياهو وانعكاساتها على حقوق الإنسان والاستقرار. يوم الخميس الفائت، بينما كانت عملية “الدرع والسهم” جارية، قال وزير المالية بتسلئيل سموتريتش، أحد هؤلاء الوزراء، للقناة 14 التلفزيونية الإسرائيلية إن إسرائيل لن يكون أمامها في نهاية المطاف خيارٌ سوى استعادة غزة لضمان أمنها.
لا يزال نتنياهو يواجه معارضة شعبية واسعة للإصلاحات القضائية التي لا يزال يَعِدُ بتنفيذها، مع استمرار الاحتجاجات ضدها كل يوم سبت في جميع أنحاء إسرائيل. حتى أن بعض الإسرائيليين نزلوا إلى الشوارع في تل أبيب يوم السبت الماضي، على الرُغم من دعوة المنظّمين إلى وقف المظاهرات بسبب وابل الصواريخ الذي أطلقته حركة “الجهاد الإسلامي”. وتعليقًا على عملية “الدرع والسهم”، وصف السفير الفلسطيني في المملكة المتحدة حسام زملط الغارات الجوية الإسرائيلية بأنها محاولة من نتنياهو لتحويل مشاكله إلى غزة. كما رأى بعض المعلقين في إسرائيل عملية “الدرع والسهم” كفرصةٍ لنتنياهو لتقوية موقفه السياسي.
على الصعيد الدولي، لا يزال الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني في مأزق. تم تقليص دور مصر إلى حدٍّ كبير وتحوّلت إلى وسيطٍ لوقف إطلاق النار، مثلما حدث أخيرًا بين إسرائيل و”الجهاد الإسلامي”. لم تُسفر اتفاقيات أبراهام –التي طبّعت علاقات إسرائيل مع الإمارات العربية المتحدة، البحرين، المغرب والسودان– عن زيادة الجهود الإقليمية لإنهاء الصراع، وركّزت بدلًا من ذلك على تعزيز العلاقات الثنائية بين إسرائيل والمُوَقِّعين العرب. وقد أدت حملات القمع العنيفة الأخيرة التي شنّتها السلطات الإسرائيلية ضد الفلسطينيين، كما حدث في المسجد الأقصى خلال شهر رمضان في وقت سابق من هذا العام، إلى إحراجِ الدول العربية التي كثّفت من التعامل مع إسرائيل. لكن دول الخليج العربي لم تبذل أي جهود ديبلوماسية لمعالجة الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني، ويرجع ذلك جُزئيًا إلى الانزعاج من حكومة نتنياهو اليمينية المتطرفة، وجُزئيًا لأن دول الخليج تعطي الأولوية لأمنها المحلي والإقليمي.
لأول مرة في تاريخها، أحيت الأمم المتحدة في أوائل هذا الأسبوع ذكرى النكبة. على الرغم من أن القرار أثارَ غضب إسرائيل، إلّا أنه يظل خطوة رمزية ولم يُتَرجَم إلى عملٍ ديبلوماسي. يمكن قول الشيء نفسه عن الملاحظات التي أدلت بها يوم الجمعة الفائت فرانشيسكا ألبانيز، مُقرّرة الأمم المتحدة الخاصة المَعنيّة بحقوق الإنسان في الأراضي المحتلة، والتي قالت خلال زيارةٍ إلى لندن إن إسرائيل تُعامل الأراضي الفلسطينية المحتلة كأنّها “مستعمراتها”. ويعتبر وزير الدولة البريطاني لشؤون الشرق الأوسط، طارق أحمد، الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني أولوية بالنسبة إلى سياسة المملكة المتحدة في الشرق الأوسط. لكن من الناحية العملية، تواصل لندن تقليد واتباع واشنطن، حيث يحتل الصراع مرتبة مُتدنية على أجندة السياسة الخارجية الأميركية. كل هذا يؤكّد استمرار الجمود في عملية السلام بين إسرائيل وفلسطين، والتي وصلت إلى أدنى مستوياتها بعد 75 عامًا.
- لينا الخطيب هي مديرة معهد الشرق الأوسط في “مدرسة الدراسات الشرقية والأفريقية” (SOAS) التابعة لجامعة لندن. يشمل عملها في الشرق الأوسط الجغرافيا السياسية، والصراع، والتحوّلات السياسية، والسياسة الخارجية تجاه المنطقة. يمكن متابعتها عبر تويتر على: @LinaKhatibUK
يجب عليك تسجيل الدخول لكتابة تعليق.