في تركيا وسوريا، السياسة تُفاقِمُ تداعيات الزلزال

تبدو التوقّعات بالنسبة إلى الناجين من الزلزالين اللذين ضربا تركيا وسوريا قاتمة. لكن الكثير من أسباب ذلك يعود إلى الإخفاقات والعقبات السياسية، وليس فقط القوى الطبيعية التي أطلقت العنان للدمار الأولي في الأسبوع الفائت.

الرئيس بشار الأسد يزور حلب: للإستغلال السياسي

لينا الخطيب*

عانى جنوب تركيا وشمال غرب سوريا من أسوَإِ كارثة طبيعية ضربت البَلَدان في تاريخهما الحديث. تسبّبَ زلزالان مُتتاليان في 6 شباط (فبراير) حتى الآن في مقتل أكثر من 40 ألف شخص وإصابة عشرات الآلاف.

كانت الكارثة طبيعية، ولكن لم تكن كل التداعيات كذلك: لقد تفاقمت الكارثة الإنسانية التي سبّبها الزلزالان بسبب الفساد والسياسة والمنافسات الجيوسياسية.

في تركيا، على سبيل المثال، تم فرض “ضريبة الزلزال” في أعقاب زلزال إزميت الذي وقع في العام 1999، والتي تمَّ أخذها من طريق فرض تكلفةٍ إضافية على خدمات الاتصالات. كان من المفترض تخصيص هذه الأموال للإغاثة في حالات الكوارث، لكلٍّ من إزميت وفي حالات الطوارئ المستقبلية. لكن من غير الواضح أين تم إنفاق الأموال، حيث يزعم بعض التقارير أنه تمَّ في الواقع تحويلها إلى مشاريع الأشغال العامة التي يديرها شركاء الرئيس رجب طيب أردوغان.

في أعقاب الزلزالين اللذين وقعا في الأسبوع الفائت، كان هناك أيضًا احتجاجٌ شعبي في تركيا بشأن جودة العديد من المباني التي انهارت ودُمِّرَت. قال أيوب مهكو، رئيس غرفة المهندسين المعماريين في تركيا، إنه في إطار السعي إلى تحقيق النمو الاقتصادي، تم تشييد العديد من المباني بشكل سيّئ، بدون الامتثال للمعايير التنظيمية لمقاومة الزلازل. ويقول منتقدو الحكومة التركية إن السلطات الفاسدة تغاضت عن مثل هذه التجاوزات، وأنه لو تمّ اتباع هذه المعايير التنظيمية، لكان عدد القتلى أقل.

كما أن استجابة السلطات البطيئة للطوارئ كانت هدفًا لانتقاداتٍ عامة. لم يشهد بعض المناطق المتضررة من الزلزالين، مثل محافظة “هاتاي”، وصول خدمات الإنقاذ إلّا بعد أيام عدة على وقوع الزلزالين. ويُوَجَّهُ جُزءٌ من اللوم إلى نموذج الحكم المركزي في تركيا، ما يعني أن البلديات خارج العاصمة أنقرة والمدن الكبرى مثل اسطنبول مُقَيَّدة في قدرتها على العمل.

وعلى نطاق أوسع، فإن المعارضة السياسية تُلقي باللوم للإخفاقات على قيادة أردوغان لتركيا على مدى 20 عامًا. من جهته ردّ أردوغان بالقول إنه من المستحيل على الدولة أن تكون مُستَعدّة لكارثة بهذا الحجم.

في غضون ذلك، في شمال غرب سوريا، تستهدف انتقادات السكان المحلّيين العلنية، وكذلك انتقادات وكالات الإغاثة المحلية والدولية العاملة في المنطقة، الأمم المتحدة بسبب تعاملها السيّئ مع الأزمة. لأيامٍ عدة بعد الزلزالين، لم تدخل أي مساعدات من الأمم المتحدة المنطقة على الإطلاق، وشقت المساعدات المحدودة الوحيدة -التي أرسلتها مصر- طريقها إلى الشمال الغربي.

في اجتماعٍ لمجلس الأمن الدولي في الشهر الماضي، استخدمت روسيا حق النقض ضد اقتراحٍ بفتح أكثر من معبر حدودي، باب الهوى، بين تركيا وسوريا لتسليم المساعدات الإنسانية الروتينية المتعلقة بالحرب الأهلية في سوريا. لكن تدفق المساعدات عبر معبر واحد فقط يحدُّ للغاية من تلبية الحاجة الهائلة في شمال غرب سوريا في أعقاب كارثة الأسبوع الماضي.

جادل الرئيس بشار الأسد وكبار الشخصيات في النظام بأن أي مساعدة خارجية تُرسَلُ إلى سوريا يجب أن يتمَّ تسليمها بدلًا عبر القنوات الحكومية الرسمية. نتيجة لذلك، يتم إرسال مساعدات الأمم المتحدة وكذلك معظم المساعدات الثنائية التي ترسلها الدول العربية –بما في ذلك تونس والإمارات العربية المتحدة ولبنان– إلى دمشق. المساعدات مخصصة للتوزيع في كل من المناطق التي يسيطر عليها النظام والمعارضة، وتقول الحكومة السورية إنها وافقت على القيام بذلك.

لكن حتى الآن، لم تصل هذه المساعدات إلى الشمال الغربي، ما يؤكد على ما يبدو مخاوف من أن السماح لدمشق بمعالجة المساعدات الخارجية سيسمح لها بإعادة توجيهها بعيدًا من منطقة البلد الأكثر تضررًا من الزلزالين، وهو أمر اتُهِمَ النظام بفعله في جميع أنحاء البلاد خلال الحرب الأهلية السورية.

كما ادّعى نظام الأسد زورًا أن العقوبات الدولية التي فرضتها عليه الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي تعرقل إيصال المساعدات الخارجية. ردت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي بالقول إن العقوبات تستهدف فقط شخصيات وكيانات النظام، ودائمًا تضمّنت إعفاءً إنسانيًا. والدول الغربية الملتزمة بالعقوبات هي في الواقع أكبر مانحي المساعدات لسوريا. تشير تصريحات نظام الأسد حول العقوبات، وكذلك إصراره على توجيه جميع المساعدات عبر دمشق، إلى أنه يحاول استغلال المأساة الحالية لتسريع عملية التطبيع الفعلي مع دول المنطقة، وحتى تحقيق التطبيع الفعلي مع الدول الغربية، وبذلك يخرج من العزلة الدولية التي يعيشها منذ اندلاع الصراع السوري منذ أكثر من عقد.

كما إنَّ مناطق جنوب تركيا التي ضربها الزلزالان هي موطن لحوالي 4 ملايين لاجئ سوري. ووعد أردوغان بأن تركيا ستُعيد بناء المنازل التي دُمِّرَت في الزلزلين، لكن لم يَتّضِح مصيرُ هؤلاء اللاجئين السوريين، خصوصًا وأن الكثيرين منهم غير مُسَجَّلين رسميًا كمُقيمين في تركيا وليست لديهم الآن منازل للعودة إليها في سوريا.

باختصار، تبدو التوقعات بالنسبة إلى الناجين من الزلزالين في كلٍّ من تركيا وسوريا قاتمة. لكن الكثير من أسباب ذلك يعود إلى الإخفاقات والعقبات السياسية، وليس فقط القوى الطبيعية التي أطلقت العنان للدمار الأولي في الأسبوع الفائت.

  • لينا الخطيب هي مديرة برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في تشاتام هاوس. يشمل عملها في الشرق الأوسط الجغرافيا السياسية، والصراع، والتحوّلات السياسية، والسياسة الخارجية تجاه المنطقة. يمكن متابعتها عبر تويتر على: LinaKhatibUK@

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى