في سوريا، الأسد يَستَخدِمُ الزلازل كغطاء

يؤكّد النقاد بأن نظام الأسد يستخدم الدمار الذي سببته الزلازل للتغطية على الأضرار الناجمة عن حملات القصف في حلب، وكذلك لأهداف التخطيط العمراني والهندسة الديموغرافية، منذ بدء عمليات الهدم في كانون الأول (ديسمبر) 2022.

تداعيات الزلازل في المناطق السورية التي تحكمها المعارضة: ليست هناك تقديرات لحجم المأساة

لينا الخطيب*

إنتهت تقريبًا عمليات البحث والإنقاذ في أعقاب الزلازل المدمّرة التي ضربت تركيا وسوريا، كاشفةً عن الحجم الهائل للخسائر البشرية والمادية التي سببتها الكارثة الطبيعية. كما أصبحت التحدّيات الاقتصادية والتحدّيات المتعلقة بالحَوكمة التي سيواجهها البلدان في أعقابها أكثر وضوحًا.

في تركيا وحدها، تُقدَّرُ تكلفة الأضرار بنحو 84 مليار دولار. وَعَدَ الرئيس رجب طيب أردوغان بإعادة بناء المساكن المُدمّرة في غضون عام. ومع ذلك، نظرًا إلى الصعوبات الاقتصادية الحالية التي تواجهها تركيا، بما في ذلك انخفاض قيمة الليرة التركية وارتفاع معدلات التضخم، فمن غير الواضح كيف سيتم الوفاء بهذا الوعد بشكلٍ واقعي، خصوصًا وأن الزلازل يمكن أن تُخفّض الناتج المحلي الإجمالي لتركيا بنسبة 0.6 إلى 2 في المئة هذا العام.

كانت هناك أيضًا انتقادات واسعة النطاق للفساد المستشري في دوائر أردوغان، والذي ألقى منتقدوه باللوم عليه في تفاقم الأضرار الناجمة عن الزلازل. لو أَولَت الدولة التركية اهتمامًا أكبر بما إذا كانت مشاريع الأبنية تلتزم بمعايير البناء، كما يقولون، أو لم تضع مثل هذا التركيز على مشاريع البناء في المقام الأول، فربما كان عددٌ أقل من الناس فقد حياته. كما انتقدوا الاستجابة البطيئة في أجزاء من البلاد. ومع ذلك، وعلى الرغم من كل أوجه القصور في استجابة الدولة التركية للزلازل، إلّا أنها تسبق بأميال كيف استجابت الدولة السورية للدمار الذي حدث في سوريا.

اتخذت تركيا بعض الإجراءات الفورية لاستعادة الاقتصاد والتعامل مع خسائر الزلازل، بما في ذلك إعلان حالة الطوارئ لمدة ثلاثة أشهر للسماح بتحويل موارد الدولة –مثل الأفراد والمعدات العسكرية– إلى الاستجابة للزلازل؛ تأجيل دفع الضرائب للمناطق المتضرّرة؛ وتجميد المدفوعات على بعض قروض البنك المركزي.

لم يتم تنفيذ مثل هذه الإجراءات في سوريا، حيث لم يُعرِب الرئيس بشار الأسد حتى عن تعازيه للشعب السوري. بصرف النظر عن تغريدةٍ لمكتب الرئاسة السورية التي أعلنت أنَّ الأسد عقد اجتماعًا طارئًا في اليوم التالي لوقوع الزلازل، فإن معظم الإعلانات الرسمية عن الدولة السورية كانت حول اجتماعات الأسد ومكالماته الهاتفية مع زعماء العالم ورسائل التعاطف التي بعث بها هؤلاء القادة إليه.

ومع ذلك، هناك شيءٌ واحد أكّده المسؤولون السوريون، بإصرار وبشكل متكرر، وهو أنه يجب على الغرب رفع العقوبات عن سوريا وتمويل جهود إعادة الإعمار لإعادة البناء بعد الزلازل. وأثناء قيامها بذلك، تقوم السلطات السورية في حلب التي يسيطر عليها النظام بهدم المزيد من المباني في المدينة، والتي تزعم أنها أصبحت هشّة بسبب الزلازل. في الواقع، يؤكّد النقاد بأن النظام السوري يستخدم الدمار الذي سببته الزلازل للتغطية على الأضرار الناجمة عن حملات القصف في حلب، وكذلك لأهداف التخطيط العمراني والهندسة الديموغرافية، منذ بدء عمليات الهدم في كانون الأول (ديسمبر) 2022. وقد سبق للنظام تطبيق النهج عينه في المناطق المحيطة بدمشق، حيث حلّت مشاريع البناء الجديدة التي يُموّلها رجال الأعمال المُرتبطين بالنظام محل الأحياء القديمة التي تضررت جزئيًا في الحرب تحت ستار إعادة الإعمار.

لم تنشر السلطات السورية تقديرات اقتصادية للأضرار التي لحقت بالمناطق التي ضربتها الزلازل، ويرجع ذلك جُزئيًا إلى أن غالبية الأضرار كانت في مناطق سيطرة المعارضة، حيث ينقسم الحكم بين فصائل وكيانات سياسية مختلفة. ويخضع بعض المناطق للسيطرة التركية، فيما تتنازع المعارضة السورية وجماعة المتمردين الرئيسة في إدلب، “هيئة تحرير الشام”، على مناطق أخرى.

في المناطق المتضرّرة الخاضعة لسيطرة النظام، أصدرت دمشق فقط أرقامًا رسمية لعدد الضحايا، وليس الأضرار المادية، وحتى هذه الأرقام غير موثوقة. إنَّ تقديرات وزارة الصحة السورية للضحايا أعلى بأربع مرات من تلك التي نشرتها الشبكة السورية لحقوق الإنسان، وهي منظمة معارضة مستقلة. وهذا يشير إلى أن النظام السوري قد ينوي اعتبار من ماتوا في الحرب أو بسبب التعذيب في سجونه ضحايا الزلازل، وبالتالي التستّر على جرائم الحرب.

يعتمد النظام السوري على تدفّق المساعدات الخارجية والاستثمار على البلاد لإعادة الإعمار بعد الزلازل، مع التركيز على إعادة الإعمار بعد الحرب أيضًا. لكن على الرُغم من أن وزارة الخزانة الأميركية قد رفعت مؤقتًا العقوبات المفروضة على المعاملات المتجهة إلى سوريا للمساعدة في التعافي من الزلازل على مدى الأشهر الستة المقبلة، فليست هناك رغبة أو شهيّة في الغرب للتطبيع مع الأسد. وهذا يعني أنه لن يتدفق مثل هذا التمويل إلى سوريا من المانحين الغربيين في المستقبل القريب.

من ناحية أخرى، لا تملك المناطق التي تسيطر عليها المعارضة مصادر موثوقة لتمويل إعادة الإعمار، لا سيما وأن “هيئة تحرير الشام” –التي صنّفتها الولايات المتحدة على أنها جماعة إرهابية في 2018- لا تزال تسيطر على مناطق إدلب.

في غضون ذلك، ارتفعت أسعار السلع الأساسية بنسبة 20٪ في مناطق سيطرة النظام منذ وقوع الزلازل. وتُلقي غرفة تجارة دمشق باللوم في الزيادة على انخفاض قيمة الليرة السورية، التي فقدت نحو 15 في المئة مقابل الدولار، وارتفاع الطلب على السلع ذات العرض المحدود، لكن بعض التجار المحسوبين على النظام يؤجج أيضًا ارتفاع الأسعار. إنها مجرد طريقة أخرى أصبحت فيها ظروف الناجين من الكارثة قاتمة ويائسة على نحو متزايد.

  • لينا الخطيب هي مديرة برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في تشاتام هاوس. يشمل عملها في الشرق الأوسط الجغرافيا السياسية، والصراع، والتحولات السياسية، والسياسة الخارجية تجاه المنطقة. يُمكن متابعتها عبر تويتر على: LinaKhatibUK@

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى