هل يُمكِن لوليد جنبلاط “إنتاجَ” رئيسٍ مَقبولٍ من الجميع للبنان؟

مايكل يونغ*

من المتوقّع أن تُحدِثَ المصالحة السعودية-الإيرانية الأخيرة صدمةً إيجابية في لبنان، الذي يكافح برلمانه لانتخابِ رئيسٍ للجمهورية منذ تشرين الأول (أكتوبر) الفائت. ومع ذلك، لا تزال آليات التسوية غير واضحة. لكن، هناك أملٌ واحتمالات تتركّز على شخص واحد، الزعيم الدرزي وليد جنبلاط، الذي يمكنه القيام بدورٍ مهمٍّ للعثور على مرشّح يمكن أن يحظى بموافقة جميع الأطراف.

قبل أيام قليلة من توقيع الاتفاق السعودي-الإيراني في بكين، أعلنَ “حزب الله” رسميًا دعمه وتأييده لترشيح سليمان فرنجية لرئاسة الجمهورية. في وقت لاحق، اعتُبِرَت هذه الخطوة ذكية. ربما لأنه كان يعلم على الأرجح أنه سيتم التوقيع على الاتفاق، أدرك الحزب أنه من الضروري وجود مرشَّح في متناول اليد للتحضير للمفاوضات حول شخصية توافقية ستفرضها المصالحة على الأطراف اللبنانية.

مشكلة فرنجية ذات شقين: حتى الآن ليست لديه أغلبية في البرلمان تسمح له بالفوز في الانتخابات، وتُعارضه ثلاثة أحزاب مسيحية مارونية رئيسة، الأمر الذي يحرمه من أي شرعية مجتمعية، لأنَّ الرؤساء ينحدرون من الطائفة المارونية. حتى إذا كان من المحتمل أن يتم التصويت عليه في المنصب، فإن فترة ولايته ستكون مثيرة للجدل بسبب العداء من داخل مجتمعه.

وهذا الأمرُ يشير إلى أن فرنجية هو في الحقيقة ورقة مساومة للثنائي الشيعي، “حزب الله” و”حركة أمل”. لكن حتى الآن، يواصل كلاهما الإصرار على أنهما لن يتنازلا عن مرشحهما. بالنسبة إلى معظم الناس، هذه مجرّد حيلة للتأكد من أنَّ أيَّ مرشَّح بديل ينبغي أن يكون أقرب إلى المرشح الذي يفضله الطرفان. لكن ما هي الآلية التي ستؤدّي إلى مثل هذا الشخص؟

إذا رأى “حزب الله” و”أمل” أن فوز فرنجية بعيد المنال، فإن السيناريو الأكثر احتمالًا هو أنهما سُيعلنان ذلك لمرشحهما، وسيعلن فرنجية بدوره أنه ليس مُرَشَّحًا للرئاسة. في الواقع، لم يعلن فرنجية أبدًا عن ترشّحه رسميًا، وذلك على وجه التحديد لتجنّب الإذلال الناتج عن إجباره على التراجع على هذه الجبهة.

في هذه الحالة، سيبدأ البحث عن حلٍّ وسط، ويمكن لشخصيتين أن تلعبا دورًا في ذلك: وليد جنبلاط ورئيس مجلس النواب/رئيس “حركة أمل”  نبيه بري، الذي سيكون نفوذه في المجلس التشريعي ضروريًا لحشد الكتل البرلمانية إلى شخصية حلٍّ وسط.

في أوائل شباط (فبراير)، بدأ جنبلاط اتصالات للعثور على مرشح يمكنه أن ينال رضا وموافقة الكتل البرلمانية المتنافسة. بدأ جهوده بالاجتماع مع وفد من “حزب الله”، ربما لفهم موقف الحزب. كما بدأ في إبعاد المرشحين الذين قد يعتبرهم “حزب الله” أو خصومه السياسيون استفزازيين.

كما اقترح جنبلاط أسماء العديد من المرشحين الموارنة الذين يتناسبون مع الملف الشخصي الذي يعتقد أنه يمكن أن ينال موافقة الكتل المعارضة. من خلال القيام بذلك، نصّب الزعيم الدرزي نفسه على أنه صانع الرؤساء، ولكنه أيضًا شخص لديه اتصالات محلية وإقليمية ودولية لمساعدة القابلة على إيجاد حل. وهذا أعاده إلى خضم الرئاسة.

البُعدُ الإقليمي والدولي لا يستهان به في اختيار الرئيس. لقد أوضحت المملكة العربية السعودية، عبر سفيرها في بيروت، وليد البخاري، أن المملكة لن تُرحّب بفرنجية. ويقال إن الفرنسيين، بدورهم، دعموا ترشيحه، على افتراض أن “حزب الله” يجب أن يكون راضيًا. ومع ذلك، فإن جنبلاط، الذي على ما يبدو يتفق مع السعوديين، صرّح بأن فرنجية لن يُنظر إليه على أنه شخصية مُوَحِّدة. منذ ذلك الحين، وردت أنباء غير مؤكدة في بيروت عن أن باريس غيّرت موقفها وصارت تميل إلى الاتجاه عينه.

إن اهتمام جنبلاط بالتوصل إلى حلٍّ وسط ينبع من علاقته بالطائفة المارونية. جُزءٌ كبير من الناخبين في المناطق الواقعة تحت نفوذ الزعيم الدرزي هم من الموارنة، ويسعى جنبلاط دائمًا إلى ضمان أن المجتمع لن ينقلب ضده، لأنه قد يهدد قيادته التقليدية.

عادة، هيمن جنبلاط على الانتخابات في منطقته الجغرافية، الشوف، من خلال التلاعب بالناخبين المسيحيين ضد الناخبين السنة – كل منهم لديه ثلث الأصوات، إلى جانب الناخبين الدروز، الذين يدعمون زعيمهم إلى حد كبير. ومع ذلك، اليوم، مع وجود المجتمع السني في حالة من الفوضى، فإن جنبلاط لديه قدر أقل من اليقين حول كيفية تصويت السنة والمسيحيين، لذلك فهو يريد التأكد من أن أي رئيس ماروني جديد لن يحاول قلب الناخبين المسيحيين ضد مرشحي جنبلاط.

إن أولوية جنبلاط اليوم هي قبل كل شيء ترسيخ قيادة ابنه تيمور، الذي تولى منصب الزعيم الدرزي في البرلمان. لذلك، إذا كان بإمكانه المساعدة على التوسط في تسوية بشأن الرئاسة، فإن هذا من شأنه أن يعزز إلى حد كبير موقع جنبلاط في ظل أي ولاية رئاسية جديدة، وبالتالي يعزز مكانة جنبلاط الأصغر.

الزعيم الدرزي هو سياسي متمرس ومًحنّك وقارئ ذكي للمشهد السياسي اللبناني، يعرف كيف يستغل انفتاحاته. عندما قدم مبادرته قبل أسابيع، أراد أن يبعث برسالة، ليست للمرة الأولى، أنه بالنظر إلى حقيقة أن كتلته تتمتع بالتوازن (ويمكن ان تكون بيضة القبان) في البرلمان فعليًا، يجب أن يمر أي حل عبره.

يمثل جنبلاط مجتمعًا قد لا يتجاوز 200,000 شخص. لذلك فإن الضرب فوق وزنه ضرورة ليبقى الزعيم الدرزي ذا صلة. حتى الآن، نجح إلى حد كبير في القيام بذلك.

  • مايكل يونغ هو رئيس تحرير “ديوان”، مُدوّنة برنامج كارنيغي الشرق الأوسط، بيروت، وكاتب رأي في صحيفة “ذا ناشيونال” الإماراتية. يُمكن متابعته عبر تويتر على:  @BeirutCalling
  • كُتِبَ هذا المقال بالإنكليزية وعرّبه قسم الدراسات والأبحاث في “أسواق العرب”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى