تونس: ماذا بعد الانتخابات “الملهاة”؟

عبد اللطيف الفراتي*

انتهت ملهاة الانتخابات في تونس بـنتيجة لا طعم لها ولا رائحة، فقط كانت مسرحية سيئة العقدة والإعداد، سيئة التمثيل، سيئة الإخراج… ملهاة لا تُضحِكُ ولا حتى تُبكي.

وبدءًا بدستور 2022، وصولًا إلى مجلّة انتخابية كُتِبت بانفراد وعلى عجل، نهايةً بهيئةٍ للانتخابات مُسقَطة ومُعَيَّنة، فإن نسبة المشاركة في التصويت كانت أكبر فضيحة.

ولست أدري ماذا يكون شعور “النائب المُنتَخَب” ببضع مئات من الأصوات، وبنسبة 11 في المئة من الجسم الانتخابي، وحتى أقل من ذلك، هل يقول بينه وبين نفسه أنه يُمثّل الأمّة التونسية بأكملها؟ إلّا إذا كان وراء الأكمة ما وراءها، من أحزاب أخفت نفسها، ولن تُظهِرَ أوراقها إلًا لاحقًا.

وبقطع النظر عن الهنّات الكبيرة في الدستور المُعتَمَد، وفي المجلة الانتخابية، فإن قلّة العدالة في التقطيع الترابي الانتخابي تبدو مُضيفةً للمشهد أطوارًا من العبث، فمن دائرة تضم 120 ألفًا من الناخبين، نسقط إلى دوائر لا يتجاوز عدد سكانها العشرين ألفًا، بما يعني أن نائبًا ينبثق عن 120 ألفًا وآخر ينبثق عن 20 ألفًا فقط، ما يعني قلة عدالة وإنصاف، وتمثيل نيابي أعرج.

وحسب معرفتي ومعلوماتي، فإن الانتخابات حتى في الجمعيات والنقابات تتطلّب نصابًا لا يقلّ عن نصف عدد المنخرطين، ولنفترض جدلًا أنه في مستوى الدول يكون النصاب أقل فإنه لا يمكن أن ينزل عن نسبة 35 في المئة من الجسم الانتخابي، وقد حصل ذلك بالفعل في الدول المنبثقة عن انفراط عقد يوغوسلافيا، فقد تمت إعادة إنتخابات لم يصل فيها عدد المقترعين إلى النصاب الذي فرضته القوانين الانتخابية في تلك البلدان.

أما اعتبار انتخابات لا تصل فيها نسبة المشاركة ال11 في المئة إلّا بالكاد، فهي سابقة بين الأمم، ولها معنى سياسي واحد وهو المقاطعة، ما يعني أن الحكم والسلطة القائمة على أساسه يقفان على نقيضٍ من الرغبة الشعبية، وفي أدنى الحالات فهو يعني انفصامًا بين السلطة الحاكمة والشعب.

وهذا لا يمنع من القول إن واقعًا سياسيًّا جديدًا قد قام، ولا يفيد في شيء عدم الاعتراف به، وإذا لم يحدث أمرٌ جلل يؤذن بنهايته، وذلك باشتعال أي شرارة ممكنة لم يقرأ أحد لها حسابًا، ولا يستطيع أحد الوقوف أمامها، فإن الأمور ستسير نحو غايتها ببرلمانٍ، ولو مَنقوص مهما وُصِف، يحتاج إلى أن يسنده مجلسٌ للجهات والأقاليم لا يدري أحدٌ متى سيُنتَخَب وفي أية ظروف، وإذ أنه لا يتمتع في نظر البعض من النخب لا بالشرعية ولا بالمشروعية، فإننا أمام وضع سيتواصل إلى ما لا يدري أحد إلى متى.

لكن للمرء أن يقف عتد ملاحظتين اثنتين في قراءة أولية والعهدة على راديو “موزاييك”:

أولهما يتمثل في أن المترشحين المُقرَّبين من قيس سعيد ممن يسمون بالمُفسّرين لتوجهات رئيس الدولة قد سقطوا سقطة مفجعة، قد تدل غلى تراجع شعبية الرئيس بصورة كبيرة، وإن كان آخر استطلاع للرأي يفيد بأنه يحتفظ بـ60 في المئة من ثقة الناس.

وثانيهما أن نصف الدين صعدوا للبرلمان المنتخَب هم خليط من التجمّعيين والندائيين وما يحوم حولهما، أي في النهاية من الدستوريين، وإذ يقال أن موجة التأييد التي حظي بها الدستوري الحر، هي التي حملت حركة قيس سعيد إلى 25 تموز (يوليو) 2021، فإن حزب عبير موسي  لعله هو المستفيد الأكبر من هذه الانتخابات، على قلة صلاحيات هذا البرلمان.

هل إن الحنين إلى الحبيب بورقيبة وعهده هو الظاهرة الأكبر في نتائج هذه الانتخابات؟

هذا ما ستكشف عنه الأيام الآتية.

  • عبد اللطيف الفراتي هو كاتب، صحافي ومُحلّل سياسي تونسي مخضرم. كان سابقًا رئيس تحرير صحيفة “الصباح” التونسية. يمكن التواصل معه عبر بريده الإلكتروني: fouratiab@gmail.com

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى