كيف استطاعت قطر إعادة الإنتعاش والإزدهار إلى اقتصادها رُغمَ الحصار

وفقاً للبنك الدولي، من المتوقع أن ينمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي لدولة قطر بنسبة 3٪ في العام 2021 – وهو المعدل ذاته لكلٍّ من القطاعين النفطي وغير النفطي. في غضون ذلك، يتوقع البنك أن يتقلص العجز المالي للبلاد إلى 2.3٪ في العام 2021، مدعوماً بتعافي أسعار النفط إلى مستويات ما قبل الوباء.

الشيخ محمد بن عبد الرحمن بن جاسم آل ثاني: يمكن لصندوق الثروة السيادية القطري الإستثمار في المملكة العربية السعودية ودول الخليج الأخرى في ظلِّ فُرَصٍ مُناسِبة

سمير خيرالله*

كان من المُمكن أن يكون للوباء العالمي الذي يأتي على خلفية حصارٍ اقتصادي، فرضه الجيران، تأثيرٌ اقتصاديّ سلبيّ قويّ في قطر. بدلاً من ذلك، كان أداء البلاد جيداً نسبياً خلال العام الفائت.

في الواقع، وفقاً لباسل جمال، الرئيس التنفيذي لمجموعة بنك قطر الإسلامي، كان اقتصاد الإمارة هو الأقل تضرّراً في منطقة مجلس التعاون الخليجي من الانكماش في الأنشطة الاقتصادية الناجم عن الوباء.

لقد تقلَّص الاقتصاد القطري بنسبة 3.9٪ في الربع الرابع من 2020، مُقارَنةً بالفترة نفسها من العام 2019، بحسب بياناتٍ حكومية. ومُقارنةً بالربع الثالث، إنخفض النشاط الاقتصادي بنسبة 0.5٪ فقط.

العودة إلى النمو

يقول باسل جمال أنه في حين أن بعض قطاعات الأعمال، مثل السياحة والضيافة والنقل والترفيه، قد تأثّرت بشكل كبير بالقيود المفروضة على السفر والتجمّعات، فقد ساعدت عملية التلقيح المستمرة والإدارة الاقتصادية للوباء على التعافي الشامل. ويضيف: “شهدت القطاعات الأخرى التي كانت أيضاً الأكثر تضرّراً من الوباء، مثل الطاقة والصناعة، إنتعاشاً أقوى بسبب زيادة الطلب وتعزيز سلاسل التوريد، التي تقترب الآن من مستويات ما قبل الوباء”.

في آذار (مارس) 2020، كشفت قطر عن حزمةِ تحفيزٍ بقيمة 75 مليار ريال قطري (20.5 مليار دولار) للمساعدة في دعم الاقتصاد في مواجهة الوباء، مع وقف سداد القروض حتى أيلول (سبتمبر) من هذا العام، الأمر الذي يمنح الشركات مزيداً من الوقت للتغلّب على تأثير الجائحة.

وفقاً للبنك الدولي، من المتوقع أن ينمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي لدولة قطر بنسبة 3٪ في العام 2021 – وهو المعدل ذاته لكلٍّ من القطاعين النفطي وغير النفطي. في غضون ذلك، يتوقع البنك أن يتقلص العجز المالي للبلاد إلى 2.3٪ في العام 2021، مدعوماً بتعافي أسعار النفط إلى مستويات ما قبل الوباء.

موارد مالية قوية

قطر، التي يبلغ عدد سكانها أقل من ثلاثة ملايين نسمة، هي واحدة من أغنى البلدان في العالم على أساس نصيب الفرد، مع تمتّعها بصندوقٍ سيادي للثروة، “جهاز قطر للاستثمار”، الذي يدير أكثر من 300 مليار دولار من الأصول.

يقول جوزيف أبراهام، الرئيس التنفيذي لمجموعة البنك التجاري القطري، إن اقتصاد الدولة، الذي يعتمد بشكلٍ كبير على عائدات النفط والغاز، يُعدّ من أقوى الاقتصادات في المنطقة. ويُشير إلى أن “الحكومة تتمتع بقدر كبير من المرونة المالية: فقد تمّ تحديد موازنتها العامة على أساس 45 دولاراً لبرميل النفط، ونحن حالياً عند 67 دولاراً للبرميل”.

وأضاف: “لقد أعلنت الإمارة فعلياً أن الربع الأول أظهر فائضاً طفيفاً في الموازنة، على الرغم من بعض النفقات الكبيرة. لذا هناك جميع المقوّمات لنموٍّ إيجابي في العام 2021، وهذا أدّى إلى توقّعات أكثر إيجابية في العام 2022”.

إحدى العلامات الرئيسة لقطر في العام 2022 هي كأس العالم لكرة القدم. إلى جانب كونها بياناً مُهماً وحدثاً تاريخياً للبلاد، والتي ستكون أول دولة في المنطقة تستضيف البطولة، كانت كأس العالم بمثابة حافزٍ للاستثمار على مدى السنوات القليلة الماضية. وفقاً لتقديرات المجلة الإقتصادية البريطانية “ميد” (Meed)، فقد أدّت البطولة إلى استثمار حوالي 13.6 مليار دولار سنوياً في عقود المشاريع في قطر على مدار العقد الفائت، مع سنوات الذروة التي شهدت منح عقود تزيد عن 17 مليار دولار.

حتى بدون كأس العالم، يجب أن تدعم المشاريع الجارية النمو الاقتصادي. يقول جنيد أنصاري، نائب الرئيس الأول لاستراتيجية الاستثمار والبحوث في “كامكو إنفست” (Kamco Invest): “يعكس خط الأنابيب الحالي للمشاريع نشاطاً أوسع نطاقاً في السوق القطرية”.

ويؤكّد أنصاري إن الوباء كان له تأثير في العقود الممنوحة في العام 2020، حيث تُشير البيانات إلى انخفاضٍ من 13 مليار دولار في العام 2019 إلى ما يزيد قليلاً عن 10 مليارات دولار في العام 2020.

ويضيف: “ومع ذلك، فإن العقود الممنوحة خلال شهرَي كانون الثاني (يناير) وشباط (فبراير) 2021 قد تجاوزت بالفعل مستويات العام 2020، بقيمةٍ إجمالية قدرها 13.5 مليار دولار في العام 2021 [حتى الآن]. ومن المتوقع أن تكون قطر واحدة من أكثر الأسواق نشاطاً للمشاريع في المنطقة هذا العام، حيث من المرجح أن تصل العقود الممنوحة إلى أكثر من 30 مليار دولار، خصوصاً في قطاعات الطاقة والنقل والغاز والبناء”.

توسيع قطاع الطاقة

سجّلت الدولة علامة اقتصادية مهمة في شباط (فبراير) الفائت، مع قرار قطر للبترول المضي قُدُماً في مشروع توسعة حقل الشمال التاريخي، والذي سيُعزّز إنتاج قطر من الغاز الطبيعي المُسال بأكثر من 40٪ خلال السنوات القليلة المقبلة. ومن المقرّر أن تستثمر الشركة المملوكة للدولة 28.75 مليار دولار في المشروع، ما سيزيد الطاقة الإنتاجية للبلاد من الغاز الطبيعي المُسال من 77 مليون طن سنوياً إلى 110 ملايين طن بحلول العام 2025.

تُعَدُّ قطر راهناً خامس أكبر منتج للغاز وأكبر مُصدّر للغاز الطبيعي المُسال في العالم، حيث يُساهم قطاع النفط والغاز فيها بنحو ثلث الناتج المحلي الإجمالي الإسمي للبلاد.

يلاحظ أبراهام: “إن التوقعات إيجابية للغاية بالنسبة إلى قطر لأنها تستضيف نهائيات كأس العالم المقبلة، وهناك إزالة الحصار، وتواصل التوسع في حقل الغاز الشمالي، والذي هو مبلغ ضخم من الإنفاق”.

إنهاء الحصار

جاء الضوء الأخضر لتوسيع حقل الشمال بعد شهر من حدث اقتصادي رئيس آخر، مع قرار المملكة العربية السعودية والإمارات والبحرين ومصر في كانون الثاني (يناير) برفع الحصار السياسي والاقتصادي عن قطر.

على الرغم من المخاوف من التحديات الاقتصادية، يبدو أن الحصار، الذي كان ساري المفعول منذ حزيران (يونيو) 2017، كان له تأثيرٌ سلبي ضئيل على الاقتصاد القطري، وأدّى بدلاً من ذلك إلى تطوير صناعاتٍ محلية جديدة للبلاد وطرق وعلاقات تجارية بديلة.

لقد حسّنت قطر اكتفاءها الذاتي في العديد من الجوانب. يقول أبراهام: “لقد أوجدت صناعة ألبان جديدة بالكامل من الصفر ولا أعتقد أن ذلك سوف يختفي أبداً على الرغم من تجديد التجارة عبر الحدود. وبالمثل، فقد قامت ببناء قدراتها اللوجستية، وتعزيز الاكتفاء الذاتي في الغذاء والماء وما إلى ذلك. كما تم اتخاذ إجراءات لفتح الملكية الأجنبية بنسبة تصل إلى 100٪ للشركات في جميع أنحاء قطر”.

في نيسان (أبريل)، وافقت السلطات القطرية أيضاً على مشروعِ قانونٍ يسمح للمستثمرين غير القطريين بتملّك ما يصل إلى 100٪ من رؤوس أموال الشركات المُدرَجة في بورصة قطر، وهو ما يُنظر إليه على أنه خطوة مهمة في زيادة انفتاح البلاد على الإستثمار الأجنبي.

تدفّق الاستثمار

بعد انتهاء الحصار، قال وزير الخارجية القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن بن جاسم آل ثاني، إن صندوق الثروة السيادية للبلاد يُمكن أن يستثمر في المملكة العربية السعودية ودول الخليج الأخرى، في ظلِّ فُرَصٍ مُناسِبة.

وفي الوقت نفسه، فإن إنهاء الحصار يعني أنه من المرجح أيضاً أن تتدفّق الأموال إلى البلاد في شكل استثمارٍ أجنبيٍّ مُباشَر، كما يقول صادق هامور، مدير المؤسسات المالية في مركز قطر للمال.

مُضيفاً: “لقد تغيّرت معنويات المستثمرين، ومع ذلك جاء تدفقٌ هائل للمَحافِظ الإستثمارية – منذ بداية العام وحتى تاريخه، بلغ حوالي 600 مليون دولار، مقارنة بـ 93.6 مليون دولار فقط طوال العام 2020. إلى جانب المحافظ الإستثمارية، هناك العديد من العقارات ومشاريع أخرى غير نفطية قد أعيد تنشيطها بين شركاء الأعمال الخليجيين الذين يُبشّرون بنشاطٍ كبيرٍ في المستقبل”.

في الوقت نفسه، كان أحد الآثار الملحوظة للوباء هو الهجرة المستمرة للعمال الأجانب من المنطقة. في شباط (فبراير)، قدرت وكالة “ستاندرد آند بورز” أن إجمالي عدد سكان دول مجلس التعاون الخليجي قد تقلّص بنسبة 4٪ في العام 2020. وكان أكبر انخفاض محسوس في دبي، تليها عُمان وقطر، اللتين شهدتا على حدٍّ سواء انخفاضاً بنسبة 5٪. علماً أن ما يقرب من 95٪ من سكان قطر هم من الأجانب، ويتم الاعتماد عليهم في العديد من الصناعات، لا سيما في القطاع الخاص.

مع استمرار قطر في تنويع اقتصادها، بما في ذلك من خلال مشاريع البنية التحتية الضخمة، من المُرجّح أن تتغيَّر التركيبة السكانية للعمال الأجانب، حيث يتوقع البعض انتقال تركيبة القوى العاملة الأجنبية من الأدوار مُنخفضة المهارات إلى الوظائف ذات الياقات البيضاء والمهارات المتزايدة.

النمو غير الهيدروكربوني

بينما لا يزال قطاع الطاقة هو المُهَيمِن، تُواصِل قطر الاستثمار بكثافة في تنويع اقتصادها.

يقول بنجامين يونغ، مدير تصنيف المؤسسات المالية في وكالة “ستاندرد أند بورز”: “في المُخطَّط الكبير للأشياء، ما زالت الهيدروكربونات مُهَيمِنة، لكن هذا لا يخفي بعض التقدم الحقيقي الذي حققه القطاع غير الهيدروكربوني”.

وفقاً لتقريرٍ حديث صادر عن شركة “كاي بي أم جي” (KPMG)، واحدة من أكبر أربع شركات المحاسبة في العالم، من المتوقع أن يبرز قطاع التصنيع في قطر كمُوَلِّد رئيس للعمالة خلال السنوات القليلة المقبلة، حيث من المقرر أن ينمو القطاع من حوالي 85,000 شخص حالياً إلى أكثر من 100,000 بحلول العام 2025.

يقول بنجامين يونغ، من ستاندرد أند بورز، إن الجهود المبذولة لجلب المزيد من الاستثمار الأجنبي المباشر وتغيير القواعد المتعلّقة بهيكل المُلكية لها أهمية خاصة، ولكن هذا القلق الذي ظهر في السابق نتيجة رفع المقاطعة والحصار يدور حول ما إذا كانت الشركات القطرية الجديدة، التي تم إنشاؤها للالتفاف على المشكلات اللوجستية جراء إغلاق دبي، تستطيع المنافسة عندما يمكن للتجارة أن تتدفق مرة أخرى بسهولة بين قطر وجيرانها.

يضيف: “أنا أقل تفاؤلاً. إنها اقتصادات الحجم – عادة كان لديك الكثير من التجارة الآتية من دبي والتي تم توزيعها على المستوى الإقليمي، وبالتالي فإن الأحجام جعلتها أرخص”.

ويؤكد بأن طرق التجارة واللوجستيات الجديدة المفتوحة مع دولٍ مثل تركيا والصين مُثيرةٌ للاهتمام ومُفيدة، لكنها أقل أهمية من الناحية الاقتصادية للبلاد من التجارة مع الجيران الأقرب.

ومع ذلك، فإن الحفاظ على نمو تلك الروابط التجارية، مع إعادة التواصل أيضاً مع الجيران والإنفاق بشكل كبير على مشاريع البنية التحتية واسعة النطاق، أمورٌ من شأنها أن تُحافظ على الاقتصاد القطري مُتحرّكاً ومُشتعلاً.

  • سمير خيرالله هو مراسل “أسواق العرب” في الدوحة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى