كَيفَ نَمنَع حُدوثَ أوبئة مرةً أخرى

بقلم كابي طبراني

في الوقتِ الذي يتسابق العلماء البارزون في العالم للعثور على مسارٍ للخروج من وباء “كوفيد-19″، إما من خلال العلاج أو اللقاح، سلّطَ تقريرٌ أخير، أعدّه كبار خبراء التنوّع البيولوجي (biodiversity)، الضوء على عاملٍ غير مُتوَقّع في أصل الوباء.

في حين أن الكثير من أصول هذه السلالة الخاصة من الفيروس التاجي، (كوفيد-19)، لا تزال غير واضحة، يُعتَقَد على نطاقٍ واسع من أنها حيوانية المَنشأ – أي أنها تطوّرت لأول مرة داخل نوعٍ من الحيوانات قبل عُبورِها وانتقالِها إلى البشر. ويعتقد الخبراء أن هذه الظاهرة من المُرجّح أن تزيد. لقد ارتفعت الأمراض الحيوانية المَنشأ في السنوات الأخيرة بشكل لافت، حيث شملت جنون البقر، وإنفلونزا الطيور، وإنفلونزا الخنازير، ومُتلازِمة الشرق الأوسط التنفسية (ميرس) – التي انتقلت إلى البشر من الإبل – من بين أمراضٍ أخرى.

يعتقد علماءٌ من “المنبر الحكومي الدولي للعلوم والسياسات في مجال التنوع البيولوجي وخدمات النظم الإيكولوجية” (IPBES) أن ما يصل إلى 1.7 مليون فيروس غير معروفة في الحيوانات يُمكن أن تُصيب البشر وتُسبّب أوبئة مُستقبلية حتى أكثر فتكاً من “كوفيد-19”. والواقع أن استخلاصهم لا لبس فيه: النشاط البشري هو الجاني الرئيس وراء هذا الإتجاه الجديد الخطير. واستشهد البحث بإزالة الغابات، والزراعة الصناعية المُكثّفة، والتعدين، والتنمية الحضرية، واستغلال الحيوانات البرية باعتبارها العوامل الرئيسة المُسبّبة لظهور الأمراض الحيوانية.

تَرسُمُ هذه النتائج صِلةً مباشرة بين الحفاظ على البيئة للأجيال المقبلة والحفاظ على البشر وحمايتهم من الأمراض. بمجرد انتهاء هذا الوباء، يجب أن تسعى البشرية جاهدة إلى إيجادِ طُرُقٍ للتوفيق بين جهود الحفظ (conservation) والإقتصاد ومكافحة تغيّر المناخ بكفاءة. مثل هذا المسعى مُمكنٌ، ويستطيع أن يَخلقَ المزيد من فرص العمل في قطاعات جديدة مثل الطاقة النظيفة، والزراعة القائمة على التعاون إذا تم السعي إلى تحقيق هذه الأهداف المزدوجة.

حتى قبل ظهور  “كوفيد-19″، بدأ تغيّر المناخ يُلحِقُ خسائر كبيرة في حياتنا اليومية. على سبيل المثال، خلق الطقس الحار في السنوات الخمس الفائتة الظروف المثالية لازدهار أسراب الجراد في الشرق الأوسط وأفريقيا. ويُهدّد غزو الجراد المُستمر في المنطقة سُبُل العيش، حيث أن الآفات تأكل محاصيل المُزارعين المحليين. وتُعرّض هذه الأسراب للخطر الأمن الغذائي لجزءٍ من العالم مُعرَّض أصلاً للتصحّر ويُعاني الآن من ضغوط إضافية على سلاسل إمداداته نتيجةً لانتشار فيروس كورونا. إن الفشل في الحفاظ على البيئة وحمايتها سيؤدي، في المدى الطويل، إلى فقدان المزيد من الوظائف وزيادة العاطلين من العمل، وربما الجوع.

في الوقت الذي يخاطر الملايين من الناس في جميع أنحاء العالم بفقدان معيشتهم جرّاء الآثار الإقتصادية للوباء العالمي، من الضروري التوفيق بين النمو الإقتصادي والمسؤولية البيئية في السعي إلى مستقبلٍ صحّي ومسؤول.

من الصعب التخطيط للمستقبل عندما يُعاني العالم كله من أزمة صحية كبيرة. لا يتوقّع أحدٌ أن تُعيد الدول التفكير في سياساتها البيئية في وسط جائحة. ولكن من المهم إجراء مُناقشات حول هذا الموضوع بعد استعادة قدرٍ من الهدوء، وهو شيءٌ سيكون جيداً للجميع التفكير فيه في غضون ذلك.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى