الإقبالُ المُنخَفِضُ في الانتخاباتِ التونسيّة يُثيرُ تساؤلاتٍ حول شَرعِيّة رئاسة سعَيِّد
تواجهُ تونس الآن التحدي المتمثل في مواجهة اغتصاب قيس سعَيِّد للسلطة وعكسه للديموقراطية في البلاد. للقيام والنجاح بذلك، يجب على أحزاب المعارضة إيجاد طرق للتغلب على انقساماتها الداخلية التي أدّت في السابق إلى وصول سعَيِّد إلى السلطة.
لينا الخطيب*
شكّلت الجولة الأولى من الانتخابات التشريعية في تونس يوم السبت الفائت (17/12/2022) نقطة هبوط أخرى في مسيرة التحوّل الديموقراطي في البلاد. وسط مقاطعة الأحزاب السياسية الرئيسة في البلاد للإنتخابات، شارك 11 في المئة فقط من الناخبين -وهي أدنى نسبة في الانتخابات منذ ثورة 2011 التي أطاحت الرئيس السابق زين العابدين بن علي. جاءت الانتخابات النيابية تتويجًا لجهود الرئيس قيس سعَيِّد لإعادة تشكيل المؤسّسات الديموقراطية في تونس، والتي بدأت في تموز (يوليو) 2021، عندما حلَّ البرلمان وأقالَ حكومته وأعلن أنه سيحكم بمرسوم. وأشرف بعدها على إعادة كتابة دستورٍ جديد بعد عام من ذلك، الذي وسّعَ صلاحيات السلطات الرئاسية وأزال العديد من الضوابط والتوازنات في الدستور السابق.
كانت انتخابات السبت الفائت تهدفُ إلى إضفاءِ الشرعية على جهود سعَيِّد. وبدلًا من ذلك، وفقًا لأحمد نجيب الشابي –رئيس جبهة الإنقاذ الوطني، وهي ائتلافٌ من أحزاب المعارضة الرئيسة في تونس– فإن الإقبال المُنخفض يشير إلى أن سعَيِّد فَقَدَ كل شرعيته وعليه الاستقالة.
في تموز (يوليو) 2021 والآن، برّرَ سعَيِّد الإجراءات التي اتخذها باعتبارها ضرورية للتغلّب على التوترات السياسية في تونس ولكسر الجمود البرلماني الذي قال إنه أعاق قدرته على حلِّ المشاكل الاقتصادية في البلاد، والتي تشمل المعدّلات المُرتفعة الراسخة للبطالة، والزيادة الهائلة في تكلفة السلع والخدمات، ونقص الغذاء، ومستويات التضخّم المُرتفعة التي لم تشهدها البلاد منذ العام 2011.
أضفى سعَيِّد الطابع الرسمي على انتزاع السلطة من خلال تنظيم استفتاءٍ في تموز (يوليو) على الدستور الجديد. وقبيل ذلك التصويت، أصدر مرسومًا رئاسيًا مكّنه من اختيار رئيس الهيئة الانتخابية المُكَلَّفة بتنظيمِ كلٍّ من الاستفتاء والانتخابات البرلمانية التي جرت يوم السبت الفائت، والتي حددها أيضًا في ذلك الوقت. 30 في المئة فقط من الناخبين التونسيين شاركوا في التصويت في الاستفتاء، وأدلى 94 في المئة منهم بأصواتهم للموافقة على الدستور الجديد. من بين العناصر الأخرى التي تُوسّع صلاحيات السلطة الرئاسية، يتضمن الدستور الجديد بندًا يمنح الرئيس، وليس المجلس التشريعي/ البرلمان، سلطة تعيين رئيس الوزراء وأعضاء الحكومة، مع جعل الرئيس أيضًا لا يرقى إليه الشك وغير قابل للمُساءلة.
ويُرَدّدُ أنصار سعَيِّد حججه بأن النظام السياسي الجديد الذي فرضه هو أبسط وأكثر مُلاءَمة لتلبية احتياجات المواطنين التونسيين. لكن منتقديه يُجادلون بأن مركزية السلطة وفرض الضوابط المؤسّسية على السلطة الرئاسية يُشكّلان تراجعًا ديموقراطيًا في الدولة الواحدة التي وصفها كثيرون بأنها قصة النجاح الوحيدة للانتفاضات العربية.
من ناحية أخرى، أعرب قادة المجتمع المدني في البلاد عن قلقهم بشأن التوصيف الجديد لتونس في دستور 2022 على أنها تنتمي إلى الأمة الإسلامية. فهُم قلقون من أن يؤدي ذلك إلى دورٍ أكبر للشريعة الإسلامية، مع ما يترتب على ذلك من آثارٍ على الحريات الفردية، بما فيها حرية التعبير والحريات الشخصية الأخرى.
أحد التغييرات الرئيسة في النظام السياسي التونسي الذي تم الانتهاء منه قبل تصويت يوم السبت كان تعديل قانون الانتخابات في البلاد. في السابق، كانت الأحزاب السياسية تتنافس من خلال القوائم الانتخابية لمرشّحيها، مع تخصيص المقاعد بعد ذلك وفقًا لنسبة الأصوات التي فاز بها كل حزب. تنص التعديلات التي أُدخِلَت على قانون الانتخابات الآن على أنه لا يمكن للمرشحين الترشّح إلّا كأفرادٍ في نظام الفائز الأول في الدائرة الانتخابية، وليس كجُزءٍ من القوائم، مما يُقَوّضُ دور الأحزاب السياسية ويجعل من الصعب على المرشحين القيام بحملاتٍ انتخابية على أساس المنصّات الحزبية. كما يُعيق التعديل قدرة الأحزاب على تشكيل تحالفات برلمانية.
كما ألغت التعديلات الانتخابية لسعَيِّد متطلبات المساواة بين الجنسين التي أُدخِلَت بعد ثورة 2011. بموجب القانون السابق، كان يتعيَّن على القوائم الانتخابية لكلِّ حزب أن تتناوب بين المرشحين الذكور والإناث، بحيث يذهب ما يقرب من نصف أي مقاعد يتم الفوز بها إلى النساء. ويخلق القانون الجديد أيضًا بشكل غير مباشر ضررًا للمرأة التي تطمح إلى مناصب من خلال مطالبة المُرَشَّحات المُحتملات بتمويل حملاتهن بأنفسهن، بدلًا من الاعتماد على التمويل العام أو الحزبي. وتقول قائدة مجتمع مدني تدير منظمة غير حكومية تونسية تدعم المشاركة السياسية للمرأة، إن النساء في تونس “لديهن وصول أقل إلى الموارد المالية من الرجال”.
نظرًا إلى أن غالبية الأحزاب السياسية في تونس اختارت مقاطعة انتخابات السبت الفائت ودعت الناخبين في جميع أنحاء البلاد إلى فعل الشيء نفسه، فقد شارك 1,058 مرشحًا فقط في الانتخابات، مُقارنةً بـ1572 قائمة انتخابية في الانتخابات البرلمانية لعام 2019. غالبية المرشحين التشريعيين الذين سُجِّلوا في انتخابات هذا العام لم تكن لديها خبرة سياسية سابقة، بينما سُجِّلَت 122 امرأة فقط كمرشحات، مُقارنةً بـ 936 رجلًا. علمًا أن سبع دوائر انتخابية لم تُسَجِّل حتى أيّ مُرشَّح.
إن النتيجة الرئيسة لاقتراع السبت الفائت هي أنها توفّر لسعَيِّد ما يرقى في الأساس إلى برلمانٍ رسمي يُسَيطرُ عليه الموالون له. إلى جانب الانتكاسات التي تواجه التمثيل السياسي للمرأة، هناك مخاوف من أن المكاسب المجتمعية الأوسع التي حققتها النساء منذ ثورة 2011 أصبحت الآن في خطر. فقد صادق سعَيِّد على قوانين الميراث الإسلامية التي تُحابي الرجال. وتَبَيَّنَ أن تعيينه لنجلاء بودن كأول امرأة تتولى رئاسة الوزراء في العالم العربي كان إجراءً تجميليًّا بشكلٍ أساسي، حيث لم يكن لبودن سوى عدد قليل من الخطابات العامة وليس لها نفوذٌ سياسي يُذكر.
أما بالنسبة إلى أحزاب المعارضة، فقد اختارت إلى حدٍّ كبير التعبئة ضد سعَيِّد خارج نطاق السياسة الرسمية، لكنها تواجه مهمة شاقة بالقدر نفسه لكي تتمثل في جبهة موحدة. قبل أسبوع من الانتخابات التشريعية، نظمت جبهة الإنقاذ الوطني مسيرة احتجاجية ضد الاقتراع. لكن أحزاب معارضة عدة أخرى لم تشارك في المسيرة، وألغت التجمّعات التي خططت لها في اليوم نفسه خوفًا من الالتحام مع حزب النهضة الإسلامي، الذي هو جزء من جبهة الإنقاذ الوطني.
الواقع أن تونس تواجه الآن التحدّي المُتَمثّل في مواجهة اغتصاب سعَيِّد للسلطة وعكسه للديموقراطية في البلاد. للقيام والنجاح بذلك، يجب على أحزاب المعارضة إيجاد طُرُقٍ للتغلب على انقساماتها الداخلية. لقد تسبّب فشلها في القيام بذلك في الماضي في الشلل السياسي الذي ساهم في صعود سعَيِّد كغريبٍ في الانتخابات الرئاسية لعام 2019. إن الديموقراطية في تونس تعتمد الآن على قدرتها على تشكيل جبهةٍ متماسكة.
- لينا الخطيب هي مديرة برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في تشاتام هاوس. يشمل عملها في الشرق الأوسط الجغرافيا السياسية، والصراع، والتحوّلات السياسية، والسياسة الخارجية تجاه المنطقة. يمكن متابعتها عبر تويتر على: LinaKhatibUK@
يجب عليك تسجيل الدخول لكتابة تعليق.