نوابُ التغيير في لبنان يرفضون مُمارسة السياسة، لكن هذا نهجٌ مُعيب

مايكل يونغ*

ما يُسَمّى بتكتل “نواب التغيير” في مجلس النواب اللبناني مُهَدَّد بالانهيار. حتى الأسبوع الماضي، كان التكتل مُكَوَّنًا من 13 برلمانيًا فازوا بمقاعد في انتخابات ايار (مايو) الفائت. لقد صوّروا أنفسهم على أنهم مُعارِضون للنخبة السياسية الحاكمة وأنهم يعكسون التطلعات الإصلاحية لأولئك الذين انتفضوا ضد النظام اللبناني في تشرين الأول (أكتوبر) 2019.

تطوران حدثا أبرزا كيف أن هذه الكتلة تواجه تحديات كبيرة. في انتخابات اللجان النيابية، فشل النائب التغييري إبراهيم منيمنة في إعادة انتخابه في لجنة المال والموازنة الرئيسة. كان رئيس مجلس النواب نبيه بري يريد تنفيذ تفاهماتٍ مُسبَقة يكون فيها لكل الكتل الكبرى مُمَثّلين مُعَيَّنين في اللجان. جادلت كتلة التغيير بأن هذا لن يمنحها سوى عضوٍ واحد في كل لجنة، لذا رفضت الأمر وطالبت بإجراء انتخابات بدلًا من ذلك. قدم مارك ضو ترشيحه إلى اللجنة، على أمل أن يفوز بمقعد إلى جانب منيمنة، لكن في النهاية خسر الرجلان أمام مرشح ثالث.

بعدها بوقت قصير، أعلن النائب ميشال الدويهي عن انسحابه من الكتلة بشكلها الحالي، ما وجه ضربة قاسية إليها. في حين أن استياء الدويهي كان مفهومًا، كان من المنطقي أكثر إدارة الوضع من داخل الكتلة، بدلًا من اتخاذ خطوة تُهدّد وجودها.

الواقع أن كتلة التغيير واجهت منذ البداية تحدّيًا كبيرًا لم تستطع حله. كان عليها أن تعمل كوحدةٍ متماسكة، بينما تسعى إلى التكيُّفِ أيضًا مع حقيقة أنها ليست حزبًا سياسيًا وأن أعضاءها تم انتخابهم على قوائم منفصلة. علاوة على ذلك، فإن كلَّ عضوٍ من أعضائها لديه طموحات خاصة به، ما يعني أنهم غالبًا ما يتبنّون مواقف تتعارض مع مواقف زملائهم الآخرين.

في الوقت نفسه، بينما أوضحت الكتلة ماهية تفضيلاتها العامة، وسَعَت إلى النأي بنفسها عن ممارسات النخبة السياسية التقليدية، فإنها لم تتبنَّ حقًا استراتيجية عملية تُحدّد أولوياتٍ واقعية قابلة للتحقيق. عندما أعلن انسحابه من الكتلة، أعرب الدويهي عن أمله في أن تتحوّل إلى تجمّع استشاري وتشاوري. ولكن في ظل غياب قواعد داخلية وأهداف سياسة محددة، فإن هذا هو الوضع الذي أصبحت عليه كتلة التغيير بالفعل.

كما إنّ هذ الأمر ليس مسألة ثانوية. إن كتلة التغيير تعكس تطلعات عشرات الآلاف من الناخبين الذين كانوا يأملون في أن يساعد انتخاب نوع جديد من البرلمانيين على تحقيق بعض أهداف انتفاضة العام 2019. ولكن من خلال إظهار الفوضى، فإن كتلة التغيير تخون بشكلٍ فعّال الإيمان والثقة اللذين وضعهما هؤلاء الناخبون فيهم.

هل هناك طريقة للخروج من هذا الوضع؟ الحقيقة البسيطة هي أن أعضاء كتلة التغيير إذا انقسموا سوف يفشلون، ما يعني أن الوحدة تظل طريقهم الوحيد إلى الأهمية السياسية. من الصعب أن نرى، على سبيل المثال، القيمة المضافة للدويهي الآن بعد أن أصبح بمفرده في برلمانٍ تُهيمن فيه الكتل الكبيرة. في أحسن الأحوال، سيكون شخصًا نشعر بحضوره في البرامج الحوارية السياسية، لا أكثر.

ومع ذلك، تظل كتلة التغيير واحدة من الكتل البرلمانية الأكبر، ويمكن أن تلعب دورًا رئيسًا إذا اختارت معاركها بذكاء. لكنها في الوقت الحاضر مُهَمَّشة في عملية انتخاب رئيس جديد، القضية الرئيسة المطروحة في لبنان. في جميع الجلسات البرلمانية للتصويت على انتخاب رئيس، لم يُسَمِّ أعضاء الكتلة أي مرشح. في حين أنهم يدعمون العديد من الشخصيات السياسية المحترمة، طلب اثنان على الأقل من الكتلة عدم التصويت لصالحهم، خشية أن يجعلهم ذلك أقل احتمالًا للظهور كمرشحين توافقيين.

وقد وضع هذا الأمر كتلة التغيير في خضم عاصفة. مرشح ما يُسمّى بالأحزاب السيادية في البرلمان، والتي تميل إلى معارضة “حزب الله”، هو ميشال معوض. لكن كتلة التغيير رفضت التصويت له، واعتبرته ممثلًا للطبقة السياسية القديمة. وقد أثار ذلك غضب السياديين، في حين أن المقربين من “حزب الله” مسرورون لعدم وجود توافق في الآراء حول مرشّحٍ يعارضونه.

لو صوّتت كتلة التغيير لصالح معوض الأسبوع الماضي، لكان هذا من شأنه أن يمنحه حوالي 55 صوتًا، تسعة أصوات خجولة من أصل 64، الرقم المطلوب لإنجاح المرشح لمنصب الرئاسة في الجولة الثانية. على الأقل، كان مثل هذا العدد سيسمح لأنصار معوض بتقوية موقفهم في المفاوضات مع “حزب الله” حول مرشح توافقي، ويعزز الأغلبية البرلمانية، بما في ذلك كتلة التغيير، التي لا تتأثر بنفوذ الحزب. من خلال رفض التفكير التكتيكي، أصبحت كتلة التغيير ببساطة معزولة.

إن عدم تسمية مرشح خاص بها وفشلها في دعم معوض هما وصفة لعدم الصلة بالموضوع. ليس من المنطقي الفوز في الانتخابات البرلمانية، ثم رفض ممارسة السياسة. إن السياسة تدور حول المساومة والمقايضة، وما لم تؤمن كتلة التغيير أهدافها ذات الأولوية من خلال منح اللاعبين أو الكتل السياسية الأخرى ما يريدون في مكان آخر، فلن تحقق سوى القليل. إن انتخاب رئيس جديد مكان جيد للبدء.

لكن في الوقت الحالي، يجب على كتلة التغيير الانخراط في النقد الذاتي وتغيير نهجها. إذا استمرت في ارتكاب الأخطاء نفسها، فإن الكتلة ستضمن عدم جدواها. تُظهر حظوظها بالتأكيد مدى صعوبة تغيير الحياة السياسية في لبنان، لكن لا ينبغي أن يتفاقم هذا بسبب حقيقة أن عملاء هذا التغيير فشلوا في الاتفاق على خطة عمل معقولة.

  • مايكل يونغ هو رئيس تحرير “ديوان”، مُدوّنة برنامج كارنيغي الشرق الأوسط، بيروت، وكاتب رأي في صحيفة “ذا ناشيونال” الإماراتية. يُمكن متابعته عبر تويتر على:  @BeirutCalling
  • كُتِبَ هذا المقال بالإنكليزية وعرّبه قسم الدراسات والأبحاث في “أسواق العرب”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى