جهَنّم نسخة 2
راشد فايد*
عند كل دورة لانتخاب رئيس لمجلس النواب، إثر انتخابات نيابية عامة، يُفَهِّمُ “الثنائي الشيعي” الخصوم والحلفاء، أن المرشح الأوحد والوحيد لاحتلال مقعد الرئاسة في ساحة النجمة هو الرئيس نبيه بري، وأن الأمر لا يتحمّل أيّ وجه من وجوه النقاش أو المراجعة، مع التلويح، جهرًا وضمنًا، بإثارة “البيئة الحاضنة” في الشارع ردًّا على أيِّ محاولة، قد يبادر إليها الخصوم فيسمّون مُرشّحًا منهم، لا يكفي أن يكون شيعيًا، “ليحلم” بالمنصب العظيم.
ليس في الأمر اعتداء على الديموقراطية، ولا ينطوي على أيِّ مسٍّ بالحقوق الدستورية، ولو وفق التوازن الطائفي المُعتَمَد. هذا ما يعتمده الثنائي. فالرئاسة الثانية، بمنطقه، ليست للشيعة عمومًا، بل هي من الأرث الذي آل إلى “حركة أمل” و”حزب السلاح”، نيابةً عن كلِّ الطائفة، كأنه هبة من السماء، باركها زمن الميليشيات، وصادرتها القيادتان بعد حروبهما الدموية، التي انتهت بالمناصفة بينهما، في كل ما يتيحه الميثاق الوطني للطائفة، وحتى أكثر مما يستطيعان إليه سبيلًا.
إذًا. أيُّ ترشّحٍ للرئاسة الثانية في وجه الرئيس الأبدي لمجلس النواب، هو تحدِّ وتجرّؤ مُكلفان، وستظل لحظات ترشح النائب السابق عقاب صقر (إثر انتخابات 2005 التشريعية) نكتة مُزعِجة لن تتكرّر طالما الحليفان الشيعيان مُقيمان على ودّ المصالح وحسن توزّعها بينهما، وهما شريكان متضامنان في كل الخطوات التي يريانها تخدم توجهاتهما، مرحليًا واستراتيجيًا، من احتلال وسط بيروت، سنتين ونصفًا، وحصار السراي، وغزوة 7 أيار بيروتًا وجبلًا.
مارَسَ الحزب سياسة قهر خصومه على انتخاب ميشال عون رئيسًا للجمهورية، وخاض تعطيل الدستور سنتين ونصفًا، إلى أن استسلم له الخصوم، فخطَّ مع مرشحه أسوأ صفحة في تاريخ الديموقراطية اللبنانية، المُشَوَّهة أصلًا بالولادة، وهي تميّزت، قبلًا بتسوياتٍ تحفظ ماء وجه كل الأطراف، إلى أن خلّفت الميليشيات طبقة سياسية تعرفت على السياسة من فوهة الأسلحة، فصارت هذه أداتها الأولى في الحوار.
“تفهّم” الناس “مُصادرة” الثنائي للقرار الشيعي وتجلياته في انتخاب رئيس لمجلس النواب ، لكنهم لا يتفهمون هذه “المونة الشيعية” على رئاسة الجمهورية، إلى حدّ ترسيم الحدود لأدوار الآخرين، وتهديدهم بأن أيَّ مرشح لهذه الرئاسة من لدنهم هو مرشح تحدٍ، تفتح تسميته الأبواب على جهنّم، التي لا يُعرَف إن كانت جهنّم نفسها التي بشّر اللبنانيين بها الرئيس المغادر قصر بعبدا، أم جهنم إضافية.
تختلف الحال اليوم عن 2016. يومها كان الحزب من الوقاحة السياسية بمكان أتاح له إشهار تسلّطه على القرار السياسي، وغير السياسي في البلاد، إلى حدّ إجبار الأطراف من محلية وإقليمية ودولية، لا سيما عربية، للوقوف على خاطره، وإيصال قائد الجيش حينها العماد ميشال سليمان إلى رئاسة الجمهورية، ليكون الثالث، في عهد الاستقلال، في هذا المنصب من أبناء المؤسسة العسكرية، بعد الأمير اللواء فؤاد شهاب (مؤسس الجيش اللبناني) والعماد أميل لحود، الذي ورثه العماد الأخير ميشال عون.
اللافت في المداولات السياسية الرئاسية أن الحزب، وحليفه، يتصرفان بالقفز فوق المسوغ الديموقراطي، وهما لا يُسمّيان مرشّحهما، ويتعاملان مع مناوئيهما كمُعتدين يسعون إلى المواجهة والتحدي، وليس من حقهم سوى الأنصياع وقبول التوافق معهما على مرشح للرئاسة لن يكون إلّا من اختيارالحزب المسلح، ومستعد، تاليا، للتواطؤ معه.
- راشد فايد هو كاتب، صحافي ومُحلّل سياسي لبناني. يُمكن متابعته عبر تويتر على: @RachedFayed
- يصدر هذا المقال في “أسواق العرب” (لندن) توازيًا مع صدوره في صحيفة “النهار” (بيروت).