ما هو دور الفحم في مزيج الطاقة في الصين؟

بقلم البروفسور جاسم عجاقة*

لا تنفك أسعار النفط العالمية تنخفض تحت تأثير عوامل جيوساسية وإقتصادية. والأهم أن الطلب الصيني على النفط تراجع بفعل تباطؤ الدورة الإقتصادية، إلا أن ما ليس معروفاً هو إستراتيجية الصين في ما يخص الفحم لتلبية حاجاتها.
يتعمّد مؤشر التطور الإنساني إلى إستخدام الطاقة حيث أثبتت البيانات التاريخية أن تطور البشرية ترافق بإزدياد إستهلاك الطاقة بأنواعها. وهذا يعني أن الطاقة جلبت للبشرية العنصر الأساسي لتطورها على حالها اليوم. لكن هذا التطور تمّ على مراحل عدة حيث كانت المُجتمعات تستهلك الطاقة بشكل مُفرط ومن دون كفاءة حرارية. أضف إلى ذلك، أن دول العالم تتطور بشكل غير متناغم في ما بينها.
وتعيش البلدان المُتطورة إقتصادياً في عصر الصناعة، وبالتالي فإنها تستهلك الكثير من الطاقة في إقتصاداتها، وهذا هو حال الصين، ثاني أكبر إقتصاد في العالم، التي تُنتج الطاقة وتستهلكها. وتتميز تلك البلاد بعدد سكان هائل مُتوقَّع له أن يزيد في العقود المقبلة بعدما رفعت السلطات العمل بسياسة الولد الوحيد. وبالتالي فإن النمو الإقتصادي وزيادة عدد السكان تتطلب إستهلاك أكبر للطاقة خصوصاً مع مساحة هائلة تمتد على عرض القارة الأسيوية.
بالطبع هذه الزيادة في الإستهلاك لن تمرّ من دون ثمن، خصوصاً أن الصين تحلّ في المرتبة الثانية من ناحية حجم إستهلاك الطاقة بعد الولايات المُتحدة الأميركية. وإذا كان المُجتمع الصيني ما يزال بقسم كبير منه يعيش في ظل ظروف إجتماعية بعيدة مما نراه في العاصمة أو المدن الصينية الكبرى، إلا أن زيادة التطور الاجتماعي ستواكبه زيادة في الإستهلاك ضخمة جداً خصوصاً في مجال الكهرباء حيث تبقى مناطق صينية عديدة محرومة من التيار الكهربائي.
وهنا تُطرح مشكلة ترشيد كلفة الزيادة في الإستهلاك كما والإستثمارات. لذا عمدت الحكومة الصينية إلى وضع إستراتيجية محورها الفحم بالدرجة الأولى والنووي بالدرجة الثانية والطاقة المُتجددة في الدرجة الثالثة.
لكن لماذا الفحم مع العلم أن الفحم مُلوِث وهناك قيود على الإنبعاثات الحرارية؟
أولاً، الإحتياط الصيني من الفحم: فالصين تحتل المرتبة الثالثة عالمياً من ناحية إحتياط الفحم (114 مليار طن) خلف الولايات المُتحدة الأميركية وروسيا، وهذا الحجم يُعادل بحسب بعض التقديرات 30 سنة إستهلاك على وتيرة الإستهلاك الحالية. وبحسب بعض الدراسات فإن هذا الإحتياط يكفي الصين لمدة قرن من الزمن لدعم نموها الإقتصادي.
ثانياً، الحاجة الماسة إلى إنتاج الكهرباء: تبقى المناطق الممتدة في شمال الصين والشمال الغربي من أكثر المناطق حاجة إلى الكهرباء وهي مناطق مُكتظة سكانياً. وقد قامت بكين بإنشاء معامل حرارية على الفحم بسعة 907 آلاف ميغاواط أي ما يوازي 77% من مجمل الإنتاج الصيني من الكهرباء. وإستطاعت البلاد تخطي مشكلة التلوّث عبر إعتماد تقنية تغويز الفحم، وهي تقنية تستخدم في آليتها المياه مما يُخفف من تلوث الجو ويُشجّع على الأعمال بوجود الكهرباء.
ثالثاً، الإستخدام الصناعي وخصوصاً في قطاع الحديد والألومينيوم حيث أن قلة الأسعار تُشكّل رافعة للقطاع وتدعم الصناعات الأخرى التي تستخدم الحديد والألومينيوم.
رابعاً، الإستخدام المنزلي المحصور في المناطق الريفية والجبلية والذي يستمر إستخدامه بشكل واسع على الرغم من الإنبعاثات الكربونية داخل المنازل والتي تؤدي إلى أمراض تنفسية بين الصينيين (أكثر من 10 ملايين مصاب).
أضف إلى ذلك أن دعم تطور الاقتصاد والمجتمع الصيني كان سيصبح أعلى بكثير لو تمّ إستخدام النفط أو الغاز. ومن هنا كانت فكرة السلطات الصينية بالإستفادة من إحتياطها من الفحم عبر تسخيره لصالح الاقتصاد من خلال خفض الكلفة وبالتالي تنافسية أكبر للبضائع الصينية.
ويبقى السؤال عما إذا كانت الصين تستطيع الإعتماد على الفحم بشكل حصري؟
من وجهة نظر إقتصادية بحتة، نعم يُمكن للصين الإعتماد على الفحم لوفرة الإحتياط ووجود التقنية المناسبة بأسعار منخفضة. لكن من وجهة نظر بيئية لا يُمكن لها الإعتماد على الفحم خصوصاً أن نسبة الإنبعاثات الحرارية عالية جداً (9621 مليون طن في العام 2012). وبحسب المعاهدات الدولية حول الإحتباس الحراري، فإنه على الصين خفض هذه الإنبعاثات من 67% إلى 44% في العام 2030. وهذا يعني أنه على بكين أن تجد طرقاً أخرى لإنتاج الطاقة أقل تلويثاً وهذا ما بدأت فعله مع وضعها لمخطط لإنشاء 450 معملاً لإنتاج الكهرباء بالطاقة النووية. وبحسب المعلومات فإن العشرات من هذه المعامل تمّ إنشاؤها وبدأت بإنتاج الكهرباء. لكن الوضع الاقتصادي الحالي وتراجع النمو الاقتصادي الصيني سيؤخر حتماً هذه الخطة نظراً إلى الحجم الهائل للإستثمارات المطلوبة لإنشاء المعامل النووية.
ويبقى القول أن إعتماد الصين على الفحم ساعدها بشكل كبير في تخفيض الكلفة على إقتصادها وبالتالي تحقيق نسب نمو كبيرة لم تكن البلاد لتحققها لو لم يتمّ إستخدام إحتياطها من الفحم. أيضاً يُمكن القول أن تطور المُجتمع الصيني وتكاثره يطرحان أسئلة كبيرة عن مدى قدرة الثروة الفحمية التي تمتلكها الصين على تلبية الحاجات الداخلية للصين (أقله الكهرباء) وبالتالي هناك إلزامية للسلطات الصينية في التفكير في إستراتيجية مُختلطة (Mix Strategy) لإنتاج الطاقة بشكل يسد حاجات السوق الداخلي وحاجات ماكينتها الإنتاجية.

• خبير إقتصادي وإستراتيجي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى