كَيفَ قامَ الأسد بتسليح الكارثة

عُقِد قبل أيام مؤتمر للمانحين لمساعدة المنكوبين من الزلازل التي ضربت سوريا وتركيا في بروكسل، وعلى الرغم من أن قسمًا من المساعدة أكثر من مليار دولار خُصصت لسوريا، لا يزال بإمكان العالم مساعدة ضحايا الزلزال السوري من دون دعم نظام الأسد.

المناطق المنكوبة في سوريا: لم تصلها المساعدات في الوقت المناسب

بقلم جيريمي كونينديك وجيسي ماركس*

تسببت الزلازل الهائلة التي ضربت تركيا وسوريا في أوائل شباط (فبراير) الفائت بمقتل عشرات الآلاف وتشريد الكثيرين. كما إنها فاقمت الكارثة الإنسانية في شمال غرب سوريا بطُرُقٍ يمكن أن تنتهي بشكلِ أساسي بإعادة توجيه ميزان القوى في الصراع السوري المستمر منذ فترة طويلة. لقد سعى نظام الأسد دائمًا إلى معاقبة السكان المدنيين كوسيلةٍ لتعزيز جهوده الحربية –وهي استراتيجية ساعدها الزلزال الآن بشكل كبير. بدون جهودٍ ضخمة للتعافي، فإن الضرر الواسع في شمال غرب سوريا الذي تسيطر عليه المعارضة لن يتركَ الناس هناك غير قادرين على إعادة بناء حياتهم فحسب، بل يمكن أيضًا أن يقلب ميزان الصراع لصالح الأسد. يجب على المانحين الدوليين لجهود التعافي السوري بذل دفعة جديدة من الضغط من أجل وصول المساعدات الإنسانية إلى المنطقة – والإشارة بوضوح إلى أنهم لن يكونوا متواطئين مع محاولات الأسد للتلاعب بجهود التعافي لصالحه.

لطالما استخدم الأسد تدفق المساعدات الإنسانية في سوريا كسلاح حرب، مستخدمًا تكتيكات الحصار لإجبار المعارضة على الخضوع. على الرغم من أنه كافح في كثير من الأحيان لتحقيق انتصارات نهائية في ساحة المعركة، إلّا أنه نجح في القضاء على المقاومة المدنية في جميع أنحاء البلاد من خلال نشر استراتيجية طويلة الأجل تُعرف ب”الركوع أو الجوع” – قصف المجتمعات مع منع وصولها في الوقت نفسه إلى الضروريات الأساسية حتى تستسلم. لقد قاد هذه الاستراتيجية في المراحل الأولى من الحرب الأهلية في البلاد، حيث قام بتطويق البلدات والأحياء التي تسيطر عليها المعارضة وقصفها من بعيد مع خنق ومنع الإمدادات الغذائية والأدوية وغيرها من المساعدات عنها حتى استسلامها. أسفرت تكتيكات الحصار القاسية هذه عن سحق السكان المدنيين بتكلفة منخفضة للجهود الحربية للنظام، وسقط العديد من هذه المناطق في نهاية المطاف في أيدي قوات الأسد.

على مدى السنوات العديدة الماضية، مع سيطرة المعارضة السورية على شمال غرب البلاد، طبق الأسد هذه الاستراتيجية الوحشية على نطاق أوسع، وفرض حصارًا على المنطقة من الناحيتين العسكرية والديبلوماسية. قبل الزلازل، اعتمدت وكالات الأمم المتحدة على إذنٍ من مجلس الأمن لنقل المساعدات عبر تلك الحدود عبر مَعبرٍ واحدٍ مُعتَمَد. الأسد وروسيا – الحليف الرئيس للنظام السوري، والذي يتمتع بحق النقض في مجلس الأمن- سوف يجعلان بشكل روتيني عملية تجديد تفويض مجلس الأمن الدولي عملية شاقة كوسيلة ضغطٍ لمعاقبة المعارضة السورية، ولتعزيز أجندة الأسد في تطبيع نظامه على الساحة الدولية. لا يسيطر الأسد بشكل مباشر على المعابر الحدودية بين تركيا وشمال غرب سوريا، والتي تشكل طرقًا مهمة للمساعدات الإنسانية، ولكن نظرًا لاستعداد روسيا للانخراط في عرقلة ديبلوماسية نيابة عنه، يمكنه التلاعب بجهود المساعدة على الرغم من ذلك. لقد جعلت روسيا والأسد معًا تدفق المساعدات الدولية إلى المنطقة رهينة لجعل الحياة لا تطاق وغير أكيدة للمعارضين والمدنيين على حد سواء.

سمحت الزلازل الآن للأسد وحلفائه الروس الضغط على الجيب أكثر، مع تداعيات وخيمة على الملايين الذين ما زالوا يقيمون هناك. تستحق المجتمعات السورية المزيد من المساعدة الدولية – لكن يجب على المانحين التصرف بحذر لضمان ألّا تنتهي عملية التعافي بدعم نظام الأسد.

قليلٌ جدًا متأخّر جدًا

جهود الإغاثة من الزلزال حتى الآن لعبت إلى حدٍّ كبير لصالح الأسد – وبالتالي، لصالح روسيا. على الرُغم من تدفّق مساعدات الإغاثة إلى تركيا في أعقاب الزلازل، لم تصل سوى كميات ضئيلة إلى شمال غرب سوريا، وحتى تلك المساعدات تأخرت كثيرًا بسبب حجم الدمار ومناورة الأسد. المعبر الحدودي الوحيد الذي تُرِكَ مُتاحًا للأمم المتحدة بسبب عرقلة روسيا الطويلة في مجلس الأمن تضرر بشدة جراء الزلزال، ما أعاق قدرة الأمم المتحدة على إيصال المساعدات على وجه السرعة إلى سوريا. نتيجةً لهذه التأخيرات، تدفق القليل من المساعدات إلى البلاد خلال المرحلة الأولية الحاسمة للبحث والإنقاذ. واعترف منسق الإغاثة في حالات الطوارئ في الأمم المتحدة مارتن غريفيث بذلك عند زيارته الحدود السورية-التركية بعد أيام على وقوع الزلازل، حيث غرّد قائلًا: “لقد خَذلنا حتى الآن الناس في شمال غرب سوريا. إنهم مُحِقّون في شعورهم بالتخلي عنهم. يبحثون عن المساعدة الدولية التي لم تصل”.

في البداية، أصرَّ النظام على أنَّ أي مساعدة لمناطق المعارضة يجب أن تمرَّ عبر دمشق. ولكن في مواجهة ضغوطٍ عالمية متزايدة، وربما استشعر فرصةً لإعادة تأهيل موقعه الدولي، سمح النظام في النهاية بالاستخدام المؤقت لنقطتَي عبور مساعدات إضافية من تركيا بعد مفاوضات مكثفة في الأمم المتحدة. والجدير بالذكر أن هذين المعبَرَين الإضافيين لم يُصرَّح بهما إلّا بعد مرور مرحلة الإنقاذ الفوري والمُلِحّ. كما أن الفتح المتأخر لهذين المعبرَين لا يغير حقيقة أن شمال غرب سوريا لا يزال منطقة نزاع نشطة، ولم يعرض النظام ولا المتمردون وقف الأعمال العدائية للسماح بجهود إنقاذ واسعة النطاق بالمضي قدمًا بأمان.

حالت هذه العقبات دون هذا النوع من جهود الإنقاذ العالمية الفورية التي تتبع عادة كارثة طبيعية هائلة. وبدلًا من ذلك، مات عددٌ لا يحصى من الأرواح السورية التي كان من الممكن إنقاذها في أعقاب الزلزال الأول. في غضون ساعات وأيام من وقوع الزلازل، انتشرت المئات من فرق البحث والإنقاذ في جنوب شرق تركيا، لكن لم يصل مثل هذا الدعم إلى شمال غرب سوريا على الإطلاق. عملت منظمة الخوذ البيضاء والمتطوعون السوريون المحليون الآخرون ببسالة لإنقاذ من يستطيعون، لكنهم كانوا يفتقرون إلى نوع الموارد والمعدات المنتشرة عبر الحدود. بينما يدرس المجتمع الدولي كيفية مساعدة جهود التعافي السوري، يجب أن يعمل على التغلب على العقبات التي حالت دون تقديم مساعدات حاسمة في أعقاب الزلازل مباشرة – أو ترك الملايين في خضم كارثة متصاعدة.

هدية للأسد

في ضربة واحدة، ألحقت الزلازل أضرارًا أكبر بكثير بشمال غرب سوريا مما كان يمكن أن يحققه النظام وروسيا من خلال التكتيكات العسكرية التقليدية – وفعلت ذلك بدون توريط النظام في نمط جديد من جرائم الحرب. فاقمت الكارثة من أزمة إنسانية طويلة الأمد في المنطقة. نزح الملايين أصلًا ويعيشون في مخيمات مؤقتة، ويعتمدون بشدة على المساعدة. أدت الزلازل حديثًا إلى نزوح 100,000 سوري آخرين وتُهدّد عواقبها بتفاقم تفشي الكوليرا الحالي، فضلًا عن تدمير المرافق الصحية والبنية التحتية المدنية المهمة الأخرى. يخدم الوضع الراهن الجديد بعد الزلزال مصالح النظام، وسيؤدي حظر الأسد للمساعدات التي تهدف إلى إصلاح الضرر إلى النتيجة نفسها عمليًا مثل قصفه للمستشفيات أو استهداف البنية التحتية المدنية.

أي شيء أقل من وصول المساعدات الكاملة والمفتوحة إلى المناطق التي تسيطر عليها المعارضة المتضررة بشدة يعزز في نهاية المطاف المجهود الحربي للنظام. ومع ذلك، على الرغم من الآثار طويلة المدى للكارثة، كان مجلس الأمن الدولي بطيئًا في التحرك، وبدأت الأزمة تتلاشى بالفعل من عناوين الصحف العالمية. تنازل الأسد على مضض في شباط (فبراير) لطريقين إضافيين للمساعدة من تركيا لم يتم إضفاء الطابع الرسمي عليهما في قرار جديد لمجلس الأمن الدولي ويبدو أنه قلل من الزخم لاتخاذ إجراء عاجل للأمم المتحدة.

تشكل الخلفية السياسية الأوسع تحديًا كبيرًا. بعد مرور اثني عشر عامًا على الحرب، تخلت الولايات المتحدة والدول المانحة الرئيسة الأخرى إلى حد كبير عن السعي إلى تحقيق تسوية من طريق الوساطة أو انتقال السلطة الذي يتطلب الإطاحة بالأسد، لكنها أيضًا لم ترغب في التنازل عن نصرٍ نهائي للأسد. لا تزال تركيا ووكلاؤها السوريون يحتلون مساحات شاسعة من شمال سوريا، وتقوم الولايات المتحدة بعمليات في الشمال الشرقي، ويحتفظ المانحون بكميات متواضعة من المساعدات تتدفق إلى المنظمات غير الحكومية في الجيوب المتبقية التي تسيطر عليها المعارضة. وكانت النتيجة العملية  صراعًا شبه مجمد حيث يواجه الأسد احتمالية ضئيلة لفقدان السلطة -طالما أنه يحتفظ بالدعم الصيني والإيراني والروسي- ولكنه يفتقر أيضًا إلى الوسائل لاستعادة مناطق البلاد التي لا تزال خارج سيطرته. هذا هو الوضع الراهن الصعب المراس والبغيض، لا سيما بالنظر إلى سلسلة جرائم الحرب التي ارتكبها نظام الأسد، لكن المزيد من توطيد وتعزيز سلطة حكم الأسد سيظل أسوأ بالنسبة إلى الأشخاص الذين يعيشون في شمال غرب سوريا.

خلفية مُعقّدة

وبالتالي، فإن مخاطر مرحلة التعافي المقبلة هائلة، سواء بالنسبة إلى رفاهية الناس في شمال غرب سوريا أو بالنسبة إلى المسار الطويل الأمد للصراع. لكن جهود إعادة الإعمار تواجه عقبات ضخمة. تعتمد جهود إعادة الإعمار الرئيسة بعد الكوارث عادةً على شراكات وثيقة بين السلطات الحاكمة ومقدِّمي المساعدات الدولية. ومع ذلك، في هذه الحالة، لا تهتم الحكومة السورية بإعادة بناء شمال غرب البلاد، باستثناء ربما كمقايضة قصيرة الأجل للحصول على مساعدات دولية لإعادة الإعمار للمناطق ذات القيمة التي أهلكها وهدّمها النظام خلال الحرب، مثل مدينة حلب.  كانت مثل هذه المقايضات على الأرجح جزءًا من حسابات الأسد لفتح طرق المساعدات الإضافية عبر الحدود، والتي تزامنت مع تخفيف مؤقت للعقوبات لتمكين وصول الإغاثة من الزلزال والتعافي في المناطق التي يسيطر عليها النظام.

تساعد هذه المقايضة الضمنية الأسد فعليًا: تتدفّق المساعدات من الإمارات العربية المتحدة إلى النظام لدعم الاستجابة الإنسانية في مناطق البلد الذي يحكمه. كما يواجه المانحون الرئيسيون للمساعدات معضلة في الشمال الغربي، حيث لا يرغب الكثير منهم في تمكين أو إضفاء الشرعية على سلطات الأمر الواقع في المنطقة، ولا سيما الجماعات الإرهابية المُصنَّفة مثل “هيئة تحرير الشام” المرتبطة بتنظيم “القاعدة”. على الرُغم من أن هذه المجموعات قد توصلت إلى تسويةٍ مؤقتة مع المجتمع المدني السوري حول السماح باستمرار عمليات المساعدات بأقل قدر من الاضطرابات، إلّا أنَّ المانحين سيحرصون على التأكد من أن هذه الجهات الفاعلة لا تستفيد ماديًا من وصول المزيد من المساعدات.

وبالتالي، فإن تحدي إعادة الإعمار هو نموذجٌ مُصَغَّرٌ للمشاكل الأكبر للانخراط الدولي في الثورة السورية على مدار العقد الماضي: لا توجد قوة عظمى تريد مساعدة عناصر المعارضة المتطرفة على الانتصار، لكن الغرب أيضًا لا يريد منح الأسد نصرًا واضحًا.

فَنُّ المُمكِن

في ظل هذه الخلفية المعقدة، تبدو جهود إعادة الإعمار الكاملة في الشمال الغربي مع وصول دولي غير مقيد وتوفير مناسب للأمن بعيد المنال. بدلًا من ذلك، قد يكون أفضل سيناريو لإعادة الإعمار هو ببساطة مساعدة مجموعات المجتمع المدني السوري على قيادة الجهود، ونشر المعرفة والمهارات التي تم تطويرها على مدى أكثر من عقد من الزمن لتجاوز الوضع الراهن الذي مزقته الحرب قبل الزلزال. يجب أن تتحرك عملية الأمم المتحدة للمساعدة عبر الحدود بقوة لتكثيف دعم الإغاثة وإعادة الإعمار لهذه المجموعات، وعلى وجه الخصوص، للاستفادة الكاملة من المعابر الحدودية الإضافية التي تم فتحها. على مدى العقد الماضي من الصراع، تم بناء الكثير من عمليات المساعدة في المنطقة على قدرات منظمات المجتمع المدني السوري، بموافقة ضمنية من الجماعات المسلحة التي تسيطر على المنطقة. وبدعم من الأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية الدولية، أنشأت هذه المنظمات المحلية وسورية الشتات مستشفيات، وأقامت مخيمات للنازحين داخليًا، وحافظت على البنية التحتية، وقدمت مجموعة من وظائف الخدمات الأساسية الأخرى. لقد تم تدمير الكثير من هذه البنية التحتية والقدرة الآن – ولكن المعرفة والخبرة العملية بعد 12 عامًا من الحرب لا تزال قائمة.

يمكن أن تساعد تدابير عدة على بناء عملية إعادة إعمار قابلة للحياة، وإن كانت غير كاملة، بقيادة سورية. أولًا، يجب أن يتحرك مجلس الأمن الدولي بسرعة لإصدار قرار جديد يفرض وصول المساعدات الإنسانية إلى شمال غرب سوريا عبر جميع القنوات التي يمكن الوصول إليها. كحدٍّ أدنى، يجب أن يُضفى الطابع الرسمي على المعبرين الإضافيين اللذين قدمهما نظام الأسد. لكن يجب على أعضاء مجلس الأمن الدولي الضغط من أجل المزيد، بما في ذلك وقف إطلاق النار المؤقت في شمال غرب سوريا لتمكين التعافي على نطاق واسع. كما ينبغي أن يؤكد من جديد أنه لا يجوز لأي جهة فاعلة، ولا سيما النظام السوري، التدخل في جهود الإغاثة والإنعاش، وينبغي أن يؤكد على مركزية وصول المساعدات الإنسانية بدون قيود. ويجب أن يكون القرار دائمًا – صالحًا لمدة عام واحد على الأقل بدلاً من طرحه للتجديد كل ستة أشهر كما فعلت القرارات الأخيرة.

إذا رفضت روسيا التعاون في تمرير مثل هذا القرار، يجب على الأمم المتحدة أن تستغل إلحاح اللحظة الحالية لإعادة النظر في النظام القانوني المتعلق بالمساعدات عبر الحدود. كما جادل آخرون في الشؤون الخارجية، يعتقد بعض الخبراء القانونيين أن قرار مجلس الأمن ليس مطلوبًا بشكل صارم لتمكين إيصال المساعدات عبر الحدود في شمال غرب سوريا. إن سلوك نظام الأسد بعد الزلزال لا يؤدي إلّا إلى تعزيز الحجة القائلة بأن المساعدة الإنسانية عبر الحدود يجب أن تكون قانونية حتى في حالة عدم وجود قرار.

ثانيًا، يجب أن يقوم المانحون بدورهم. ينبغي على الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والمانحين الخليجيين وغيرهم الالتزام بحزمة إنعاش كبيرة لشمال غرب سوريا. بعد مؤتمر المانحين الذي استضافه الاتحاد الأوروبي في بروكسل في 20 آذار (مارس)، يسير المجتمع الدولي على قدم وساق، حيث بلغ إجمالي تعهدات الإغاثة 7.5 مليارات دولار لتركيا وسوريا، منها مليار دولار مخصصة لسوريا. سيظهر هذا التعهد التزامًا سياسيًا بالإضافة إلى التزام مالي، حيث يظهر التضامن مع المدنيين في سوريا ككل من خلال الالتزام بتمويل استجابة إنسانية كبيرة وجهود التعافي المبكر. ومع ذلك، فإن الاختبار الرئيس هو مقدار المساعدات الملتزم بها لسوريا التي ستتدفق إلى الشمال الغربي ومقدار ما سيجري من خلال نظام الأسد.

يمكن للمانحين التنقل في هذه المياه الصعبة من خلال تضمين بنود في التزامات المساعدة الخاصة بهم. تمنح المساعدات الدولية الجهات المانحة درجة من النفوذ، وأي شكل من أشكال المساعدة المالية التي تموّل إعادة الإعمار في المناطق التي يسيطر عليها النظام يجب أن تكون مرتبطة بشروطٍ صارمة في ما يتعلق بسلوك الأسد. يجب أن تشمل هذه الشروط إطلاق سراح السجناء السياسيين، وموافقة النظام على عمليات المساعدة عبر الحدود، وتوسيع نطاق الوصول وحرية الحركة للعاملين في المجال الإنساني. يجب على المانحين أيضًا أن يشترطوا على أن أي مساعدة جديدة لا يمكن توزيعها إلّا بطرق لا تنتهي بتمويل مشاريع النظام الأخرى.

ثالثًا، يجب على المانحين والأمم المتحدة مضاعفة جهودهم لدعم مجموعات المساعدة السورية بشكل مباشر والاستثمار في قدراتها المؤسسية. إن الجماعات السورية التي تقدم الجزء الأكبر من المساعدات في الشمال الغربي – والتي قادت جهود الإنقاذ الفورية على الرغم من الدعم الدولي الضعيف – تستحق الأفضل من الجهات المانحة للمساعدات. لا ينبغي أن يستمر إهمالهم كمقاولين من الباطن لمجموعات الإغاثة الدولية الكبيرة التي تعمل عن بعد من القواعد في تركيا. تقود المجموعات السورية الآن هذا العمل منذ أكثر من عقد، ويجب على الأمم المتحدة وقادة المساعدات الآخرين بذل المزيد من الجهد للتعرف على هذا الواقع والتكيف معه. قامت منظمات المجتمع المدني السوري ببناء المجتمعات التي يعيش فيها النازحون من سوريا، وهذه المجموعات مكلفة الآن بإعادة بنائها. تظل هذه المنظمات أفضل وسيلة للحفاظ على الخدمات الأساسية والتماسك الاجتماعي في المناطق المنكوبة؛ يجب معاملتها على هذا النحو من قبل المانحين.

كل هذا يجب أن يحدث الآن بسرعة كبيرة. لقد مضى ما يقرب من شهرين على الزلازل. كما بدأت للتو مرحلة التعافي الحاسمة. إذا فشل المجتمع الدولي في التحرك أو الاستثمار في تعافي البلاد، سيعاني ملايين الأشخاص – وسيستفيد من ذلك الأسد ونظامه فقط.

  • جيريمي كونينديك هو رئيس منظمة اللاجئين الدولية والرئيس السابق للمساعدة في حالات الكوارث في الوكالة
  • الأميركية للتنمية الدولية. يمكن متابعته عبر تويتر على: @JeremyKonyndyk
  • جيسي ماركس هو كبير المدافعين عن الشرق الأوسط في منظمة اللاجئين الدولية. يمكن متابعته عبر تويتر على: @JesCMarks
  • يَصدُرُ هذا المقال بالعربية في “أسواق العرب” توازيًا مع صدوره بالإنكليزية في “فورين أفّيرز” الأميركية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى