ماذا حلَّ بكِ يا تونس بعد انتفاضة 2011؟ (3)

عبد اللطيف الفراتي*

أنتجت انتخابات أواخر العام 2011 فوزاً ساحقاً لحزب “حركة النهضة”، ولكنه كان انتصاراً ناقصاً حيث لم يُمكّن الحزب من الاكتفاء بذاته لتشكيل الحكومة، فقد نال أكثر من 80 مقعداً، فيما يحتاج إلى 109 مقاعد على الأقل للفوز بالغالبية البرلمانية، وذلك طبقاً لما تفرزه الطريقة الانتخابية المُعتمَدة أي، بالنسبية مع أعلى البقايا. وكان المجلس المُنتخَب قد حُدِّدت مهمته بصياغة دستور للبلاد خلال سنة واحدة، ولكن حزب “حركة النهضة” انفرد بالحكم والسلطة، بعد أن ضمن لنفسه غالبية بانضمام الحزبين الحاصلين على المرتبة الثالثة والمرتبة الرابعة إليه، وهما “حزب المؤتمر من أجل الجمهورية” بزعامة الدكتور المنصف المرزوقي ، و”حزب التكتل الديموقراطي” بزعامة الدكتور مصطفى بن جعفر. وقد تركت حركة النهضة “حزب العريضة الشعبية”، الثاني ترتيباً في نتائج الانتخابات، على الهامش، بسبب العداوة المُستحكمة التي يكنّها راشد الغنوشي لكلّ مَن ترك بعد عضويته في الحركة سطح السفينة.

وقد استغربت القوى التقدمية وما سُمي وقتها بالأحزاب العلمانية، هرولة المنصف المرزوقي ومصطفى بن جعفر للتحالف مع “النهضة”، بعد أن أكد كلٌّ منهما أنه لن يتحالف معها مُطلقاً ومهما كانت الأحوال. وكان من نتيجة ذلك أنهما ابتلعا كل الثعابين، على رأي المثل الفرنسي، خلال  كل فترة ذلك التحالف المُناقِض لطبيعة الأشياء. وإذ لم يكن تحالف المرزوقي خارجاً عن طبيعة الرجل، وتعطّشه للمناصب حتى ولو كانت فارغة من أي محتوى، تشهد على ذلك مواقفه من الرئيس زين العابدين بن علي في أول عهده، تسوّلاً لمنصب وزاري، خصوصاً وقد ترأس رابطة حقوق الإنسان، و كان نال رئيساها المتعاقبين سعد الدين الزمرلي ومحمد الشرفي مناصب وزارية. غير أن الرئيس بن علي الذي كان المرزوقي يقابله بصفة دورية وبطلب منه،  لم يقتنع بالرجل، حسبما تسرّب أيامها بشأن المرزوقي، ولم يرَ فيه الرجل المناسب للوزارة، فانقلب  المرزوقي عليه وناصبه العداء، وقد فاتته فرصة التوزير. ومرّت الأشهر مُتعاقبة من دون أن يُدعى لتقلّد أي منصب وزاري، وبعد كثير من المقالات والمواقف غير المُشرِّفة تقرّباً من رئيس الدولة، انقلب عليه وجعله هدفاً يومياً لهجماته.

وجد المرزوقي في التحالف مع “النهضة” وسيلة للوصول إلى غرضه في تقلّد مناصب مسؤولية عالية، وأصرّ على نيل رئاسة الجمهورية، رُغم وعد صريح من قيادة “النهضة” بتخصيص المنصب للباجي قائد السبسي الوزير الأول آنذاك.

وإن لم يكن إذن تحالف المرزوقي خارجاً عن طبيعة الأشياء لتعطّشه للسلطة وقد أصبحت في متناوله، فقد بدا تحالف مصطفى بن جعفر الأغرب، فهو رجل مبدئي، وكان كذلك طيلة حياته حتى تلك اللحظة التي قرّر فيها ذلك التحالف. وبعكس المرزوقي فقد كانت الوزارة عُرضت مرات عدة على بن جعفر، وآخرها عندما تم تعيينه وزيراً في حكومة محمد الغنوشي الأولى بعد الثورة، وانسحب منها، بعكس كل الذين تم تعيينهم من أقطاب المعارضة وقبلوا بالمناصب.

وكان مصطفى بن جعفر الذي حلّ رابعاً في الترتيب بين الأحزاب الفائزة، معتبراً منذ كان في حزب الدستور من أكثر الزعماء السياسيين مبدئية، فانتقل إلى حركة الديمقراطيين الإشتراكيين، ثم وبعد استقالة أحمد المستيري منها على خلفية خلاف حاد مع رئيس الجمهورية الجديد زين العابدين بن علي، أيام كان ينتظر أن تسقط رئاسة الجمهورية كثمرة ناضجة بين يديه، فسبقه إليها بن علي بجرأته في انقلاب أمني لم يعلن عن نفسه. غير أن مصطفى بن جعفر بهذا التحالف غير الطبيعي مع “النهضة”، فقد ذلك الرصيد الشعبي الذي كانت لا تشوبه شائبة، وانحدر هو وحزبه إلى القاع في أول انتخابات لاحقة …

وإلى اللقاء في الحلقة الرابعة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى