لن يكونَ الأخير
راشد فايد*
ليس تفصيلًا في الحياة اليومية للشعب اللبناني ما تعرّضَ له الموقوف السوري بشّار عبد السلام على يد “أمن الدولة” في الجنوب. وليس تفصيلًا أنَّ الإعتداءات المتنوّعة عليه، حرقًا وضربًا ولكمًا، وتعذيبًا، تعلق على مشجب تكرر استعماله، وتوسّع، ليشمل فئة معينة من المواطنين والمقيمين، هو تنظيم “داعش” الذي لو صدق كل ما ينسب إليه لتوهّمنا أن الأجهزة الأمنية غافلة عمّا يجري في البلاد، وأن امتدادات “الدولة الإسلامية” معششة في كل زاوية من أحياء وشوارع لبنان، تحديدًا في مناطق ذات صبغة معينة.
ما جرى مع السوري عبد السلام مشهدٌ من ظاهرة تُلملِمُ ارتدادات مثيلاتها، في شكلٍ أو آخر، تحت يافطة محاربة “داعش” التي يبدو أنها تنحصر حاليًا في لبنان وسوريا، لتبرر جرائم في حق الكرامة الإنسانية، تساير، في أغلب الأحيان، الجهة المسيطرة في البلدين، ما يشجع عناصر، من رتب مختلفة، ومؤسسات أمنية عدة، على محاولة شفاء أحقاد جماعات بذاتها، تبرر لنفسها إعتداءات لا يبررها قانون ولا شرع.
ليست المرة الأولى التي يموت فيها موقوف داخل السجون اللبنانية بسبب التعذيب، ولن تكون الأخيرة، فقد سبق أن حصلت حالات وفاة كثيرة جراء ذلك، لكن سرعان ما تتم لفلفتها وإهمالها ولا تتابع، ويقتصر رد الفعل الرسمي على بيان أسف من وزير الداخلية، ووعد بالتحقيق من وزير العدل. ومن يراجع “غوغل” ينبئه بوقائع صادمة، إذ لا يمرّ عام، وربما أقل، من دون فضح نهج التعذيب أو الإهمال في السجون اللبنانية عمومًا، ومن دون شنّ حملات اعتقال بالجملة، من عناوينها وفاة 3 سوريين في العام 2017 بعد يومين من توقيفهم إلى جانب 400 آخرين خلال عملية دهم قام بها الجيش اللبناني لمخيم للنازحين في منطقة عرسال، بتهمة الدعشنة. ولا يُنسى، في هذا المجال، ما أعقب اعتقال مئات الشباب في منطقة عبرا في صيدا، سنة 2013 بتهمة الإنتماء إلى مجموعة الشيخ بلال الأسير، ووفاة أحدهم بعد يومين من اعتقاله، تحت التعذيب والصعق الكهربائي.
لكن، أليس وجها من وجوه التعذيب الحال المعيشية للسجناء في لبنان عمومًا؟ فبشهادة المسؤولين وعائلات السجناء، ومن أمضوا فترات سجنهم، لا تتوافر “الإنسانية” في أيِّ وجه، وحتى بالحد الأدني، في السجون، وليست الإنهيارات المتنوعة في البلاد، ماليًا واقتصاديًا واجتماعيًا، هي السبب، فالحال في انهيار من الأساس، وليس الإكتظاظ إلّا وجهًا مُعلنًا لها، فمساحة السجناء الشخصية في سجن رومية تقل عن متر مربع واحد، وهي مساحة أقل بكثير من المساحة المخصصة من قبل اللجنة الدولية للصليب الأحمر والتي تبلغ 3.4 أمتار مربعة لكل سجين.ومن وجوه معاناة السجناء التمديدات الصحية، وسوء التغذية وانتشار المخدرات تحت مراقبة الحراس ومسؤولي السجون الذين يستفيدون منها بشكل مباشر.
ليس لبنان الدولة الوحيدة في العالم التي تشهد حالات مماثلة. الفارق أن لدى الغير قضاءً حقيقيًا، وديموقراطية تراقب الخطأ والجريمة وتعاقب، ولا تواطؤ بين طرفي العدالة، وإذا وُجد يقمعه الرأي العام.
كل ذلك لم ينفع، يومًا، في لبنان، كما لم تنفع توصيات اللجان المحلية، وفضحها للأجهزة المتورطة، وكذلك حال توصيات اللجان الدولية وكذا الأمم المتحدة.
عبد السلام ليس الأول، ولا دلائل إلى أنه سيكون الأخير. فلبنان اليوم بطل العالم في الفساد، وما حال السجون إلّا من أبوابه.
- راشد فايد هو كاتب، صحافي ومُحلّل سياسي لبناني. يُمكن متابعته عبر تويتر على: @RachedFayed
- يصدر هذا المقال في “أسواق العرب” (لندن) توازيًا مع صدوره في صحيفة “النهار” (بيروت).